المصدر: شبكة الألوكة، 21/ 4/ 2010م.
رغم أن الدين الإسلامي الحنيف جاء في نهاية الرسالات السماوية التي بعثها الله عز وجل لهداية البشرية، وكان الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتماً للأنبياء جميعاً، إلا أن الدين الإسلامي كان أول دين سماوي يدخل دولة أوغندا.
فقد دخل الدين الإسلامي أوغندا عبر العديد من التجار المسلمين الوافدين من السودان ومصر، وذلك عام 1860 ميلادية؛ حيث كان التجار المسلمون يحملون البضائع والهدايا إلى ملوك القبائل الأوغندية بالإضافة إلى دورهم الدعوي إلى دين الله، وعرض الإسلام على كل من يتعامل معهم وعلى الملك داود الثاني ملك قبيلة «بوكندا» الذي أسلم وحسن إسلامه، ومنذ ذلك الحين أخذ الإسلام يشق طريقه بين القبائل الأوغندية، وقد أدت الحملة المصرية على منابع النيل في القرن التاسع عشر دوراً مهما في نشر الإسلام عبر إرسال العلماء إلى هناك للمشاركة في العمل الدعوي وهداية الأوغنديين، وقد حققت هذه البعثات نتائج إيجابية مهمة وانضوى عدد كبير من الأوغنديين تحت لواء الإسلام وأسست ممالك إسلامية عديدة.
وتعد أوغندا إحدى بلدان شرق أفريقيا، وبالتحديد منطقة البحيرات العظمى ويحدها من الشرق كينيا ومن الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية ومن الشمال السودان ومن الجنوب رواندا وبروندي، وكانت أوغندا من قبل حلما أسطوريا لكل المكتشفين والرحالة الذين انطلقوا بحثا عن منابع نهر النيل وعن بحيراتها الكثيرة وغاباتها الواسعة، ففيها بحيرة ألبرت وجورج وإدوار وفيكتوريا التي تعد المنبع الحقيقي لنهر النيل ولعل وفرة البحيرات والمعدل المتوسط لسقوط الأمطار كانا الضمان لأوغندا من عدم الجفاف والتصحر، فهي خضراء دائما بسبب موقعها المهم واعتدال أجوائها.
سياسة تهميش المسلمين:
ورغم أن الإسلام كان أول دين سماوي يدخل الأرض الأوغندية، حيث سبق الديانات النصرانية كما سبق الوثنية بعشرات السنوات، إلا أن الوسائل الخبيثة التي لجأ إليها الاستعمار في إشاعة الأمية في أوساط المسلمين وكذلك الفقر لدرجة أفقدتهم أي نفوذ في أوغندا رغم أنهم شكلوا الأغلبية لأوقات طويلة وبنسب كبيرة زادوا على معتنقي الديانة النصرانية والوثنيين على حـد سواء[1].
فقد عانى المسلمون في أوغندا في العقود الأخيرة، من حالات تهميش سياسي واقتصادي، فرغم أنهم كانوا يشكلون 40% من سكان البلاد، إلا أن هذه النسبة قد تراجعت إلى 30% ووصلت في عام 2003 إلى 16% فقط، فيما شكل الرومان الكاثوليك 33% والبروتستانت 33% وأصحاب المعتقدات المحلية 18% من مجموع السكان البالغ عددهم 26 مليوناً، أي أن عدد المسلمين يبلغ 4 ملايين نسمة فقط[2].
ولم يشهد المسلمون في أوغندا صعوداً سياسياً إلا في عهد الرئيس الأوغندي الراحل الجنرال عيدي أمين (1971 - 1979)، الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري على الرئيس الأوغندي حينذاك ميليون أبوتي، حيث عمل عيدي أمين خلال فترة حكمه التي استمرت ثمان سنوات على إعلاء شأن الإسلام والمسلمين في البلاد، بالحد من الحريات التي كانت تتمتع بها الإرساليات التنصيرية وقام بطرد البعثة الدبلوماسية الصهيونية من كمبالا، وألقى القبض على أفرادها وقرر انضمام أوغندا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وشن حرباً على الجماعات المرتدة مثل البهائية والقاديانية، التي عملت على إشعال الحرب بين أوغندا وتنزانيا مستعينة بمساعدات غربية لتنزانيا وقد انتهت تلك الحرب باندحار قوات عيدي وطرده من السلطة وعودة أبوتي إلى الحكم في عام 1979[3].
الطموح الإسلامي يقهر مخطط التنصير:
الأمر لا يتوقف عند التهميش السياسي والاقتصادي الذي يواجهه مسلمو أوغندا، حيث تواجههم حزمة أخرى من المشكلات، في مقدمتها الفقر والمرض والجهل والتخلف، بسبب تفشي الأمية، حيث بدأ التعليم على يد الإرساليات التنصيرية مما أدى لابتعاد الأغلبية العظمى من المسلمين عنها خوفاً على عقيدة أطفالهم الدينية، خصوصاً أن أوغندا قد شهدت طوال تاريخها موجات تنصيرية شديدة استهدفت مناطق المسلمين مستغلة الفقر والحاجة ومدت يدها إلى أهالي هذه المناطق عبر إنشاء المستشفيات والمدارس ورعاية الأيتام والجوعى بالتزامن مع وجود يهودي مكثف، خصوصاً أن الصهيونية العالمية لم تنس أن أوغندا كانت إحدى ثلاث بلدان اختارها وزير المستعمرات البريطاني تشمبرلين وطناً قومياً لليهود ولم يوافق عليها آنذاك.
وكان الاستعمار البريطاني لأوغندا (1885 - 1962) قد حرص - بكل أساليبه ووسائله - على عرقلة أي نشاط للحركة الإسلامية، وبخاصة في مجال التعليم، فالمسلمون في أوغندا يتركز معظمهم في الشمال المتصل بحدود السودان، ولما كان هناك إقبال من مسلمي أوغندا بالشمال على جامعة الخرطوم؛ أنشأ الاستعمار البريطاني في أوغندا جامعة (ماكريري) ليحول دون اتصال مسلمي أوغندا بالشمال، كما عهد إلى البعثات التنصيرية بالإشراف على التعليم لقطع الصلة بين المسلمين والثقافة الإسلامية، وكان وراء هذا العمل مخططات مجلس الكنائس العالمي الذي يتمتع بموارد مالية هائلة، ولم تقف المحاولات عند هذا الحد بل إن السلطات البريطانية أخذت في هدم المدارس الإسلامية وإغلاقها.
ولنا أن نعلم أن عدد المدارس الثانوية التي تمتلكها الهيئات التنصيرية قبيل الاستقلال بلغ 282 مدرسة، بينما كان عدد المدارس الإسلامية 18 مدرسة فقط، وحتى بعد الاستقلال ظل الوضع على ما هو عليه، وازداد اضطهاد المسلمين؛ لأن الحكومة الوطنية التي حكمت البلاد كانت من صنيعة الاستعمار؛ إذ نشأ أعضاؤها بين أحضانه، ولا يمكن تجاهل أن الاستعمار الصليبي في إفريقية قد عمل على أن تكون السلطة الحقيقية للمؤسسات التنصيرية العاملة في أوغندا لأهميتها الجغرافية الإستراتيجية لأنها من منابع النيل.
لكنه.. ورغم المناخ المهيأ للجماعات التنصيرية في أوغندا، إلا أن النتائج التي حققتها لا تقاس بقدر النفقات التي أنفقت عليها، فالمسلمون في أوغندا تحدوا كل الظروف وما زالوا متمسكين بدينهم، ناهيك عن أن أوغندا تعد من أكثر الدول التي يقبل فيها الوثنيون على اعتناق الإسلام يومياً؛ مما أسهم في تنامي نفوذ المسلمين لدرجة أنهم أوعزوا إلى البرلمان الأوغندي، الذي يضم 35 عضواً مسلماً من جملة أعضائه الـ 308، ليتبنى تغييراً في قوانين الأحوال الشخصية.
وقد شجعت هذه الخطوة المسلمين على الشعور بأهميتهم في المجتمع وضرورة استغلال هذا الدور في انتزاع تنازلات من الحكومة وزيادة نصيب المسلمين في التشكيلة الوزارية التي يشغل المسلمون 3 مناصب وزارية فيها، ووصل الطموح الإسلامي في الدعوة التي أطلقها مفتي أوغندا الشيخ شعبان رمضان مجي، والتي طالب فيها بحق المسلمين في الحصول على منصب نائب رئيس الجمهورية ونقل هذا الطلب إلى الرئيس موسيفيني الذي رحب به مما يدلل على أن المسلمين في أوغندا قد بدؤوا ينفضون غبار الماضي ليستعدوا للحصول على حقوق توازي أعدادهم.
ويراهن مسلمو أوغندا في ذلك على ضرورة وجود دعم إسلامي لجمهورهم لاستعادة وزنهم السياسي والاقتصادي، الذي شهد في الفترة الأخيرة تصاعداً نتيجة تراجع نسبة الأمية في صفوفهم وتمكين المسلمين من ممارسة أنشطة اقتصادية وتجارية وإيجاد بعض المنظمات الإغاثية الإسلامية، التي ما زالت تعمل في البلاد وتدعم بناء المساجد والمدارس والمؤسسات الإسلامية، غير أن هذا الوجود لا يقارن من بعيد أو قريب بالوجود المكثف للمنظمات التنصيرية متأثرا بالحملة العالمية على الإرهاب التي اهتمت بإغلاق العديد من مراكز الإغاثة الإسلامية التي كانت ترعى فقراء المسلمين وتكفل أيتامهم وتتكفل بنفقات الدراسة لأبنائهم.
توحيد المسلمين:
لكن مسلمي أوغندا استطاعوا - عن طريق المساجد والمدارس الإسلامية - مواجهة التنصير ودعوة المسلمين إلى الالتزام بدينهم ونشر التعاليم الإسلامية، وكان لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» الذي سبق أن أسسه الرئيس السابق عيدي أمين. دوراً بارزاً في توحيد راية المسلمين، وجمعهم تحت إمام واحد هو المفتي العام لمسلمي أوغندا الشيخ شعبان رمضان مجي بعد أن كانوا جماعات وطوائف عدة.
ويقول الأمين العام للمجلس الإسلامي بأوغندا الحاج إدريس كاسيني: «إن عملية توحيد المسلمين وجمع كلمتهم بأوغندا بدأت من القواعد انطلاقاً من مساجد الأحياء والقرى المنتشرة في أوغندا»، مضيفاً: «الحمد لله في فترة وجيزة تم بناء الثقة بين المجلس وعامة المسلمين وتعميق الإحساس بأهمية وجدية المجلس لخدمتهم، هذا إضافة لفتح قنوات اتصال مع المنظمات الخيرية الإسلامية والتي من المفترض أن تكون داعمة للمجلس وتعمل عبر بوابته باعتباره خادم وراعي مصالح المسلمين في أوغندا»[4].
وكان للمجلس الإسلامي وغيره دور هامٌ في الحفاظ على هوية المسلمين والانتقال بالإسلام من موقع الدفاع إلى مرحلة الهجوم؛ فهنالك حاجة ماسة لتكريس الدعوة بين الأوساط الأوغندية، والتي من وسائلها الفعّالة البث الإذاعي، وقد سعى المجلس للحصول على أجهزة إرسال إذاعية، وهي الآن بحوزتهم، وتحتاج إلى أعمال التركيب والتشغيل، وهذا الأمر يتطلب ميزانية في حدود (51) ألف دولار، وقد سبق لهم أن تقدموا بطلب بهذا الخصوص ولعل الجهات الدعوية الخيرية تسهم عاجلاً لتفعيل هذا الدور والعمل العاجل لإنشاء قنوات فضائية دعوية لأهميتها.
وحول نشأة المجلس الإسلامي؛ يقول الشيخ شعبان رمضان مجي، مفتي عام مسلمي أوغندا: «إن ميلاد المجلس الإسلامي في أوغندا كان بعد وصول الرئيس عيدي أمين للسلطة، والذي أصدر أوامره بضرورة توحيد المسلمين - عنوة - تحت مظلة المجلس الأعلى، الأمر الذي جعلهم يتفرقون مرة أخرى، وبعد زوال نظام أمين ظل الحال هكذا حتى نهايات عام 2000م؛ إذ منّ الله على المسلمين بالاجتماع والوحدة التطوعية هذه المرة عبر ارتضاء أسلوب الانتخاب الحر، والذي تمخض عنه انتخابي كمفتي عام للمسلمين، كذلك تم تشكيل هياكل المجلس الأخرى كالجمعية العمومية ومجلس العلماء واللجنة التنفيذية».
وأشار مفتي مسلمي أوغندا إلى افتقار المجلس للموارد المالية التي تعينه على تسيير أعماله؛ إذ عجزوا عن تسديد رواتب الموظفين لتسعة أشهر، على الرغم من تواضعها؛ فراتب المفتي مثلاً في حدود 270 دولاراً شهرياً، ولهذا فهم يطمعون في مساعدة الدول الإسلامية في هذا الأمر. فهل يستجاب لندائهم عسى ولعل.
مستقبل قوي للإسلام في أوغندا:
وأكد فضيلة المفتي سعي المجلس لتفعيل آلية التنسيق والتشاور بين المجلس والمنظمات الخيرية العالمية في العالم الإسلامي، وذلك بعقد اجتماعات دورية مع مديري هذه المنظمات للتباحث حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبما يسهم في تحقيق أهداف هذه المنظمات في الدفاع عن المسلمين والتمكين لدين الله في قارة إفريقية وغيرها.
وعن مستقبل مسلمي أوغندا يرى الشيخ شعبان رمضان مجي أن دور المسلمون في المجتمع في تصاعد وأعدادهم في تنامٍ نتيجة إقبال العديد من غير المسلمين على اعتناق الإسلام وتحرك المسلمين للتغلب على المشكلات التي حالت دون أدائهم دوراً سياسياً كبيراً، لافتاً إلى أن هناك إقبالا من المسلمين على تعلم مبادئ الإسلام وحفظ القرآن الكريم وإجادة اللغة العربية.
ولعل أكبر دليل على قوة المسلمين المتصاعدة في أوغندا، هو خروج آلاف المسلمين الأوغنديين في يوليو 2008م، في مسيرة احتجاجية بالعاصمة كامبالا ليعلنوا الجهاد ضد القانون المقترح للحد من تعدد الزوجات، ورددوا صيحات (الله أكبر .. الله أكبر) في شوارع العاصمة، كما خرجت النساء المحجبات والأطفال في التظاهرة واتجه الجميع نحو البرلمان وقدموا مذكرة اعتراضية للنائب ربيكا كاداجا[5].
كذلك أعلن الشيخ طيب مركويي نائب مفتي أوغندا أن المسلمين معتزون بشعائر دينهم، وسيدافعون بقوة عن حقهم في الذبح الحلال ورفع الأذان، وطالب المسلمين بمقاطعة الذبائح المشبوهة والمريبة؛ وذلك ردا على مطالبة زعماء نصارى في أوغندا لأتباعهم بكسر احتكار المسلمين لعملية الذبح، وكذلك على استنكار بعضهم لصوت الأذان.
كما أشادت منظمات إسلامية في أوغندا بقرار السلطات الأخير بإلغاء الضرائب على المعونات والمواد الإغاثية المقدمة من المؤسسات الإسلامية، واعتبرت ذلك تطورا إيجابيا نحو تعزيز مكانة المسلمين وأخذ أوضاعهم بالاعتبار في عمليات صنع القرار في هذا البلد خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
وتعزيزاً لقوة المسلمين المتصاعدة؛ يطالب مفتي أوغندا الهيئات الإسلامية مثل: جامعة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والجامعة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، بدعم مسلمي أوغندا ومضاعفة عدد المنح الدراسية الممنوحة لهم وزيادة عدد الدعاة ومحفظي القرآن، حتى تنجح في إيجاد صحوة إسلامية تعيد للمسلمين هناك دورهم الطبيعي. بخاصة وأن الجامعات الإيرانية تدعو المئات بل الألوف للدراسة بها لتشييعهم وإدخالهم في عقائدها المنحرفة وهذا ما نلمسله من تحرك بعضهم في القنوات الفضائية يكررون مجمل وسذاجة اتجاهات القوم في محاربة السُّنة والصحابة رضي الله عنهم نسأل الله العافية والسلامة.
[1] مجلة الفرقان الكويتية: العدد 392.
[2] موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
[3] موقع الإسلام اليوم: 16 يوليو 2006.
[4] موقع إسلام أون لاين: 13 أغسطس 2003.
[5] الخليج الإماراتية: 11 يوليو 2008.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.