حضارة الإسلام في أراكان (1)مقالات


• دخل الإسلام بورما عن طريق التجارة والمصاهرة، وأسسوا مجتمعًا مسلمًا وممالكَ مستقلةً منذ القرن الثامن الميلادي حتى القرن الثامن عشر الميلادي.

• تذكر الروايات الصينية أنه كانت توجد مستوطنات فارسية في سواحل بورما ومن اليمن، حوالي عام 860 م، وأن "ابن خرداذبة" الفارسي و"سليمان العربي" ذكرا صورة ناصعة عن قوة تلك الممالك الإسلامية.

• كان القرن التاسع الهجري أزهى عصور المسلمين في "أراكان"، وتربع على عرش المملكة الإسلامية عدد من السلاطين الذين اهتموا بإنشاء المراكز والمدن التجارية.

• كان ببورما أكثر من ألفي مسجد، وقيل بل خمسة آلاف مسجد، عدا الكتاتيب ودُور العلم والمدارس الإسلامية.

• بلغ عدد المساجد التي دُمِّرت في إقليم "أراكان" من عام 1942 م إلى عام 198۰ م أكثر من تسعمائة مسجد، كما بلغ عدد المساجد التي احترقت خلال عامي 2012 م و2013 م أربعًا وسبعين مسجدًا.

• ترك المسلمون العرب والفرس بعض الأثر في لغة بورما؛ حيث توجد الكثير من الألفاظ العربية متداولة بين البورميين حتى يومنا هذا.

• كانت أراكان بلدًا مستقلًّا في خارطة العالم القديم؛ حيث تأتي سلسلة جبال "أراكان يوما" على شكل فاصل طبيعي بين الحضارتين الإسلامية والبوذية.

 

أراكان وحكم الإسلام:

وُجِد المسلمون في "بورما" منذ القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي، وقد قدموا إليها كتجَّار وموظفين في البلاط الملكي، وأسسوا عددًا من المستوطنات الإسلامية في "أراكان"، وأنشأوا المراكز التجارية في موانيها، كما أقاموا عدة ممالك إسلامية زاهرة فيها منذ القرن الحادي عشر الميلادي، كان من أشهرها مملكة "أسرة نوري" المسلمة التي دام حكمها زهاء ثلاثة قرون ونصف حكمًا إسلاميًّا مستقلًّا، بدءًا من القرن الخامس عشر الميلادي، وذلك منذ عام 1430 م إلى عام 1784 م، وقد تميَّزت حضارة المسلمين في "أراكان" بعدة سمات فريدة عن باقي الممالك الإسلامية بشبه الجزيرة الهندية الصينية.

 

ممالك تجارية حصينة:

اختلفت المجموعات الإسلامية في "بورما" عن تلك الموجودة في الدول المجاورة بميزة مستقلة هي أن الإسلام لم يدخل تلك الدولة بواسطة قوى خارجية بالرغم من نزاعات وحروب "بورما" المتكررة مع جيرانها؛ لذلك ارتكز تطور الوجود الإسلامي في بورما على الهجرة والزواج؛ مما أعطاه خصائص فريدة من نوعها. هذه الحالة الإسلامية هي حسب رؤية "موشيه يغار" [1]Moshe Yegar نتيجة لجغرافية بورما المنيعة؛ لأن بورما نفسها لم تكن مقصدًا مغريًا لأي غزو عسكري أو اقتصادي كما هو حال الدول التي تقع شرق بورما، فقد كانت بورما دولة محشورة حصينة بين الهند في الشمال الغربي والصين في الشمال الشرقي[2]، والأهم من ذلك أن "بورما" كانت خلال القرن 12 معقلًا محصنًا لمذهب "ثيرافادا" البوذي؛ مما جعل كلًّا من البلاط الملكي وعامة الشعب معارضين لأي تحول ديني، ومن جهة أخرى دخلت البوذية في ذلك الوقت في صلب البنية السياسية والاجتماعية والثقافية لبورما؛ مما جعلها – حسب ما اكتشفت الإرساليات المسيحية – أنها مغلقة بوجه أي تأثيرات خارجية[3].

ومما سبق يتضح أن التجار المسلمين والرحَّالة العرب كان لهم دور واضح وبارز في انتشار الإسلام في إقليم "أراكان"؛ بفضل معاملتهم الحسنة، وأخلاقهم الحميدة، وصفاتهم النبيلة، فقويت صلتهم بالناس في بورما، واشتدت أواصر الأخوة والمحبة بينهم، حتى تناكحوا وتزاوجوا وتصاهروا وخلف منهم الذرية الصالحة المؤمنة حيث امتد فضلهم إلى عصرنا هذا.

وتذكر الروايات الصينية أنه كانت توجد مستوطنات فارسية في سواحل بورما ومن اليمن، حوالي عام 860 م، وأن "ابن خرداذبة" الفارسي و"سليمان العربي" ذكرا صورة ناصعة عن قوة تلك الممالك، وأن لملكها 15 ألف فيل، إلى جانب الرخاء الاقتصادي الذي كانت تعيشه البلاد[4].

ونجد أن القرن التاسع الهجري كان أزهى عصور المسلمين في "أراكان"، وتربع على عرش المملكة الإسلامية عدد من السلاطين الذين اهتموا بإنشاء المراكز والمدن التجارية، فأُسِّسَتْ مدينة "أستانا بدر الدين" وتسمى بدار (بدر) على ساحل خليج البنغال، كما كان ميناء عاصمة مملكة "أراكان" "أكياب" من أهم الموانئ التجارية في المنطقة على المحيط الهندي[5].

كما كان نهر "ناف" يطل شمالًا وجنوبًا بين "أراكان" و"بنجلاديش" ويمثل معبرًا تجاريًّا هامًّا حيث يتفرع من خليج البنغال، وتتفرع منه أنهار صغيرة، مثل: نهر "فورما" و"شجاع ديا"[6].

أما نهر "كلادان" فيتفرع أيضًا من خليج البنغال، ويعد أكبر أنهار "أراكان" وأطولها؛ حيث يبلغ طوله 300 ميل، ويصل إلى مدينة "فلاوا" في ولاية "كاشين" التجارية، ومن أهم المدن الواقعة على ضفافه "فكتو" و"كيكتو".

 

أهم مدن مملكة "أراكان":

• مدينة "أكياب": وتسمى حاليًّا "سيتوي"، تقع على ضفاف نهر "مايو" و"إيراودي"، وهي عاصمة ولاية "أراكان"، وأغلب سكانها حاليًّا البوذيون، وتعد أكبر مدينة في "أراكان" من حيث المساحة والسكان، وكان ميناؤها ميناءً تجاريًّا حيويًّا كبيرًا، ويوجد بها حاليًّا "جامعة سيتوي"، ومطار محلي، وتشتهر بمصانع الأرز والأقمشة والملح والسكر.. وغيرها من الثروات.

• مدينة منغدو: تقع مدينة "منغدو" في شمال "أراكان" على نهر "ناف" الشرقي، وهي أقرب مدينة من "بنغلاديش"، وغالب سكانها المسلمون، وأهم ما يوجد فيها: ميناء صغير تأتيه السفن والبواخر من القرى والأحياء بالمنتجات الزراعية والمائية.

• مدينة "كِيَكْفِيُو": تقع في الجانب الشمالي لجزيرة "رامبِرِي"، وأغلب سكانها صاروا بوذيين، وأهم ما يوجد في هذه المدينة: ميناء لصيادي الأسماك، ومركز إنتاج جوز الهند، ومطار محلي، ومصانع الملح، والحبال الآلية، ومركز شئون الأحوال الجوية.

• مدينة "بتَّهَرقِلعة": وتسمى حاليًّا "مروهانغ"، تقع في ساحل نهر "ليمرو" من الجانب الغربي، وهي عاصمة "أراكان" القديمة، وغالب سكانها الآن البوذيون، وتشتهر هذه المدينة بآثارها الإسلامية القديمة؛ حيث أقام فيها المسلمون قبل مئات السنين حضارات إسلامية، وانتقلت منها الحضارات الإسلامية إلى باقي أنحاء "أراكان".

• مدينة "ساندا": تقع في جنوب "أراكان" على "خليج البنغال"، وهي مدينة ساحلية يجاورها نهر "ساندا"، وغالب سكانها حاليًّا البوذيون، وأهم ما يوجد في هذه المدينة: ميناء محلي، ومطار محلي.

• مدينة "غوا": مدينة ساحلية تقع في نهاية جنوب "أراكان" على "خليج البنغال" شرقًا، وهي الحد الفاصل بين "أراكان" ومنطقة "إيراودي" في جهة الجنوب، وتعد "غوا" أقرب مدينة من "رانغون" العاصمة السابقة لـ"بورما"، ويُربِّي سكان هذه المدينة الحيوانات المختلفة؛ كالجواميس والأبقار والأغنام.

• مدينة "بوسيدونغ": تقع مدينة "بوسيدونغ" في الجانب الشرقي من سلسلة جبال "مايو" على ساحل نهر "مايو" غربًا، وهي تبعد عن مدينة "منغدو" قرابة (16) ميلًا، وعن مدينة "أكياب" قرابة (80) ميلًا من الشمال، وغالب سكانها المسلمون.

وأهم ما يوجد فيها: ميناء تأتيه السفن بالمسافرين من مدينة "أكياب".

• مدينة "مي أونغ": تقع مدينة "مي أونغ" في جزيرة "مي أونغ" في "خليج البنغال"، وتعد من المدن الجنوبية في "أراكان"، وغالب سكانها البوذيون، وأهم ما يوجد فيها: كثرة الحركة التجارية والصناعية، وفيها حقل بترول، والسكان المجاورون لها يشتغلون باستخراج الملح وتربية الحيوانات.

• مدينة "تنغو": تقع مدينة "تنغو" في ساحل نهر "تنغو" على "خليج البنغال"، وغالب سكانها الآن البوذيون.

• مدينة "رامبِري": مدينة إسلامية هامة قديمًا، تقع في شرق جزيرة "رامبري" على "خليج البنغال"، ويشتغل سكانها بصيد الأسماك، وتربية الأنعام، وزراعة جوز الهند والفوفل وغيرها.

• مدينة "كِيَكْتَو": تقع غرب ساحل نهر "کلادان" على "خليج البنغال"، وغالب سكانها الآن البوذيون، وأهم ما يوجد فيها: مصانع الأرز والسكر والملح، وتكثُر فيها الأودية والآبار والعيون التي تسقي الزراعة الموسمية، وينتج بقربها قصب السكر والبرتقال.

• مدينة "عِين": تقع مدينة "عين" في وسط "أراكان" جنوب ساحل نهر "عين" على "خليج  البنغال"، وأغلب سكانها الآن البوذيون.

• مدينة "مِريبون": تقع في الجانب الشرقي لجزر "برونغا" على خليج البنغال، وغالب سكانها البوذيون.

• مدينة "فَكْتَو": تقع مدينة "فكتو" في الجانب الشرقي لمدينة "سيتوي"، وهي أقرب مدينة من "أكياب"، وغالب سكانها البوذيون، وتعد "فكتو" من المدن الصغيرة في "أراكان".

وأهم ما يوجد فيها: مصنع السكر، وزراعة الفواكه بأنواعها، وتربية الحيوانات المختلفة، ويُربِّي البوذيون الآن الخنازير.

• مدينة "راسيدَونغ": تقع على ساحل نهر "مايو" الشرقي، ويسكنها المسلمون والبوذيون، وتعد من المدن الصغيرة في "أراكان"، أهم ما يوجد فيها: الزراعة الموسمية، وتربية الحيوانات.

• مدينة "فوناجُوِين": تقع في الشمال الشرقي لمدينة "سيتوي" على مصب نهر "كلادان"، وغالب سكانها البوذيون.

وأهم ما يوجد فيها: ميناء صغير يأتيه الصيادون بعد صيد الأسماك من "خليج البنغال"، ويكثُر فيها صيد الأسماك، وزراعة جوز الهند والفوفل وغيرها، وبقربها تتم تربية الحيوانات المختلفة.

• مدينة "مانْبَرا": تقع في شمال ساحل نهر "ليمرو"، وغالب سكانها البوذيون، وأهم ما يوجد فيها: ميناء تأتيه السفن والبواخر من "أكياب"، ويكثُر فيها صيد الأسماك، وزراعة جوز الهند والفوفل وغيرها، وبقربها تتم تربية الحيوانات المختلفة.

وعلى أي حال فقد مرَّ الوجود الإسلامي في بورما (ميانمار) بعصور زاهرة، فكان المسلمون يهيمنون على النشاط التجاري، ويمتلكون الكثير من الأراضي الزراعية والبساتين والمباني والعقارات، وبخاصة في العاصمة الميانمارية وغيرها من المدن الكبرى الساحلية؛ حيث كانوا يمتلكون ما بين (60 ٪) إلى (70 ٪) من العقارات الكبيرة في العاصمة "يانجون" (رانجون)، والدليل على بعض هذه العقارات التي فقدها المسلمون عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" مكتوبة بالأرقام (786) عليها[7].

 

[1] مسلمو بورما، موشي يغار، معهد جنوب آسيا، جامعة هايدلبرغ، دار أوتو هاغاسوفيتس، فيسادن، ألمانيا، 1972 م، باللغة الإنجليزية، صـ6.

[2] واقع الثقافة الإسلامية في بورما: دراسة تحليلية، سيف الله حافظ غريب الله، رسالة ماجستير في الثقافة الإسلامية، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، 1436 هـ - 2015 م، صـ18.

[3] مسلمو بورما إرهابيون أم مُرَهّبون أندرو سلث، سعيد إبراهيم كريديه، دار الرشاد، بيروت، 2013 م، صـ23.

[4] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ، 1985 م، صـ188.

[5] مسلمو أراكان وستون عامًا من الاضطهاد، أبو معاذ أحمد عبد الرحمن، ط2، 1434 هـ - 2012 م، طبعة إلكترونية، صـ47.

[6] موجز تاريخ الروهنجيا وأراكان، إعداد: مركز الدراسات والتنمية الروهنجية، 1439 هـ - 2018 م، صـ18.

[7] الروهينجا في ميانمار، الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم، طارق شديد، مؤسسة ialgo (Internet Association International Gulf Organization) نشر في عام 2015 م، صـ7.

10 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً