حضارة الإسلام في مالطا (1)مقالات


• لبث المسلمون في "مالطا" قرابة قرنين من الزمان، ونجد تأثير الثقافة العربية حاضرًا وبقوة في أغلب مظاهر الحضارة المالطية.

• يتحدث سكان "مالطا" حتى وقتنا الحالي لغة عربية متمثلة في لهجة من اللهجات العامية المغربية أو التونسية السائدة في شمال إفريقيا.

• انتشرت العربية في تعريف كثير من الأماكن وأدوات التعامل اليومي بين المالطيين، كما أن أسماء كثير من الأماكن في "مالطا" و"جوزو" ترمز إلى عدد من الأسماء الشخصية العربية.

• ساد نمط المعمار العربي (المور) في "مالطا" حتى أواخر عام 1536 م، وذلك في نظام المنازل السكنية الواقعة في ضواحي "رباط" Rabat، التي يمكن اعتبارها مماثلة لمساكن السكان القدامى لشمال إفريقيا.

• لا زالت لفظة "مجلس" العربية تطلق في المساكن الريفية، وفي أواخر القرن الخامس عشر أيضًا كانت أفضل المنازل في مدينة Mdina تتكون من عدة حجرات Cammara، صالة Sala، فناء بالإضافة إلى سقيفة Sikifa.

• لم يعد في "مالطا" الكثير من الآثار التي بقيت ذات صبغة إسلامية، فقد حرص النصارى الذين تعاقبوا على حكم الجزيرة على طمس أو تبديل ملامح أي أثر إسلامي.

• كشفت الحفريات في مدينة (مدينة) من سنة 1881 م حتى سنة 1920 عن وجود مقبرة إسلامية بها قبور عديدة بني بعضها مباشرة على السقوف الرومانية.

• نقل العرب نظام زراعة القطن من صقلية إلى "مالطا" لمَّا فتحوها، وصيَّروا الجزيرة مركزًا تجاريًّا هامًّا بإصلاح موانئها وتوسيعها.

•  أحدثت عمليات تصفيات الوجود الإسلامي في الجزيرة تغييرات في البنية السكانية للجزيرة، وأجبر أبناء المسلمين على الطرد، ومصادرة أملاكهم وأراضيهم.

• في الوقت الحالي لا يتعدَّى عدد المسلمين بالجزيرة ستة آلاف مسلم، ولديهم مسجد رئيسي وحيد لإقامة الصلاة.

 

تأثير حضاري إسلامي:

لبث المسلمون في "مالطا" قرابة قرنين من الزمان، ورغم أن الإسلام قد دخلها في وقت مبكر منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وغادرها المسلمون على يد "النورمان" أواخر القرن الخامس الهجري[1]، فإن تأثير الثقافة العربية حاضر وبقوة في أغلب مظاهر الحضارة المالطية، بشكل مثير للتعجب والدهشة، خاصةً مع بُعد العهد بين الفترة الإسلامية التي سادت الجزيرة ووقتنا الحالي، إلى جانب تأثر الجزيرة بثقافات وحضارات مختلفة طوال تاريخها، فقد مرَّ عليها الفينيقيون والإغريق والرومان والعرب والنورمان وفرسان القديس يوحنا والفرنسيون والإنجليز، وكانت - إن جاز لنا التعبير- سوقًا مفتوحةً لكل عابر بأرض الجزيرة، وهناك علامات استفهام كبيرة عن أحوال "مالطا" تحت الحكم الإسلامي، ومعظم ما لدى المؤرخين من معلومات إنما هو مجرد استنتاج لا يقوم عليه شاهد مادي؛ حيث لا تتوفر سجلات مكتوبة كافية؛ ولكن في استطاعة المؤرخين تأكيد أن الجزر المالطية قد تأثرت تاثرًا حقيقيًّا عميقًا بثقافة العرب واقتصادهم في القرنين اللذين حكمها فيهما المسلمون[2].

 

لغة عربية دارجة:

يتحدث سكان مالطة حتى وقتنا الحالي لغة عربية متمثلة في لهجة من اللهجات العامية المغربية أو التونسية السائدة في شمال إفريقيا، والتي تأثر بها السكان عندما استولى عليها المسلمون في ولاية "أبي الغرانيق محمد بن الأغلب" سنة 255 هـ.

ومما يشعر بانتشار اللغة العربية وآدابها في "مالطا" بعهد الأغالبة ما نجده في أخبار بعض المصادر العربية وما أورده المؤرخون، من ولع حكام الجزيرة العرب بالشعر العربي، وامتلاء البلاط بالشعراء الذين يُلقُون الشِّعْر بين أيديهم كأبي القاسم بن رمضان المالطي.. وغيره[3].

إلى جانب أنه عند استيلاء الملك النورماني "روجر الأول" على "مالطا" لم يحارب اللغة العربية، التي بقيت لفترة طويلة حية في "صقلية" و"مالطا"؛ بل كان بلاط "روجر الأول" مليئًا بالشعراء والأدباء العرب ممن بقوا في البلاد، ورعاهم ملوك النورمان.

وقد انتشرت العربية في تعريف كثير من الأماكن وأدوات التعامل اليومي بين المالطيين، فنجد ألفاظ (فرن Forn، وإصطبل Stable، ومدينة Mdina[4]، إلى جانب كلمة رباط Rabat[5]).

وأسماء كثير من الأماكن في "مالطا" و"جوزو" ترمز إلى عدد من الأسماء الشخصية العربية، كما يبدو ذلك جليًّا من خلال أسماء العبيد (الأقنان) المسلمين تحت حكم النورمان لصقلية ومالطا، ومن بين هذه الأسماء: مرزوق Marzuq، بوجبّة Bugibba، زنجور Zongur، سلامة Salama.. وغيرها.

وجدير بالذكر أيضًا أن كثيرًا من الألقاب التقليدية للمالطيين تبدو كأسماء الشخصيات العربية مثل: سموط Sammut، بوحجر Buhagiar، سعيد Said، والعجوز Agius... وقد ظل المالطيون يحتفظون بأسماء عربية أصلية حتى القرن الخامس عشر الميلادي، حيث بدأت تلك الأسماء في الاندثار خلال القرون التالية تدريجيًّا، ومن بين تلك الأسماء العربية التي كان المالطيون يستخدمونها: محمد Muhammed، حکيم Hakim، مختار Mohtar، وقطيطي Qutiti، والمخنوق Mahanuq ... إلخ[6].

 

طراز معماري إسلامي:

ساد نمط المعمار العربي (المور) في مالطة حتى أواخر عام 1536 م، حيث أشار إلى ذلك "كوينتينوس" Quintinus في أول مطبوع وصفي لمالطا تناول فيه جزءًا كبيرًا من "مدينة" Mdina، العاصمة القديمة، بالإضافة إلى عدد من المنازل السكنية الواقعة في ضواحي "رباط" Rabat، التي يمكن اعتبارها مماثلة لمساكن السكان القدامى لشمال إفريقيا.

ورغم أن أغلب تلك المعالم قد اندثرت بشكل كامل من قبل خلفاء النورمان، وتم تبديل معالمها، فتحتفظ وثائق القرن الخامس عشر بإشاراتٍ عديدة إلى أن منازل المدن في القرون الوسطى كانت تتميز بمجالسها: (مجلس Miglis أو غرفة الجلوس).

ولا زالت لفظة "مجلس" العربية تطلق في المساكن الريفية، وفي أواخر القرن الخامس عشر أيضًا كان أفضل المنازل في مدينة Mdina يتكون من عدة حجرات Cammara، صالة Sala، فناء بالإضافة إلى سقيفة Sikifa.

وهذا يوضح بجلاء سيادة تقسيم المنزل العربي في فنون النمط المعماري المتبع في تشييد المنازل بمالطا.

أما أبرز الآثار التي بقيت ذات صبغة إسلامية، فلا يوجد الكثير، فقد حرص النصارى الذين تعاقبوا على حكم الجزيرة على طمس أو تبديل ملامح أي أثر إسلامي، خاصةً في عهد "فرسان القديس يوحنا"، وفترات التعصب الديني، ومن ضمن تلك الآثار: "حصن سانت أنجلو" الذي ربما طوره العرب وأضافوا إليه كثيرًا من التحصينات[7]، أما الحفريات الأثرية فتشير إلى أن مسجدًا كان مبنيًّا في "تاسينيج" قبل عام 870 م، وأن هناك أبنية عربية قد بُنيت على أنقاض فيلَّا رومانية في "سان بول ملتي"، وقد كشفت الحفريات في مدينة (مدينة) من سنة 1881 م حتى سنة 1920 عن وجود مقبرة إسلامية بها قبور عديدة بُني بعضها مباشرة على السقوف الرومانية، كانت هذه القبور مبنية بحجارة مربعة صغيرة، ويُشير التفاوت بين قبور الأغنياء وقبور الفقراء إلى تقسيم اجتماعي، وكانت هناك بعض الصناديق الخشبية قد شدَّ بعضها إلى بعض بقطع من الحديد، وعلاوة على بعض النقوش وجد خاتم واحد من الفضة مكتوب عليه (ربي الله واحد)، كذلك تم اكتشاف عدد من المقابر الإسلامية في (رباط) ضاحية (مدينة) وأماكن أخرى - وفي جزيرة (جوزو) اكتُشِف قبر "ميمونة بنت الحارث الهلالية" وقد كتب عليه عبارات باللغة العربية تذكر إيمانها وإسلامها وصلاحها ورجاء في رحمة الله ورضوانه بخط جميل.. ونجد في متحف (مدينة) والفيلا الرومانية خارج أسوارها بعض شواهد مكسورة لقبور إسلامية[8].

 

عملات إسلامية قليلة باقية:

تم العثور على عدد قليل من القطع النقدية العربية عام 1698 م، خلال إعادة بناء الكنيسة التي كانت تعرضت للتدمير بسبب الزلزال الذي حدث في "مالطا" عام 1692 م، حيث تم صهر أغلبها، وتم بيعها كسبائك ذهبية؛ لغرض تغطية مصاريف إعادة بناء الكنيسة المذكورة.

ولهذا السبب فلم يبقَ سوى بضع قطع نقدية عربية تم حفظها، ولكن لسوء الحظ فقد تم إهداؤها لبعض كرادلة الكنيسة وغيرهم من الشخصيات خارج الجزيرة؛ مما أدى إلى صعوبة تقصي أثرها، وبالرغم من ذلك فلا زالت بعض المتاحف المالطية تعرض مجموعة قليلة من القطع النقدية الذهبية العربية، التي تم سكها خلال حكم العرب للجزيرة، حيث كتبت عليها عبارات باللغة العربية والشهادتين، ويرجع تاريخ سك بعض تلك النقود إلى الحكم النورماني في الجزيرة؛ حيث نقشت عليها عبارات باللغة العربية واللاتينية معًا أواخر القرن الخامس الهجري[9].

 

[1] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، منشورات رابطة العالم الإسلامي، 1985 م، صـ85.

[2] الجذور العربية في جزيرة مالطة، عبد العزيز السيد المصري، مجلة التربية، تصدر عن اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم- قطر، ع 61، (محرم- أكتوبر) 1983 م، صـ68.

[3] اللغة المالطية: لهجة عربية كتبت بحروف لاتينية، إحسان محمد جعفر، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب تنسيق التعريب، مج16، ع 1، 1978 م، صـ73.

[4] مدينة Mdina عاصمة الجزيرة أثناء الحكم العربي، كما عرفت أيضًا لدى المؤرخين Notabile أو النبيلة.

[5] كانت توجد كثير من الأماكن تسمى باسم "رباط" في مالطا؛ مما يدل دلالة واضحة على تعدد نظام الروابط في هذه الجزيرة وهو نظام دفاعي انتقل إليها من سواحل إفريقية في عصر "الأغالبة".

[6] اللغة المالطية: لهجة عربية كتبت بحروف لاتينية، إحسان محمد جعفر، صـ25.

[7] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ - 1985 م، صـ28.

[8] الجذور العربية في جزيرة مالطة، عبد العزيز السيد المصري، صـ69.

[9] العرب في مالطا، جودفري ويتنجر، ترجمة: د. إبراهيم أحمد المهدوي، مجلة قاريونس العلمية، جامعة قاريونس، س6، ع 3 و4، 1993 م، صـ16.