كيف وصل الإسلام إلى ولاية أورنبرغ (شكالوف)؟ (2)مقالات


جهود المسلمين جنوب الأورال في تثقيف الشعب التتاري:

• ساهم مسلمو "أورنبرغ" أوقات الحرية الدينية قبل الثورة البلشفية في إنشاء المساجد والمدارس الشرعية، ومن أبرزها مدرسة "رسولية" الشرعية التي أُسِّسَت عام 1883 م بجانب المسجد الجامع الخامس بمدينة "ترويتسك" في مقاطعة "أورنبرغ" (اليوم في مقاطعة تشيلابينسك)، وهي أشهر مدارس جنوب الأورال بروسيا.

وأخذت المدرسة اسمها من مُنْشِئها الحاج "زين الله رسولي" (1917-1833م) وهو عالم وناشط ومصلح تتاري، وأحد رموز حركة التجديد لدى المسلمين في القيصرية الروسية، وقد تم بناء صفوف دراسية وسكن لطلبة المدرسة على نفقة الناشط "إبراهيم الطينسارين" (1889-1841م) وهو كاتب ومُرَبٍّ، وأحد أغنياء الكازاخ.

وقد استلم إدارة المدرسة عام 1903م الشيخ "عبد الرحمن رسولي" (1889-1950) ابن مؤسسها، والذي أصبح فيما بعد مفتي الإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا بين عامي (1936-1950م).

وقد درس في المدرسة "الرسولية" طلاب من قوميات التتار والبشكير والكاراخ، وتضمنت مناهجها إلى جانب العلوم الشرعية اللغة الروسية وعلوم الرياضيات والتاريخ والمنطق والجغرافيا والفيزياء والكيمياء وغيرها، وكان يدرس في المدرسة "الرسولية" عام 1913 م 240 طالبًا.

وتحوَّلت المدرسة "الرسولية" في العقد الأول ومنتصف العقد الثاني من القرن العشرين إلى مركز ديني وثقافي هام لأبناء التتار والبشكير في مناطق ما وراء الأورال[1].

وقد كان بالمدرسة أوقاف إسلامية زاهرة، وتم إنشاء مطبعة إسلامية "إينرْغيا" أول مطبعة في مدينة "ترويتسك"، والتي طبعت أول جريدة باللغة الكازاخية تحت اسم "أي قاب"؛ أي: "الفجر" عام 1911م.

وأغلق الشيوعيُّون هذه المدرسة؛ لأثرها الإسلامي الكبير عام 1919 م، وحوَّلوا مبناها مدرسة للتربية الفنية، وقد أعيد افتتاحها مؤخرًا عام 2018 م.

• ومن المدارس الإسلامية الأخرى الشهيرة في "أورنبرغ": "مدرسة حسينية الشرعية" والتي بنيت عام 1891 م والتي ساهمت في تخريج المئات من المسلمين القياديين الذين ساهموا في الأحداث السياسية والعسكرية والثورية التي جرت في روسيا بداية القرن العشرين.

فقد درس في "المدرسة الحسينية" المفكر والأديب التتاري "محمد عياض إسحاقي" (1878-1954م)، والعالم الشرعي "موسى جار الله بيكييف" (1873-1949)، والعالم المفتي "رضاء الدين فخر الدين" (1859-1936م)، والكاتب والصحفي التتاري "فاتح کريمي" (1870-1937م)، وغيرهم الكثير.

وتم تحويل المدرسة إلى معهد لإعداد المعلمين في عام 1917م، ثم حوَّل الشيوعيون مبنى المدرسة إلى مقرٍّ لكلية الزراعة في المدينة.

وقد ساهمت المدرسة الحسينية في إصلاح وتطوير التعليم في مدارس المسلمين بروسيا القيصرية، فمناهجها الدراسية تم استخدامها بشكل كبير في المؤسسات التعليمية في مناطق الفولغا والأورال وسيبيريا وتركستان.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عادت المدرسة لتأدية دورها التعليمي في مدينة "أورنبرغ"، وفي العام 2007 م أصبحت فرعًا من الجامعة الإسلامية الروسية[2].

• وكان هناك مدرسة شرعية شهيرة أيضًا في قرية "كارتشالا" كانت من أهم المدارس الإسلامية التي كانت تُعلِّم العلوم الشرعية لأبناء منطقة الأورال وما جاورها من مناطق وقرى "كازاخستان".

وتدلل هذه الجهود الفردية على التأثير الثقافي لمسلمي "أورنبرغ" في جنوب الأورال، وبين قوميات التتار والبشكير والكازاخ المسلمين.

• أما عن أول مسجد في "أورنبرغ" بعد احتلال روسيا القيصرية فقد بني عام 1804 م برعاية الخان التركماني "بيرغالي سلطان"، بعد التماسٍ قدَّمَه للقيصر "ألكسندر الأول" وما يزال مبنى المسجد باقيًا وإن كان قد تم استخدامه كمبنى سكني[3].

• وفي عام 1846 م تم افتتاح المسجد الكبير الثاني الذي بُني كجزء من مجمع "كارافان سَراي" المخصص لإدارة القوات الباشكيرية، وكان له مئذنة منفصلة عن المسجد يبلغ ارتفاعها 39 مترًا وهو ما يُميِّز مساجد تلك الفترة في آسيا الوسطى.

• وبسبب توسُّع المدينة وتدفُّق المهاجرين التتار إليها، ظهرت الحاجة إلى بناء مسجد ثالث عام 1885 م، والذي يقع فيه الآن مقر الإدارة الدينية لمسلمي "أورنبرغ"، إلى جانب مدرسة "الحسينية" الشرعية[4].

• وقد وجد علماء الآثار في أطراف "بيرمسك" أساس جامع حجري من القرن العاشر/ الحادي عشر الميلادي، وفي منطقة "تشيليابِن" عُثِرَ على العديد من أضرحة إسلامية ما زالت بقاياها ظاهرة يمكن الاستدلال عليها وعلى أصحابها من علماء المسلمين.

 

المسلمون في "أورنبرغ" حاليًّا:

 في بداية القرن الحادي والعشرين أصبحت "أورنبرغ" مدينة حضارية متطورة، ويتضح ذلك في العديد من مجالات الحياة: السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وحصل تحوُّل حقيقي هنا في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي مع اكتشاف النفط والغاز وما تبعه من صناعات تتعلق بهاتين المادتين الحيويتين، وتدفق للعمال التتار والكازاخ من جميع أنحاء البلاد حيث فرص العمل كثيرة بها، وهو ما يشهد وجود سكاني كبير لتلك العرقيات المسلمة من جديد في المدينة، حيث أسهموا بمجهوداتهم في بناء عدد من المساجد والمراكز الإسلامية لاستيعاب أعدادهم المتزايدة، وأسرهم التي يجلبونها معهم للإقامة والاستيطان، ورغم أن روسيا تراقب بحرص ذلك التغيُّر السكاني في الولاية، فإنها تضطر لترك بعض المساحة في أداء العبادات وممارسة شعائر الإسلام لتلك الأجناس لأغراض سياسية بحتة، ويحاول المسلمون في "أورنبرغ" مواكبة هذه التطورات والمساهمة بقسط وافر في جوانب النهضة الحيوية التي تشهدها الولاية على جميع المستويات.

 

• أورنبرغ (شكالوف) Orenburg هي ولاية ذات حكم ذاتي، توجد جنوب الأورال، كانت بها نهضة حضارية زاهرة على يد مسلمي الأورال.

• اعتنق أهل "أورنبرغ" الإسلام عن طريق التتار والكازاخ، إذا كان إقليمهم معبرًا للهجرات، فعبرته شعوب مسلمة إلى شرق أوروبا، واستقر به بعضهم، ومن ثمَّ فقد انتشر الإسلام في "أورنبرغ" عن طريق التجار المسلمين.

•  مع انتهاء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كان الإسلام قد استقر في منطقة نهر الأورال على يد التجار الذين يجوبون منطقة آسيا الوسطى.

• اتسع الإسلام في منطقة نهر الأورال وتأصل في نفوس السكان على يد سلاطين "القبيلة الذهبية" في بداية القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي- وعلى الأخص في عهد السلطان "بركة خان" حفيد "جنكيز خان".

• تعرَّض أهل "أورنبرغ" المسلمون لنفس الظروف التي تعرَّض لها إخوانهم في المناطق الأخرى في ظل الحكم الروسي، من إرهاب وتعذيب وحملات إبادة وتنصير.

• كانت "أورنبرغ" أفضل المدن الإسلامية بروسيا؛ إذ اشتهرت بطباعة الكتب الدينية الإسلامية، كذلك عقد بها المؤتمر الأول للقرغيز والكازاخ في إبريل سنة 1336 هـ - 1917 م، وناقش المؤتمر الحكم الذاتي للمسلمين، واستخدام لغة القرغيز في التعليم والمحاكم والإدارة.

• في عهد البلاشفة تغيَّرت الطبيعة الديموغرافية للمسلمين في "أورنبرغ" حتى صاروا أقلية وسط الروس والأوكرانيين النصارى.

• ساهم مسلمو "أورنبرغ" - أوقات الحرية الدينية قبل الثورة البلشفية - في إنشاء المساجد والمدارس الشرعية، ومن أبرزها مدرسة "رسولية"، و"حسينية"، حيث كانت  "أورنبرغ" مركزًا دينيًّا وثقافيًّا هامًّا لأبناء التتار والبشكير في مناطق ما وراء الأورال.

• مع بداية القرن الحادي والعشرين، تشهد مدينة "أورنبرغ" نهضة حضارية وصناعية كبيرة، تساهم فيها الجاليات الإسلامية من العمال التتار والكازاخ المسلمين، الذين أقاموا عددًا من المساجد والمراكز الإسلامية بالمدينة لاستيعاب أعدادهم المتزايدة.

 

[1]  "رسولية" مدرسة ومركز ثقافي كبير لمسلمي جنوب الأورال، د. أمين القاسم، نشر إلكترونيًّا على موقع أوكرانيا برس بتاريخ: 13-12-2021 م.

[2] "حسينية".. مؤسسة تعليمية تترية رائدة، د. أمين القاسم، نشر إلكترونيًّا على موقع أوكرانيا برس بتاريخ: 7-6-2021م.

[3] مساجد روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة، قيس نيوف، دائرة الثقافة والسياحة – أبو ظبي، مركز أبو ظبي للغة العربية، مشروع كلمة للترجمة, 2020 م، صـ80.

[4] المصدر السابق، صـ81-82.