المصدر: موقع alkhaleej - يونيو 2017م.
يؤكد الشيخ أسد الله موالي، مفتي زامبيا اعتزاز مسلمي بلاده بالإسلام، وتطلعهم إلى التواصل مع إخوانهم المسلمين في البلاد العربية، ويعبر عن سعادته بالمشاركة في مؤتمر إسلامي عالمي بالقاهرة وتواصله مع علماء ومفتين ومسؤولين عن هيئات ومنظمات إسلامية.. مشدداً على أن التواصل والتلاقي بين المسلمين على مختلف المستويات يحقق أهدافاً عديدة.
ولأن بلاده أرض خصبة لانتشار الإسلام، خاصة في ظل انتشار العديد من الديانات الوضعية والوثنية، فهو يتطلع إلى دعم للمؤسسات الإسلامية الدعوية والتعليمية في زامبيا من المؤسسات الإسلامية في العالم، ويؤكد أهمية استقبال الجيل الجديد من المسلمين الزامبيين للدراسة فيها، وأوضح أن الإسلام انتشر في بلاده ابتداء من القرن الرابع الهجري؛ حيث شهد موجات هجرة من آسيا وإفريقيا، واستقر المهاجرون وشكلوا جزءاً من النسيج الإسلامي.. وحذر من تنامي الحملات المعادية للإسلام، والزواج المختلط في العديد من الدول الإفريقية، مما يهدد الهوية الإسلامية في هذه البلاد.. وطالب بكفالة الأيتام والأرامل في مختلف البلاد الإفريقية.. التقينا مفتي زامبيا خلال زيارته للقاهرة.. وهنا تفاصيل حوارنا معه:
نريد لمحة تاريخية موجزة عن دخول الإسلام إلى بلادكم؟
الحقائق التاريخية تؤكد أن الإسلام دخل إلى زامبيا عن طريق التجار الذين لديهم حس دعوي، وربطتهم التجارة مع السكان الأصليين، وقد وصلوا إلى زامبيا عن طريق الدول المجاورة التي لها سواحل وبها مسلمون مثل: أنجولا وموزمبيق وتنزانيا والكونغو الديمقراطية؛ حيث يشتري التجار المسلمون الوافدون المنتجات الزراعية من غالبية السكان الذين يعملون بالزراعة ويجلبون إليها ما يحتاج إليه السكان من منتجات الدول الأخرى، سواء في إفريقيا أو آسيا وكان من بينهم تجار عرب وخاصة من عمان واليمن واستقر بعضهم في زامبيا وتزوجوا من السكان الأصليين، وصاروا مواطنين واعتنق بعض السكان الأصليين الإسلام.. ويؤكد المؤرخون أن إمارات أو تجمعات إسلامية تشكلت على السواحل الإفريقية في القرن الرابع الهجري، ومنها وصل الإسلام إلى دول وسط وجنوب القارة الإفريقية، وأقام المسلمون الأوائل المساجد على طول الطرق بين السواحل والمناطق الداخلية كما كانت هناك بعض الهجرات إلى زامبيا من القبائل المسلمة، من الصومال وكينيا، فضلاً عن استقدام الاحتلال البريطاني لعمال من الهند وباكستان للعمل في مد خطوط السكك الحديدية في وسط وجنوب القارة الإفريقية.
واقع معقد
كيف تتعاملون مع الواقع اللغوي والعرقي المعقد في زامبيا؟
لدينا دعاة مؤهلون علمياً ولغوياً وينتمون إلى العرقيات والقبائل المختلفة ويجيدون لغاتها، حيث إن معظم السكان ممن يتحدثون لغات البانتو، فضلاً عن لغات محلية عديدة يتحدثها سكان القبائل، خاصة أن هناك أكثر من سبعين مجموعة عرقية، لا يجيد بعضهم التحدث باللغة الإنجليزية، رغم أنها اللغة الرسمية للبلاد، كما أننا نعمل على الوصول إلى سكان المناطق النائية من البلاد.
كم عدد المسلمين في زامبيا مقارنة بغيرهم من أتباع الديانات السماوية والوضعية؟
لا يوجد إحصاء رسمي للسكان حسب الديانة، كما أن هناك تغيراً مستمراً في الأعداد والنسب بسبب دخول كثيرين إلى الإسلام بشكل مستمر، إلا أن المتفق عليه أن الغالبية العظمى من السكان مسيحيون يزيد عددهم على 80%، وباقي النسب موزعة بين المسلمين والهندوس وأديان ومعتقدات وثنية، ونحن نعمل على تكثيف الدعوة بينهم والحمد لله يتحول كثير منهم إلى الإسلام، بعد أن يتعرفوا إلى تعاليمه السمحة، ولا يقل عدد المسلمين عن 5% من إجمالي عدد السكان البالغ 15 مليوناً.
ما طبيعة علاقتكم بغالبية السكان الذين يدينون بالمسيحية؟
رغم أن المسيحية البروتستانتية ثم الكاثوليكية هي الديانة الأكثر عدداً في زامبيا، إلا أن الإسلام رغم قلة أتباعه هو الأكثر نمواً وانتشاراً، لأنه دين الفطرة فضلاً عن أنشطتنا الدعوية وسط القرويين الذين يؤمنون بقوة السحرة، ونحن نوضح لهم مخالفة السحر للأديان من جانب، وللعقل من جانب آخر، والحمد لله فإن هذه العادات والمعتقدات المخالفة لتعاليم الإسلام يتناقص اتباعها باستمرار في ظل مضاعفة جهودنا الدعوية والتوعوية، وعلاقتنا جيدة بجميع السكان، وخاصة من الغالبية المسيحية، ونتعاون معهم في ما فيه مصلحة الوطن الذي نعيش فيه جميعاً.
الإيدز والأيتام
تشير الإحصاءات الدولية إلى ارتفاع معدل الوفيات بسبب الإيدز ومضاعفة أعداد الأيتام، فكيف تعالجون هذه المشكلات من المنظور الإسلامي؟
من المؤسف أن عدداً غير قليل من الأطفال لدينا يولدون مرضى بسبب نقص المناعة (الإيدز) لانتشار العلاقات غير الشرعية خارج نطاق الزواج، وانتقال العدوى من الأمهات إلى أطفالهن كما أن وفيات الأمهات والآباء كثيرة حتى إنه يوجد لدينا عدد كبير من الأطفال الأيتام الذين فقدوا أحد الوالدين أو كليهما وغالباً ما تحتاج الأسر التي بها أرامل أو أيتام إلى مد يد العون والمساعدة الإنسانية، والتكافل الذي يدعو إليه الإسلام لجميع المحتاجين بصرف النظر عن دينهم، ولهذا يزداد المسلمون من هذه الفئات تمسكاً بدينهم ويدخل بعض غير المسلمين الإسلام بعد أن يروا إحسان المسلمين إلى غيرهم من دون الدعوة إلى الدخول في الإسلام، أو ربط المساعدات الإغاثية بالدين، ولهذا يقبل كثير منهم على الإسلام طواعية، ونترك لهم حرية اتخاذ القرار بشأن دينهم، لأن الإسلام دين الرحمة لكل البشر ويرفض الإكراه في الدين.
لا يعرف الكثيرون شيئاً عن المؤسسات الإسلامية في زامبيا.. فهل لديكم مؤسسات فاعلة أم أنها ضعيفة كشأن كثير من الدول الإفريقية؟
الحمد لله الوضع لدينا في تحسن مستمر، وهناك نمو في عدد المؤسسات التي تهتم بالإسلام وتعليمه والدعوة إليه سواء بين أتباعه أو بين غير المسلمين، وأشهرها: «الجمعية الإسلامية» التي تشرف على المساجد وشؤون العاملين بها وهي نشطة، ويوجد في العاصمة لوساكا المركز الإسلامي وهو مؤسسة ضخمة ويقع على مساحة كبيرة؛ حيث يضم مدارس ومعهداً للدعاة ومعهداً حرفياً صناعياً وكلية جامعية، ويدرس به كثير من أبناء المسلمين، وهو مدعوم من منظمة التعاون الإسلامي وبنك التنمية الإسلامي بجدة، ويقوم المركز بواجبات دعوية وتعليمية كبيرة في تعليم المسلمين أصول دينهم، ولدينا أيضاً «جمعية الشباب المسلم»، التي ينتمي عدد من أعضائها إلى جذور هندية وباكستانية، كما تم تأسيس «جمعية العون المباشر»، وهي لا تقتصر على الأغراض الدعوية فقط، بل تقوم بتوجيه جزء كبير من جهودها إلى مساعدة الأيتام والفقراء، ولدينا ما لا يقل عن عشرين هيئة ومؤسسة إسلامية بعضها في العاصمة لوساكا، كما تنتشر عشرات المساجد في مناطق تجمعات المسلمين، التي تتم إقامتها بجهود فردية من أموال المسلمين.
تعاون وتعايش
ما طبيعة العلاقة بين المسلمين الأفارقة وذوي الجذور الآسيوية والأوروبيين الذين استقروا في زامبيا؟
- رغم اختلاف المسلمين في جذورهم إلا أن العلاقات بينهم طيبة ويتعاونون معاً في التعريف بالإسلام والدعوة إليه، ومحاربة البدع والعادات والتقاليد المخالفة للعقيدة، ويسعى الجميع للتعاون فيما اتفقوا فيه ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه فيما يتعلق برؤيتهم للدعوة وأولوياتها، ولهذا فإن المسلمين من الأقليات الناجحة منذ استقلال زامبيا عن الاستعمار البريطاني عام 1964.
ما شكل التعليم الإسلامي لديكم؟
يوجد لدينا تعليم إسلامي، ولكنه ليس بالمستوى المأمول بسبب ضعف الإمكانات المادية، خاصة أن الأقلية المسلمة لا تتلقى أي دعم حكومي ومع هذا يفضل كثير من المسلمين إلحاق أولادهم بالمدارس والكتاتيب الإسلامية التي تهتم بتعليم القرآن الكريم، ولكنها ليست كافية وندعو الأشقاء في دول الخليج وغيرهم من أثرياء المسلمين إلى مساعدتنا في نشر التعليم الإسلامي وتوفيره لأبناء المسلمين لما له من أهمية كبرى في تعريف المسلمين أمور دينهم ونشر الوعي الديني لديهم، مما يحميهم من أي أفكار منحرفة أو مخالفة للدين، خاصة أنه يوجد جهل بالإسلام لدى بعض المسلمين في بعض المناطق، مما يؤدي إلى ممارسات مخالفة للعقيدة، والتأثر بالعادات والتقاليد الموجودة لدى غير المسلمين، وكذلك الحملات المعادية للإسلام.
احتياجات دعوية
هل تقومون بإرسال بعض الطلاب للدراسة بالجامعات الإسلامية أم تكتفون بالتجهيز الدعوي الداخلي؟
نقوم بإرسال طلاب للدراسة بالخارج، إلا أن عددهم قليل مقارنة بحاجتنا إلى مزيد من الدعاة لتنشيط الدعوة، ولهذا نطالب كل المؤسسات التعليمية وعلى رأسها الأزهر بزيادة أعداد المنح المجانية للطلاب للدراسة بها، وكذلك زيادة أعداد المبعوثين والعلماء إلينا والتوسع في إنشاء المراكز الإسلامية والمعاهد الأزهرية في بلادنا لنشر صحيح الدين الإسلامي، وفقاً لما يتصف به الإسلام من الاعتدال والوسطية لمواجهة أي فكر متشدد من جانب، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، سواء بين المسلمين أو غيرهم، مما يسهم في تعزيز الوجود الإسلامي؛ حيث يتبع غالبية المسلمين المذهبين الشافعي والحنفي، ويتعايش الجميع في سلام من دون تعصب أو تطرف، إلا من جانب قلة جاهلة بدينها ويتم تصحيح المفاهيم المغلوطة لديها.
ما الوسائل التي تتبعونها لإظهار الوجه الحقيقي للإسلام في بلادكم في ظل ظهور جماعات ضالة وانتشار أتباعها في بعض البلاد الإفريقية؟
جهودنا الدعوية متنوعة، ونهتم بعقد مؤتمرات بعضها محلي وبعضها دولي تتم من خلال المجلس الإسلامي لتصحيح الصورة التي لوثتها بعض التنظيمات المنتسبة ظلماً إلى الإسلام... ولهذا نعمل على تحصين شبابنا من هذه الأفكار المنحرفة، ونعمل على إظهار رحمة وتسامح الإسلام والتصدي للصورة المحرفة عن الإسلام.
الاهتمام بالمرأة
المرأة هي العمود الفقري لترسيخ الهوية الإسلامية في دول الأقليات الإسلامية، فكيف تنشر المؤسسات الدعوية الإسلامية الخطاب الدعوي الديني لدى النساء؟
نركز في جهودنا الدعوية على النساء، وجزء كبير من الجهود التي تقوم بها المؤسسات الإسلامية يتوجه إلى النساء المسلمات، بل وغير المسلمات ممن لديهن رغبة في التعرف إلى الإسلام، خاصة في مناطق غير المسلمين من أتباع الأديان الوضعية، كما أنه توجد «رابطة النساء المسلمات» التي تقوم بجهود جيدة في هذا المجال سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع غيرها من المؤسسات الدعوية والإنسانية والحجاب في تزايد مستمر، لأنه تتم تربية بنات المسلمين على الاحتشام منذ الصغر.
قرأنا منذ سنوات عن سعي مسؤولي الشرطة لديكم للضغط من أجل وضع قانون يجرم الملابس القصيرة فهل هذا صحيح؟
هذا صحيح وقد تم اللجوء إلى ذلك للحد من ارتفاع ظاهرة الاغتصاب والتحرش الجنسي بسبب الملابس الفاضحة، وعدم إدراك النساء أن هذا النوع من الملابس يعرضهن لخطر دائم، خاصة أن حفلات الرقص الجماعي يمكن أن تقام في الشوارع مما يسبب المشكلات للشرطة التي تعاني تزايد العنف - بكل أشكاله - ضد النساء، ولهذا فهي تدعو إلى عدم ارتداء الملابس العارية بشكل كبير، والحمد لله على أن المسلمات بعيدات عن ذلك؛ حيث يرتدين الحجاب والملابس المحتشمة التي تحميهن من التحرش الذي يصل إلى الاغتصاب أحياناً.
علاقات محرمة
يقال إن من التحديات الكبرى للإسلام في القارة السمراء انتشار الزواج المختلط بين مسلمات وغير مسلمين، فهل هذا صحيح؟ وكيف يمكن مواجهته؟
نعم، هذا الزواج والعلاقات غير المعترف بها شرعاً موجودة، إلا أنها تختلف من دولة لأخرى حسب الوعي الإسلامي الذي يتمتع به مسلمو كل دولة، فكلما كانت الدعوة نشطة وتعمل في ظل حرية دينية تتم محاصرة هذا الزواج غير الشرعي، وكلما كانت ضعيفة وتنتشر الأمية الدينية تنتشر هذه الزيجات انطلاقاً من الأمية والجهل بالدين وغياب التواصل بين مسلمي بعض المناطق الإفريقية مع العالمين العربي والإسلامي، ولهذا ظهرت مثل هذه السلبيات والزيجات المحرمة، ونحن نسعى لمحاصرتها بالوعي الذي يتطلب جهوداً داخلية ودعماً خارجياً، لأن من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وتنامي أعداد هذه الزيجات معناه أن الهوية الإسلامية في خطر بسبب زواج المسلمات من غير المسلمين، مما قد يستتبعه زواج الرجال المسلمين من غير المسلمات، بل والوثنيات أو صاحبات العقائد الفاسدة مما يمثل خطراً كبيراً لا بد من محاصرته بين الدول الإفريقية، التي بها أقليات مسلمة.
مطالب ملحة
ما مطالب مسلمي القارة السمراء من المؤسسات الدعوية العالمية خاصة أن المسلمين فيها مستهدفون؟
منذ سنوات طويلة أعلنت العديد من الجمعيات التبشيرية الكبرى المعادية للإسلام عن خططها للانتشار في إفريقيا، ولهذا كثفوا جهودهم مستغلين الظروف الاقتصادية الصعبة وانتشار الفقر الذي يصل إلى درجة المجاعة في العديد من الدول التي بها نسبة من المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى، وتعمل هذه الحملات على ربط المساعدات الإنسانية في مجالات الغذاء والعلاج والتعليم والكساء بدعوات عقائدية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولهذا نطالب المؤسسات الدعوية والإغاثية والخيرية الإسلامية بوضع القارة السمراء على قمة أولوياتها، لأن الوضع خطر في بعض الدول التي تشهد تناقصاً في أعداد المسلمين فيها بعد أن نسيهم أو تناساهم القادرون وذوو الفضل والخير من المسلمين، وكذلك نطالب بتفعيل التنسيق بين المؤسسات الدينية والخيرية الإسلامية.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.