طاجيكستان وازدواج الهوية الإسلامية (1)مقالات


• تعود جذور سكان طاجيكستان إلى العنصر الفارسي، ومن أعلام الطاجيك: الفردوسي صاحب "الشاهنامة" والشاعر عمر الخيام صاحب "الرباعيات".

• قام الروس بفصل "طاجيك أفغانستان" عن إخوانهم من "طاجيك طاجيكستان"، وهي من حيل الاستعمار لتفتيت وحدة المسلمين، وتأجيج النزاع العِرْقي بينهم.

• يُشكِّل "طاجيك أفغانستان" أكبر تجمُّع للطاجيك؛ حيث يبلغون قرابة أربعة ملايين، وقد اندمجوا في تاريخ أفغانستان القديم والحديث.

• لغة الطاجيك فارسية، وقد فرض الشيوعيون على الطاجيك أن يكتبوا بالحرف الروسي (الكيريلي) بدلًا من الحرف العربي.

• أعلنت الدولة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي علمانية الدولة؛ لكن الشعب يتمسَّك بالتقاليد الإسلامية ويتذكَّر تاريخه الإسلامي المجيد.

• من أهم مدن طاجيكستان: دوشنبه وحصار وخجنده، وتنتشر بها الآثار الإسلامية.

• كانت منطقة وسط آسيا الكبرى، التي تضم كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وغرب الصين، تُشكِّل الجبهة الشمالية الشرقية للعالم الإسلامي.

 

هوية استثنائية:

تعود جذور سكان طاجيكستان إلى العنصر الفارسي، وتتميز عن بلدان منطقة تركستان الغربية المجاروة لها - بلاد ما وراء النهر - بأن تلك البلدان ترجع لأصول تركية، بينما تغلغل الدم الفارسي في عروق أبناء طاجيكستان، فالفردوسي صاحب "الشاهنامة" - الشاعر الفارسي الشهير - من جنس الطاجيك، والشاعر "عمر الخيام" صاحب الرُّباعيَّات طاجيكي، وقد قام الروس بفصل "طاجيك أفغانستان" عن إخوانهم من "طاجيك طاجيكستان"؛ مما أدَّى للتباين الفارق بين الشعبين، وهي من حيل الاستعمار من باب تأجيج الاختلافات المذهبية، والحرب على الإسلام.

ويشكل "طاجيك أفغانستان" أكبر تجمُّع للطاجيك؛ حيث يبلغون قرابة أربعة ملايين، وقد اندمجوا في تاريخ أفغانستان القديم والحديث، وكانوا هم عماد الدولة والتُّجَّار والعلماء فيها، وجميعهم سُنَّةٌ أحناف، ويُشكِّلون حوالي 30 ٪ من سكان أفغانستان أيضًا.

أما "طاجيك طاجيكستان" فأغلبهم سُنَّة أحناف؛ ولكن منهم مائة ألف طاجيكي يعيشون في "هضبة بامير" وهم من الطائفة الإسماعيلية النزارية (أتباع أغاخان)، وهناك مجموعة أخرى من الطاجيك شيعة جَعْفريَّة إماميَّة مثل شيعة إيران والعراق.. وأكثر هؤلاء موجودون في العاصمة "دوشامبي أو دوشنبه" ومدينة "خجنده"[1].

روسيا وسياستها تجاه الطاجيك:

كانت معاملة الروس أيام الاتحاد السوفيتي للطاجيك تختلف عن معاملتهم لبقية شعوب ترکستان؛ فقد اهتمُّوا بإحياء التراث الطاجيكي القديم والثقافة القومية والاقتصاد، وكانت سياستهم على أساس قومي وليست على أساس طبقي، وذلك تبعًا للغاية التي من أجلها وافقوا على إنشاء جمهورية طاجيكستان.

فقد كان الرُّوس يريدون استقطاب "طاجيك أفغانستان" لتلك الدولة الجديدة على أمل أنها جمهورية مستقلة في الظاهر، وأنهم ليسوا بمستعمرين، وفي نفس الوقت كانت روسيا غارقة في وحل التدخل في أفغانستان، وكانت تهدف من هذه الخطوة إلى إضعاف أفغانستان؛ حيث توجد بأفغانستان أعداد كبيرة من الأوزبك والتركمان والقرغيز والطاجيك سكان آسيا الوسطى، فكانت ترغب في إثارة النعرات العرقية بين هذه العصبيات، وإثارتهم إذا اقتضى الأمر لتحقيق أهدافها الاستعمارية، إلى جانب تفتيت وحدة هذه البلاد الإسلامية، وإيجاد نوع من الصراع العِرْقي والمذهبي بين المسلمين.

وكذلك الأمر بالنسبة لإيران فيدَّعي السوفيت أن الطاجيك هم الذين يجب أن يقودوا إيران، فليست الثقافة الإيرانية إلا طاجيكية، فالفردوسي طاجيكي، وكذا "الشاهنامة" أهم كتاب أدب كُتِبَ بالفارسية، وكذا الافتخار بالتاريخ الطاجيكي، فمنهم الذين وقفوا في وجه الإسكندر الكبير المقدوني، وهم الذين وقفوا في وجه المغول أيام جنكيز خان، وهم الذين أقاموا الدولة السامانية[2].

ولغة الطاجيك فارسية، وقد فرض الشيوعيون على الطاجيك أن يكتبوا بالحرف الروسي (الكيريلي) منذ عام 1358 هـ - 1939 م بدلًا من الحرف العربي حتى يبعدوهم عن أصولهم الثقافية الإسلامية[3].

علمانية الدولة وإسلام الشعب:

أعلنت الدولة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي علمانية الدولة، وتتحكم النظرة العلمانية المتطرفة في كل شئون الدولة.. ومما يفاقم الاحتقان السياسي حالة الجهل ومنظومة القوانين التي لا يعترف بها المواطن الطاجيكي التي تصطدم بكافة القيم الحضارية والإسلامية التي عايشها الشعب الطاجيكي.

ومن أبرز تلك القوانين التي تبرز حالة من "فوبيا التديُّن" لدى الدولة ومؤسساتها الرسمية:

- عدم إتاحة الفرصة للشباب لتلقي العلوم الشرعية؛ لأنهم يشترطون بلوغ الطالب الراغب في تعلُّم العلم الشرعي 16 سنة، والحصول على موافقة أمنيَّة وحكومية.

- عداء مستمر للحجاب: وذلك على ارتداء الحجاب في المدارس؛ مما أثار غضبًا شعبيًّا اضطرَّ الرئيس معه للتدخُّل وتخفيف حدة تطبيق القرار.

- وفي مطلع سبتمبر 2010 م قامت السلطات في ولاية "هاتلونسكي"، الواقعة جنوب طاجيكستان بحظر الحجاب على السيدات اللاتي يقمن بالبيع في الشوارع أو البائعات المتجولات في شوارع المدينة وإلا تعرضن لفقدان بضائعهن، والتنكيل بهن.

- لا تكاد تمُرُّ أي واقعة أو اضطراب ما، إلا ويصرح الرئيس بضرورة تخلِّي النساء الطاجيك عن الزي الإسلامي، معتبرًا أن ذلك يعود إلى عادات أخرى غريبة عن المجتمع الطاجيكي.

- أصدرت وزارة المعارف قرارًا يمنع ارتداء الطالبات الحجاب في المدارس والجامعات؛ ولكنها تراجعت عنه بعد اعتراضات من أولياء الأمور وبعض رموز المعارضة الإسلامية.

- إغلاق كثير من المساجد بدعاوى مخالفتها للقوانين من حين لآخر، وكما كان الوضع أثناء الحكم الشيوعي كان الرئيس الطاجيكي "نصر إمام علي رحمانوف" يُصِرُّ على وصف الطلاب الطاجيك الذين يدرسون العلوم الشرعية في الدول الإسلامية بالإرهابيين!

- نشر الشعوبية المجوسية: حيث تنشط المؤسسات الإيرانية الدينية بين المسلمين السُّنَّة الأحناف، وتشجعهم الدولة لتلاقي الأهداف[4].

في مقابل ذلك تُوصَف شعوب الطاجيك والأوزبك بأنها الأكثر تمسُّكًا بالإسلام في منطقة ما وراء النهر، وتتعدد المظاهر الإسلامية في البلد؛ حيث المساجد منتشرة في كل مكان في طاجيكستان، سواء المساجد الكبيرة أو الزوايا الصغيرة، والمذهب المعتمد هو المذهب الحنفي، ويتمسَّك أهل تلك البلاد بدراسة كتب المذهب الحنفي وإحيائها، وتورد التقارير الاستخبارية دومًا تنامي المد الأصولي بين الجيل الجديد من مسلمي طاجيكستان.

ونجد أنه في أوزبكستان وطاجيكستان، كانت النساء تُصِرُّ على ارتداء النقاب الذي يُغطي وجههن وجسمهن بالكامل مثل "بارانيا" و"فارانجي"؛ حيث كان الحجاب التقليدي في آسيا الوسطى الذي تم ارتداؤه قبل العصر الحديث هو "الفرانجي" "paradzhi" أو غطاء الرأس، والذي انتشر في أكثر المناطق إسلامًا؛ في المدن والمناطق الريفية.

 

[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ384.

[2] تركستان، محمد شاكر الحرستاني، دار الإرشاد للنشر والتوزيع- بيروت، 1390 هـ - 1970 م، صـ104-105.

[3] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ383.

[4] طاجيكستان.. انسداد سياسي واحتقان مجتمعي يشعله الجهل والفقر، رضا عبد الودود، مجلة الفرقان، عدد 604، 3 ذو القعدة 1431 هـ، صـ40، 41.