المصدر: شبكة الألوكة، 12/ 11/ 2011م، نقلاً عن موقع الإسلام.
إحدى دول البلقان، ومن دول أوروبا الشرقية، خضعت لحكم الأتراك العثمانيين من سنة (799هـ - 1396م). واستمر حكم الأتراك لها قرابة خمسة قرون، وأنشئت إمارة بلغارية عقب اتفاقية برلين سنة 1878م، وكان الأتراك يشكلون حوالي ثلث سكانها، ثم توسعت على حساب الدولة العثمانية، وتكونت بها مملكة في سنة (1326هـ - 1908م).
وفي الحرب العالمية الأولى اشتركت مع ألمانيا فهزمت وتقلصت مساحتها، وفي الحرب العالمية الثانية انضمت إلى ألمانيا مرة أخرى، فهزمت للمرة الثانية وغزاها الروس، ثم سيطر عليها الشيوعيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1960م صدر قانون تسجيل السكان. ويحتم على المسلمين أن يتخذوا أسماء بلغارية، واستخدمت السلطات البلغارية القوة في تنفيذ هذا القانون في سنة 1982م. واحتجت على ذلك تركيا فمعظم المسلمين البلغار من أصول تركية، ثم تغير الوضع بعد سقوط النظام الشيوعي في شرقي أوروبا وفي الاتحاد السوفيتي.
الموقع:
تشرف بلغاريا على البحر الأسود من الناحية الشرقية، وتشترك حدودها الغربية مع يوغسلافيا، وتحدها تركيا واليونان من الجنوب، ورومانيا من الشمال، وتبلغ مساحة بلغاريا (110.911كم2).وسكانها في تقديرات سنة 1408هـ - 1988م حوالي 8.982.000 نسمة، والعاصمة صوفيا، وسكانها أكثر من مليون نسمة، ومن أهم مدنها: بلوفديف، وفارنا، "وارنا" وروس، وبور غازي، ويشكل المسلمون في بلغاريا حوالي 1.600.000 نسمة. وإن كانت بعض المصادر تقدرهم بمليون نسمة (10% من جملة السكان)، وهذا يخالف الواقع العددي للمسلمين في بلغاريا، وحسب التقديرات الإسلامية يشكل المسلمون حوالي 16.7% من سكان بلغاريا.
الأرض:
بلغاريا بلد جبلي مضرس المظهر، فالجبال تخترقها من الغرب نحو الشرق فتشكل مناطق متميزة الملامح، ففي الجنوب الغربي جبال رودوب، ويصرف قسما منها نهرا استروما وماريتزا إلى بحر إيجة، وإلى الشمال من جبال رودوب سهل تراقيا ويشغل القسم الجنوبي الشرقي من بلغاريا، وحيث يجري نهر ماري تيزا، وفي شمال النطاق السابق تأتي جبال البلقان، وتنحدر إلى سهل الدانوب حيث يشكل نهر الدانوب حدودها الشمالية مع رومانيا، ويجري في سهولها الشمالية الشرقية، وتمتد مجموعة من المستنقعات بين صوفيا في الغرب إلى سليفن في الشرق، وتحيط بها مجموعات من التلال المكسوة بالغابات.
المناخ:
يتصف مناخ بلغاريا بارتفاع حرارته في الصيف، وبشتائه البارد حيث يتميز بالقارية، غير أن المرتفعات تقلل من حدة الحرارة في الصيف، والقسم الشمالي الشرقي من بلغاريا معرض لغزو الرياح الحارة في الصيف، والباردة في الشتاء، وأمطار هذا النطاق تسقط في فصل الصيف، والنطاق الجنوبي متأثر بمناخ البحر المتوسط، وأمطاره شتوية، وقد وفرت الجبال حماية للوديان من الرياح الباردة في فصل الشتاء وهذه الحماية تتيح لبلغاريا فرصًا ممتازة لزراعة الورود، حتى أصبحت بلغاريا أولى دول العالم في إنتاج عطر الورد.
السكان:
الخليط السكاني في بلغاريا يتكون من العناصر البلغارية التي تشكل غالبية السكان، وهذه العناصر ترجع إلى أصول تركية قديمة، هاجرت إلى المنطقة وتتحدث لغة السلاف، تليهم عناصر تركية حديثة الهجرة مختلطة بجماعات من التتار، ثم أقلية من الغجر، وهناك أقليات أخرى من أصل روماني، ومن الأرمن، يعيش نصف سكان بلغاريا في المدن، والنصف الآخر يعيش على الاقتصاد الزراعي في الريف، ولقد وصل الأتراك العثمانيون إلى بلغاريا عن طريق هجرة إلى إقليم رملي في القرن الرابع عشر الميلادي، وظلوا في بلغاريا عدة قرون، واستقر الأتراك في مقدونيا، ورودوبيس، ثم حدثت هجرة إجبارية للأتراك مما قلل من عددهم في بلغاريا، وكان عددهم في سنة 1887م حوالي 602 ألف نسمة، وصل في سنة 1921م إلى 577 ألف نسمة، وكان عدد المسلمين 825 ألفًا.
النشاط البشري:
يحتل الإنتاج المعدني مكانة هامة في اقتصاد بلغاريا، وتستخرج المعادن من ثلاث مناطق، في الغرب حيث يستخرج الرصاص والزنك والنحاس والحديد، والمنطقة الثانية في شرقي جبال رودوب، أما الثالثة فقرب البحر الأسود حيث يستخرج النفط، وأسهم هذا في ظهور العديد من الصناعات المعدنية والنفطية، وتتركز الصناعة في صوفيا، وفي فارنا، وبلوفديف، وسترازاجورا.
أما الزراعة فتمارس في المنطقة الشمالية حيث سهل الدانوب، وفي بعض المناطق الداخلية الإنتاج يتكون من القمح ومن الذرة هذا إلى جانب الفاكهة والورد، والثروة الحيوانية تتمثل في تربية الأغنام والأبقار.
كيف وصل الإسلام إلى بلغاريا؟
تقدم الإسلام نحو شبه جزيرة البلقان في بداية النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وذلك مع الفتح العثماني للبلقان، ففتح العثمانيون مدينة بلوفديف في سنة (765هـ - 1363م)، ثم فتحوا صوفيا في سنة (787هـ - 1385م)، وتوالت فتوح الأتراك العثمانيين لبلغاريا، وتم الاستيلاء على جميع أراضيها في سنة (796هـ - 1393م)، وظل الأتراك يحكمونها أكثر من خمسة قرون، وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي تدخلت روسيا ضد تركيا، ومنحت بعض المناطق حكما ذاتيا، وتكونت إمارة بلغاريا عقب معاهدة برلين سنة 1878م، وفي سنة (1326هـ - 1893م) أعلن عن قيام مملكة بلغاريا، وعقدت معاهدة إستانبول سنة 1909م، وانحازت في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا وتركيا، وعقدت معاهدة سنة 1919م مع الحلفاء على أن تحترم حقوق الأتراك، وأعقب هذا عقد عدة معاهدات مع تركيا لاحترام حقوق الأتراك البلغار، وكذلك انحازت إلى جانب الألمان في الحرب العالمية الثانية، ثم تحولت إلى الحكم الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن غزاها الروس، ولقد زاد انتشار الإسلام في العهد التركي. وبعد الاستقلال تعرض المسلمون إلى الظلم والاضطهاد، فكان المسلمون أكثرية قبل الاستقلال، ونتيجة الضغوط والمضايقات هاجر العديد إلى خارج بلغاريا، وحل محلهم العنصر البلغاري، والذي استقدم إلى بلغاريا من البلدان المحيطة بها، فقل عدد المسلمين وظل الإسلام منتشرا بين العناصر التركية التي بقيت في بلغاريا، وتشكل غالبية المسلمين الآن حيث يقترب عددهم من مليون مسلم، فكان عددهم في سنة 1391هـ قرابة 900 ألف نسمة، ثم يليهم المسلمون البلغار، ويليهم المسلمون الغجر، ثم التتار الذين يشكلون حصة ضئيلة من المسلمين المقدونيين، وكان عدد المسلمين في بلغاريا سنة 1391هـ 1.450.000 مسلم، والآن يشكل مجموع المسلمين أكثر من مليون ونصف نسمة، ويتزايد عدد المسلمين بنسب مرتفعة نتيجة زيادة المواليد، فكانت نسبتهم في سنة 1949م 13.3%، وفي سنة 1956م 14.1%، وفي سنة 1971م 17% لذلك فمن المتوقع أن تصل حصتهم في سنة 2000م إلى 25% من مجموع السكان، ولكن التعسف البلغاري مستمر ضد المسلمين الأتراك وهذا يدفع العديد منهم إلى الهجرة، ولم يقتصر الأمر على هذا، فلقد أغلقت المدارس والمساجد وشنت حملات على المسلمين لتغيير أسمائهم، ومنع الختان، وأرغموا المسلمات على الزواج من غير المسلمين.
مناطق المسلمين:
ينتشر المسلمون في المناطق القريبة من الحدود اليوغسلافية والحدود اليونانية، وكذلك قرب الحدود التركية.ويتركزون في مناطق دورويس الشرقية وكترلوا ولودوغوريا وسلانيك.
وبرغم أن المسلمين الآن يزيد عددهم على مليون ونصف مليون، تقدرهم بعض المصادر الغربية ب10% من جملة السكان أي حوالي مليون نسمة، ويتكون المسلمون البلغار من القوميات التركية، فحوالي 60% منهم من الأتراك، ومن القومية البلغارية 25% ومن الغجر حوالي 15%. ولم يقتصر الأمر على تغيير أسماء الأفراد، وإنما تجاوز هذا إلى تغيير أسماء مناطق المسلمين، فتم تغيير اسم منطقة شومين إلى غورسكي، ومنطقة لازجراد، وهاسكوي إلى أريغودووبر مشيري.
الوضع الراهن:
يعاني المسلمون في بلغاريا العديد من ألوان الاضطهاد فليس لهم حق ممارسة شعائرهم الدينية، فالدين يتعرض لحملات مركزة من الإلحاد الشيوعي، لدرجة منع دخول مصاحف القرآن الكريم، وكذلك الكتب الدينية، وأجبر المسلمون على تغيير أسمائهم الإسلامية واضطروا إلى الهجرة إلى خارج بلغاريا، كما أرغموا على سكنى مناطق شبه معزولة، ونتيجة سياسة القمع هاجر 37 ألف مسلم تركي إلى الخارج. وتبذل المحاولات لتذويبهم في المجتمع البلغاري، ويقاوم المسلمون هذه السياسة بالتمسك بدينهم، ولقد حرمت المناطق الإسلامية من التطور الاقتصادي والنهوض بدخولها، وضحية هذا الاضطهاد الأجيال القادمة من أبناء المسلمين، وعرضت المسألة البلغارية على مؤتمر وزراء خارجية المؤتمر الإسلامي في 1986م، وصدر قرارًا يعبر عن قلق الوزراء من التعسف البلغاري ضد الأتراك، وعرضت المسألة البلغارية أيضًا على مؤتمر القمة الإسلامي بالكويت سنة 1987م، وأكد المؤتمر على ما جاء بقرار وزراء الخارجية السابق، وشكلت لجنة للاتصال ببلغاريا وزارت لجنة بلغارية الكويت، ولقد تغير الوضع في بلغاريا بعد انهيار النظام الشيوعي، ونأمل أن تتحسن أوضاع المسلمين نتيجة هذا.
المساجد:
كان في بلغاريا حوالي (1200 مسجد) والآن في صوفيا ثلاثة مساجد: أحدها تحول إلى متحف، والثاني إلى كنيسة، والثالث مغلق، وكان عددها أكثر من ذلك قبل استيلاء الشيوعيين على مقاليد الحكم في بلغاريا، وتمول المساجد حاليا بالجهود الذاتية، ويرأس الشؤون الدينية مفت، وتنقسم المناطق الإسلامية إلى ست، يرأس كل منطقة مجلس من العلماء، وهذا أمر شكلي فقط، ولقد ضعف التعليم الديني في ظل الحكم الحالي، فالمدارس الإسلامية لا تتعدى كونها كتاتيب ملحقة بالمساجد، وجدير بالذكر أن الاضطهاد في بلغاريا يوجه ضد المسلمين وحدهم، بينما يستثنى من ذلك المسيحيون، فيحرم على المسلمين لبس الزي الإسلامي خصوصًا النساء، ويمنع المسلمون من الاحتفال بأعيادهم أو صوم رمضان، ولا تبنى مساجد جديدة، والمسجد الذي يتوفى إمامه يغلق، ولا يدفن المسلمون موتاهم في مدافن خاصة بهم، بينما تحترم الحكومة البلغارية الرهبان وتعطيهم حرية التعبد في الكنيسة، فالحرب ضد الإسلام وحده، وهذا ميراث قديم، ورثه البلغار عن التعصب الديني، وفي محاولة لبلغرة التعليم الإسلامي في بلغاريا أغلقت السلطات 1500 مدرسة، وكذلك تم إغلاق 1300 من دور التربية الإسلامية.
الهيئات الإسلامية:
لا يوجد غير تنظيم شكلي، حيث يرعى شؤون المسلمين مفت أكبر، ولا توجد في البلاد مدارس إسلامية نظامية، والمنظمات أو الجمعيات ممنوعة بحكم الحرب المستترة ضد الأقلية المسلمة، والأمر يستدعي بذل الجهود لدى الحكومة البلغارية لتحسين وضع المسلمين، وفتح مدارس إسلامية، وإلغاء قوانين التمييز ضد المسلمين، وبناء المساجد التي تهدمت، واستعادة المساجد المسلوبة، والسماح بدخول الكتب الإسلامية إلى بلغاريا، وإرسال بعثات من أبناء المسلمين البلغار إلى الدول الإسلامية للدراسة بعد التحول الذي حل في بلغاريا ضد السلطات الحاكمة سابقا.
نأمل أن تتغير معاملة المسلمين البلغار، وفي زيارة مفتي بلغاريا الشيخ نديم حافظ إبراهيم إلى مكة المكرمة بدعوة من رابطة العالم الإسلامي مؤشر لهذا.
تحسين أحوال المسلمين في بلغاريا:
في لقاء مع الدكتور نديم حافظ إبراهيم أمين عام الجمعية الخيرية الإسلامية الدولية في بلغاريا نشر بجريدة العالم الإسلامي في العدد (1252)، شكر هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية لمساعداتها للمسلمين في بلغاريا، وذكر الدكتور حاجة المسلمين في بلغاريا إلى مزيد من الدعم المادي والثقافي الإسلامي، وذلك كي تؤدي الجمعية رسالتها الإسلامية، فالجمعية تتكفل برواتب 800 معلم وإمام، وهؤلاء لم يتسلموا رواتبهم منذ عدة شهور كما أن في بلغاريا حاليا حوالي 1000 مسجد، ويمثل المسلمين 24 عضوا في البرلمان البلغاري من (250) عضوًا.
ولقد أضاف الدكتور حافظ أن المسلمين في بلغاريا بدؤوا يمارسون شعائر دينهم بحرية بعد سقوط النظام الشيوعي، كما أن الجمعية بنت 4 مدارس ثانوية إسلامية، وكلية للشريعة والدراسات الإسلامية في العاصمة البلغارية، وتصدر جريدة ومجلة تهتم بأحوال المسلمين في بلغاريا، ولقد بدأ المسلمون الذين هجّرتهم السلطات الشيوعية في العودة، فلقد عاد منهم 150 ألف مسلم إلى بلغاريا.
ولقد حدد الدكتور حافظ أهداف الجمعية فيما يلي:
1- تنقية ثقافة المسلم البلغاري مما علق بها من رواسب الحكم الشيوعي.
2- الاهتمام بتنشئة أبناء المسلمين نشأة إسلامية.
3- حماية مصالح المسلمين في بلغاريا.
4- ترميم المساجد التي خربها الشيوعيون، وبناء المعاهد والمدارس الإسلامية.
5- تدريس العلوم الإسلامية في المدارس الحكومية لأبناء المسلمين.
6- التعاون بين الجمعية الخيرية البلغارية والهيئات الإسلامية العالمية مثل: رابطة العالم الإسلامي، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، والأزهر، والبنك الإسلامي للتنمية.
مشروع إنشاء جامعة في بلغاريا:
طلبت دار الإفتاء في بلغاريا من بعض البلدان العربية والإسلامية المساهمة في إنشاء جامعة إسلامية في محافظة إزجراد في شمال شرق بلغاريا، وحيث تتركز أقلية مسلمة يصل عددها إلى حوالي 700 ألف نسمة، ويقوم بهذه الجهود الدكتور نديم مفتي المسلمين في بلغاريا، وتقف وراء هذا المشروع الجمعية الخيرية العالمية لنشر الثقافة الإسلامية التي تأسست في صوفيا العاصمة البلغارية، وسوف تتألف الجامعة الإسلامية من خمس كليات تضم كلية الشريعة والآداب، والإدارة والفنون، ومعهدًا لتعليم اللغة العربية، واللغة التركية، ويجري مفتي بلغاريا اتصالات في هذا الشأن بالمملكة العربية السعودية، ومصر، والكويت، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، وعدد آخر من البلدان العربية والإسلامية، وقد بدأ البنك الإسلامي إسهامه في تأسيس هذه الجامعة.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.