كيف دخل الإسلام أوزبكستان؟ (1)مقالات


• الأوزبك هم قبائل ذات أصول تركية منسوبة إلى السلطان "محمد أوزبك خان" من أقوى السلاطين المنحدرين من ذرية "جنكيز خان" الذين أسلموا وحكموا منطقة نهر إيتل (الفولجا).

• بدأ الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر في أواخر عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وامتد في عهد عثمان بن عفان، ثم توقفت الفتوحات حتى بدايات العهد الأموي.

• يعد القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" الفاتح الحقيقي لبلاد ما وراء النهر ومن ضمنها "أوزبكستان"؛ حيث وجَّهَه الحجَّاج الثقفي لفتح تلك البلاد عام 88 هـ.

• كان أهل "بُخارى" ينقُضُون العهود مع المسلمين المرة تِلْوَ المرة، فقام "قتيبة" بعدد من التدابير لتحبيب الإسلام لأهل تلك البلاد واستقراره في قلوبهم.

• كان هدف العباسيين في "أوزبكستان" محاربة الثورات المحلية التي كانت تنشب في حواضرها، وتأمين البلاد خارجيًّا؛ لذا جعلوا الولاية وراثية في أبناء الأشراف.

• قام العباسيون بالاعتماد على العنصر التركي من أهل "أوزبكستان" في الجيش وحرس الخليفة، حتى صارت لهم الكلمة العُلْيا في البلاط، وساهم ذلك في سقوط الدولة العباسية.

• مرَّت "أوزبكستان" بحركة علمية زاهرة طوال تاريخها الإسلامي، وانحسر هذا الدور مع سقوطها تحت الاحتلال الروسي ثم الهيمنة الشيوعية الحديدية.

• تأمُل "أوزبكستان" في استعادة هويتها الإسلامية ذات التاريخ المجيد، والهرب من نير العلمانية التي تغلغلت في كافة مؤسسات البلاد، ومنها المؤسسة الدينية.

 

نبذة عامة عن أوزبكستان:

تُعَدُّ "أوزبكستان" إحدى جمهوريات آسيا الوسطى، تحدها "كازاخستان" من الشمال والغرب، و"تركمانستان" من الجنوب، و"قرغيزستان" و"طاجيكستان" من الشرق، وكلها جمهوريات إسلامية. 

وتقع "أوزبكستان" في وسط آسيا الوسطى، ما بين نهري سيحون (سرداريا) وجيحون (أموداريا)، وتضمُّ معظم المناطق المهمة التي تقع شرق نهر "جيحون" بعد خروجه من "طخرستان" في "أفغانستان".

وأراضيها عبارة عن منطقة جبلية في الجنوب الشرقي؛ حيث الامتداد الغربي لجبال "تنغري تاغ"، ثم تميل تدريجيًّا نحو الغرب حتى صحراء "قزيل قوم"، حيث في طرفه الشمالي بحيرة "آرال"، بينما تغطي وديان "فرغانة" و"سير" و"زرافشان" الجنوب، فإن "وادي فرغانة" يمتد إلى ركن الجنوب الشرقي لأوزبكستان، ويبلغ طوله ۳۰۰ کيلومتر وعرضه ۱۷۰ کيلومترًا.

وتبلغ مساحتها الإجمالية 447400 كم2، ويعني اسمها "أرض الأوزبك"، والأوزبك هم قبائل من ذوي الأصول التركية منسوبة إلى السلطان "محمد أزبك خان" من أقوى السلاطين المنحدرين من ذرية "جنكيز خان" الذين أسلموا وحكموا منطقة نهر إيتل (الفولجا) وسيطروا على أكثر البلاد الروسية وما يعرف الآن بروسيا البيضاء وجمهوريات البلطيق وجزء من بولندا وأوكرانيا، وشملت ممتلكاته (بلاد ما وراء النهر) فنسب إليه أولئك الأقوام الذين يسكنون في تلك المنطقة؛ أي: منطقة ما وراء النهر التي فيها "أوزبكستان"[1].

الفتح الإسلامي لأرض الأوزبك:

• بدأ الفتح الإسلامي لتلك المنطقة والتي كان يُطلَق عليها "بلاد ما وراء النهر" بعد الانتصار على الإمبراطورية الفارسية في معركة "نهاوند"، ومطاردة الإمبراطور الفارسي المنهزم "يزدجرد" الذي هرب إلى "خراسان"، ووصل المسلمون إلى بلاد ما وراء النهر منذ أواخر عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب"[2].

• وتوالت هجمات المسلمين على تلك المنطقة في أيام الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" الذي وجَّه "عبدالله بن عامر" لتلك المنطقة مرة ثانية عام 31 هـ، ثم توجَّه "الأحنف بن قيس" إلى أعالي نهر "جيحون" في حملات لتوطيد سلطان المسلمين بالمنطقة ففتح "طخارستان".

• وفي عهد الأمويين اهتمَّ الخلفاء المسلمون بأمر إقليم خراسان، وأرسل "معاوية بن سفيان" واليَه "عبيد الله بن زياد" عام 54 هـ- 673 م الذي عبر نهر "جيحون" مرة أخرى، وفتح "بيكند"، وحاصر "بُخارى" وصالحه أهلها.

• ثم عزل معاوية "عبيد الله بن زياد" وولَّى أمر إقليم "خراسان" إلى "سعيد بن عثمان بن عفان" فأغار على "بُخارى" فانتصر عليهم، كما أغار على "سمرقند"، ويُقال: إن "قثم بن العباس بن عبد المطلب" ابن عَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم قد استُشهِد في "سمرقند"، ودُفِنَ هناك، ولا يزال ضريحُه بالمدينة.

• استمرت الفتوحات في عهد ولاية "سعيد بن زياد بن أبيه"؛ حيث ألَّف جيشًا وتوجَّه نحو "بُخارى"، فصالحه أهلُها؛ ولكنهم نَقَضُوا العهد، وكان ذلك دَيْدَنَهم مع المسلمين، فأرسل إليهم "المُهلَّب بن أبي صُفْرة" فانتصر عليهم[3].

• أما الفاتح الحقيقي لبلاد ما وراء النهر ومن ضمنها بلاد "أوزبكستان" فهو القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" الذي وجَّهَه "الحجَّاج الثقفي" لفتح تلك البلاد عام 88 هـ، فسار إلى "بيكند" وكانت على غاية من التحصين؛ ففتحها بعد عناء، ثم فتح مدينة "بُخارى"، ثم مدن "خوارزم"، ثم فتح "سمرقند" عاصمة "الصغد"، وبنى فيها مسجدًا، ثم عاد إلى "مَرْو"، وفي العام التالي غزا بلاد "الشاش" (طشقند) و"فرغانة"، ثم اتَّجَه إلى "كاشغر" في تركستان الشرقية، وفتحها، وذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك[4].

دور قتيبة بن مسلم في توطيد الإسلام بأوزبكستان:

كان "قتيبة" من الولاة النابهين، ولاحظ نقض أهل "بُخارى" للعهد أكثرَ من مرة، وعدم استقرار الإسلام في قلوبهم، وميلهم لحرب المسلمين المرة تِلْوَ المرة؛ لذا قام بعدد من الإجراءات الاستباقية لغرس الإسلام في قلوب أهل المنطقة، كان منها:

• كان أهل "أوزبكستان" يُقبِلون على الإسلام في الظاهر، ويعبُدون الأصنام في السِّرِّ، فأمر "قتيبةُ" أهلَ "بُخارى" أن يعطوا نصف بيوتهم للعرب المسلمين، ليُقيموا معهم، ويطَّلِعُوا على أحوالهم؛ وبهذا انتشر الإسلام، وأُزيلَتْ آثار المجوسية.

• كان "قتيبة" يأمر المسلمين أن يخرجوا ومعهم أسلحتهم أثناء ذَهابهم لصلاة العيد؛ حيث كانوا لا يزالون يخشون بأس المجوسية، وأصبحت بعد ذلك سُنَّةً إلى اليوم، يُخرِج كُلُّ صاحب سلاح سلاحَه أثناء ذَهابه لصلاة العيد.

• عندما فتح المسلمون مدينة "بُخارى" أُقيم بجانب أمير "بُخارى" عامل عربي تابع لأمير "خراسان" الذي كان مقره مدينة "مَرْو".

• نصح "قتيبةُ بن مسلم" أهلَ تلك البلاد أنَّ مَن دخل في الإسلام وحَسُن إسلامُه تُرفَع عنه الجزية، وبذلك دخل أهل "سمرقند" وكافة بلاد ما وراء النهر في الإسلام طواعيةً أيام "سليمان بن عبد الملك" على يد الداعية "صالح بن طريف" والذي كان يُكنَّى بأبي الصيداء[5].

• وقد بنى "قتيبةُ" أوَّلَ مسجد في "بُخارى" عام (94هـ - 714م)، وقد جُدِّدَ هذا المسجد ومنارته عام (515 هـ - 1121 م) بأمر "أرسلان خان"، ويُعتبر هذا المسجد ومنارته من أهم آثار "بُخاری" الإسلامية.

• نتيجة لتلك الجهود أسلم ملك بُخارى "طغشاده بن الخاتون" على يد "قتيبة"، وبقي ملكًا عليها، وأنجب ولدًا سمَّاه "قتيبة" تيمُّنًا بالفاتح المسلم؛ ولكن هذا الابن ارتدَّ أيام "أبي مسلم الخراساني" الذي قتله.

• نتيجة لإحلال العناصر العربية بإقليم خراسان وبلاد ما وراء النهر، وخاصة قبائل "اليمانية"، استقرَّ الإسلام بالمنطقة؛ لكن في عهد الولاة في أواخر العصر الأموي ثارت العصبية فيما بين العرب "اليمانية" و"المضرية"، واستغل داعية بني العباس "أبو مسلم الخراساني" هذا الأمر، ونادى بالثورة على حكم بني أمية من "خراسان" ولم يلبث أن استطاع "أبو مسلم الخراساني" الانتصار على الجيش الأموي لتسقط الدولة الأموية، وتقوم دولة بني العباس.

 

[1] يوميات آسيا الوسطى، محمد بن ناصر العبودي، مطابع الفرزدق التجارية- الرياض، 1415 هـ - 1995 م، صـ14.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ409.

[3] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393هـ، صـ305.

[4] تركستان، محمد شاكر الحرستاني، دار الإرشاد للنشر والتوزيع- بيروت، 1390 هـ - 1970 م، صـ14-16.

[5] المصدر السابق، صـ18.