حوار مع د. فاطو ماتا أمادوا - رئيس الجمعية الإسلامية لمساعدة الطلبة بالكونغو برازافيلمقالات

السيد عبدالرحمن

المصدر: شبكة الألوكة 23/ 10/ 2013م.

 

• الفقر والجهل والمرض ثالوثٌ يُهدِّد باقتلاعِ جذور الإسلام من بلدنا.

• جحافل المُنصِّرين حقَّقت إنجازها الأكبر في أراضينا، واستمرار الأوضاع الحالية يُهدِّد بكارثة.

• تَداعيات الحِقبة الاستعماريَّة لا زالت تُثقِل كاهلَنا، ودَورنا السياسي والاقتصادي معدوم.

• الخوف من الالتحاق بالمدارس التنصيريَّة كرَّس الجهلَ في صفوف المسلمين، وأبعدَهم عن المناصب العُليا.

• نفتقِد أبجديَّات الثقافة الإسلامية، ونتطلَّع لدعم إسلامي ينتشِلُنا من الضَّياع.

• اعتناق نجل الرئيس للإسلام خُطوة على الطريق الصحيح، والوجود العربي والإسلامي ضئيل للغاية، ولا يُناسب واقعَنا المرير.

 

 أكدت د. فاطو ماتا أمادوا - رئيس الجمعيَّة الإسلامية لمساعدة الطلبة بالكونغو برازفيل - أن أوضاع المسلمين في بلادنا شديدة الصعوبة والتعقيد، لا سيَّما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث نُعاني من ثالوثِ الفقر والجهل والأمراض الفتَّاكة، مُنتقِدة بشكل حادٍّ التجاهُلَ الإسلامي والعربي لمأساةِ مسلمي الكونغو، وهو تَجاهُل يُهدِّد باقتلاع الإسلام من هذه البقعة الإفريقيَّة المميَّزة.

 وحمَّلت د. أمادوا الاستعمار الفرنسي مسؤوليَّة انهيار الدعوة الإسلامية عبر فرْضه الحصار على الدُّعاة، وإغلاق المؤسسات الشرعية، وتبنِّي سياسات تَحُطُّ من قَدْر الدراسات الإسلامية بشكل عام، وإغراقه أراضي الكونغو برازفيل بجيوش المُنصِّرين، وإطلاق أيديهم في السيطرة على المؤسَّسات التعليميَّة والصحية والخدمية.

وتابعتْ رئيس الجمعية الإسلامية لمساعدة الطلبة بالإشارة إلى تدنِّي مستوى الوعي الديني لمسلمي الكونغو برزافيل؛ فهم عاجِزون حتى عن الدفاع عن الإسلام أمام خُصومه، ويفتقِدون لأبجديات الثقافة الإسلامية، مُطالِبةً المُنظَّماتِ الخيريةَ الإسلامية بالاهتمام بمسلمي الكونغو برازفيل؛ بمدِّهم بالمصاحف والمراجع الإسلامية؛ من أجل الحفاظ على بقايا الدين في البلاد.

وشدَّدت د. فاطو ماتا على الخطر الكبير لمنظَّمات التنصير على الهُويَّة الإسلامية للكونغو، في ظل اختراق هذه المنظَّمات لجميع مؤسسات المجتمع، ونجاحها في الوصول لفئات مسلمة مهمَّشة، وتحقيق إنجازاتٍ لم تستطع الوصول إليها في عديد من بُلدان القارة، وهو ما يستوجِب وجود اهتمام إسلامي، يستطيع مواجهة هذا المدِّ التنصيري قبل فوات الأوان.

في السطور التالية نرصُد تفاصيل مأساة مُسلمي الكونغو برازفيل من خلال هذا الحوار:

نريد أن تُخبري القراء عن الطريق التي وصَلَ بها الإسلام الكونغو، وكيف كان تعامُل مواطني البلاد مع بشائره؟

د. فاطو ماتا أمادوا: لقد دخل الإسلامُ إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ فجر الإسلام، وتقول الروايات: إن جيوش الصحابي الجليل عقبة بن نافع الفهري قد توغَّلت في الصحراء حتى أقصى الغرب الإفريقي، رغم أن الثابت تاريخيًّا أن هذه المنطقة لم يدخلها الإسلام عَنوة أو بحدّ السيف، بل امتاز دخوله بالسلاسة وضِمْن حركة سلميَّة؛ عبر التجار، والدُّعاة، وعلاقات الصداقة والمصاهرة.

ولَعِبت الممالك الإسلاميَّة في غرب إفريقيا "مملكة غانا ودولة المُرابطين" دورًا مُهمًّا في تغلغُل الإسلام في هذه المجتمعات، وظل الإسلام يتغلغَلُ في المجتمعات الإفريقية ولكن ببطء، وخلط بينه وبين المعتقَدات الإفريقية التقليدية، ويُعتقَد على نِطاق واسع أن الإسلام قد بدأ يخطو خُطواته الواسعة في القرن الحادي عشر الهجري عبر التجار المسلمين، الذين وصلوا المنطقة وحقَّقوا نجاحات كبيرة، جعلت مئات الآلاف من الكونغو برازفيل يَعتنِقون الإسلام.

وماذا من الموجة الثانية من دخول الإسلام للأراضي الكونغولية؟

د. فاطو ماتا أمادوا: هناك روايات تؤكِّد أن الموجة الثانية لدخول الإسلام جاءت بعد وصول عمَّال من السنغال ومالي للعمل في مشاريع زراعيَّة وتوصيل مرافِق السكك الحديديَّة؛ حيث أُعجِب الكونغوليون بأخلاقهم وتأثَّروا بالإسلام، ودخلوه فُرادى وجماعات، وكان في طليعتِهم رجال قبائل "الهوسا والفولاني"، واستمرَّت الدعوة الإسلامية تُحقِّق نجاحات كبيرة، حتى وصلت جحافِلُ الاستعمار الفرنسي لبرازفيل.

واقع مؤلم:

هل حَمَل وصولُ المستعمِر الفرنسي تأثيراتٍ سلبيَّةً على الدعوة الإسلامية في الكونغو؟

د. فاطو ماتا أمادوا: لقد سدَّد الاستعمار ضرباتٍ قاتِلةً لمسيرة الدعوة الإسلامية؛ ففرض حصارًا على الدعاة، وأغلَق المعاهد المُخصَّصة لتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، وعمِل على تكريس نوعٍ من الأميَّة الدينية، وتبنَّى سياساتٍ تَحُط من قَدْر الدراسات الإسلامية بشكل عام، في الوقت نفسه عمِل بجدٍّ على إغراق أراضي الكونغو برازافيل بجيوش المنصِّرين، وأطلَق أيديهم في السيطرة على المؤسَّسات التعليميَّة والصحية والخدمية؛ لربطها بأجندتهم التنصيريَّة، مستغِلاًّ حالة الجهل الشديد في أوساط المسلمين وساعيًا بقوة لتكريسه، وأَسهمت هذه السياسات في تراجُع وزن الإسلام في البلاد كمًّا ونوعًا؛ فابتعَد المسلمون عن التأثير في كافة مناحي الحياة، وتَراجعت أعدادهم، فبعد أن كانوا يشكِّلون 25% من عدد سكان البلاد، صاروا لا يَزيدون على 3% من السكان، البالِغ تَعدادهم 3.9 مليون نسمة.

ما أهم تَجمُّعات المسلمين في الكونغو برازفيل، وما وضْع مؤسساتهم الدينيَّة؟

د. فاطو ماتا أمادوا: يَتمركز المسلمون في ثلاثٍ من المدن الكبرى، فالأغلبيَّة منهم تعيش في العاصمة برازفيل، وتليها مدن بوانت نوار وكلبومو، وتوجد بهذه المدن مساجد شديدة التواضُع وقديمة جدًّا، ويرجع تاريخ إنشاء بعضها إلى 1910، وتكاد تَتساقط على المصلِّين وهم بداخلها، باستثناء أحد المساجد الذي أنشأته المملكة العربية السعوديّة في العاصمة برازفيل.

ومُلحَق ببعضها مراكز لتعليم اللغة العربيَّة، وكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، غير أن إمكانيات هذه المراكز شديدة التواضُع، وتفتقِد للمدرِّسين والكوادر القادرة على تشغيلها، وتَفتقِد كذلك للمصاحف المترجَمة للغة الفرنسية، وكتب التراث المترجَمة؛ مما زاد من ضعْف الوعي الديني وعدم معرفة الكثيرين بأبسط قواعد الإسلام، بل وافتقاد القدرة على الدفاع عنه أمام الحملات المُناهِضة له من قِبَل الأغلبيَّة النصرانيَّة؛ وذلك لعدم امتلاك المسلمين أبجديَّات عن الإسلامِ (مبادئه، وفِقْهه)، وافتقادهم القدرة على الحِجَاج عنه، وتقديم الصورة الصحيحة عن الدين الحَنيف.

إمكانيات ضعيفة:

ولكن ألا توجد مؤسَّسات إسلامية تُدير هذه المراكز وتُنفِق عليها؟

د. فاطو ماتا أمادوا: هناك الجمعية الإسلامية الكونغولية، والمجلس الوطني الإسلامي، والجمعية الإسلامية لمساعدة الطلبة، والأخيرة تقوم برعاية مئات من الطلاب المسلمين، سواء في بعض المدارس الإسلامية أو في المدارس العامَّة، بل قد تُقدِّم لهم مِنحًا لاستكمال دراساتِهم، وتبذُل الجمعيات الثلاث جهودًا مكثَّفة للحِفاظ على بقايا الهُويَّة الإسلامية، إلا أن افتقادها للإمكانات المالية واللوجيستية يَغُل أيديَها عن فِعل الكثير لدعم مسيرة الدعوة.

فقر وأمية:

تُقدِّمين صورة شديدة التواضع عن أوضاع مسلمي الكونغو برازفيل، فهل ينطبِق ذلك على الأوضاع الاقتصادية؟

د. فاطو ماتا أمادوا: الأوضاع الاقتصادية للمسلمين في الكونغو برازفيل سيئة جدًّا؛ حيث يتفشَّى الفقر والبطالة في صفوفهم؛ نتيجة افتقادهم للتعليم، وسيطرة الأمية عليهم؛ نتيجة إعراض آبائهم عن إلحاقهم بمدارس الإرساليَّات التنصيرية؛ خوفًا على هُويَّتهم الإسلامية، وهو ما كانت له تَداعيات سلبيَّة عليهم، فنادرًا ما تجد موظَّفًا مسلمًا في أحد الدواوين الحكومية، وربما تَجِد أُناسًا كانوا مسلمين في السابق، فاضطرُّوا تحت وطأة الفقر والحاجة إلى الارتداد عن الإسلام، ومن المؤسف أن المسلمين حين يصومون رمضان لا يجدون قوتَ يومهم أو لُقَيمات يقيمون بها صلبهم أو يُفطرون عليها، لدرجة أنهم قد يلجؤون لبقايا الطعام ليقتاتوا منها، ومن الأمور المُفجِعة أن الأوضاع الاقتصادية السيئة، والحائلة دون نجاحِ شباب المسلمين حاليًّا في تحسين أوضاعهم - هو أمر يتكرَّر بصورة كربونيَّة مع الأطفال؛ حيث لا يمتلِك آباؤهم القدرة على إلحاقهم بالمدارس، وهو ما يعني أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة مُرشَّحة للاستمرار لعقود طويلة.

 دعم ضروري:

من المؤكَّد أن الفقر والجهل يؤشِّران لوجود مشاكل أخرى، ويَنشُران المرضَ كآخر أضلاع الثالوث القاتلِ؟

د. فاطو ماتا أمادوا: بالفعل فأوضاعُ المسلمين الصحيَّة شديدة السوء؛ لافتقاد الكونغو برازفيل للبِنْية الصحية من مستشفيات ومراكز طبيَّة؛ مما يُسهِم في انتشار أوبئة وأمراض فتَّاكة، مثل: الكوليرا، والتيفود، والسل، وهو ما يجعلني أقدِّم نداء للدول العربية والإسلامية - لا سيَّما النفطيَّة منها - للنظر بعينِ العطف لأشقاء لهم في الدِّين يدفعون ثمنًا باهظًا لتمسُّكهم بدينهم، وإرسال مساعداتٍ عاجِلة وتوجيه المنظَّمات الإغاثيّة والخيرية الإسلامية لوضْع البلاد في خريطة أنشطتها، والعمل على دعم مسيرةِ الدعوة الإسلامية هناك؛ حتى لا نستيقظ ذات يوم ونجد الإسلام قد اقتُلِع من جذوره من هذه البُقعة.

تجاهل تام:

على ذِكر الوجود الإسلامي، ما هو حجم الاهتمام العربي والإسلامي بأوضاع المسلمين هناك؟

د. فاطو ماتا أمادوا: لا يوجد أدنى اهتمام من قِبَل الدول العربية والإسلامية بالكونغو برازفيل، لدرجة أننا حين نسعى لعرض واقع المسلمين المؤسِف على السفراء العرب والمسلمين، نجدهم لا يَكترِثون، ويفضِّلون أن ننحو بالحديث عن الأوضاع السياسية، وهو أمر يُحزننا كثيرًا، غير أننا لا نستطيع التعويل على أحد دونهم؛ فهم أشقاء في المصير والعقيدة.

وماذا عن أنشطة المنظَّمات الخيريَّة الإسلامية في البلاد؟

د. فاطو ماتا أمادوا: دُور المنظَّمات الإغاثية الإسلامية في الكونغو برازافيل محدود، ويَقتصِر على بعض الأنشطة مِثل: رابطة العالم الإسلامي، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وتَدعَم هاتان المؤسستان بعض المشاريع الخيرية، مثل: بناء المدارس، والمستشفيات، غير أن هذا الجُهْد لا يرقى لمستوى المشاكل الشديدة التي يُعاني منها مسلمو البلاد، لا سيَّما أن هناك مشاكل يجب توفير حلول فوريَّة لها؛ مِثل افتقاد المصاحف والمراجع الشرعية، وعدم وجود مدارس إسلامية تؤهِّل طلابها لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية الكبرى، والعودة لتنشيط الدعوة الإسلامية.

مخطط منظم:

إزاء غياب الاهتمام الإسلامي، فمن المؤكَّد أن المنظَّمات التنصيرية تُحاول استغلال هذا الفراغ لتنصير أكبر عدد من مسلمي البلاد؟

د. فاطو ماتا أمادوا: توجد في الكونغو جيوش من منظَّمات التنصير على مختلف ألوان طيفها، غير أن المنظَّمات الكاثوليكية تتقدَّم الصفوف؛ حيث تنتشر في جميع بِقاع البلاد، وتربِط بين خِدماتها الإنسانيَّة وبين نشاطاتها التنصيرية، فالخبز والطعام والمال في يد، وما يُطلِقون عليه "الكتاب المقدَّس" في اليد الأخرى؛ حيث يُقدِّمون شرائط كاسيت؛ لإدراكهم بسيطرة الأمية على المسلمين والوثنيين التي تتجاوز نسبتهم 45% من سكان البلاد، وتستهدِف هذه المنظمات - وعلى رأسها جمعية تنصير الشباب، ومنظَّمة كاريتاس فرع باريس، ومنظمة أطباء بلا حدود، والمعهد الكاثوليكي للعلاقات الدولية، وجمعيَّة الكتاب المقدَّس، فضلاً عن إرساليَّات سانت جيمس، ومدارس كمبوني، وجمعية القديسة ماريا تريز، والكنيسة النرويجية الإنجيلية اللوثرية - التوغُّلَ في أوساط سوق العمل الصعبة، لا سيما بين الشباب؛ لإغرائهم باعتناقِ النصرانية والحصول على مزايا عينيَّة وماليَّة.

ولكن هل حقَّقت هذه المنظَّمات نجاحاتٍ كبيرة، لا سيَّما في أوساط المسلمين؟

د. فاطو ماتا أمادوا: لقد أفلَحت هذه المنظَّمات في تنفيذ أجندتها بامتياز، لا سيَّما في أوساط المسلمين، مستغِلّة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، والتجاهُل الشديد من العالَمَينِ العربيِّ والإسلامي لمأساتنا، وتفشِّي الجهل والأمية في صفوف المسلمين لنفْث سمومها، وأقول بيقين: إن الكونغو برازفيل تُعَد من الدول الإفريقية التي حقَّقت فيها منظَّمات التنصير نجاحاتٍ يَصعُب تَكرارها، لدرجة أن أعداد المسلمين قد تَراجعت من 25% إلى 3%، ومُرشَّحة لمزيد ٍمن التراجع، لا سيَّما إذا ظلَّت الأوضاع على حالها.

مأساة وغموض:

في ظل هذه الظروف، الصعبة كيف تَنظرين لمستقبل الإسلام في الكونغو برازفيل؟

د. فاطو ماتا أمادوا: لا أشعر بأي تفاؤل إزاء مُستقبل الإسلام في هذا البلد، لا سيما إذا استمرَّت الأوضاع على حالها من فقرٍ وأميَّة وجهل، وعدم اهتمام العالم الإسلامي، وترْكنا نواجِهُ مستقبلاً مُظلِمًا، أقول هذا رغم وجود بعض الإشارات الإيجابيَّة خلال الفترة الأخيرة، كان أبرزها: إعلان نجل الرئيس الكونغولي "دينيس ساسونجيسو" اعتناقه الإسلام، ونأمُل أن تفتح هذه الخطوة عيونَ العالم الإسلامي على مسلمي الكونغو برازافيل ومعها الباب لعشرات من المنظَّمات الخيريَّة الإسلامية العاملة في دول الجِوار؛ لمساعدةِ المسلمين على تَجاوزِ الصعوبات الحاليَّة.

0 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً