خطر التشيع في تايلاندمقالات

رضوان سعيد

المصدر: مجلة البيان، 25/ 1/ 2016م.

 

تايلاند إحدى دول شرق آسيا، واتحادِ آسيان المزمَع إقامته قريباً، تحدُّها كلٌّ من لاوس وكمبوديا شرقاً، وخليج تايلند وماليزيا جنوباً، وبحر أندامان وميانمار غرباً.

وتنقسم تايلند إلى 75 محافظة، وكلُّ محافظة تنقسم إلى عدَّة أحياء وبلديات، وعاصمتها بانكوك. يصل عدد سكانها إلى أكثر من خمسة وستين مليون نسمة، يدين 85% منهم بالديانة البوذية ويمثل المسلمون منها 10%، وصل إليها الإسلام في القرن الرابع عشر للميلاد، وبقية النسبة تتوزع على ديانات وطوائف أخرى.

ينشط الإسلام في تايلاند بشكل متسارع، ويعيش المجتمع التايلاندي في أجواء من الحرية والعدالة وتفعيل القانون، ويمثل التعايش السلمي بين المسلمين وبين البوذيين في أرقى صور التعايش، وكثير منهم يدخلون في الإسلام بشكل طوعي من خلال عملية البحث عن حقيقة الإسلام، وقراءة مبادئه العظام. والملاحظ في الآونة الأخيرة - تحديداً في العقدين الماضيين - أن النشاط الشيعي بدأ يظهر على السطح في مناطقَ مختلفةٍ من تايلاند، وهذا الأمر ينعكس سلباً بشكل أو بآخر على الإسلام والمسلمين؛ لا سيما أن المذهب الشيعي يحمل كثيراً من الأفكار التي تتناقض مع القران الكريم والسنة النبوية وما يدين به المسلمون منذ قرون طويلة.

يقول مراجع وأقطاب الشيعة في تايلاند إن المذهب الشيعي دخل إلى تايلاند في سنة 1605م ـ 1024هـ غير أن هذه المعلومة تنقصها المصادر والصحة المهنية في البحث العلمي، وعلى فرض صحتها، فقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن أحمد القمي وعائلته التي وصلت تايلاند في تلك الفترة تحول أبناؤهم من الجيل الثالث إلى الديانة البوذية إلا واحداً منهم! وأوَّل من غيَّر دينه هو جاي بن سامبون بن جوئن ابن الشيخ أحمد القمي. وكان لـ "جاي" ولد اسمه "شي ين" لم يغيّر دينه، وأصبح شيخاً للإسلام بمنصب رسمي، وكذلك أولاده وأحفاده استمروا على إسلامهم، واستلموا مناصب عالية في الدولة ومشيخة الإسلام. وهذا ما تذكره مراجعهم ومواقعهم ولا يتحرجون من هذا الأمر، وانخرط بعض منهم في التجارة والمناصب الإدارية العليا وتقربوا من الأسر المالكة في حينها، وتولى بعض منهم مجالس شيخ الإسلام قبل أن يتحول هذا الأمر إلى المسلمين السنة بشكل كامل.

التمدد الشيعي وأثره على المجتمع التيلاندي:

الأقلية الإسلامية في تايلاند تعيش على أعلى درجات البساطة والتعايش والهدوء وتقبُّل أي ثقافة أو أفكار ترد عليهم، ومن ثَمَّ يسهل اختراقهم أو التأثير عليهم بأي طريقة كانت، لا سيما في الجوانب الروحية والعاطفية، ومن هذا الباب استطاع التشيع أن يدخلَ ويتغلغلَ في أوساط المسلمين التايلانديين، ويمكن إسناد التأثير على المسلمين في تايلاند إلى الأمور الآتية:

- البساطة التي يعيشها المسلمون وتقبُّلهم أي أفكار تَرِد عليهم.

- عدم وجود أو تبنِّي وسيلةٍ واضحة تجمع أبناء التيار السني بشكل موحد في البلاد، خصوصاً أنها بلاد غير إسلامية.

- حصول النزاع والشتات الفكري والمذهبي حتى بين المسلمين السنة.

- الدعم غير المحدود من السفارة الإيرانية في بانكوك، أو الدعم المؤسساتي الذي يصل من إيران والعراق وبعض دول الخليج.

- الفقر والبطالة والجهل الذي يعيشه كثير من أبناء المسلمين السنة؛ حيث تتهيأ لهم الفرص المالية والاجتماعية عبر المؤسسات الشيعية بشكل سخي.

الوجود والانتشار:

للشيعة وجود ملحوظ في بعض المحافظات التيلاندية منها أيوتيا القريبة من العاصمة، والتي يوجد فيها قبر أحمد القمي الذي يعد مزاراً للشيعة منذ فترة طويلة، ويعد مزاره معلماً سياحياً عاماً، وموطناً عقدياً وروحياً يرتاده الشيعة وبعض الزوار من البوذيين، وفي العاصمة بانكوك يقدَّر عددُ المساجد فيها بأكثر من مئتي مسجد، لهم منها عدّة مساجد وحسينيات ومؤسسات شيعية، كمسجد إمام باره، ومسجد الإمام علي، ومسجد صاحب الزمان، ومسجد الفلاح، وحسينية أبي الفضل العباس، وحسينية الباكستانيين، ودار أهل البيت، وحسينية أم البنين، هذا بالإضافة إلى بقية المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية السكانية من المسلمين الملايو أو الأقليات في بعض الولايات الجنوبية، ففي جالا (جنوبية) بدأ العمل على إنشاء مدرسة لكي تكون مركزاً لنشاطهم الثقافي حيث تُعد هذه المحافظة سنية بامتياز وفيها أكبر جامعة إسلامية سنية، ومشهورة بين المسلمين في تايلاند. وفي فتلونج التي تبعد عن العاصمة (900 كم) تقام الطقوس الشيعية في يوم وفاة أبي طالب، ويوم وفاة خديجة، ويوم اغتيال الإمام علي، ويوم شهادة الإمام علي، وهذه المناسبات يقيمها الشيعة في 7 رمضان، في مسجد دار الزهراء القريب من المدينة. وفي ولاية ستول الجنوبية يقام احتفال يوم عاشوراء، ويوم القدس الذي تتبناه إيران في دول العالم الإسلامي، والدروس الأسبوعية والشهرية المختلفة من وقت لآخر. ولهم وجود في ناكون التي تعتبر المركزَ الرئيسي لوجود المرجع الشيعي فيها. وفي كرابي وفي ترانج، وفوكيت وسداو، ولهم مساجدهم الخاصة والعامة التي ينشطون بها ويبنون المساجد والحسينيات من مكان لآخر، وتكون بمثابة مركز علمي وتوعوي لنشر التشيع، وبناء مدارس بجوارها لاستقطاب أكبر عدد من أبناء المسلمين السنة.

ماهية الدور الإيراني في هذا التمدد:

يرتبط شيعة تايلاند في مجمل تحركاتهم بالسفارة الإيرانية التي تعمل جاهدة في هذا المجال عبر الملحقيات الثقافية أو الدبلوماسية، عن طريق عقد المؤتمرات والندوات الهادفة لنشر الفكر الشيعي، والأدب الفارسي، والثقافة الفارسية، وتاريخ إيران عموماً.

غالباً ما تنتهي هذه الدورات والمؤتمرات بإصدار الكتب وترسيم الخطط المستقبلية وتنفيذها على الواقع، كـ (مؤتمر العلاقات التايلندية الإيرانية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً) و (المؤتمر الدولي حول آثار التصوف الإيراني على منطقة جنوب شرق آسيا) و (مؤتمر الشيخ أحمد قمي)؛ فالشيعة في تايلند في الأغلب يعتمدون على إيران ممثلة بسفارتها ومؤسساتها ومساجدها المنتشرة في المحافظات التي ذُكرَت أعلاه كمصدر للفعاليات الثقافية والدينية، والأعمال الاجتماعية بالإضافة إلى الرموز الشيعية في تايلاند التي تعمل في جوانب التجارة والاحتراف.

 تأثيرات هذا التمدد على الواقع:

تأثيرات التشيع على الأرض في تايلاند تعتمد على الأسباب التي ذكرتُها في بداية المقال عن الحال الذي يمر به المسلمون السنة في تايلاند من بساطة وتقبُّل للأفكار التي ترد عليهم، وغياب التوعية المضادة للأفكار المنحرفة، وهذا عائد إلى الجهل بأمور الدين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن قراءة التأثيرات على الأرض من خلال الدعم السخي الذي توليه إيران عبر سفارتها أو مؤسساتها كما أشرنا سابقاً، وإضافة إلى ذلك:

- تنفيذ إيران للأعمال الاجتماعية والخدمية والطبية، لا سيما في المناطق الجنوبية الملاوية التي يحدث فيها العنف من وقت لآخر، فيقدمون أنفسهم كمنقذ إنساني لهذا الأمر.

- الظهور عبر القنوات الفضائية سواء الرسمية أو الخاصة، لا سيما في بلد كتيلاند توجد فيه مساحة واسعة لحرية الفكر والتعدد المذهبي، والآراء هنا مفتوحة للجميع، وبهذا يعملون على إلقاء الدروس الشيعية والدعوة إليها.

- إنشاء المواقع عبر الشبكة العنكبوتية مثل: شبكة الإمامين الحسنين للتراث والفكر الإسلامي، ومركز آل البيت العالمي للمعلومات، وشبهات على الوهابية والشيعة في تايلاند، وفي الأغلب يخصصون زوايا معينة من مواقع مشهورة أو تحريك البحث باللغة التايلاندية في هذه المواقع سواء كانت في تايلاند أو إيران أو العراق أو بعض الدول العربية.

- المنح الدراسية سواء الداخلية أو الخارجية في جميع المراحل الدراسية، وتقدَّر المنح الدراسية من عشرين إلى ثلاثين منحة دراسية في العام الواحد، ويتم إرسال الطلاب إلى إيران للدراسة هناك أو في قم لتعلم مناهج الإمامية الإثنا عشرية، وكذلك هناك مِنَح دراسية داخلية تقدر بـ 120 منحة دراسية توزع على الولايات التايلاندية في مختلف التخصصات الجامعية، إلى جانب التكفل برواتب الدعاة والمدرسين والعاملين بمعونات شهرية لأجل العمل في الجوانب العلمية والدعوية والإعلامية والترويج للمذهب الإثنا عشري.

دور الدولة في هذا الملف:

سبقت الإشارة إلى أن مملكة تايلاند تُعد بلدَ حريات وثقافات واسعة النطاق وجُلُّ الحكومات السابقة والحالية بوذية، والدولة ترعى البوذية بشكل رسمي، ومن ثَمَّ لا تمانع من ظهور أي ديانات أو مذاهب أو أفكار أخرى، فهم يرون أن هذا حقٌ مكفول للجميع في حرية التدين والعقيدة، ومن هذا المدخل استطاع التشيع أن يصل إلى دوائر مهمة لتمرير مخططاته المعدَّة سلفاً، وصحيح أن مجالس شيوخ الإسلام في كل المحافظات والمركز الرئيس يتولاها المسلمون السنة، إلا أنهم أيضاً يستقبلون الشيعة ويتعاونون معهم كونهم جهةً رسميةً كغيرها من الوزارات والجهات والمؤسسات الحكومية الأخرى، حيث يعمل كل أبناء تايلاند تحت هذه المظلة المفتوحة، وهنا تكمن أهمية دور الدول السنية في توجيه بوصلة السنة في تايلاند إلى المسار الصحيح الذي يستطيعون من خلال المشي عليه أن يحافظوا على عقيدة الأقلية السنية هناك، وفي الوقت ذاته يوسعون دائرة التأثير على الآخر بشكله ولونه وديانته ومذهبه.