الإسلام والمسلمون في مقدونيا (حوار)مقالات

هاني صلاح الدين

الإسلام والمسلمون في مقدونيا (حوار)

هاني صلاح الدين

 

المصدر: موقع مهارات الدعوة، 25 مارس 2015م، عن: مرصد الأقليات المسلمة.

 

إنها “دولة” قامت على جزء من أرض “بلغارية” يعيش عليها سلاف أرثوذكس.. وجزء آخر من أرض “ألبانيا” يعش عليها ألبان مسلمون.. ومثلت إحدى جمهوريات “الاتحاد اليوغسلافي السابق”.. هذه هي جمهورية مقدونيا.. حيث الماضي والمستقبل “مجهول”..

تابع مشاركات حوارنا عن الإسلام والمسلمون في مقدونيا.. مع د. باشكيم علي -إمام مسجد الإسلامي في وتزكن بسويسرا حاليا، الرئيس الأسبق لاتحاد الشباب الإسلامي في مقدونيا-.

المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح ـ منسق الحوار ـ وتتضمن ثلاثة أسئلة تمهيدية للحوار، على النحو التالي..

شكرا دكتور باشكيم على قبولكم دعوتنا للحوار مع جمهور الفيسبوك الناطق بالعربية.. كما نشكر الزملاء الصحفيين المشاركين معنا في إثراء هذا الحوار والذي ينشر في ستة مواقع الكرتونية عقب الانتهاء منه..

وهذه مداخلة تمهيدية للحوار تتضمن ثلاثة أسئلة تعريفية هامة لتساعد الجمهور على فهم أجواء الحوار.. وهى كالتالي..

المحور الأول: التعريف بالدولة

1 ـ دكتور علي.. لو تلقي الضوء عن دولة مقدونيا والخريطة العرقية التي يتكون منها شعبها؟

* تقع مقدونيا في الجزء الأوسط من شبه جزيرة البلقان، لذا اكتسب موقعها أهمية إستراتيجية كبيرة نظراً لوقوعه على طرق الممرات الأوروبية (8 ـ 9) التي تصل غرب القارة الأوروبية بشرقها وقارة أسيا.

وجمهورية مقدونيا كانت قد استقلت سلمياً عن الاتحاد اليوغسلافي في 8 سبتمبر 1991م، وعاصمتها سكوبيا. وتبلغ مساحتها 25.713 كيلو مترا مربعا، وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة في عام 1993م، ولكن نتيجة للنزاع مع اليونان على اسمها، اعترف بها تحت اسم مؤقت هو: “جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة”، والذي يختصر أحياناً بهذه الحروف: ( FYROM).‏

وجمهورية مقدونيا.. بلد غير ساحلي، يجاورها دولة كوسوفا من ناحية الشمال الغربي، وجمهورية صربيا من الشمال، ومن الشرق بلغاريا، واليونان من الجنوب وألبانيا تقع في غربها.

مقدونيا عضو في الأمم المتحدة ومجلس أوروبا. ومنذ ديسمبر 2005 كانت أيضا مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتقدمت بطلب للحصول على عضوية الناتو.

في القرن الرابع عشر، دخلت مقدونيا ضمن الإمبراطورية الصربية لعدة عقود، تلاها استيلاء العثمانيين على تلك المناطق. استمرت مقدونيا جزءا من الإمبراطورية العثمانية لمدة خمسة قرون تقريبا.

وتشكل مقدونيا من المقدونيين السلاف والألبان في غربي مقدونيا، ثم أقليات من الأتراك والصرب والغجر. ويعتنق أغلب المقدونيين والصرب المسيحية على المذهب الأورثوذكسي، بينما يعتنق الألبان والأتراك والغجر الدين الإسلامي.

المحور الثاني: التعريف بمسلمي مقدونيا

2 ـ كما نرجو إلقاء الضوء على الخريطة العرقية والجغرافية والاجتماعي لمسلمي مقدونيا.

* يشكل المسلمون أكثر من 40% من السكان، وهذا رابع أكبر عدد من المسلمين في أوروبا (من حيث النسبة المئوية)، بعد كوسوفا (96%)، وألبانيا (75%)، والبوسنة والهرسك (48%). ومعظم مسلمي مقدونيا من الألبان (نحو 33%)، وهناك أقليات أتراك وبوسنيون ومن الغجر، ويوجد أيضا مسلمون من أصول مقدونية أيضاً.

بعض المناطق الشمالية الغربية والغربية أغلبيتها مسلمة، ونسبة من مسلمي مقدونيا من الطبقة الغنية وبعضهم تجار وبعضهم من الطبقة الفقيرة. وهناك أكثر من 500 مسجد، وتوجد مدارس إسلامية عريقة تعود لقرون سابقة.

المحور الثالث: التعريف بضيف الحوار

3 ـ هل يمكن التعريف بكم لجمهورنا قبل بدء الحوار.. تعريف إنساني واجتماعي ووظيفي ودعوي.. وما هي أهم المهام التي تقومون بها حالياً وأبرز المسئوليات التي قمتم بها سابقاً..

* اسمي باشكيم على، إمام المسجد الإسلامي في وتزكن، سويسرا.

ولدت في مدينة تيتوفو، جمهورية مقدونيا سنة 1974م. وانتهيت من المدرسة الابتدائية في مسقط رأسي، في عام 1989م، كما أنهيت المدرسة الإسلامية الثانوية “عيسى بك” في الفترة 1989-1993، حيث تم اختياري كأفضل طالب، وكنت رئيس جمعية الطلاب بالمدرسة حيث نقوم بأنشطة طلابية متعددة.

تخرجت في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية في عام 1998 بتقدير ممتاز. ثم التحقت فيما بعد بالدراسات العليا.

وفي عام 2004 حصلت على درجة الماجستير في الجامعة الأمريكية المفتوحة في ولاية فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية (باللغة العربية). موضوع الرسالة: “آثار الربا الاجتماعية والاقتصادية”.

وفي عام 2014م، حصلت على درجة دكتوراه في الدراسات الأوروبية للاندماج. وكان عنوان أطروحة الدكتوراه: “الاندماج السياسي للمسلمين في الاتحاد الأوروبي (حالة بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا)”، في جامعة (كيريلي ومتوديوس المقدس ـ كلية الفلسفة).

المشاركة الثانية.. من: إسماعيل إبراهيم ـ صحفي مصري..

ما مدي مشاركة المسلمين في الحياة السياسية في مقدونيا؟ وهل هناك قيود علي مشاركتهم؟

* المسلمون يشاركون بقوة في الحياة السياسية في مقدونيا، وليس هناك قيود مباشرة تمنع المسلمين من المشاركة السياسية.

لكن ينبغي أن نوضح قضية مهمة في هذا الإطار، وهي أن المسلمين لا يشاركون في الحياة السياسية في مقدونيا بصفة دينية وإنما بصفة قومية، وهذا يعني أن هناك أحزاب سياسية ذات توجه قومي ووطني، وليست ذات توجه ديني، مع أنهم لا ينكرون أنهم مسلمون، ويرفعون صوتهم أحياناً وليس في كل مرة حتي علي الحقوق الدينية.

ولهذه الظاهرة أسبابها المعقولة ويمكن نلخصها فيما يلي: أسباب جغرافية، وسياسية، وجييو سياسية، وتاريخية، وحقوقية.

المشاركة الثالثة.. من: أحمد التلاوي ـ باحث مصري في التنمية السياسية ـ وتتضمن ثلاثة أسئلة..

1. تعتبر مقدونيا دولة مجهولة نسبيا بالنسبة للعالم الإسلامي، وبالتالي فإن أوضاع وأحوال المسلمين فيها أكيد هناك الكثير من الضبابية حولها.. فهلا أزلتم بعض هذا الضباب؟.. كيف حالكم وواقعكم؟

* مقدونيا دولة صغيرة وليس لها دور كبير ومؤثر سواء في المنطقة أو في العالم، لذلك فهي مجهولة. لكن بنسبة إلى أقطاب السياسة العالمية؛ تعد دولة مهمة من حيث جغرافيتها حيث إنها تقع في قلب منطقة البلقان وعلى الممرات الدولية وبهذا هي تعتبر من الجسور الجغرافية بين الشرق والغرب.

أيضاً تأتي أهميتها الثانية من الناحية الديموغرافية؛ لأن سكانها ألبان مسلمون وسلاف أرثودكس ينحدرون من نفس الجنس السلافي مع الروس، ومن هذه الناحية هي مهمة بنسبة للمعسكر الغربي الكاثوليكي وحلف شمال الأطلسي.

وحال المسلمين لا يختلف كثيرا من غيرها من بلدان أوربا الشرقية، فلنا مساجد في كل مدينة بل وقرية، ولدينا مدارس عامة ومدرسة ثانوية دينية إسلامية كبيرة للبنين والبنات وكلية للدراسات الإسلامية.

كما أن عندنا أوقافا والناس يشتغلون بأعمال مختلفة مثل التجارة، والصناعة وكثير منهم يعملون في دول أوربا الغربية. وعندنا أحزاب سياسية وحققنا بعض النجاحات في السياسة والاقتصاد وبقي الكثير ينتظر التحقيق وعندنا مشاكل وضغوط كسائر البلدان.

2. هل هناك تواصل مع مسلمي البلقان الآخرين؟.. أم هناك عقبات سياسية وأمنية لديكم تحول دون التواصل مع إخوانكم في باقي الإقليم؟

* نعم عندنا تواصل مع مسلمي البلقان خاصة مع ألبانيا وكوسوفا ودولة البوسنة والهرسك.. ليس هناك عقبات في التواصل.. ولكن هناك بعض الصعوبات.

3. هلا ألقيتم الضوء على جانب من حالكم خلال سنوات الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة في النصف الأول من التسعينيات؟..

* نحن في مقدونيا لم نكن جزءاً من أحداث الحروب الأهلية في جمهورية يوغسلافيا السابقة.. لم تكن في مقدونيا حرب أهلية في ذك الوقت.. وقد استقلت سلمياً عن يوغسلافيا بخلاف الجمهوريات الأخرى..

وإنما حدثت لدينا الحرب هنا عام 2000م، بشكل سريع وغير مدمر ولم تطول ولم تحدث أشكال كارثية بين الألبان المسلمين والمقدونيين من السلاف الأرثودكس، فقد تدخل الغرب سريعاً لوقف هذا النزاع المسلح الذي نشب.

المشاركة الرابعة.. من: محمد وريور – مذيع تلفزيوني:

ما هي أهم حاجات المسلمين في مقدونيا?

* طبعا هناك حاجات كثيرة.. لكن أهمها الآن: “سياسية” وتتعلق بوضعهم القانوني في الدستور وببعض الحقوق السياسية، و”اقتصادية” من حيث الحصول علي حصتهم من ميزانية الدولة، وأيضاً هناك “حقوق دينية” من حيث استرداد الأوقاف المصادرة في العهد الشيوعي.

المشاركة الخامسة.. من: محمد سرحان – مراسل “علامات أونلاين” في إسطنبول:

كانت مقدونيا ضمن الإمبراطورية العثمانية إلا أن حروب البلقان أنهت الحكم العثماني ونتج عنها احتلالها من قبل الصرب وترتب على ذلك حملات لمطاردة وتهجير المسلمين مثل البوشناق..

هلا أعطيتنا نبذة عن تلك الفترة؟ وهل تمكن المسلمون الذين تم تهجيرهم من العودة إلى وطنهم؟ يمثل المسلمون حوالي ثلث سكان مقدونيا فهل هذه النسبة الكبيرة تعكس حضورا سياسيا واجتماعيا إسلاميا مساويا لهذه النسبة؟ وهل ما زال المسلمون يحتفظون بخصوصيتهم؟

نعم تم تهجير عدد كبير من العائلات المسلمة من مقدونيا إلي تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، وحتي نهاية السبعينات من القرن الماضي، عن طريق عدة وسائل بدءاً من الضغوط الدينية والسياسية والاقتصادية وملاحقتهم قانونياً، واتهامهم بالوقوف ضد الدولة وضد النظام إلي غير ذلك. والذين تم تهجيرهم لم يعودوا إلى مقدونيا، وإنما بقوا في تركيا.

وهناك أيضاً نوع من التهجير، من خلال الضغوطات الاقتصادية، وذلك إلى دول أوربا بحثاً عن العمل وذلك حصل من السبعينات من القرن الماضي، ويستمر حتى يومنا هذا.. الأجيال الجديدة التي ولدت في الغرب لا يفكرون الآن بالعودة.

المسلمون في مقدونيا يمثلون نصف السكان وليس الثلث وعندهم حضور في الساحة السياسية ولكن ليس ككتلة واحدة كمسلمين وإنما كأحزاب سياسية قومية.

المشاركة السادسة.. من: سعيد كريديه ـ رئيس قسم المراجع في مكتبة الجامعة اللبنانية الأميركية:

ما هو الأطغى لدى مسلمي مقدونيا: القومية الألبانية أم الإسلام؟

* هذه مسالة تحتاج إلي دقة وفهم للقضية بصورة صحيحة. فالمسلمون في مقدونيا متمسكون بدينهم ولا يساومون أحداً على انتمائهم الديني، ولكن بسب الضغوط عليهم كألبان ومنعهم من حق اللغة والعلم القومي والرموز الخاصة بهويتهم وثقافتهم، والتاريخ القومي.. بسبب كل ذلك تراهم يناضلون للقضايا القومية. القومية الألبانية والإسلام يكونان سويا شخصية الألباني المسلم في مقدونيا.. وهو يناضل لهذا ولذاك معاً حسب الحاجة وليس هناك تعارض بين المصلحة الدينية والقومية لدي الألبان.

الإسلام سنسأل عنه في الآخرة وعن حقائقه سنسأل في القبر والمحشر وهذا يعرفه المسلم الألباني جيداً. أما القومية الألبانية فلها أهمية في هذه الدنيا فقط.

المشاركة السابعة.. من: بكر العطار، مسؤول قسم الأقليات بجريدة “الأمة” الإلكترونية ـ وتتضمن أربعة أسئلة:

1 ـ هل لدى مسلمي مقدونيا الرغبة في الانفصال والانضمام إلى كسوفا أو ألبانيا؟

* نعم الألبان المسلمون في مقدونيا يريدون العودة بأوطانهم إلى وطنهم الأم الذي تم فصلهم عنه كرهاً وبدون إرادتهم. لكن النخبة السياسية الحاكمة لا تؤيد هذه الفكرة وإنما تتبني فكرة الاندماج إلى الاتحاد الأوربي وفي ظل الاتحاد الأوربي سيتم توحيد الأراضي الألبانية.

2 ـ هل هناك قيود على الحريات الدينية مثل ارتداء الحجاب وأداء العبادات؟ وما مدى الإقبال على العبادات والحج؟

* على المستوى الشخصي، وبالنسبة للفرد.. ليس هناك قيود في العبادات لا للرجل ولا للمرأة، لكن على المستوى الرسمي والعمل في المؤسسات الحكومية والعامة مثل المدارس هناك قيود على النساء فيما يتعلق بالحجاب.

3 ـ قديما أصدر البرلمان المقدوني تشريعا يقدم لكل مواطن مقدوني “مسيحي” منحة شهرية تبلغ 300 دولار حال نجاحه في إنجاب طفل ثالث، وذلك لمواجهة الثورة الديمجرافية للمسلمين.. هل تفسر لنا ذلك؟

* لا.. ليس كذلك بطريقة مباشرة.. كان هذا القرار يشمل صرف منحة في حالة إنجاب طفل ثالث في البلديات التي لها نمو ديموغرافي ضعيف بغض النظر هل هي ذات أكثرية مسيحية أم مسلمة.

لكن معروف أن البلديات ذات أكثرية مسلمة لها نمو ديموغرافي ملحوظ فلا يشملهم القرار. وكان معلوماً أن هذا القرار سيشمل المقدونيين النصارى الذين لهم نمو ديموغرافي ضعيف مع أنه لا ينص علي ذلك.

لكن في النهاية هذا القرار ألغي من قبل المحكمة الدستورية لأنه يؤدي اللي التمييز.

4 ـ حدثنا عن الشخصيات المسلمة (الناجحة)المؤثرة والتي لها دور فعال في البلاد؟

* لا أستطع أن أخص بالذكر أحداً بعينه.. لكن أقول هناك شخصيات ومؤسسات إسلامية ناجحة في مجال الإغاثة والإعلام والاقتصاد والثقافة.

سأذكر على سبيل المثال لا الحصر المؤسسات الإسلامية التالية: تجمع الشباب الإسلامي، الجمعية الخيرية سنابل الخير، والجمعية الخيرية الهلال، دار النشر الفرقان، ولوجس، وجمعية المرأة المسلمة في مقدونيا، إلي غير ذلك.

المشاركة الثامنة.. من: شادي الأيوبي ـ صحفي لبناني مقيم في اليونان..

كيف ترى الأطراف في البلد خلاف مقدونيا مع اليونان حول اسم مقدونيا؟ وهل هذه المسألة حاضرة في البلد أم أنها غير مهمة جدا لها؟

* نعم قضية الخلاف بين مقدونيا واليونان بالنسبة للاسم موجودة في مقدونيا، وهي حديث الساعة بسبب أن انضمام مقدونيا إلى الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي متعلقة بحل هذه المشكلة.. أي: “مشكلة الخلاف مع اليونان بسبب اسم الدولة”.

الألبان من جانبهم يرون تغيير اسم الدولة ويوافقون عليه كي يفتح الطريق أمام مقدونيا للانضمام إلى الاتحاد الأوربي. بينما يرى جزء كبير من المقدونيين (السلاف الأرثوذكس) التمسك بالاسم القديم، ولو على حساب الانضمام.

الحكومة الحالية لا ترغب في التوصل إلى حل في هذا الملف الشائك؛ لأن توجهاتها يمينية وقومية وتستخدم الخلاف مع اليونان حول الاسم لأغراض انتخابية وهي تنظر إلى روسيا أكثر من أوروبا.