الإرجاء على وجهين: قوم أَرْجَوا أمر علي وعثمان، فقد مضى أولئك. فأما المرجئة اليوم فهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل. فلا تجالِسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم.
" المراد بالإرجاء الذي تكلم الحسن بن محمد فيه، غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السنة المتعلق بالإيمان". ثم نقل شيئا من كلام محمد بن الحسن في كتابه المذكور آنفا، ثم قال: " فمعنى الذي تكلم فيه الحسن، أنه كان يرى عدم القطع على إحدى الطائفتين المقتتلتين في الفتنة بكونه مخطئا أو مصيبا، وكان يُرجئ الأمر فيهما. وأما الإرجاء الذي يتعلق بالإيمان فلم يعرج عليه، فلا يلحقه بذلك عابٌ، والله أعلم".
القول الأول: الإيمان يكون بالقلب واللسان معا دون غيرهما من الجوارح. وأشهرُ من ينتسب إلى هذا القول أبو حنيفة وأصحابه وهم المُلقَّبون عند أئمة السلف بمرجئة الفقهاء. وعامة كلام السلف في الإنكار على المرجئة وتبديعِ أهل الإرجاء إنما يُقصد به هؤلاء المنتسبون إلى مدرسة الكوفة الإرجائية. وهذا القول مذكور في كتب المقالات عن الشمرية أتباع أبي شمر، والنجارية أتباع الحسين بن محمد النجار.
واختلفوا في الذي يقوم بالقلب هل هو المعرفة أم التصديق، على قولين اثنين.
وهل يكفي في المعرفة القلبية الاعتقاد الجازم أم لا بد من العلم الصادر عن الاستدلال؟ قولان أشهرهما الأولُ الذي يَحكُم أصحابه بإيمان المقلد. واختلفوا أيضا في متعلَّق هذهِ المعرفة، ومحقِّقوهُم على أن المعتبرَ فيها هو العلمُ بكل ما عُلم بالضرورة كونُه من دين محمد صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: الإيمانُ محصورٌ في القلب. وأصحاب هذا القول نوعان: أحدهما يقول إن الإيمان عبارة عن معرفة الله بالقلب، حتى أن من عَرفَ الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يُقرَّ به فهو مؤمن كامل الإيمان. وهذا قول الجهم بن صفوان وأبي الحسن الصالحي أحد رؤساء القدرية. وثانيهما يقول بأن الإيمان هو مجرد التصديق بالقلب. وهذا مذهبُ أبي منصور الماتريدي، وروي عن أبي حنيفة، ونقله الفخر الرازي في التفسير عن الحسين بن الفضل البجلي، واختارَه. وهذا الذي استقر عليه عامةُ متكلمي الأشاعرة المتأخرين، كما في المواقف وشروحه.
القول الثالث: الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، ومنهم من جعل حصولَ المعرفة في القلب شرطا في كون الإقرار اللساني إيمانا، وهذا قول غيلان الدمشقي والفضل الرقاشي، ومنهم من لم يشترطه وهم الكَرَّامية. فالمنافقون عندَهم مؤمنون كامِلو الإيمان، ولكنهم يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به! وهذا قول ظاهرُ الفساد كما يقول ابن أبي العز في شرح الطحاوية.