المصدر: مجلة دعوة الحق، العددان 127 و128.
لقد دخل الشيخ الحافظ أبو البركات يوسف البربري، وهو من بلاد المغرب إلى المالديف في منتصف القرن السادس الهجري مع بعض التجار العرب الذين كانوا في ذلك الوقت يقومون برحلات تجارية منظمة..
إنه لمؤسف حقًا أن تظل بقعة من بقاع العالم الإسلامي طي المجهول.. في وقت كشفت فيه الوسائل الإعلامية كل مطمور، وعرضته للأضواء قصد رفع الغبار عنه والتعرف به، كما لا يعقل أبدا أن تظل رقعة إسلامية ذات حضارة وأمجاد ودور تاريخي هام طي الغموض لمجرد أنها بعيدة.. أو لأن نشرات مؤسساتها الإعلامية لم تخترق الحدود إلينا.
إن هذه المنطقة التي حمل إليها المغاربة راية التوحيد في بداية الأمر إذا أهملت ولم تجد لها ركنا على أعمدة المجلات والصحف فإنها موجودة فعلا في منطقة الشرق الأقصى. والناظر المتفحص لكل خريطة من خرائط العالم لابد من أن يلاحظ بقعا سوداء متناثرة على المحيط الهندي قد يحسبها في أول الأمر مجرد نقط سقطت سهوا من قلم الرسام إلا أنها في الحقيقة نقط تقابلها في الطبيعة أميال وأميال لأرض إسلامية هي جزر المالديف التي قال عنها ابن بطوطة عندما طاف ببلاد الشرق في القرن الرابع عشر الميلادي.. أنها تشتهر بالجمال الطبيعي الساحر والهدوء الشامل والنساء الجميلات.. إنها إحدى عجائب الدنيا السبع.."
وقبل مواصلة الحديث عن هذه الجزر العائمة أود أن أنبه القارئ الكريم إلى أن هذا الحديث لم يستوف كل عناصر البحث، ولا هو استطلاع حي لهذه الناحية من وطننا الإسلامي الكبير وإنما هو مجرد نتف جمعناها من هنا وهناك نظرا لقلة المصادر في الموضوع، وعسى أن تكون هذه النتف كافية لإعطاء صورة واضحة عن تلك المنطقة.
1087 جزيرة عائمة
إن أية خريطة للعالم سوف تستوقف نظرك وأنت تنظر فيها إلى سلسلة من النقط في المحيط الهندي ممتدة من الشمال إلى الجنوب في المنطقة الواقعة جنوبي غرب سيلان من الشرق الأقصى... إنها جزر "المالديف" البلد المسلم منذ عدة قرون خلت.. أي منذ 548 هجرية (1153 م).
وتبعد هذه الجزر عن سيلان بـ 650 كيلومترا وتشغل مساحة طولها 750 كيلومترا وعرضها في أوسع الأماكن 115 كلم. وتتكون من 1087 جزيرة حسب إحصاء دقيق قامت به الحكومة في عام 1965 إلا أن عدد الجزر الآهلة بالسكان لا يزيد على 215 جزيرة والباقي عبارة عن جزر خالية يستغل بعضها في إنتاج المحاصيل الزراعية والبعض الآخر في إنتاج الأخشاب.
وهي جزر رملية وطئة لا تخترقها أنهار بالغة الصغر بصفة عامة إذ أن أكبرها لا يزيد طوله على سبعة أو ثمانية كيلومترات كما لا يزيد عرضها على نصف هذه المسافة.
وتغطي هذه الجزر غابات كثيفة من الأشجار الاستوائية الضخمة ونخيل جوز الهند الشاهقة.
وجزر "المالديف" تنقسم طبيعيا إلى 13 مجموعة، تفصل بينها بحار متسعة نسبيا، ولكنها مقسمة سياسيا إلى 19 مجموعة لاعتبارات ارتأتها الحكومة لتسهيل التسيير والإدارة، وجعلت على رأس كل مجموعة حاكما أو محافظا معينا من قبل الحكومة يدير كل شؤونها على الطريقة الكونفيديرالية، ووسيلة المواصلات بين الجزر هي الزوارق البخارية والمراكب والقوارب الشراعية المصنوعة محليا.
وتشكل هذه المجموعة من الجزر باقة من الجمال الطبيعي الأخاذ، وزادها بهاء، الجو المعتدل صيفا بغض النظر عن موقعها الاستوائي الحار بسبب المياه المحيطة بها من كل صوب، وبسبب نخيلها الباسق الوارف الظلال وأشجارها المورقة وزهورها البرية المختلفة الألوان.
وقد قال عنها ابن بطوطة: "فمجموعة هذه الجزر مستديرة كالحلقة، لها مدخل كالباب لا تدخل المراكب إلا منه وإذا وصل المركب إلى المدخل فلا بد من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر، وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي بإحداها عند الخروج من الأخرى، فإن أخطأ المركب في سيره لم يمكنه دخولها وحمله الريح إلى خارجها"، وهذا الكلام ما زال صحيحا إلى الآن.
ومن المظاهر التي تتجلى فيها القدرة الإلهية في "المالديف"، أن مياه الشرب التي تستخرج من الآبار هناك مياه عذبة غاية في النقاء لا أثر فيها للملوحة على الإطلاق بالرغم من المياه المالحة التي تحيط بالجزر من كل ناحية، ومن تلك المظاهر أيضا أن هذه الجزر لم تتعرض قط لأعاصير ولا عواصف أو أمواج أو غيرها من ثورات الطبيعة.
"مال" و"ديب" أو ذيبة المهل:
إن اللغة المستعملة في سيلان هي اللغة السنهالية، وتعني كلمة "مالديف" في هذه اللغة "بلاد السمك" وقد كان يتكلم بها السكان المالديفيون الأوائل الذين ينحدرون من أصل سيلاني كما دلت على ذلك الحفريات التي أجريت في عاصمة المالديف "مالي" ويرجع هذا الاسم إلى وفرة الأسماك في بحار هذه الجزر، كما أنها تعرف باسم آخر أطلقه عليها ابن بطوطة وهو ذيبة المهل.
أصل... واكتشاف:
لم يتوصل المؤرخون إلى الكيفية التي تم بها اكتشاف هذه الجزر ولا استيطانها إذ أن كل ما جاء بهذا الصدد يعوزه الدليل القاطع إلا أن بعض الأقاصيص الراجحة تحكي أن جماعة من الهنود وهي تتجول في عرض البحر (ولعلهم القراصنة) قد اكتشفوا صدفة هذه الجزر منذ أكثر من ألفي عام فاستطابوا العيش فيها واستقروا بها، ويرجح أكثر المؤرخين أيضا أن أول من وصل هذه الجزر هم جماعة من أهل سيلان وقد كشفت الحفريات عن بقايا معابد بوذية وبعض التماثيل التي تمثل "بوذا" في العاصمة وفي بعض الجزر الأخرى، ومعلوم أن السيلانيين يدينون بالبوذية من قديم، ويؤيد ذلك أيضا تشابه المالديفيين والسيلانيين في البنية والملامح والعادات والتقاليد وتشابه اللغة المالديفية واللغة السنهالية التي يتحدث بها سكان سيلان.
سكان المالديف... مسلمون:
إن الإسلام بروحه السمحة وتعاليمه القويمة لم يكن في يوم من الأيام يدعو أحدا إلى اعتناقه بالجبر والقهر وإنما كان وسيظل دينا يدخله الناس أفواجا مبهورة بحكمه وشرائعه وسماحته وروحانيته.. كما كان الشأن بالنسبة لأهل المالديف المسلمين.. وقصة إسلام سكان المالديف ليست غريبة ولا فيها ما يثير وإنما أكثر ما فيها عظمة الدعوة الإسلامية، لقد دخل الشيخ الحافظ أبو البركات يوسف البربري وهو من بلاد المغرب إلى المالديف في منتصف القرن السادس الهجري مع بعض التجار العرب الذين كانوا في ذلك الوقت يقومون برحلات تجارية منظمة بين الجزيرة العربية من جهة وبين موانئ الهند وسيلان والمالديف من جهة أخرى ووجد أهلها على الديانة البوذية فطلب مقابلة السلطان ودعاه إلى الإسلام إلا أن السلطان أبى في أول الأمر على الرغم من ضيافته لحامل الدعوة وتقريبه إليه، وما زال الشيخ الحافظ أبو البركات يجادل السلطان بالحكمة والموعظة الحسنة إلى أن اقتنع فأسلم وأمر شعبه باعتناق الدين الجديد، وكان هذا الحدث الذي قوى من شوكة المسلمين في اليوم الثاني من شهر ربيع الثاني في سنة 548 هـ (1153م) وما تزال هذه المعلومات المكتوبة في اللوحة الموجودة بالمسجد الذي أمر ببنائه السلطان بعد إسلامه، وهي مكتوبة باللغة العربية والكتابة التي عليها ما زالت واضحة كل الوضوح وقد كان هذا السلطان يدعى "درمس كالامنجا" قبل الإسلام فاستبدل اسمه بعد إسلامه إلى "درمس محمد بن عبد الله" وقد حكم المالديف 25 سنة، 12 منها قبل إسلامه، و13 سنة بعده، كما أن المسجد الذي بناه وهو الأول من نوعه في تلك الديار ما يزال شاهقا إلى وقتنا الحاضر، شامخاً يحكي قوة الإسلام وبطولاته...
والجدير بالذكر أن شعب المالديف شعب مسلم لا تشوب إسلامه شائبة متمسك بدينه الحنيف لا يرضى عنه بديلا يحفظ القرآن، ويقيم الصلوات الخمس ويتبع الشريعة الإسلامية، وقد انعكس هذا بوضوح في دستوره الذي لا يسمح بصريح العبارة لغير المسلمين بالإقامة الدائمة في المالديف، كما أن الإفطار في شهر رمضان بلا عذر شرعي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون واستيراد المشروبات الروحية أو صناعتها ممنوع منعا باتا.. ومع أن صيد السمك هو مصدر رزق السكان فإن الخروج للصيد صباح الجمعة ممنوع خوفا من فوات صلاة الجمعة.
اللغة بعد الإسلام
وعلى الرغم من اللغة المالديفية التي ترجع في أصلها إلى اللغة السيلانية (السنهالية) فإنها قد شهدت تطورا ملحوظا فرضته الكلمات العربية الجديدة التي أصبح الأهالي يستعملونها بعد إسلامهم ككلمة الله- الرسول- القرآن- الملائكة- الآخرة- الثواب- العقاب وغيرها من الكلمات العربية التي أصبحت جزءا من الحياة الجديدة، وهكذا وبما أن الحروف المالديفية تكتب من اليسار إلى اليمين فإنهم قد أخضعوا الكلمات العربية الجديدة إلى هذا النظام عندما اخترعوا حروفا أخرى جديدة تعطي اللفظ العربي وكتبوها من اليمين إلى اليسار وأصبحت بحكم الزمن مستساغة مألوفة عادية.
المالديف دولة إسلامية ذات سيادة
ويبلغ عدد سكان المالديف حسب إحصاء سنة 1968، 106000 نسمة، وقد نالت استقلالها التام في يوم 26 يوليو 1965، وقد فرضت عليها بريطانيا حمايتها بموجب رسالتين متبادلتين بين السلطان محمد معين الدين الثاني وبين السيد آرتر هاملتون جوردون الحاكم العام البريطاني في سيلان، وقد كانت حماية بريطانيا على المالديف من نوع خاص فلم يكن لها هناك حاكم ولا مندوب سام ولا أي مسؤول آخر يباشر السلطة الفعلية إذ أن الحكم كان لأبنائها والحماية لم تكن إلا تبعية قانونية نتجت عن تخوف بريطانيا آنذاك من سبق بعض الدول إلى فرض الحماية على المالديف فتفقد بالثاني سيطرتها على جزء هام من سيطرتها في المحيط الهندي الذي كان يجوبه أسطولها لتأمين سلامة وصولها هناك وبقائها وبعد أن نالت المالديف استقلالها بمقتضى الاتفاقية المعقودة بين الطرفين في يوم 26 يوليو 1965 انضمت إلى الأمم المتحدة في شهر سبتمبر من نفس العام.
هذا ويحكم مالديف سلطان منتخب هو محمد فريد الأول الذي انتخب ملكا على البلاد في عام 195، والملك في المالديف رمز على سيادة الدولة ووحدتها فالسلطة التنفيذية تتركز في يد مجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للبلاد ويباشر تنفيذها باسم الملك.
وللمالديف برلمان يتولى سلطة التشريع يتكون من 54 عضوا منتخبين ويتم انتخابهم كل خمس سنوات.
وعاصمتها هي "مالي" الآهلة بالسكان ومركز الحكومة والنشاط الإداري وتسكنها أكثر من 15000 نسمة وبها (40) مسجدا مما يدل على تعلق أهل المالديف بالدين الإسلامي.
تجارة... وصناعة
المالديف دولة نامية في طريق البناء والتشييد ونشر ألوية الخير وهي تعاني نفس ما تعاني منه الدول النامية الأخرى.
يعتمد أهلها على الصيد البحري الذي تزخر به بحار المالديف وصناعة الأخشاب التي تعرفها جزرها، وتصدير الفواكه وجوز الهند الذي تشتهر به وبما أن الصيد البحري هو العمود الفقري لاقتصاد المالديف فقد وقع الاهتمام والتركيز على تدعيمه بالوسائل العصرية الحديثة لزيادة الإنتاج ومقابلة الطلب في الأسواق السيلانية على الخصوص، إذ أن السوق الأول الذي تعتمده المالديف هو السوق السيلاني.
علم رمز السيادة
علم المالديف.. علم مستطيل أحمر تتوسطه رقعة مستطيلة خضراء بداخلها هلال أبيض.
وهو رمز السيادة الوطنية في داخل الوطن وعلى طول امتداد حدود المياه الإقليمية التي تمتلكها المالديف.
وقد ورد نص ذلك في دستور هذه الدولة الإسلامية الفتية في وسط المياه الأسيوية.
حضارة يحكيها التاريخ
إن الدولة المالديفية دولة ذات حضارة وأمجاد تاريخية عظيمة ككل شعب آخر مما يدل على عراقة العنصر المالديفي الطيب وروحه الفنانة السمحة... ويحكي المسعودي أن تاريخ المالديف قبل الإسلام تاريخ حافل بالبطولات والتضحيات قصد التخلص من البرتغال وما يزال الشعب المالديفي يحتفظ بعظيم الحب لأحد أبطاله الشبان وهو "محمد تكرفان" الذي نظم الشعب من ورائه ضد كل محتل ويقود المعارك ضد الغزاة.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.