الإسلام في أوغندا.. تحديات وصراعات وبقاءمقالات

مجلة الكوثر

المصدر: مجلة الكوثر، العدد 16، السنة الثانية، ذو الحجة - ذو القعدة 1421هـ، فبراير 2001م.

 

التجار:

يقول محاضر مسلم في جامعة ماكيرير في أطروحته "المجتمع المسلم في أوغندا": "إن وصول الإسلام إلى شمالي أوغندا حدث في نفس الوقت الذي وصل فيه إلى بوغندا أو بعدها بقليل، فبعد وفاة والي مصر محمد علي في العام 1849، أخذ الاحتكار الحكومي للتجارة في المناطق المحيطة بنهر النيل في التراخي".

وقد ارتحل التجار المغامرون عبر السودان ووصلوا جنوبًا إلى آكولي، ولانجو، وبونيورو والنيل الغربي في شمال أوغندا بحثًا عن العاج والعبيد، لكن تأثيرهم كان أقل مما كان مفترضًا لأن هؤلاء كانوا تجارًا ولم يصلوا إلى هناك لكي يبشروا بالإسلام، لكن أسلوب حياتهم الإسلامية أثر في السكان المحليين، وجعلهم يعتنقون الإسلام.

أما بقية أجزاء أوغندا فلم يصل الإسلام إليها أبدًا حتى أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما حورب مسلمو أواسط أوغندا وهزموا وأجبروا على الهجرة إلى شرقي وغربي البلاد، وبالتالي -ونظرًا للحقائق المذكورة أعلاه- فإنه لا يمكن الزعم أن هناك سَنة معينة يمكن القول إن الإسلام وصل فيها إلى أوغندا كبلد.

وكان الإسلام يهيمن تمامًا على المنطقة الوسطى في أوغندا، وتحديدًا وسط قبائل بوغندا على مدى أربعين عامًا إلى أن وصلت إلى المنطقة من إنجلترا جمعية التبشير الكينية.

وقامت هذه الجمعية مدعومة من الحكومة الاستعمارية، بتغيير المناخ الديني في المنطقة تغيرًا كبيرًا، الأمر الذي أفضى إلى عنف أسفر عن عمليات قتل كثيرة، وأجبر المسلمين على الهجرة من المنطقة.

الملك والإسلام:

ويقال إن الملك موتيزا الأول يحب الإسلام إلى حد أنه كان صارمًا جدًا مع كل من كان يسخر منه من رعاياه، وكان على كل رؤساء القبائل التابعين له أن يقولوا: (بسم الله الرحمن الرحيم) كلما قابلوه، وكان يعاقب كل من لا يفعل ذلك.

وقد أدى وصول الإسلام إلى تغيير شخصية الملك ورؤساء القبائل ونمط حياتهم، ويقال إن سوونا ملك بوغندا كان طاغية يقتل الناس بلا تمييز، لكنه تغير تمامًا عندما علم أن الله الواحد الأحد هو صاحب الكلمة العليا في الحياة والموت، وأنه هو المتصرف في حياة الناس.

وقد قام الملك موتيزا الأول، الذي خلف الملك سوونا، ببناء أول مسجد في منطقة أواسط أوغندا في منطقة اسمها كاسوبي، نبولاجالا بالقرب من قصره، وبنيت لاحقًا مساجد أخرى في أنحاء مختلفة غير أن قدوم المسيحية في العام 1877 أثر على هيمنة الإسلام، فقد فرض رجال جمعية التنصير الكنيسة نفوذهم على الملك موتيزا ورسخوا أنفسهم في المنطقة جيدًا، وعندما أيدتهم الإدارة الاستعمارية في نشر المسيحية في البلاد وزعزعة وضع الإسلام، شيدوا مقرهم الرئيسي في منجو، حيث أقاموا مستشفى أيضًا، وتم توفير الأموال كذلك لبناء كنيسة في ناميرمب.

وكان إيمان موتيزا بالإسلام قد تزعزع، وعندما حانت لحظة وفاته لم يكن لأحد أن يجزم ما إذا كان مسلمًا أم مسيحيًّا، والواقع أن بعض رعاياه بدؤوا يتساءلون عن سلطاته على المسلمين بعد رفضه عملية الختان، لأن التقاليد لم تكن تسمح بأن يراق دم الملك. ولقد كان موتيزا رجلًا داعية متحمسًا للإسلام، إلى أن طلب من خديوي مصر أن يمده بعلماء، فأرسل إليه اثنين من الأزهريين فأثارا مشكلة عدم ختانه مما يجعله غير مؤهل للإمامة في الصلاة، وقد أطفأت هذه الفتنة حماس الملك للإسلام ومن ثم ترك الدعوة إليه، وسمح للجمعيات النصرانية بالعمل في المنطقة ونشر المسيحية.

وصول المسيحية:

وقد أدى قدوم المسيحية إلى حالة من الفوضى أسفرت عن حوادث قتل، وفي العام 1888 تقاتل المسلمون والمسيحيون للسيطرة على السلطة في بوغندا، وفي 12 أكتوبر 1888 هزم المسلمون المسيحيين بعد قتال مرير فهربوا إلى غربي بوغندا، غير أنهم عبؤوا أنفسهم وعادوا ليقتلوا مسلمين كثيرين، وأجبروهم على الهجرة بعد أن فقدوا السلطة.

وفي العام 1893 ثار المسلمون مجددًا ضد سوء المعاملة، لكن النتائج كانت كارثية، فبعد قمع الثائرين عاد المسيحيون ثانية لقتل أطفال ونساء المسلمين وحرقوا الكثير من التجار العرب في بيوتهم بعد أن أغلقوا الأبواب عليهم وأجبروا الناجين من المذابح على الهروب إلى أجزاء أخرى من البلاد وإلى خارجها، وقد لجأ بعضهم إلى الكونغو وتنزانيا وقالوا إنهم لن يعودوا ثانية ليحكمهم الكفار، ويقول البروفيسور كاسوزي في كتابه "حياة الأمير بدر كاكونجولو" إنه منذ العام 1900 وحتى العام 1921 كان المسلمون أقلية صغيرة ومحتقرة وأمية وفقيرة، لم تستطع التأثير على صياغة السياسة الاجتماعية، ولم تؤثر أبدًا على صياغة القوانين أو على صياغة السياسة العامة أو أسلوب إدارة الاقتصاد في الأرض التي ولدوا عليها، وأصبحوا جزءًا مهمشًا في بوغندا، وفي المجتمع الأوغندي.

تحديات:

واختزل وجود المسلمين في مهنتين هما قطع الأشجار واستخراج المياه، أما من كان يتحول إلى الإسلام فلم يكن له أن يحلم بمكانة له أو قيمة في المجتمع، وفي الجزء الشمالي من البلاد كانوا يسحبون الجنسية من كل من يعتنق الإسلام.

ورغم كل هذه المضايقات بقي المسلمون متمسكين بدينهم وبممارسة شعائرهم الدينية، واستمر غير المسلمين أيضًا في اعتناق الإسلام، وفي ظل هذه الفترة العصيبة تحول إلى الإسلام أو مفت في أوغندا، وهو المفتي الراحل سويبو سيماكولا، وكان غير المسلمين يحصلون على الإعانات من الخارج، بينما لم يسمح للمسلمين بذلك إلا بعد سنوات طويلة.

وكان الوزير الأوغندي السابق أبو بكر مايانجا قد ألقى كلمة أمام جمعية في ماكريري بمناسبة عيد الفطر العام 1964 قال فيها: "في أيام الاستعمار لم يكن يحق للمسلمين الاتصال بالأصدقاء في الخارج، وكانت مصر والجزائر مستعمرتين، ولم تكن باكستان موجودة أصلًا، وكانت تركيا تتعرض للتفكيك، وكان المسيحيون يطلبون الرجال والمال من أوروبا وأمريكا لبناء المدارس لهم، ليستفيدوا من خدمات أقرانهم البيض في الحكومة، ولكي يعلموهم العلوم ويدربوهم على استخدام الأجهزة الحديثة، بينما كتب على المسلمين أن يعملوا كجزارين أو سائقي شاحنات".

وكان المستعمرون يعلمون جيدًا أهمية التعليم الحاسمة لتطوير المجتمع، لذا حرموا المسلمين منه، وكانوا يحترمون مطالبة المسيحيين بالتعليم، بينما كانوا يتجاهلون مطالبة المسلمين أو يقمعونها، ورغم وصول الإسلام إلى أوغندا مبكرًا فإن افتتاح أول مدرسة إسلامية لم يحدث إلا في العام 1939، أي بعد 99 عامًا من وصول الإسلام إلى هناك، وفي ذلك الوقت كان المسيحيون قد شيدوا بتمويل حكومي، مدارس جيدة جدًا استمرت تقدم خدماتها للمسلمين أكثر من ثلاثين عامًا.

ويقول أكاديمي بارز في جامعة أوغندا: "إن كل الدعم المالي الحكومي للتعليم كان يرسل عبر البعثات التبشيرية، التي كانت تستخدمه بالطبع لدعم مدارسها المسيحية، وهكذا كان يتم تجاهل المسلمين عندما كان الأمر يتعلق بالدعم الحكومي للتعليم".

وكان الحاكم الاستعماري لأوغندا قد اقترح في العام 1905 بناء مدرسة للمسلمين، لكنه وجد معارضة من تاكر كبير الأساقفة، الذي قال إن الدعم الحكومي يجب أن يذهب إلى المدارس المسيحية، والواقع أن خليفته كبير الأساقفة ويليس قال صراحة إنه ليس من المعقول أن تشيد الحكومة مدارس للمسلمين.

والحقيقة أن الافتقار إلى التعليم قد أثر سلبًا على تقدم المسلمين في أوغندا، فلم يكن يسمح لهم بتولي الوظائف المهمة، وكان نصيبهم الأعمال الدنيا مثل البيع في الأسواق، وقيادة سيارات التاكسي والجزارة وغيرها من المهن المتواضعة.

المسلمون اليوم:

لكن في وقت لاحق أخذ الوضع في التغير عندما بدأ المسلمون في إقامة مدارسهم بمواردهم الذاتية، وبدعم من المنظمات الإسلامية غير الحكومية، واليوم يبدو وضع المسلمين مختلفًا إلى حدٍ ما، مع بناء عدد من المدارس الجديدة ومع تطوير المدارس القائمة، رغم أن الفجوة لا تزال كبيرة بين المسيحيين والمسلمين.

ويتقدم المسلمون في أوغندا خطوات إلى الأمام، وقد حققوا الكثير في التعليم والمجالات الاقتصادية، لكن انجازهم الأكبر هو النجاح في الاستمرار في البقاء رغم الظروف المعاكسة، والأعمال العدائية، والمحاكمات الجائرة، والتهميش والمحن والقتل الجماعي.

واستمر المسلمون أيضًا في الزيادة العددية، وواصل غير المسلمين دخول الإسلام، حتى إن العدد الإجمالي للمسلمين في أوغندا اليوم أصبح يتجاوز الثلاثين في المائة من إجمالي عدد السكان، كما أخذ عدد المدارس الإسلامية في الازدياد.

ففي العام 1994 أصبح لدى المسلمين 1015 مدرسة ابتدائية، و101 مدرسة ثانوية، وكُلّيتان تقنيتان وجامعة، وانطوى هذا ليس فقط على تشييد المباني، بل أيضًا على تخريج المزيد من الأكاديميين، وفي العام 1964 كان هناك فقط خريجان مسلمان، لكن عددهم اليوم أصبح هائلًا، وهناك الآن 200 مسلم يحملون درجة الماجستير، وخمسون يحملون درجة الدكتوراه والأستاذية، وارتفعت أيضًا نسبة معرفة القراءة والكتابة بين المسلمين، فقد بين إحصاء العام 1991 أن هذه النسبة قد بلغت 59% وهي الأعلى مقارنة بكل الأديان والعقائد الأخرى رغم كل ما يتوفر للديانات الأخرى من ظروف ملائمة.

يلعب المسلمون دورًا مهمًا في تطوير البلاد، ويحتلون أيضًا العديد من المناصب الحساسة، فرئيس البرلمان في إقليم بوغندا مسلم واسمه الشيخ علي كولومبا، والنائب الثالث لرئيس مجلس الوزراء هو المسلم موسى علي، وآخرون كثيرون.

وشيدت مراكز صحية إسلامية تقدم خدماتها ليس للمسلمين فقط، بل لمجمل المجتمع الأوغندي، وتشير البحوث التي أجراها صحفيون مسلمون للعام الثاني على التوالي إلى أن الشبان المسلمين يلتزمون بدينهم أكثر من الشبان المسيحيين، ولم يعد اليوم وضع الحجاب يخجل الفتيات المسلمات.

ورغم تحقيق الكثير، فإن هناك حاجة ماسة إلى تحقيق المزيد، خاصة فيما يتعلق بدعم الشبان من أجل تعريفهم بدينهم على الوجه الصحيح.