المدارس الإسلامية:
كانت في قازان مؤسسات تعليمية كبيرة اشتهرت في منطقة حوض نهر الفولجا بالكامل حتى إنها كانت تستقبل الطلاب من الدول الإسلامية الأخرى، وعلى سبيل المثال كان من المراكز التعليمية في خانية قازان مدرسة السيد "كول شريف" التي ربَّى فيها المعتنقين الجُدُد للإسلام، والذين استشهدوا فيما بعد كُلُّهم في الدفاع عن مدينة قازان من الغزو الروسي عام 1552م.
وفي ظل الحكم القيصري لتتارستان كان للمدارس دورٌ هامٌّ في إعداد طبقة المثقفين، كما أنها كانت تمثل مراكز هامة لتسليط الضوء على التراث التتاري المسلم، ففي القرن الثامن عشر كانت "مدرسة أمير حانة" أحد أهم المؤسسات بين المسلمين، وفي منتصف القرن التاسع عشر وصل عدد المدارس الثانوية في قازان إلى 430 مدرسة وعدد المدارس الدينية إلى 57 مدرسة، وكان المستوى التعليمي فيها عاليًا جدًّا. منتصف القرن التاسع عشر كان هناك تغيير جذري في نظام التعليم الديني الإسلامي في المدارس، ونتيجة لذلك ظهرت المدارس ذات الأساليب الجديدة التي كانت تُخرِّج طلابًا متخصصين في كثير من العلوم، ومن هذه المدارس على سبيل المثال: "المحمدية" و"القاسمية"، وقد بلغ عدد المدارس في منطقة "قازان" عام 1905م 840 مدرسة حيث درس فيها 54549 طالبًا، وفي عام 1907م وصل عددها إلى 877 مدرسة، وعدد طلابها إلى 66787 طالبًا، وفي عام 1913م وصل عدد المدارس إلى 967 وعدد طلابها إلى 79496 طالبًا؛ لكن في أثناء الحكم السوفيتي أغلقت المدارس الدينية ولم يبْقَ لها أيُّ وجود[1].
وبعد نهاية العهد السوفيتي أُسِّسَت بعض المدارس منها "المدرسة القازانية العالية (المحمدية)"، و"المدرسة الإسلامية القازانية العالية"، وتعمل اليوم في "تتارستان" تسع مؤسسات تعليمية إسلامية ذات مستويات متوسطة وعالية، وتم افتتاح "الجامعة الإسلامية الروسية" في "قازان" عام 2000 م.
مطبعة قازان الإسلامية:
وكانت في "قازان" مطبعة إسلامية طبعت 250 كتابًا في عام 1320 هـ (1902 م)، وفي خلال 19 عامًا أصدرت أكثر من 1700 عنوان، وطبعت ما يقرب من 20 مليون نسخة، وبلغات متعددة كالتتارية والروسية والكازاخية والعربية، کما كان بقازان مكتبة يرتادها عشرون ألف قارئ في العام.
وقد أُسِّسَت تلك "المطبعة الكريمية" في 1 مارس من عام 1900م في مدينة قازان، وكانت أول مطبعة خاصة في قازان، وظلت كذلك حتى العام 1905م، أسَّسها الإخوة "كريموف" الثلاث: "شريف جان" و"محمد جان" و"حسن"، وهم من تلاميذ العلَّامة التتاري "شهاب الدين مرجاني" (1818 - 1889 م) مؤسس "مدرسة الإصلاح الإسلامية" في روسيا القيصرية[2].
وكما يقول "بنغيسن" و"لومرسييه": "وهكذا فما إن أقبل عام 1323 هـ (1905 م) حتى بلغ المستوى الثقافي لمسلمي روسيا درجة عالية بشكل مُلْفِت للنظر، وذلك بفضل الجهود الجبارة التي بذلها المصلحون، وأصبحت مدن "قازان" و"أوفا" و"أرنبورغ" و"ترويتسك" و"بغتشيساري" و"باكو" مراكزَ ثقافية وفكرية جديرة بأن تكون ندًّا لدمشق وبيروت والقاهرة وإسطنبول"[3].
ونجد أن القرآن الكريم قد طُبِع لأول مرة كاملًا في "قازان" عام 1803 م بإشراف الإمام "محمد عبد الرزاقوف"، وقد استمرت طباعة المصحف الشريف في قازان، فبين عامي 1803 و 1859 م طبع ما يزيد عن 150 ألف نسخة من المصحف الشريف في المطبعة الإسلامية، وسُمِّيت هذه النسخة "المصحف القازاني" أو "بصمة قازان"؛ أي: طبعة قازان، وقد انتشر المصحف القازاني بين مسلمي روسيا القيصرية والعالم الإسلامي، ثم طبع مرات عدة في زمن الاتحاد السوفيتي، وبعد استقلال روسيا أيضًا[4].
اللغة العربية في تتارستان:
اللغة الرسمية في تتارستان هي التتارية (غير لغة تتار القرم) والروسية، وكلتاهما تُكتبان بالأحرف السيريلية، مع العلم أن التتارية كانت تُكتب بالحروف العربية حتى عام 1929 م، وبالأحرف اللاتينية من عام 1929 حتى 1939 م، ومنذ ذلك الحين حتى الآن بالسيريلية.
وقد كانت العربية لغة تعليم القرآن والعلوم الإسلامية بالمدارس والمؤسسات الإسلامية بقازان قبل الغزو الروسي، واعتمدت لغة رسمية للبلاد عام 310 هـ (922 م)، وحلَّت الأبجدية العربية للكتابة بدلًا من الحروف التركية القديمة[5]، وحتى اليوم تحتوي اللغة التتارية على كلمات عربية وفارسية وتركية كثيرة، أما التأثير الروسي فيها فينحصر في مجالي التكنولوجيا والإدارة[6].
يقول "بنغيسن" و"لومرسييه": "فحتى منتصف القرن التاسع عشر كان المسلمون الرُّوس يستخدمون اللغة العربية واللغة الفارسية ولغة علمية مركبة هي مزيج من التشاغاتاي ولغة تتار قازان، وكانت جميع هذه اللغات تُكتَب بالحرف العربي"[7].
الحياة الاجتماعية ومفهوم القومية الإسلامية:
ارتبط مفهوم القومية لدى مسلمي منطقة آسيا الوسطى التي عانت من الاحتلال السوفيتي منذ وقت مبكر بالإسلام، وأصبح الحفاظ على الإسلام هو الحفاظ على هوية الأمة وذاتيتها وذلك على نقيض ما نراه لدى المسلمين في الأقطار الأخرى التي خضعت للتأثير الغربي، وحتى عندما فكَّر مسلمو المنطقة التتاريون في الاستقلال وإنشاء كيانات دولية، كانت الحركات القومية قريبة من الإسلام في أيدلوجياتها غير متصادمة معه، وصار معنى المحافظة على الإسلام المحافظة على الأمة التتارية، وكما يقول مؤلِّفا كتاب "المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي": إنه "أثناء الاضطهادات التي عاناها المسلمون في القرن الثامن عشر ولا سيما قبائل التتار على نهر الفولجا امتزج لدى هؤلاء التتار مفهوم الدين (الإسلام) بمفهوم القومية (الملة).. فمن الآن وصاعدًا سيصبح الدفاع عن الدين في نظرهم محافظًا لهوية الأمة"[8].
• صارت "قازان" خانية أو دويلة إسلامية سنة 842 هـ (1438 م) وحكمها "أولوغ محمد" الذي أخذ الجزية من موسكو، وحاول استعادة أملاك أجداده من حُكَّام "القبيلة الذهبية". • كانت "قازان" مركزًا تجاريًّا مُهِمًّا، وبرعت في صياغة المجوهرات، وأبدع ما أنتجته كان التاج الذهبي الذي استولى عليه "إيفان الرهيب" خلال هجومه على المدينة. • بناء الكرملين بروسيا الحالية قد أُخذ من نموذج قلعة "كرملين قازان" Qazan kirmäne التي بُنيت في عهد "القبيلة الذهبية". • من أهم مساجد تتارستان مسجد "قول شريف"، ومسجد "أبانايف"، ومسجد "المرجاني"، و"المسجد الأزرق"، وكانت المساجد تؤدي دور المؤسسة التعليمية. • في القرن الثامن عشر كانت "مدرسة أمير حانة" أحد أهم المؤسسات بين المسلمين، وفي منتصف القرن التاسع عشر وصل عدد المدارس الثانوية في قازان إلى 430 مدرسة وعدد المدارس الدينية إلى 57 مدرسة. • كانت في "قازان" مطبعة إسلامية أُسِّسَت سنة 1900 م سميت بالمطبعة الكريمية، في خلال 19 عامًا أصدرت أكثر من 1700 عنوان، وطبعت ما يقرب من 20 مليون نسخة. • انتشر المصحف القازاني بين مسلمي روسيا القيصرية والعالم الإسلامي، ثم طبع مرات عدة في زمن الاتحاد السوفيتي، وبعد استقلال روسيا أيضًا. • كانت اللغة التتارية تُكتَب بالحروف العربية حتى عام 1929 م. • ارتبط مفهوم القومية لدى مسلمي تتارستان التي عانت من الاحتلال السوفيتي منذ وقتٍ مبكرٍ بالإسلام.
|
[1] أقليات إسلامية منسية: المسلمون في تتارستان (روسيا)، القرم (أوكرانيا)، مقدونيا، اليونان، سعيد إبراهيم كريديه، صـ54.
[2] مقال: المطبعة الكريمية أول مطبعة خاصة في تتارستان، د. أمين القاسم، موقع أوكرانيا برس: https://ukrpress.net/node/15665
[3] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ94.
[4] الطبعة الأولى من المصحف في قازان، د. أمين القاسم، موقع أوكرانيا برس: https://ukrpress.net/node/15130
[5] Devlet, N. “Present situation of the Soviet Muslims: The example of Kazan Tatars”, originally published in 1986, summarized and developed by A. Zahoor. www.cyberistan.org/islamic/tatar.htm. 17/5/2004
[6] Akiner, Shirin, Islamic Peoples of the Soviet Union, 2nd ed, London: KPI, 1986, p. 67.
[7] المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي، ألكسندر بينغسن، شانتال لوميرسية كيلكجاي، ت: عبد القادر ضللي، دار الفكر المعاصر- بيروت، 1989 م، صـ113.
[8] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ91.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.