• ظل الإسلام في أوغندا أمينًا طليقًا ذا نفوذ بين الزعامات من وقت دخوله أوغندا سنة 1844 م حتى وصول النصارى، ولما وصلت النصرانية استعمرت بريطانيا أوغندا. • عملت الزعامات القبلية جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع المنصرين الأوروبيين في محاربة الإسلام، وقتل القيادات المسلمة رغبة في إنهاء الوجود الإسلامي ببوغندا، ونجحوا في ذلك. • تقلص عدد المسلمين بأوغندا من 40 % حتى وصل إلى 12% مع موجات التنصير والتغريب المستمرة للشعب المسلم. • شهد العصر الحديث رجوع كثير من الشباب الأوغندي إلى الإسلام، والتحول من النصرانية بفضل الجهود الدعوية الفردية. • تظل أوغندا في مهب رياح التغيرات السياسية، ودور الحكام يظل محوريًّا في الاتجاه السائد للدولة في مواجهة الدين! |
ممالك شرق إفريقيا:
انتشر الإسلام في "أوغندا" ضمن حركة المد الإسلامي في "الساحل الشرقي" لإفريقيا؛ حيث مثلت تلك المنطقة مظاهر ثقافة إسلامية حضارية ذات قواسم مشتركة تمثلت في عدة مظاهر؛ منها: وقوعها في منطقة التلاقي بين جزيرة العرب وإفريقيا، وكانت "اللغة السواحلية" بين دولها لغة مشتركة، بل جاوزت تلك المملكة إلى العمق الإفريقي في دول وسط القارة، إلى جانب إنشاء المسلمين مراكز إسلامية حضارية عريقة في تلك الممالك عرفت بممالك "الزيلع" الإسلامية أو "ممالك الطراز الإسلامي[1]"[2]، وللأسف فقد مُني المسلمون في بلاد شرق إفريقيا باضطرابات سياسية واجتماعية عنيفة أثرت في الكيان الحضاري للمسلمين وهدَّدت وجودهم[3].
مراحل المد الإسلامي لأوغندا:
إن أول الأراضي الأوغندية التي دخلها الإسلام مملكة "بوغندا"؛ حيث توغل في أرض البوغاندا من (1844 - 1875) عبر مرحلتين:
الأولى: كانت الدعوة الإسلامية حذرة، وهي مرحلة تمثلها فترة حكم "سونا الثاني" (1844-1854 م) وعلى الرغم من أن الإسلام لم يكسب الكثير من المعتنقين في هذه المرحلة، إلا أنه نجح في فتح عيون المحليين لوجود مفاهيم دينية أجنبية تتفوق على ما عندهم من مفاهيم، إلى جانب غرس الفهم القاضي بأن هناك ذاتًا أخرى أعظم شأنًا من الكباكا "الملك"، وخلق بذلك ثورة نفسية مكنت الذهن المحلي من سماع المعتقدات الدينية الأجنبية ثم قبولها فيما بعد[4].
أما المرحلة الثانية التي أعقبت مرحلة الدعوة الحذرة: فهي مرحلة العصر الذهبي للإسلام في بوغندا (1862- 1875 م)، فترة حكم الملك "موكابيا موتيسا"، هذا العهد وصل الإسلام فيه إلى مجده في البلاد؛ إذ جعله الحاكم دينًا رسميًّا للدولة، وأصدر قرارات يطلب فيها من جميع المواطنين التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية[5].
وإذا نظرنا إلى التاريخ الذي دخل فيه الإسلام أوغندا (1844 م)، والتاريخ الذي أعلن فيه دينًا رسميًّا للبلاد (1862 م) نجد أن الفترة بينهما لا تتعدى العقدين من الزمان.
وقد كان الإسلام يهيمن تمامًا على المنطقة الوسطى في أوغندا، وتحديدًا وسط قبائل "بوغندا" على مدى أربعين عامًا إلى أن وصلت إلى المنطقة من إنجلترا "جمعية الكنيسة التنصيرية" التي بدأت نشاطها في منطقة بحيرة "تنجانيقا" لا سيما بعد أن حصلت على وعد بمساعدات مالية مستمرة من "شركة البحيرات الإفريقية" African lakes Society[6].
ونجد أن الإداريين البريطانيين الذين احتلوا "أوغندا" (1885 - 1962 م) عملوا بكل جهد على منع المزيد من "الأسلمة" في أوغندا[7].
فقد دخل المبشرون إلى "أوغندا" في سنة 1876 م، وذلك عندما صرح ملكها "موتيسا" بارتياحه لاقتباس التربية الأوروبية؛ فتوجهت إليها إرساليات تبشيرية بروتستانتية ثم تبعتها إرساليات كاثوليكية، وقد وصل عدد المعاهد أو المراكز التبشيرية إلى 1010 مراكز، و147 مدرسة يتعلم فيها آلاف التلاميذ، وقد زاد هذا التدفق للبعثات التبشيرية من قوة النصارى وأضعف من قوة المسلمين، وقد كانت الإرساليات المسيحية هي جنود الطليعة للتوسع الاستعماري في أوغندا سنة 1894 م[8].
المسلمون في مهب رياح التنصير:
ظل الإسلام في أوغندا أمينًا طليقًا ذا نفوذٍ بين الزعامات من وقت دخوله أوغندا سنة 1844 م حتى وصول النصارى، ولما وصلت النصرانية أخذت تكيد للإسلام رغم التسامح والتعاون الذي أبداه المسلمون في بعض الأحيان[9]، عن طريق التحالف مع ملك مملكة "بوغندا": "موانغا" Mwanga خليفة أبيه الملك "موتيسا" Muteesa الذي بادر بالتخلص من ولاته المتدينين من المسلمين والنصارى المعتدلين بالبلاد، وقام بترحيلهم لإحدى الجزر في بحيرة فيكتوريا ونبذهم هناك دون طعام ولا مركب حتى يهلكوا جوعًا، وقام بفرض مجموعة من الإجراءات التعسفية على المسلمين؛ مما اضطر معه المسلمون جديًّا في التفكير في خلعه رغم تأييد المنصريين الأوروبيين ودعمهم له، ونجحوا في ذلك بمساعدة النصارى المحليين من أهل البلد الذين فور خلع الملك اختلفوا مع المسلمين حول هُوِيّة ومعتقد الملك الجديد، وأخيرًا بعد خلافات قاموا بتنصيب الأمير "كيويوا موتيبي" Kiwewa Mutebiالذي كان وثنيًّا، غير أن النصارى اعتبروا ذلك زيادة نفوذ للمسلمين، وقاموا بمطالبة المسلمين بالتخلي عن بعض المناصب في الدولة، ولما استفحل الأمر واجتمع الطرفان بدعوة الملك لتخفيف حدة النزاع، حدثت خيانة من أحد النصارى ويدعى "دونغو" Daungu وقام بقتل قائد جيش المسلمين ويدعى "لوبانغا" Lubanga وبهذا الاعتداء السافر بدأت الحرب بين المسلمين والنصارى على مراكز السلطة، وانتهت الحرب في البداية بانتصار المسلمين على النصارى، وكانت تلك هي الحرب الثانية التي يخوضها المسلمون ضد الكفار والمنصِّرين الأوروبيين سنة 1888 م.
وأراد المسلمون إبعاد المنصِّرين الأوروبيين من البلاد وطردهم تمامًا، فبدأت حرب ثالثة ضد المسلمين من جانب الأوروبيين بقيادة الملك "كيويوا موتيبي"Mutebi Kiwewa الذي قام بقتل اثنين من أشد وأهم رجال الإسلام غدرًا وهما "علي بوكولو" Bukulu و"كبالاغا" Kapalaga وحاول - أيضًا - قتل رئيس الوزراء المسلم الذي أنقذه المسلمون الذين أدركوا أنهم لم يعودوا بمأمن من الحكام والزعامات التي دُجِّنَت من قِبَل النصارى الأوروبيين، وأنهم لم يعد لهم من خيار سوى الجهاد، ورغم أن المسلمين نجحوا في بعض الأحيان في تعيين بعض الرؤساء المسلمين في الحكم كالأمير "نوح كاليما" Kalema وذلك في 12 ديسمبر عام 1888 م إلا أن الحروب التي أُوقِدَ فتيلُها لم تهدأ من ساعتها، واستمر المبشِّرون النصارى والتجار الأوروبيون مثل التاجر "ستوكس" Henry Stokes بمساعدة النصارى والوثنيين وإمدادهم بالمزيد من الأسلحة النارية والذخيرة لمحاولة إنهاء الوجود الإسلامي في "بوغندا" وطردهم خارج البلاد.
وقد انتهى الأمر بنجاح المنصرين في ذلك بعد تولية المسلمين الأمير "نوح امبوغو" Mboqo والد الأمير "بدر بن نوح ككونغولو" Kakungulu مؤلف كتاب "الناشرون للإسلام في أوغندا" زعيمًا عليهم، فخرج ليقاتل المسلمين المنصّر الأوروبي "لوجارد" Lugard من "كمبالا" Kampala وقام - بمساعدة النصارى - بهزيمة المسلمين في إبريل سنة 1891 م، وطردهم إلى "بونيورو" والممالك المجاورة، حيث تفرقوا، وكان ذلك سببًا في تفرُّق كلمتهم وجمعهم[10].
وكان "لوجارد" من قبل قد نجح في جعل الرئيس "موانغا" والزعماء المسيحيين يوقعون على معاهدة اعترفوا فيها بحماية "شركة شرق إفريقيا البريطانية" وسيادتها على أوغندا، وبموجب هذه المعاهدة تولت الشركة مسؤولية المحافظة على النظام والأمن في البلاد، وصار من حقها التدخل في شؤونها الداخلية، وكان لجهود المنصّرين الأثر الفعّال في تمكُّن بريطانيا من الحصول على أوغندا غنيمة باردة سنة 1894 م [11].
يقول البروفيسور "كاسوزي" في كتابه "حياة الأمير بدر كاكونجولو" إنه منذ عام 1900 وحتى عام 1921 م كان المسلمون أقلية صغيرة ومحتقرة وأمية وفقيرة، لم تستطع التأثير على صياغة السياسة الاجتماعية، ولم تؤثر أبدًا على صياغة القوانين أو على صياغة السياسة العامة أو أسلوب إدارة الاقتصاد في الأرض التي ولدوا عليها، وأصبحوا جزءًا مهمشًا في بوغندا، وفي المجتمع الأوغندي[12].
[1] ممالك الطراز السواحلية، هي نظم حكم إسلامية كانت قائمة في المناطق الساحلية من شرق إفريقيا في الفترة من حوالي عام 65-900 هـ / 680-1500 م، وكانت تسيطر على غالبية سواحل المحيط الهندي قبل اكتشاف الأوربيين لطريق رأس الرجاء الصالح.
[2] العلاقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة في العصور الوسطى، رجب محمد عبد الحليم، 1985 م، صـ 9.
[3] التَّعليم الإسلاميُّ بشرق إفريقيا.. أوغندا نموذجًا، د. آدم بمبا، مجلة قراءات إفريقية، العدد الثاني عشر، ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1433 هـ، إبريل- يونيو 2012 م، صـ42.
[4] قصة انتشار الإسلام في أوغندا، عبده كاسوزي، ترجمة عبد اللطيف سعيد، مركز البحوث والترجمة، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، دار جامعة إفريقيا العالمية للطباعة، 1995 م، صـ37.
[5] عوامل انتشار الإسلام وتراجعه في زمبابوي وأوغندا: دراسة مقارنة، د. الأمين أبو منقة محمد، من أوراق المؤتمر الدولي الإسلام في إفريقيا، منشورات جامعة إفريقيا العالمية، 1427 هـ- 2006م، صـ408.
[6] مقال "الإسلام في أوغندا.. تحديات وصراعات وبقاء"، مجلة الكوثر، العدد 16، السنة الثانية، ذو الحجة - ذو القعدة 1421 هـ، فبراير 2001 م.
[7] دور البعثات التبشيرية في التمهيد للاستعمار الأوروبي في أوغندا، أ. نادية سلاماني، مجلة الدراسات الإفريقية، العدد السادس، 2018، صـ2، 3.
[8] دور البعثات التبشيرية في التمهيد للاستعمار الأوروبي في أوغندا، أ. نادية سلاماني، مجلة الدراسات الإفريقية، العدد السادس، 2018، صـ9.
[9] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، رسالة دكتوراه، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، 1411 هـ - 1990 م، صـ248، 249.
[10] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، صـ254-256.
[11] دور البعثات التبشيرية في التمهيد للاستعمار الأوروبي في أوغندا، أ. نادية سلاماني، مجلة الدراسات الإفريقية، العدد السادس، 2018، صـ6 و9.
[12] مقال "الإسلام في أوغندا.. تحديات وصراعات وبقاء"، مجلة الكوثر، العدد 16، السنة الثانية، ذو الحجة - ذو القعدة 1421 هـ، فبراير 2001 م.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.