فطاني المسلمة جنوب تايلند (1)مقالات


• كانت فطاني مملكة إسلامية زاهرة قامت في القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت تشمل المنطقة الجنوبية من دولة تايلاند، وأجزاءً من شمال ماليزيا حاليًّا.

• في عام 1457م اعتنق سلطان فطاني (أنتيرا) الإسلام على يد تاجر قادم من فاسي Pasai، وسمي السلطان "محمد شاه"، وأسلمت الرعية تبعًا لإسلامه.

• يُعتقد أن الإسلام دخل فطاني في وقت مبكر منذ القرن الخامس الهجري مع التجَّار العرب والمسلمين من جزر الملايو المجاورة.

• كان لسلاطنة فطاني أثر كبير في جعل فطاني قوة عسكرية وتجارية هامة في المنطقة، وأحبطت فطاني مساعي الاستعمار الغربي مدة قرنين من الزمان.

• بعد احتلال تايلاند لمملكة فطاني قام المسلمون بأكثر من عشر ثورات كبرى للمطالبة باستقلال بلادهم، لكن جُوبِهَتْ تلك الثورات بعنفٍ شديد.

• يحاول المسلمون في جنوب تايلاند المحافظة على هويتهم الإسلامية، والمطالبة باستقلال ولاياتهم الإسلامية عن تعنت وجور الحكومة البوذية التايلاندية.

 

نبذة عامة عن تايلند:

كانت فطاني مملكة إسلامية قامت في القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت تشمل المنطقة الجنوبية من دولة تايلاند، والتي تضم الآن حسب التقسيم الإداري للبلاد 14 ولاية، وهي في الأساس قطعة من شبه الجزيرة الملايوية أرضًا وتاريخًا ولغةً وعادات، وكانت هذه المملكة تقع بين بحر الصين الجنوبية شرقًا إلى المحيط الهندي غربًا، يحدها من الشرق خليج تايلاند، ومن جهة الغرب والجنوب "ماليزيا".

وهذا الموقع استراتيجي وهامٌّ؛ لأنه يربط بين شبه جزيرة الملايو وشبه جزيرة الهند الصينية، وبفضل هذا الموقع فإنه يتيح للسفن التجارية الإبحار المباشر منه إلى مواقع تجارية في الصين، واليابان، وإلى سائر ممالك أرخبيل الملايو؛ ولذا استغلت تايلند والمستعمر البريطاني في العصر الحديث ضعفَ المسلمين واقتطعوه وغيَّروا معالمه واسمه، وحاولوا عزل المسلمين عنه[1].

 

نبذة تاريخية عن فطاني:

قبل وصول الإسلام، كانت فطاني دولة مستقلة، ظهرت في شبه جزيرة الملايو، وكانت معروفة لدى تجَّار العرب والصين واليابان وأوربا بمركزها التجاري في آسيا، ومساحتها كانت واسعة ليست كما نعرفها اليوم، والتي هي إحدى المناطق الجنوبية من تايلاند، وإنما كانت تشمل أربع ولايات من تايلاند (فطاني، جالا، ناراتيوات، ستول)، وجزءًا من سُونْجكَلا، وتشمل أيضًا جزءًا من شمال ماليزيا الآن، وهي ولاية "كلنتن" و"ترانجانو" و"قدح"[2].

وأُطلق عليها "فطاني"؛ لأن هذه المنطقة قد سيطر عليها رجل من الإقطاعيين قوي ومحترم من قبل الشعب، وكانت طبقات الفلاحين والمزارعين يدعونه بلقب "أبي الفلاحين" (فأتاني)، وسميت الدولة الجديدة باسم (فأتاني PATANI) احترامًا لهذا الرجل، ثم قلبت (فأتاني) إلى (فطاني)[3].

 

دخول الإسلام إلى فطاني:

في القرن العاشر الميلادي كثرت الوفود التجارية العربية الإسلامية والأجنبية على هذه المنطقة، واستقر بعضهم فيها للدعوة الإسلامية، وقد تغلغل الإسلام في تلك الولايات، وأقبل الناس على اعتناق الإسلام قبل سلطان البلاد، وفي عام 1457 م اعتنق السلطان (أنتيرا) الإسلام على يد تاجر وعالم جليل وطبيب ماهر قادم من فاسي Pasai (بلد إسلامي على أطراف سومطرة الشمالية)، اسمه "الشيخ صفي الدين"، وبعد إسلامه سمي السلطان (أنتيرا) باسم السلطان "محمد شاه" وفي رواية أخرى باسم "إسماعيل شاه"[4].

وبعد ذلك أسلمت أسرته وكبار العسكريين وموظفي الدولة وأهالي البلاد كلهم، وتسموا بأسماء إسلامية، وأصبحت الدولة دولة إسلامية.

ويُقال: إن إسلام ملك فطاني يعد نتيجة حتمية لإسلام الشعب، فالحقيقة أن سكان البلاد قد اعتنقوا الإسلام قبل اعتناق السلطان بأكثر من ثلاثمائة سنة.

وفي عهد السلطان "محمد شاه" تمتعت البلاد بالأمن والاستقرار، وكثُرت الدعوة الإسلامية في تلك المنطقة من شبه جزيرة الملايو، وقام المسلمون الفطانيون بإنشاء المراكز التجارية، فأصبحت فطاني ملتقى العالم المتمدن ومركزًا هامًّا للتجارة بين الدولة وبين أوربا وآسيا[5].

 

ملوك فطاني المسلمون:

• وكان للسلطان "محمد شاه" ولدان وبنت (مظفر وعائشة ومنصور)، وبعد وفاته تولى ابنه السلطان "مظفر" حكم البلاد، ثم خلفه أخوه السلطان "منصور"، وذلك في 1564م، وله ثلاثة بنين هم الأمراء: "بهدور، وأمس، وبيما"، ولكن السلطان "منصور" قد أوصى لابن أخيه الأمير "فاتيك سيام بن مظفر" ليتولى الحكم؛ تقديرًا لاستشهاد أخيه في المعركة بين فطاني وسيام.

• وبعد وفاة السلطان "منصور" بايع رجال الدولة الأمير "فاتيك سيام" لتولي الحكم، وعمره تسع سنوات، ولكنه اغتيل بعد فترة قصيرة؛ نتيجة للتنازع بين أخويه على الحكم في 1573 م.

• وبعد ذلك تولى الأمير "بهدور بن منصور" وعمره عشر سنوات؛ ولكنه لم يستمر في الحكم طويلًا؛ لأن أخاه من زوجة أبيه الثانية الأمير "بيما" قتله بسبب النزاع بينهما على الحكم[6].

• وبعد وفاة السلطان "بهدور"، لم يبق أحد من أبناء السلطان سوى ثلاث بنات، واستقر الرأي العام على مبايعة إحدى الأميرات لتولي أمر البلاد، عام 1584 م[7].

وكان عهد السلطانة "هيجاو" عهد رخاء اقتصادي وعسكري وثقافي، وتُبُودِلت البعثات التجارية بين فطاني والدول المجاورة الإسلامية والأجنبية.

• وفي عام 1602 م قدمَتْ قافلة تجارية هولندية إلى فطاني بقيادة الكابتن (دانيال فان در ليك) Deniel van der Leck لتأسيس فرع تجاري من "شركة دي نيتولند"، واشترى الهولنديون المحاصيل الزراعية من فطاني؛ مثل: البهارات، والمواد الغذائية وما شابه ذلك؛ دليلًا على ما كانت تتمتع به السلطنة من ازدهار اقتصادي.

• وفي عام 1603 م توسعت مملكة سيام المجاورة، وأرادت القضاء على المملكة الإسلامية الزاهرة، وأرسل (فراناريسوان) ملك سيام (تايلاند حاليًّا) جنوده للهجوم على فطاني؛ طمعًا في احتلالها، ولكن الهجوم لم ينجح.

• وفي عام 1605 – 1606 م، تنافس التجَّار من اليابان وهولندا على عقد صفقة تجارية مع دولة فطاني؛ مما أدى إلى حدوث نزاع وصراع عنيف بينهما[8].

• وفي سنة 1611 م، جاء بريطانيون إلى فطاني لتأسيس شركة الهند الشرقيةEast India Company، حيث برزت مطامع الاستعمار البريطاني في المنطقة، وأرادت بريطانيا مزاحمة باقي القوى الاستعمارية على الأرخبيل الملايوي الإسلامي.

• وفي 20 أغسطس عام 1616 م، توفيت السلطانة (هيجاو) وخلفتها في حكم البلاد أختها السلطانة "بيرو" Beru، وفي عهدها طمع ملوك "سيام" مرة أخرى في احتلال فطاني، وعندما وصل هذا الخبر إلى السلطانة، أمرت بصنع ثلاثة مدافع للدفاع عن فطاني، فلم يتمكن السياميون من احتلال البلاد.

• وفي عام 1624 م توفيت السلطانة بيرو، وخلفتها أختها "أوغو" Ohgo، فأرسل ملك سيام (فراسات تهونج) جيشًا إلى فطاني في أكثر من ثلاثين ألف جندي، وصادف أثناء وصولهم حدود فطاني، وصول ابن أمير مملكة "جوهور" Johore (إحدى ولايات ماليزيا حاليًّا) ومعه ثلاثة آلاف شخص إلى فطاني للتزوج من الأميرة "كونينج" بنت سلطانة فطاني، فانضم وفده مع جيش الدفاع عن فطاني، وانهزم السياميون مرة أخرى.

• وفي عام 1635 م توفيت السلطانة "أوغو"، وانتقل حكم البلاد إلى ابنتها السلطانة "كونينج"، وفي عهدها حاول السياميون الهجوم على فطاني مرة أخرى في عام 1638 م، وكالعادة لم يُكتَب لهم النجاح.

• وبعد أربع محاولات هجومية فاشلة لاحتلال فطاني، غيَّروا سياستهم إلى بناء علاقة دبلوماسية جديدة لتصفية العلاقات بينهما، فتساهلت السلطانة "كونينج" معهم، ورضيت بسياسة تسامح مع مملكة "سيام"، ووضعت تسهيلات تجارية لهم؛ للسلام معهم.

• وفي عام 1641 م، زارت السلطانة "كونينج" عاصمة "عايوتيا" لتوثيق العلاقة بين البلدين، وانتهزت سيام هذه الفرصة، فقامت بإرسال كبار العسكريين بصورة أناس عاديين لشراء الأسلحة، ودراسة طريقة صناعتها مع جمع المعلومات المتعلقة بالقوة العسكرية وتطورها في فطاني، وسبر المواقع المهمة في فطاني.

• وبعد وفاة السلطانة "كونينج" وذلك في عام 1688 م، انتهت سلالة أسرة السلطان "سري واغسا" مؤسس دولة فطاني، ولم يبْقَ بعدها أحد من أسرته، فانتقل حكم البلاد إلى سلالة أسرة أمير "كلنتن" في الفترة ما بين عام 1688 – ۱۷۲۷ م، وبعد انتهاء أسرة أمير "كلنتن" بايع الشعب الفطاني أحد الحكام البارزين اسمه "باكر"، ويطلق عليه لقب السلطان "محمد شاه"، وهذا السلطان هو الذي وضع ثقته في رجل سياسي يدعی (جان تونج)، الذي تظاهر بالإسلام، فعيَّنه كاتبًا رسميًّا لديه، وبعد ذلك عيَّنه موظفًا حكوميًّا في إحدى الوزارات، ثم رقَّاه إلى رتبة قائد عسكري لمهارته في فنون القتال، وكان جاسوسًا سياميًّا.

• وفي عام 1785 م في عهد الملك (فرا فوتيو تفاجولالوك) ملك سيام، اقتحم جيش سيام بقيادة ولي العهد الأمير (فرأر اجباوون مهاسورسينج) حدود فطاني، وهددوا السلطان "محمد شاه" بالاستسلام لهم، وإعلان الهزيمة، ولكن السلطان "محمد شاه" رفض، فبدأت سيام الهجوم على فطاني، بالتعاون مع العسكري الجاسوس (جان تونج) المذكور آنفًا، وهذه المرة لم تستطع فطاني مقاومة تلك الخيانة، فاستشهد السلطان "محمد شاه" في المعركة، وتمكن السياميون من السيطرة على فطاني.

• بعد احتلال فطاني نهب السياميون جميع ممتلكات الفطانيين، بما في ذلك الأسلحة والمدافع، وأجبروا أسرى المسلمين بالهجرة إلى بانكوك سيرًا على الأقدام.

• ثم قسمت الحكومة التايلاندية دولة فطاني إلى سبع إمارات صغيرة وهي: (إمارة جرينج، ونونجيك، وجالا، وفطاني، وسايبوري، ورامان، ولكيه)، ثم تحولت تلك الإمارات إلى أربع ولايات (ولاية فطاني، ولاية جالا، ولاية ناراتيوات، ولاية ستول".

• وفي عام 1327 هـ/ 1909 م اتَّفقت إنجلترا وتايلند، فأخذت إنجلترا بعض الولايات الملايوية، وأخذت تايلند المقاطعات الفطانية[9].

 

[1] حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، جميل عبد الله المصري، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الرابعة، 1421 هـ، صـ593.

[2] فطاني قديمًا وحديثًا، عبد الله إي بغنارا، دار جماعة فطانيين، 1397 هـ - 1976 م، بالملايوية، صـ16، 17.

[3] التعليم العالي الإسلامي في جنوب تايلاند ودوره في الدعوة والثقافة الإسلامية، شهمي بن جئ كؤ، رسالة ماجستير، كلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1436- 1437 هـ، صـ53.

[4] المسلمون في تايلند دراسة فقهية وتطبيقية، ماسي حسن عبد القادر حسين، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة الملك سعود، 1413 هـ، 1993 م، صـ39.

[5] القاموس الإسلامي، أحمد عطية الله، دار النهضة المصرية، 1963 م، صـ172.

[6] فطاني قديمًا وحديثًا، عبد الله إي بغنارا، صـ11-17.

[7] مع كراهة تولي النساء الولاية العامة، وإن كنَّ صالحات.

[8] المسلمون في تايلند دراسة فقهية وتطبيقية، ماسي حسن عبد القادر حسين، صـ42.

[9] مقالة "ترى هل تعود دولة فطاني؟"، المصدر: رابطة العلماء السوريين، بتاريخ 4 مايو 2011.