المساجد ودور العلم:
تعد المساجد والكتاتيب ومعاهد العلم من أهم روافد الثقافة الإسلامية في بورما، حيث كانت المساجد تنتشر في بورما بكثرة سواء في العاصمة القديمة (رانغون) وفي غيرها من المدن، وفي منطقة "أراكان" خاصةً؛ لتركُّز المسلمين هناك، ويعود تأسيسها إلى مئات السنين، وقد بناها المسلمون من أموالهم الخاصة، وكان يوجد ببورما أكثر من ألفي مسجد[1]، وأغلب المباني على الطراز المغولي الهندي، بمِئْذَنَتَينِ كبيرتينِ ومآذِن أخرى صغيرة، ومحراب مزخرف، وبرك ماء في بعضها للمواضئ، بينما المباني في القرى والأرياف أغلبها من الخشب الجيد، وقد قامت الحكومة البوذية بالتعاون مع المتعصبين البوذيين ببورما بتدمير وإغلاق وحرق العديد من المساجد بعد اندلاع أحداث ۲۰۱۲ م.
ونجد كثرة المساجد دلالة على تغلغل الإسلام واستقراره في قلوب الأراكانيين، ففي كل طريق عام، وفي كل شعب وغابة، أو قرية، نجد مسجدًا أو زاوية وبجوارها الكتاتيب وحلقات التحفيظ والمدارس والدُّور الإسلامية والمقابر والبرك الكبيرة لشرب الماء، وكان هناك بعض المساجد القديمة التي كانت من الآثار الإسلامية النادرة، ومن أهم المساجد المشهورة المعروفة التي كان لها أثر في وجودها، ودور واضح في مسيرتها:
۱. مسجد (بدر مقام): وهو الجامع الذي بناه تجَّار العرب في أواخر القرن الثامن الميلادي على الشاطئ الصخري، له قبة واحدة في جنوب "أكياب"، ويتبع المسجد ركن للسكن والتعبد، وكان المسجد قائمًا، تُقام فيه الصلوات الخمس والجمعة والعيدان، ولعل "بدر مقام" من أقدم آثار المسلمين في أرض "أراكان" ولم يندرس بطول الزمن ولله الحمد والمنة؛ لكن البوذيين الآن حوَّلوه لثكنة عسكرية والله المستعان.
۲. (الجامع الكبير): في مدينة "أكياب" أحد أكبر المساجد القديمة المعروفة، بُني في القرن السابع الميلادي، كانت لصالحه أراضٍ موقوفة تمت مصادرتها من قبل الحكومة البوذية قهرًا، ولا زال قائمًا ولله الحمد، لكنه أُغلِق بعد أحداث ۲۰۱۲ م ولا زال.
۳. (مسجد سندي خان): في مدينة "وميوهانغ" الذي بناه في عام 1430 م القائد العسكري المسلم "سندي خان"، وقد بُني بالحجر، ومساحته (۲۷) طولًا، وعرضه كذلك، وارتفاع جدرانه خمسة أمتار، وعرضه ثلاثة أمتار، له منارة جميلة طولها عشرون مترًا، وفي الناحية الشرقية من المسجد يوجد ملحق خاص، ويحيط بالمسجد من كل الجوانب جدار حجري، وفي الجانب الشرقي من المسجد بئر عميقة، وله مدخل واحد فقط مدرج من داخل المسجد لينزل به المصلون للوضوء، وهو معمور إلى الآن وفي حالة جيدة دون أن يحدد بناؤه ولا ترميمه، وقد حاول البوذيون والحكومة هدمه وإزالته، لكن الله حفظ بيته، ولا زال المسجد قائمًا.
4. (مسجد الديوان موسى): أُسِّس في عام 1258 م، وكان المسجد عامرًا بالمصلين، ويقام فيه صلاة الجمعة والعيدين، ويقع المسجد في مدينة "أكياب" عاصمة أراكان في حي "ناظر فارة".
5. (مسجد ولي خان): الذي بناه المسئول العسكري (ولي خان) في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي الذي أعاد الحكم الإسلامي في المنطقة بعد أن فقده المسلمون لسنوات، وطبق الشريعة عام 1430 م.
6. (المسجد الأركاني): في "رانغون" العاصمة القديمة، بناه مسلمو "أراكان" مساعدة لمسلمي "رانغون" قبل سقوط مملكة "أراكان" على يد البوذية في عام 1530 م، وبناء المسجد مسلح، يقع في أربعة طوابق، ولا زال قائمًا في حالة جيدة.
7. مسجد (علم الشكر): بُني في القرن الخامس عشر الميلادي وبجواره ملحق خاص لمؤسسه، وله أراضٍ كبيرة موقوفة لتأمين مصاريف المسجد.
8. (مسجد کواه عالم ومسجد غابي): في "كيوكتو"، وهما معروفان بقدمهما منذ مئات السنين ولا زالا قائمين إلى وقتنا الحالي.
9. (المسجد السورتي) في "مندلي": كتبوا عليه (سورة سنِّي مسجد)؛ أي: المسجد السورتي لأهل السنة، والسورتي: نسبة إلى "سورت" من بلاد الهند؛ لأن الذين قاموا على بنائه هم من أهل تلك البلدة، وقد حُلِّي المحراب باللون الذهبي كما هو اللون المختار في بورما الذي يطلق عليه (بورما الذهبية)، وهناك مكتبة مقروءة تتوافر فيها الكتب العربية والأوردية، ووجود المسجد قديم يعود إلى أكثر من مائة سنة، لكن عمارته الحالية القوية كانت في عام 1358 هـ كما هو مكتوب عليه.
10. (مسجد مياو تاون): مسجد في مدينة "مندلي" ومعروف بأنه مسجد بورميٌّ نسبة إلى المسلمين الأصلاء، والمسجد بجانبه ملحق كبير، وله منارتان، وقد كُتبت على واجهته الشهادتان بخط النسخ بشكل أنيق وجميل.
10. (المسجد الصيني): يوجد هذا المسجد في مدينة "مندلي"، وقد بناه المسلمون من أصول صينية، وهو في حي يسكنه كثير من الصينيين المسلمين وغير المسلمين، وقد أنفقوا على بنائه وأعطوه مظهرًا رمزيًّا من مظاهر طراز الصين في البناء، وأهم ما يميز هذا المسجد في المظهر قبة صينية ظاهرة يعلوها شاهد بمثابة المنارة، ولكنهم لم يقتصروا عليها، بل بنوا إلى جانبها منارتين عربيتين مستدقتين، والمصلى الرئيسي مرفوع عن الأرض، يُصعَد إليه بتدرج، وهذا المسجد كُتِب عليه تاريخه في لوحة عند مدخله باللغتين الصينية والبورمية أنه منذ (117) سنة مضت.
بالإضافة إلى أنَّ هناك مساجدَ كثيرةً بُنيت في القرن الخامس عشر الميلادي موجودة على نهر "الناف" ونهر "ليمو" ونهر "كلادان"، وفي كل حي من أحياء المسلمين سواء في المدن أو القُرى والأرياف.
وكان أغلبُ هذه المساجد ملحقًا بها مدارس لتعليم العلم، وكتاتيب إما ملحقة بالمسجد أو مستقلة، وتُعرَف الكتاتيب في بورما باسم (مَكْتَب)، يتم فيها تعلُّم القرآن الكريم، والحروف العربية الهجائية، وبعض الآداب النبوية، ومنهج بسيط في التوحيد والفقه، ومعرفة أركان الإسلام[2].
وبلغ عدد المساجد التي دُمِّرت في إقليم "أراكان" في إحصائية من عام 1942 م إلى عام 198۰ م أكثر من تسعمائة مسجد، كما بلغ عدد المساجد التي احترقت خلال عامي 2012 م و2013 م أربعًا وسبعين مسجدًا[3].
اللغة والثقافة:
كان المسلمون يتحدثون لغة "الروهنجيا" في "أراكان"، وهي لغة مؤلفة من كلمات وتعبيرات من اللغة العربية والفارسية والأردية والبنغالية والإنجليزية، وذلك بالإضافة إلى الكلمات الروهنجية الخاصة بهم، ولم تدخل هذه اللغة في حيز الكتابة حتى الآن رغم الاجتهادات الكثيرة من قِبَل بعض علماء "الروهنجيا"؛ لجعلها لغة تكتب كبقية اللغات[4].
وقد ترك المسلمون السابقون العرب والفرس بعض الأثر في لغة بورما منها مثلًا: كلمة قطران KATTARA، قطيفة KATTIPA، قلم KALON، عرق ARAK، علم ALAM، موسم MUSTSUN. وفي عهد أسرة "توقو" TOUGOO كان للأقلية الإسلامية مظهرٌ عظيمٌ؛ فقد شارك المسلمون في الوظائف الحكومية والخدمات العسكرية، وذابوا في الأكثرية، وتدل وثيقة في المكتبة العامة في "أموارا فورا" AMORAPURA عام 1801 م على وجود ۱۲ مستوطنة للمسلمين مزدهرة ثقافيًّا وعلميًّا، وأن عددًا كبيرًا من مسلمي "أراكان" هاجروا إلى بورما، وساهموا في إعمارها ونهضتها[5].
وفي أواخر القرن الثامن عشر والتاسع عشر كان للمسلمين نشاطٌ ثقافيٌّ وأدبيٌّ كبيرٌ، حتى استيلاء البوذيين على الحكم، وبدء المذابح وحلقات الاضطهاد ضد المسلمين عام 1942 م.
احتلال ميانمار لأراكان:
كانت أراكان بلدًا مستقلًّا في خارطة العالم القديم؛ حيث تأتي سلسلة جبال "أراكان يوما" على شكل فاصل طبيعي بين الحضارتين الإسلامية والبوذية، وقد شمل استقلاله كل الجوانب، حتى غزا الملك البوذي الحاقد "بودابيا" - ملك بورما - أراكان عام 1784 م وضمها إلى بورما، فهي مضمومة مع بورما شكلًا وتسمية؛ لكنها منفصلة عنها حقيقةً ومعنًى وموقِعًا.
• دخل الإسلام بورما عن طريق التجارة والمصاهرة، وأسسوا مجتمعًا مسلمًا وممالكَ مستقلةً منذ القرن الثامن الميلادي حتى القرن الثامن عشر الميلادي. • تذكر الروايات الصينية أنه كانت توجد مستوطنات فارسية في سواحل بورما ومن اليمن، حوالي عام 860 م، وأن "ابن خرداذبة" الفارسي و"سليمان العربي" ذكرا صورة ناصعة عن قوة تلك الممالك الإسلامية. • كان القرن التاسع الهجري أزهى عصور المسلمين في "أراكان"، وتربع على عرش المملكة الإسلامية عدد من السلاطين الذين اهتموا بإنشاء المراكز والمدن التجارية. • كان ببورما أكثر من ألفي مسجد، وقيل بل خمسة آلاف مسجد، عدا الكتاتيب ودُور العلم والمدارس الإسلامية. • بلغ عدد المساجد التي دُمِّرت في إقليم "أراكان" من عام 1942 م إلى عام 198۰ م أكثر من تسعمائة مسجد، كما بلغ عدد المساجد التي احترقت خلال عامي 2012 م و2013 م أربعًا وسبعين مسجدًا. • ترك المسلمون العرب والفرس بعض الأثر في لغة بورما؛ حيث توجد الكثير من الألفاظ العربية متداولة بين البورميين حتى يومنا هذا. • كانت أراكان بلدًا مستقلًّا في خارطة العالم القديم؛ حيث تأتي سلسلة جبال "أراكان يوما" على شكل فاصل طبيعي بين الحضارتين الإسلامية والبوذية. |
[1] بورما: الخبر... والعيان، محمد بن ناصر العبودي، 1411 هـ- 1991 م، صـ78.
[2] واقع الثقافة الإسلامية في بورما: دراسة تحليلية، سيف الله حافظ غريب الله، رسالة ماجستير في الثقافة الإسلامية، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، 1436 هـ - 2015 م، صـ72، 73.
[3] إحصائية بعنوان (إحصائيات ضحايا مسلمي أراكان الموثقين لجرائم حكومة ميانمار) الصادرة من قبل قسم الرصد والمتابعة بقطاع حقوق الإنسان التابع للمركز الروهنجي العالمي.
[4]موجز تاريخ الروهنجيا وأراكان، إعداد: مركز الدراسات والتنمية الروهنجية، صـ8.
[5] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، صـ189.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.