كيف وصل الإسلام إلى ماليزيا؟ (2)مقالات


دولة ملقا وانتشار الإسلام بشبه جزيرة الملايو:

• يعتبر قيام الدولة الإسلامية في "ملقا أو ملاكا" على الساحل الغربي للملايو أوائل القرن الخامس عشر الميلادي هو السبب الرئيسي في غلبة حضارة دين الإسلام في أرخبيل الملايو على ما عداها من ثقافات وديانات وثنية سابقة، ورغم أن تلك السلطنة الإسلامية قد سبقتها إمارات إسلامية أخرى في "كلنتن" و"ترنجانو" إلا أن دولة "ملقا" وملوكها لعبوا دورًا رئيسًا في نشر دعوة الإسلام بين جيرانها، فكانت تلك السلطنة مثالًا حيًّا للدولة الإسلامية صاحبة الرسالة في تاريخ الملايو قديمًا.

وقد أسس تلك السلطنة الأمير "باراميسوارا" حيث ورد في تاريخ الملايو أن سلطنة ملاكا قد فتحها "باراميسوارا" Parameswara وهو أحد نبلاء سلطنة "سريويجايا" Sriwijaya الإندونيسية الهندوسية التي تقع في "فالمبنج" Palembang بإندونيسيا، وقد اضطر "باراميسوارا" إلى الفرار من "فالمبنج" إلى "سنغافورة" ثم إلى "جوهر" و"موار"، ومنها واصل سيره حتى انتهى إلى "ملقا"، فأقام حكومته الجديدة هناك في حوالي سنة 1390م مع أن "ملاكا" في ذلك الوقت كانت ما تزال تحت حكم "مملكة سيام" (تايلند)، وقد استطاع التخلص من النفوذ التايلندي (السيامي) كليًّا عام 1409 م، واجتذبَ إلى دولته التجار المسلمين بعد سقوط كل من مقاطعة "فاساي" و"سنغافورة" في أيدي مملكة "ماجافاهيت" الهندوسية[1].

• استطاع "باراميسوارا" تطوير "ميناء ملقا" ليكون ميناءً تجاريًّا هامًّا مزدهرًا، ولما مات أمير ملقا الهندوسي خلفه ابنُه "مجت إسكندر شاه" الذي أسلم في سنة 1414 م حيث كان مقتنعًا بالإسلام الذي يمارسه التجار المسلمون في مملكة أبيه، وهنا أدخل شعبه كله معه في الإسلام، وكان التجار المسلمون منذ عهد أبيه يمارسون الدعوة الإسلامية بين سائر القبائل مع نمو حركة التجارة وازدهارها في حوض الملايو.

بإسلام "إسكندر شاه" بدأ السلاطين يشاركون في نشر الإسلام جنبًا لجنب مع العلماء والتجار المسلمين، وقد فتح السلاطين أبواب "ملقا" للدعاة وعاملوهم بكل احترام، وتروي المرويات التاريخية عن شيوخ عرب مسلمين دخلوا المنطقة دعاة وأعطوهم الملايويون بيوتًا ليسكنوا فيها وأرضًا ليبنوا عليها مساجدهم[2].

• ونجد في عهد "مظفر شاه" قيام مسلمي ملقا بصد هجوم من الإمبراطورية التايلندية التي تخوفت من انتشار الإسلام على مملكتها وأراضيها، فأرسلت حملة استباقية لغزو ملقا؛ ولكن شجاعة أبناء ملقا المسلمين واستعداداتهم العسكرية المتحفزة دحرت هذه الحملة.

• وفي عهد "منصور شاه" حررت مملكة "ملقا" ولاية "باهنج" Pahang من النفوذ التايلندي البوذي، كما حررت بعض الولايات الأخرى بجزيرة سومطرة من الهندوس كذلك، ونشرت فيها الإسلام.

• وفي عهد "محمود شاه" توسعت سيطرة المسلمين على مناطق "كلنتن" و"فطاني" و"قدح" بعدما كانت تحت سيطرة تايلند البوذية، وبذلك شملت دولة "ملقا" الإسلامية وقتذاك جزيرة سنغافورة وجزءًا من جزيرة سومطرة، ومعظم الولايات الماليزية الغربية، وكان "محمود شاه" حاكمًا لملاكا من عام 1488م حتى 1511م، ويذكر أن "محمود شاه" أرسل مبعوثًا إلى "باساي" ليأتيه بفتوى لمعضلة فقهية استعصت على فقهاء المراكز الدينية الأخرى.

• وفي عهد "منصور شاه" الذي عرف بالتديُّن والورع والاهتمام بشؤون الدين، وصل إلى ملاكا خلال هذه الفترة علماء ودعاةٌ من مكة المكرمة وغيرها من الأمصار الإسلامية لنشر الإسلام وتبادل الآراء حول المسائل الفقهية، ومنهم مولانا "أبو بكر" في أحد المراكب ومعه كتاب "الدر المنظوم"، ثم أرسل الكتاب إلى "مخدوم"- أي: "داعية" آخر- في "باساي" لعرضه عليه، ولقد تتلمذ "سلطان باساي" نفسه، على يد "مولانا أبي بكر"، الذي مدحَ تقدم السلطان في دراسته الفقهية وتضلعه من العلوم الإسلامية، وكان "مخدوم آخر" اسمه "صدر جاهان" أستاذًا للسلطان "محمود شاه" وابنه، وكان العرب والفرس في "ملقا" و"باساي" يحتلون مكان الصدارة في العلم والثقافة، فكثير من رجال العلم والفقه تلقوا تعليمهم في "ملاكا" أو "باساي"؛ ولهذا ذهب كثير من أهل "جاوا" إلى "ملاكا" لدراسة القرآن والحديث، وبعد تخرجهم أصبحوا كُلُّهم دعاةً ووعَّاظًا، وكانت "ملقا" مركز "رئاسة الأركان" للوعظ والإرشاد[3].

• كما تعتبر الفترة ما بين السلطان "منصور شاه" و"علاء الدين شاه" عصرًا ذهبيًّا للمملكة والدعوة الإسلامية بأرخبيل الملايو بأكمله، وشهدت المملكة أكبر اتساع لها، وتمكين لمسلميها[4].

 

الاستعمار البرتغالي يغزو الملايو:

ما بين القرن السابع الميلادي حتى القرن السادس عشر الميلادي كان الإسلام قد وطَّد أركانه في أرخبيل الملايو، وأسس له عدة إمارات إسلامية بطول الساحل، كان من أعظمها مملكة "ملقا" أو "ملاكا" التي أخذ ملوكها على عاتقهم عبء الدعوة الإسلامية بين الممالك البوذية والهندوسية المجاورة، حتى شملت دعوتهم منطقة إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلند وبروناي؛ ولكن مجيء القوى الاستعمارية البحرية على تلك الممالك الإسلامية الوادعة آذنَ بانتهاء عصر الدعوة الإسلامية، ودخلَ أرخبيل الملايو مرحلة جديدة من مقاومة الاستعمار الصليبي لأراضيه المسلمة.

غزا "البرتغاليون" ميناء "ملقا" عام 1511 م، بقيادة "ألفونسو دي البوكرك"، وسقطت "ملقا" في يد البرتغاليين بسبب التفوق العسكري، وكان سقوط ممالك المسلمين في منطقة الملايو امتدادًا لسقوط مملكة المسلمين في "الأندلس" في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، وإعلانًا للحرب الصليبية على ممالك المسلمين- بأرخبيل الملايو - التي جابهت هذه الهجمات الشرسة بالمقاومة والوقوف ضدها[5].

 

• انتشر الإسلام عن طريق التجار الدعاة في أرخبيل الملايو كله، فالعرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ عصور مبكرة جدًّا.

• وصل التجار العرب لمنطقة الصين والملايو منذ عهد قديم قبل الإسلام، وأقاموا بعض المحطات التجارية في موانئ جزر الملايو المتناثرة، ومع وصول الإسلام شبه الجزيرة العربية، انتقل بالتالي لتلك المحطات التجارية الهامَّة.

•  أنشأ تجار المسلمين لأنفسهم مراكز تجارية، على سواحل سومطرة، وشبه جزيرة الملايو، من وقت مبكر، وربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين، وقد أتى أوائل التجار أول الأمر من جزيرة العرب، من عمان وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن.

• من الثابت تاريخيًّا أن الإسلام لم يصل إلى أرخبيل الملايو إلا عن طريقين: طريق سواحل الهند بحرًا، وطريق الصين برًّا، حيث كانت العلاقات التجارية والدبلوماسية بين العرب والصين والهند موجودة ونشطة منذ زمن بعيد.

• هناك شواهد أثرية وأدلة تاريخية على قدوم الإسلام من مقاطعات الصين ذات الوجود الإسلامي، إلى المراكز التجارية في شبه جزيرة الملايو، ومنها قام التجار المسلمون بالدعوة، إلى جانب العمل بالتجارة، بين تلك الجزر المتناثرة.

• كان المركز التجاري في كل من "فطاني" Patani و"فام" Pam (خليج تايلند) على الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو أول مركزين تجاريين يلاقونهما التجار المسلمون في طريقهم فدخلوهما ودخلت معهم لأول مرة الدعوة الإسلامية إلى ماليزيا.

• يدلل على صحة هذه النظرية أن معظم الشواهد الأثرية الإسلامية المكتشفة في ماليزيا كانت من جهة شمال غربي وشرقي شبه جزيرة الملايو.

• عثر في قرية "لنجر" Langgar بولاية "قدح" Kedah على شاهد قبر إسلامي يعود للقرن الثالث الهجري، العاشر الميلادي.

• عثر على دينار ذهبي في ولاية "كلنتن" Kelantan، يؤكد قيام دولة إسلامية في ولاية "كلنتن" في سنة 577 هـ/ ۱۱۸۱ م.

• عثر على حجر كبير في "ترنجانو"  Terengganuمنقوش عليه كتابات باللغة الملايوية بالحروف العربية تذكر فيها بعض الأحكام الإسلامية يعود إلى سنة 702 هـ / نحو 1303 م.

• السجلات التاريخية لأسرة الإمبراطور "سونج"Sung  الصينية قد سجلت دخول الإسلام إلى ماليزيا من جهة ساحل البحر الصيني منذ سنة 977 م.

• يعتبر قيام الدولة الإسلامية في "ملقا أو ملاكا" على الساحل الغربي للملايو، أوائل القرن الخامس عشر الميلادي هو السبب الرئيسي في اعتناق شعب الملايو الإسلام.

• عندما أسلم "مجت إسكندر شاه" في سنة 1414 م، حيث كان مقتنعًا بالإسلام الذي يمارسه التجار المسلمون في مملكة أبيه، أدخلَ شعبه كله معه في الإسلام.

• فتح سلاطين "ملقا" أبوابها للدعاة وعاملوهم بكل احترام، وتروي المرويات التاريخية عن شيوخ عرب مسلمين دخلوا المنطقة دعاةً، وأعطوهم الملايويون بيوتًا ليسكنوا فيها وأرضًا ليبنوا عليها مساجدهم.

• في عهد السلطان "محمود شاه" توسعت سيطرة المسلمين على مناطق "كلنتن" و"فطاني" و"قدح" بعدما كانت تحت سيطرة تايلند البوذية، وبذلك شملت دولة "ملقا" الإسلامية وقتذاك جزيرة سنغافورة وجزءًا من جزيرة سومطرة، ومعظم الولايات الماليزية الغربية.

• تعتبر الفترة ما بين السلطان "منصور شاه" و"علاء الدين شاه" عصرًا ذهبيًّا للمملكة والدعوة الإسلامية بأرخبيل الملايو بأكمله، وشهدت المملكة أكبر اتساع لها، وتمكين لمسلميها.

• انتهت مملكة ملقا على أيدي المستعمرين البرتغاليين الذين غزوها في  القرن السادس عشر الميلادي، وحاولوا بشتى الطرق تنصير أهلها.

 

 

[1] الإسلام في أرخبيل الملايو، رءوف شلبي، مطبعة السعادة، 1981 م، صـ66.

[2] مسلمو ماليزيا بين الماضي والحاضر، عبد الوهاب الحاج كيا، رسالة ماجستير منشورة، كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس- ليبيا، 1993 م، صـ50.

[3] الحركة الإسلامية في ماليزيا، محمد نوري الأمين بن إندوت، صـ33، 34.

[4] الدعوة الإسلامية في ماليزيا: ظهورها وانتشارها، وان حسين عزمي وهارون دين، صـ98، و99.

[5] التاريخ الإسلامي، محمود شاكر الحرستاني، المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1992 م، ج 20، صـ306.