مظاهر حضارة المسلمين في صقلية (2)مقالات


عمران صقلية بالمساجد أيام المسلمين:

كانت مدن صقلية وحواضرها ملأى بالمساجد، حتى إن من زارها ذكر أن بكل مدينة من مدنها أكثر من ثلاثمائة مسجد، وظل المسجد يؤدي دوره العلمي والثقافي طيلة العهد الإسلامي[1].

كما كان للوجود العربي- الإسلامي تأثيرًا في فنون العمارة بباليرمو، وبقيت بعض آثارهم موجودة حتى الآن وأبرزها حمامات كفالا "cafala"، بالإضافة إلى سقف كنيسة بالاتين "capella palaina"، الذي زينه كله فنانون مسلمون.

وقد بنى ملوك النورمان العديد من القصور والدور الفاخرة التي استعملوا فيها معماريين من المسلمين، وكانت على نمط القصور العربية، ومنها قصر دار "لازيزا" أو "دار العزيزة" في قلب مدينة باليرمو الذي شيده "غوليام الأول" وابنه "غوليام الثاني" فيما بين عامي (1160 - 1189م).

وكذلك يبرز "قصر القبة" La Cuba الموجود في باليرمو كأحد إبداعات المسلمين في صقلية حتى بعد سقوط دولتهم، والذي بناه مهندسون وفنانون مسلمون لملك صقلية النورماندي "ويليام الثاني"، وذلك في عام 1180م.

والراهب "تيودوز"، والجغرافي "الإدريسي" على الأخص، قد وصفوا لنا وصفًا بديعًا معجبًا بتلك القصور المحلاة بالرخام النادر، والفسيفساء ناصعة الألوان، تحيط بكل ذلك الحدائق الغناء. والراهب "تيودوز" تم أسره سنة 878 م في "حصار سرقوسة" وسير به إلى "بالرمة" أو "بلرم"، ويحكي بإعجاب عما شاهده من قصور ومساجد وحارات داخل هذه المدينة[2].

 

علماء مسلمون في صقلية:

• برع المسلمون تحت حكم "الأغالبة" و"الكلبيين" و"النورمان" في شتى العلوم، فكان منهم الأدباء والشعراء والأطباء، وقد تأثر بهم النورمان، وكانت لهم مكانة كبيرة عندهم مثل الأديب "أبو عبد الله بن أبي محمد بن ظفر"، الذي كان عالمًا في النحو واللغة.

• أما ملوك النورمان فقد تأثروا بالشعر العربي أيما تأثر، فقد أولو أهمية بالغة بالشعراء، ومن بين الشعراء الذين كانت لهم مكانة عند ملوك النورمان "عبد الرحمن بن محمد بن عمر" من مدينة "بثيرة" بصقلية الذي عاش أيام "روجر الأول"، اشتهر بالشعر والأدب، وقام بمدح "روجر الأول" الذي أعجب بأشعاره واستهوته مدائحه[3].

• وكذلك الفقيه "أبو موسى عيسى عبد المنعم الصقلي" والذي كان فقيهًا وشاعرًا.

• ويعتبر الجغرافي "الإدريسي" من بين العلماء المسلمين الذين ساهموا في الحركة العلمية في صقلية النورمانية، فقد كان "الإدريسي" يرأس الدائرة الجغرافية في "بلرم"، ويشرف على شؤونها وينظمها حيث قام برسم صورة الأرض في دائرة من الفضة، ووضع عليها أقسام الأقاليم والخلجان والأنهار، وألف كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، كما ألَّف كتاب لغليام الأول وهو "روض الأنس ونزهة النفس"، و"كتاب في علم النبات" الجامع لأشتات النبات[4].

• كما برز من علماء صقلية "محمد بن علي المازري" أصله من "مازرة" بصقلية، أحد الأعلام المشار إليهم في حفظ الحديث والكلام، ومن آخر المشتغلين بتحقيق العلم ورتبة الاجتهاد ودقة النظر حتى لقب بالإمام، أخذ عنه بالإجازة "القاضي عياض".

• وكذلك "محمد بن يونس التميمي" من مدينة "مازرة" أيضًا، لقب بالإمام الأكبر، له تآليف حافلة عن شرح موطأ الإمام مالك، ونال بواسطة ذلك شهرة وصيتًا عظيمًا.

• ومن شيوخ اللغة وأئمة النحو "عمر بن حسن النحوي" كان ممن جاهد ضد النورمان، وأُسِرَ ونُكِبَ، وقام الملك النورماني "روجر" بالإفراج عنه وتقريبه لبلاطه، وكان يحرص على ملازمته له، ويستشيره في أموره.

• ومن المؤرخين والشعراء "ابن القطاع" وهو "أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي"، جمع من أخبار أهل صقلية من الشعراء والأدباء الشيء الكثير، فألَّف كتابه "الدرة الخطيرة والمختار من شعراء الجزيرة"، جمع فيه طائفة صالحة من شعراء صقلية، وذكر البعض من جيد شعرهم، وهاجر آخر أيامه إلى مصر، فعاش إلى آخر زمان "الملك الأفضل"، وقد ألَّف کتاب "تاريخ صقلية" ذكره ونقل عنه "ياقوت الحموي" في "معجم البلدان".

• والأديب "أبو عبد الله محمد بن الحسن"، المعروف بابن الطري؛ كان أيام الدولة الإسلامية، صاحب ديوان الرسائل والإنشاء، وكان من ذوي الفضل والمكانة فصيحًا بليغًا مترسلًا شاعرًا؛ وكان من أصحاب الباع الطويل إلى جانب ذلك في علم الطب.

• ومن الأمراء العلماء المجاهدين "عمار بن منصور الكلبي" من بني الحسين الكلبيين ملوك صقلية، نشأ في بيت الملك والعزة والجاه وانقطع للعلم والأدب؛ فكان من أفاضل علماء زمانه المبرزين في الفقه والحديث.

• وكذلك الفقيه "الرشيد أحمد بن قاسم" من أبناء صقلية وكبار علمائها، هجر وطنه بعد توطد قوم النصارى فيه، وجاب الآفاق حتى استقر بمصر وأصبح أيام "الملك الأفضل" قاضي القضاة بها.

• ومن الشعراء الشاعر الصقلي المعروف "أبو محمد عبد الجبار بن حمديس" (ت 527هـ / 1132م) الذي هاجر إلى بلاط الملك "المعتمد بن عباد" في "أشبيلية" بالأندلس، ورثى وطنه بأروع ما قيل من شعر في هذا الفن من المراثي.

وغيرهم الكثير والكثير.

 

• أقام المسلمون في صقلية 426 عامًا: تفصيلها بالتاريخ الهجري: مدة الحكم الإسلامي (217 - 450 هـ) 233 سنة، أما مدة الحكم النورماني (450 - 643 هـ) 193 سنة.

• من غير المألوف تأثر الغالب بثقافة المغلوب وحضارته، وهو ما حدث في صقلية بعد سقوط الحكم الإسلامي بها على يد "النورمان".

• عندما أتم المسلمون فتح الجزيرة قاموا بتنظيمها إداريًّا، وأقاموا عددًا من المشاريع الزراعية التي ما زالت آثارها ظاهرة.

• اهتم المسلمون بالصناعات في صقلية وعلى الأخص صناعة النسيج وصباغة الملابس، وصناعة المجوهرات والحلي بمعدن الذهب والمرجان.

• كانت التجارة في عهد الأغالبة والكلبيين نشطة فيما بين صقلية وإفريقية ومصر، وَملكَ المسلمون تجارة حوض المتوسط.

• كانت العربية لغة البلاد، واللسان الرسمي حيث كانت تستعمل في جميع معاملات صقلية قبل اللغة النورمانية، وذلك في عهد ملوك النورمان.

• أصدر ملوك النورمان نقودًا عربية الضرب والصيغة وعليها الشهادة، وكذلك الآية التاسعة من سورة الصف.

• كانت مدن صقلية وحواضرها ملأى بالمساجد، حتى إن من زارها ذكر أن بكل مدينة من مدنها أكثر من ثلاثمائة مسجد.

• كان للوجود العربي- الإسلامي تأثيرًا في فنون العمارة بباليرمو، وبقيت بعض آثارهم موجودة حتى الآن كالقصور والحمَّامات.

• برع المسلمون تحت حكم الأغالبة والكلبيين والنورمان في شتى العلوم، فكان منهم الأدباء والشعراء والأطباء، وقد تأثر بهم النورمان، وكانت لهم مكانة كبيرة عندهم.

 

 

[1] العرب في صقلية دراسة في التاريخ والأدب، إحسان عباس، دار الثقافة، ط1، 1975 م، صـ157.

[2] المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا، أحمد توفيق المدني، صـ212.

[3] المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا، أحمد توفيق المدني، صـ228.

[4] الجاليات الإسلامية في صقلية تحت الحكم النورماني (483-584 هـ / 1091-1198 م)، إلياس جندل وهشام بن بتيش، صـ52، 53.