تنزانيا أو سلطنة زنجبار الإسلامية (2)مقالات


حكم البوسعيديين "زنجبار":

استلم الفرع الأصغر من سلالة البوسعيد حُكْم زنجبار، وتلقبوا بلقب "سلطان زنجبار"، وكان أولهم السلطان "ماجد بن سعيد" الذي استقل بحكم "زنجبار" عام 1856 م واستمر حكمه حتى عام 1870 م، وقد نازعه أخوه "برغش بن سعيد" على العرش، فتم نفيه لمومباي ثم عاد "برغش" ليحكم خلفًا لأخيه من عام 1870 م وحتى عام 1888 م، وله إصلاحات عظيمة في "زنجبار"، وقد ساعد على إنهاء تجارة الرق في "زنجبار"، ثم خلفه أخوه "خليفة بن سعيد" وحكم عامين من سنة 1888 م وحتى 1890 م، ليخلفه "علي بن سعيد" سنة 1890 م وحتى 1893 م، والذي في عهده استولت بريطانيا على "زنجبار" وأعلنتها محمية بريطانية، ليعقبه "حمد بن ثويني" والذي حكم فيما بين 1893 - 1896 م، فـ"خالد بن برغش" الذي دخل في حرب سريعة مع بريطانيا انتهت بهزيمته، وتولى برضاء بريطانيا "حمود بن حمد" فيما بين 1896 - 1902 م، فـ"علي بن حمود" فيما بين 1902-1911، فصهره "خليفة بن حارب" فيما بين  1911-1960 م، ثم أعقبه ابنه "عبد الله بن خليفة" فيما بين 1960 وحتى 1963 م، وكان آخر سلاطين البوسعيد "جمشيد بن عبد الله" الذي خُلِعَ عن عرشه عام 1964 م، وأعلن استقلال زنجبار عن بريطانيا، لتعلن "زنجبار" نفسها جمهورية مع "تنجانيقا" ويتحدا تحت اسم "تنزانيا" الحالية.

 

رخاء اقتصادي ومركز تِجاري هام:

تحولت زنجبار إلى المركز الرئيسي للتجارة في شرق إفريقيا، وساهم "البوسعيديون" في تشكيل المجتمع المسلم في "زنجبار" وما جاورها من الإمارات، ومن أهم ملامح الحكم الإسلامي لتلك المنطقة على يد أسرة "البوسعيد" ما يلي:

• صادف السلطان سعيد في هذه الجزيرة مجتمعًا جديدًا أو على الأصح ساهم هو في تكوين هذا المجتمع، فقبل عهد السلطان سعيد كان معظم سكان الجزيرة يتكونون من الجماعات السواحلية المنحدرين من أصل زنجي، ولكن في ظل الدولة الجديدة وفدت قبائل العرب بأعداد كبيرة بغرض الإقامة وامتلاك الأراضي والاتجار مع زنجبار، إلى جانب انتشار العنصر الهندي، وانتشار الفرس من "شيراز".

• كان أهالي زنجبار يحبون التجارة بطبيعتهم، ولكن في عهد السلطان سعيد ازداد اهتمامهم بها بعد أن دخلت الزراعة في المجال التجاري؛ ذلك أن السلطان سعيد عمل جاهدًا للانتفاع بخصوبة زنجبار، فشجع زراعة أشجار القرنفل فيها على نطاق واسع، فكان يُرغِّب مُلّاك الأراضي العرب في زراعته، وما ذاك إلا لاستغلال محصول القرنفل وزيته كمورد اقتصادي هامّ للبلاد[1]، ولم يقتصر تشجيع السلطان سعيد على زراعة القرنفل بل شجّع التجار العرب على مغادرة زنجبار كل عام إلى أنحاء إفريقيا للحصول على العاج والرقيق لما في ذلك من موارد اقتصادية عظيمة، وبمرور الوقت كثرت قوافل زنجبار حتى كونت لها مراكز تجارية في مختلف أرجاء القارة الإفريقية، هذا ولم يقتصر وصول تجارة زنجبار وتجارها العرب على إفريقيا، بل تعدّاها إلى القارة الآسيوية، فقد ذكر "جوبينو" أن تجارة مسقط وشرق إفريقيا وصلت إلى موانئ الصين وإلى سواحل شبه الجزيرة العربية والهند[2].

• أصبحت زنجبار مستودعًا هائلًا تخزن فيها البضائع التي تأتي من جميع أنحاء إفريقيا ومنها تُوزّع على التُّجار العرب الذين يحملونها إلى آسيا كما ينقلها التجار الأوربيون والأمريكيون إلى بلادهم.

• عمل السلطان سعيد على ضرب عملة نحاسية إلى جانب العملة الفضية الموجودة مثل الريال النمساوي المعروف بريال (ماريا تريزا) بالإضافة إلى العملة الإسبانية، ثم عمل على تبسيط النظام الجمركي بفرض ضريبة موحّدة مقدارها (5%) على تجارة الوارد، دون تجارة الصادر على جميع أنحاء السلطنة، والواقع أنه كان من أثر الاهتمام بالتجارة والاستفادة من النشاط التجاري بوجه عام أن تضاعفت إيرادات السيد سعيد الإفريقية عشر مرات؛ مما أدى إلى تطور مدينة زنجبار من قرية صغيرة لصيد الأسماك لتصبح الميناء الرئيسي على سواحل المحيط الهندي الغربية وأكبر مستودع للتجارة الإفريقية الآسيوية.

• نتيجة للثراء الاقتصادي الذي كانت عليه السلطنة بادرت الدول الكبرى لإبرام اتفاقيات التعاون معها، ففي عام 1249 هـ / ۱۸۳۳ م أبرمت "زنجبار" معاهدة صداقة وتجارة بين عمان والولايات المتحدة الأمريكية وذلك خلال رئاسة الرئيس الأمريكي "أندرو جاكسون" وكانت تلك المعاهدة أول اتفاق يُوقّعه حاكم من حكّام الخليج مع قوة دولية كبرى، ولما أشيع أن السلطان سعيد عرض على الأمريكيين في تلك المعاهدة حقوقًا خاصة لإقامة منشآت تجارية في أنحاء متفرقة من ممتلكاته الإفريقية بما فيها زنجبار، وفي المقابل تقدم له أمريكا مساعدة مسلحة للاستيلاء على "ممباسا"، كان من الطبيعي بعد ذلك أن تتحرك بريطانيا لمواجهة المنافسة الأمريكية فأرسلت الكابتن "هارت" لعقد معاهدة تجارية مماثلة للمعاهدة الأمريكية العمانية وقد تم ذلك عام 1255 هـ / ۱۸۳۹ م.

وفي نفس العام قام السلطان سعيد بتوقيع اتفاقية مع فرنسا بنفس المضمون، وبذلك أصبحت زنجبار من أكبر القوى الدبلوماسية والتجارية في العالم.

• صوَّرَ التاجر الأمريكي المفوض لحكومته "أدموند روبرتس" قوة السيد سعيد وقتها بقوله: "إن السلطان سعيد يمتلك قوة بحرية أكثر كفاءة من كل القوى البحرية للأمراء الوطنيين مجتمعين من رأس الرجاء الصالح حتى اليابان، وموارده أكثر مما يكفي احتياجاته وهي مستمدة من التجارة؛ حيث يملك هو نفسه عددًا كبيرًا من السفن التجارية، ومن الرسوم الجمركية على البضائع الأجنبية، ومن أموال الجزية والهدايا التي يتلقاها من أمراء مختلفين؛ مما كان يُدِرُّ عليه مبلغًا كبيرًا كل عام[3].

 

خلاصة لما تقدم:

دخل الإسلام أرض زنجبار وتنجانيقا، أو ما تسمى تنزانيا في القرن الأول الهجري؛ حيث وفد إليها العرب العُمانيُّون، وسيطروا عليها لِما يقرُبُ من ألف عام بعد تمكُّنهم من طرد البرتغاليين من سواحل المحيط الهندي، ولعب التُّجار المسلمون الدورَ الأهم في نشر الإسلام في شرق إفريقيا، وشهدت الدعوةُ الإسلامية طفرات مهمة مع الإعلان عن تأسيس مملكة زنجبار، ولم يكن العربُ وحدهم في مجال الدعوة الإسلامية؛ حيث وصل للمملكة عشرات الآلاف من الهنود العاملين في مجال التجارة؛ مما أسهم في خَلْق حالة من الرواج الاقتصادي، وسيطر الحكَّام العُمانيُّون لمدد طويلة، حتى وقعت البلاد تحت سيطرة الاحتلال البريطاني الساعي بقوة لتمزيق زنجبار، وإجبارِها على التحالف مع تنجانيقا، وخَلْقِ أمرٍ واقعٍ يكرس هيمنة الأقلية النصرانية على الأوضاع في تنزانيا الجديدة[4].

 

• عرَف التجار العرب زنجبار وتنجانيقا (تنزانيا الحالية) منذ القرن الأول الهجري، والتجأ إليها حكام عمان وقت الاضطرابات؛ لبعدها النسبي، وكثرة الثروات الطبيعية بها.

• استعمر البرتغاليون إمارات الساحل الشرقي لإفريقيا ومن ضمنها "زنجبار" بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.

• طرد "البوسعيديون" حكام عمان البرتغاليين من سواحل المحيط الهندي، وسيطروا على "زنجبار" لِما يقرُبُ من ألف عام، وأسسوا بها سلطنة مسلمة زاهرة.

•  استطاع السيد "سعيد بن سلطان" تطوير مدينة زنجبار من قرية صغيرة لصيد الأسماك لتصبح الميناء الرئيسي على سواحل المحيط الهندي الغربية وأكبر مستودع للتجارة الإفريقية الآسيوية.

 

 

[1] تنزانيا، محمود شاكر السوري، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 1391 هـ - 1971 م، صـ80.

[2] التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية (1248-1308 هـ/ 1832-1890 م)، فاطمة السيد علي سباك، رسالة ماجستير، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1409 هـ - 1989 م، صـ59.

[3] التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية (1248-1308 هـ/ 1832-1890 م)، فاطمة السيد علي سباك، صـ57.

[4]  حوار مع الداعية الإسلامي التنزاني الشيخ إسماعيل محمد سالم، قام به: السيد عبد الرحمن، شبكة الألوكة، 29/ 3/ 2015 م.