حضارة الإسلام في مالطا (2)مقالات


مشروعات زراعية بالجزيرة آتت ثمارها:

استحدثت مشاريع زراعية كثيرة بأراضي مالطا، مثل نظام الري بالساقية (الناعورة)[1]، وقد أدخل العرب أيضاً نظام زراعة القطن في "صقلية"، ثم نقلوها فيما بعد إلى "مالطا"، بالإضافة إلى أنواع متعددة من الفواكه كالبرتقال وغيره، والعسل، إلى جانب زراعة بذور الكمون.

كما يظهر بوضوح أن "مالطا" كانت تشتهر بزراعة أشجار الزيتون، حيث كان تكرير زيت الزيتون يعتبر من الدعامات الأساسية لاقتصاد البلاد خلال القرون الوسطى، وقد طور العرب زراعة القمح في الجزيرة[2].

 

مراكز تجارية ورخاء اقتصادي:

كانت الجزيرة منذ عهد الرومان مركزًا تجاريًّا هامًّا حيث اهتموا بإصلاح موانئها وتجهيزها لاستقبال التجار، ففي منطقة (مرسا) كان هناك ميناء مجهز ربما كانت إلى جواره مدينة أيضًا، ويرجح أنه كان هناك طريق جيد يربط الميناء والمدينة بالعاصمة، وقد تطورت هذه الميزة للجزر المالطية أثناء الحكم الإسلامي، وكانت هناك شواهد على نمو النشاط التجاري في وسط البحر المتوسط في الفترة التي سيطر فيها العرب المسلمون على "صقلية" و"مالطا"، وكان للعرب فضل ظهور مدينة (بيرجو) أو (فيتوريوزا) حيث كانت "بيرجو" تتمتع بموقع مثالي لمرسى آمن، وبمرور الوقت فقد أسست تاريخًا طويلًا جدًّا من الأنشطة البحرية والتجارية والعسكرية، نظرًا لموقعها الكبير في الميناء الكبير[3]، كما امتازت جزيرة (جوزو) بمينائها المحمي من الأخطار.

وأما من الناحية الاقتصادية فقد كانت الجزيرتان (مالطا وجوزو) قد كسبتا الكثير في أثناء الحكم العربي الإسلامي، فبالرغم من فقر المعلومات القليلة عن الفترة الإسلامية بمالطا، إلا أنها تُعطي انطباعًا عامًّا بالازدهار والرخاء، فأحد المؤرخين العرب يشير إلى أنها غنية بكل شيء، طيبة باركها الله، وآهلة بالسكان، فيها مدن وقرى وأشجار وثمار، هذا الوصف يقدم صورة للخضرة التي كانت تنتشر في أرجاء الجزيرتين والنهضة الزراعية التي نعمتا بها، وهي صورة تتناقض كلية مع صورة مالطا في التقارير التي كُتِبتْ عنها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهناك قدر مؤكد من الشواهد الثابتة يدل على أن الجزيرتين كانتا حافلتين بالأشجار وبخاصة أشجار الثمار التي زُرِعت أثناء الحكم العربي الإسلامي.

 

شعراء وأدباء مسلمون من مالطا:

• يوجد عدد قليل من قصائد الشعر العربي الفصيح لشعراء مالطيين عرب عاشوا خلال النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي، وردت أسماؤهم في المقتطفات الأدبية الشعرية أو كتب التراجم والتاريخ، ومنهم الشاعر "أبو القاسم بن رمضان المالطي"[4].

• أما "عثمان بن عبد الرحمن" المعروف بابن السوسي، المولود في مالطا، وفيها تلقى العلوم عن والده وصقل موهبته، ثم انتقل للاستقرار في "باليرمو" التي كان قد اختارها باعتبارها موطنًا ثانيًا له، وبلغ من العمر أكثر من 70 عامًا، ورُزِقَ بعدد وافر من البنين، فقد امتاز شعره برهافة حسِّه وجودة نظمه[5].

 

المسلمون في مالطا حاليًّا:

في سنة 1175 م زار "أسقف ستراسبورج" "مالطا" وكتب أن الجزيرة مأهولة بالمسلمين، وفي سنة 1240 م أعد إحصاء لسكان الجزيرة بهدف تحصيل الضرائب يشير موجزه إلى أن عدد المسلمين كان لا يزال يفوق عدد المسيحيين، وأن معظم ثروة البلاد كانت في أيديهم.

ولكن عمليات تصفيات الوجود الإسلامي في الجزيرة أحدثت تغييرات في البنية السكانية للجزيرة، وأجبر أبناء المسلمين على الطرد، ومصادرة أملاكهم وأراضيهم؛ بل وتنصير من بقي في الجزيرة من المسلمين وبيعهم في أسواق أوروبا كرقيق وفاءً للضرائب الباهظة الجزافية[6].

وفي الوقت الحالي أصبح الوجود الإسلامي في "مالطا" أقل من 2 ٪ من إجمالي عدد السكان، ويحتضن المركز الإسلامي الذي أنشئ منتصف ثمانينات القرن الماضي، مدرسة "مريم البتول الإسلامية الخاصة"، التي تدعمها الحكومة المالطية وتختصُّ بتعليم أبناء الجالية الإسلامية في البلاد.

وتكاد تنعدم المساجد في "مالطا" إلا مسجدًا رئيسًا يصلي فيه أبناء الجالية الإسلامية وأغلبهم مهاجرون من المغرب وتونس وشمال إفريقيا، إلى جانب جنسيات أخرى من الباكستانيين والهنود وغيرهم.

 

• لبث المسلمون في "مالطا" قرابة قرنين من الزمان، ونجد تأثير الثقافة العربية حاضرًا وبقوة في أغلب مظاهر الحضارة المالطية.

• يتحدث سكان "مالطا" حتى وقتنا الحالي لغة عربية متمثلة في لهجة من اللهجات العامية المغربية أو التونسية السائدة في شمال إفريقيا.

• انتشرت العربية في تعريف كثير من الأماكن وأدوات التعامل اليومي بين المالطيين، كما أن أسماء كثير من الأماكن في "مالطا" و"جوزو" ترمز إلى عدد من الأسماء الشخصية العربية.

• ساد نمط المعمار العربي (المور) في "مالطا" حتى أواخر عام 1536 م، وذلك في نظام المنازل السكنية الواقعة في ضواحي "رباط" Rabat، التي يمكن اعتبارها مماثلة لمساكن السكان القدامى لشمال إفريقيا.

• لا زالت لفظة "مجلس" العربية تطلق في المساكن الريفية، وفي أواخر القرن الخامس عشر أيضًا كانت أفضل المنازل في مدينة Mdina تتكون من عدة حجرات Cammara، صالة Sala، فناء بالإضافة إلى سقيفة Sikifa.

• لم يعد في "مالطا" الكثير من الآثار التي بقيت ذات صبغة إسلامية، فقد حرص النصارى الذين تعاقبوا على حكم الجزيرة على طمس أو تبديل ملامح أي أثر إسلامي.

• كشفت الحفريات في مدينة (مدينة) من سنة 1881 م حتى سنة 1920 عن وجود مقبرة إسلامية بها قبور عديدة بني بعضها مباشرة على السقوف الرومانية.

• نقل العرب نظام زراعة القطن من صقلية إلى "مالطا" لمَّا فتحوها، وصيَّروا الجزيرة مركزًا تجاريًّا هامًّا بإصلاح موانئها وتوسيعها.

•  أحدثت عمليات تصفيات الوجود الإسلامي في الجزيرة تغييرات في البنية السكانية للجزيرة، وأجبر أبناء المسلمين على الطرد، ومصادرة أملاكهم وأراضيهم.

• في الوقت الحالي لا يتعدَّى عدد المسلمين بالجزيرة ستة آلاف مسلم، ولديهم مسجد رئيسي وحيد لإقامة الصلاة.

 

 

[1] الجذور العربية في جزيرة مالطا، عبد العزيز السيد المصري، صـ68.

[2] العرب في مالطا، جودفري ويتنجر، صـ30.

[3] Bowen-Jones, Howard; et al. (1962). Malta Background for Development. University of Durham. p. 77.

[4] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصفهاني، تحقيق: محمد المرزوقي، ومحمد العروسي المطوي، والجيلاني بن الحاج يحيى، الدار التونسية- تونس، 1966 م، قسم شعراء المغرب 1، صـ20-21.

[5] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصفهاني، صـ46-47.

[6] الجذور العربية في جزيرة مالطة، عبد العزيز السيد المصري، صـ69.