حوار مع الدكتور نجاد جرابوس مفتي سلوفينيامقالات

عبدالرحمن أبو عوف

 المصدر: شبكة الألوكة، 30/ 11/ 2014م.

 

أكَّد الشيخ د. نجاد جرابوس - مفتي سلوفينيا - أن حكم محكمة العدل الأوروبية، قد أنهى عقودًا من المماطلة من حكومات سلوفينيا المتتالية، في الاستجابة لمطالب الأقلية المسلمة بإنشاء مسجد في العاصمة لوبليانا، مشددًا على أن انخراط المسلمين في حوار مع كافة القُوَى المؤثِّرة في المجتمع السلوفيني - قد ذلَّل كثيرًا من العقبات أمام تحقيق حلم أكثر من 150 ألف مسلم.

لفت الشيخ جرابوس إلى تغيُّر موقف الكنيسة الأرثوذكسية من الاعتراض على بناء المسجد، لتأييد حق المسلمين، لدرجة أن مواقفها المُعْلَنة بدأت تصلُ لتأييد حق المسلمين في بناء المسجد، لا سيما أننا شدَّدنا - خلال حوارنا معها - على أن تأسيس هذا المسجد سيحسِّن من صورة سلوفينيا في العالَمين العربي والإسلامي، وسيقدِّمها في صورة دولة تحترم حقوق الأقليات أمام جيرانها الأوروبيين.

وأشار إلى أن الدَّور السياسي للمسلمين في المجتمع السلوفيني ما زال محدودًا، ويحتاج لجهود مكثفة ووقتٍ طويلٍ؛ حتى نلعب دورًا سياسيًّا مهمًّا، ومع هذا فإننا نتعامل مع هذه الأحداث بهدوء، ونتبنَّى الدعوات للحوار لحل أي مشكلة، ووضعها في حجمها الطبيعي، دون أن تكون لها أية تداعيات سلبية على العلاقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى.

أقرَّ د. جرابوس بوجودِ نوع من الفوبيا ضد الإسلام في المجتمع السلوفيني، فلا زال البعض ينظر لمسلمي البلاد نظرةً قاصرة، ويسيطر عليها فكر القرون الوسطى.

تفاصيل أوضاع مسلمي سلوفينيا نرصدُها بدقة من خلال حوارنا مع فضيلة المفتي د. نجاد جرابوس.

تعدُّ مسألةُ عدم وجود مسجد في العاصمة السلوفانية لوبليانا من أهمِّ المشاكل التي يعاني منها المسلمون، فإلى أين وصلت هذه المشكلة؟

• بالفعل هذه القضية أقضَّت مضاجعَ المسلمين لعقود؛ فمنذ أواخر الستينيات ونحن نتقدَّم لبلدية لوبليانا بطلبٍ لإنشاء مسجد يخدم حوالي مائة وخمسين ألف مسلم سلوفيني، إلا أن المسجد لم يَرَ النور، سواء في العهدين الشيوعي، أو بعد انهيار يوغوسلافيا السابقة، ولا حتى بعد انضمام البلاد للاتحاد الأوروبي عام 2005، وتتذرَّع السلطات المحلية منذ سنوات بحجج مختلفة؛ فتارة بالحديث عن مساحة المسجد، وأخرى عن موقعه، وأخرى عن وجود مِئذنة للمسجد من عدمه، إلا أن هذه الأمور تغيَّرت - ولو نسبيًّا - بعد استجابة الحكومة السلوفينية لحكم محكمة العدل الأوروبية، ومطالبتها بضرورة احترام المشاعر الدينية للأقلية المسلمة، ولكن هذه الموافقة وجدت معارضةً من القُوَى اليَمِينيَّة والقومية، والتي تحظَى بنفوذ كبير داخل المجتمع السلوفيني؛ مما دفع الحكومةَ لوضع شروط متشدِّدة فيما يتعلق ببِنْية المسجد؛ منها: ضرورة إقامته في منطقة نائية من العاصمة، وليس في وسطها، فضلاً عن ضرورة أن تكون مئذنة المسجد صغيرة، وتحترم النسق المعماري للعاصمة.

عقبات متتالية:

ولكن هل توقَّفت العقبات عند هذا الحد، أم أن صعوبات أخرى عرقلتْ مساعيَكم لإنشاء هذا المسجد؟

• العقبات أمام بناء المسجد لم تتوقَّف عند هذا الحد؛ حيث ضاعفت الحكومة من سعرِ الأرض المخصَّصة لبناء المسجد، رغم ملكيتها للدولة، وهذا ما دفع دار الإفتاء لفتح باب التبرُّعات لدعم محاولات بناء المسجد، في ظل التكلفة العالية، لا سيما أن أي تباطؤ في بناء المسجد قد يدفع الحكومةَ للتراجع عن موافقتِها، وتستجيب لضغوط التيارات المتشدِّدة، التي لا تُخفِي معارضتها لبناء المسجد، الذي يعدُّ في كل الأحوال انتصارًا كبيرًا لمسلمي سلوفينيا، وهو الانتصار الذي تعزَّز بقدراتنا على جمع تبرعات تنجز نسبة كبيرة من أعمالِ مسجدٍ شكَّل طويلاً حلمًا لمسلمي سلوفينيا.

موقف إيجابي:

ولكن هناك تقارير تشير لاعتراضات مستمرَّة تُبدِيها الكنيسة الكاثوليكية واسعة النفوذ على محاولات بناء المسجد؟

• لا يستطيع أحدٌ تجاهل دَور الكنيسة الكاثوليكية في تأخير بناء المسجد لسنوات؛ بسبب اعتراضاتها المختلفة، ولكن هذا الموقف تغيَّر بشكل كبير خلال الفترة الماضية، خصوصًا مع انخراط دار الإفتاء في حوارٍ موسَّع معها تطرَّق لجميع القضايا، بما فيها المسجد، ووصلنا لتوافق في عديد من الرؤى، بل لا أبالغ إذا أكَّدت أن موقف الكنيسة تغيَّر كثيرًا لدرجة بدأت تصل لتأييد حق المسلمين في بناء المسجد، لا سيما أننا شدَّدنا - خلال حوارنا معها - على أن تأسيس هذا المسجد سيحسِّن من صورة سلوفينيا في العالَمين العربي والإسلامي، وسيقدمها في صورة دولة تحترم حقوق الأقليات أمام جيرانها الأوروبيين، فضلاً عن أهميته الشديدة للمسلمين في سلوفينيا والدول المجاورة لها.

مقبول:

إذا كان المسجد يمثِّل هذه الأهمية، فهل تلقي لنا الضوءَ على مستوى الوعي الديني لمسلمي سلوفينيا؟

• لا نستطيع تجاهل أننا عشنا لأكثر من 50 عامًا في ظل الشيوعية المعادية للأديان؛ حيث وفد للبلاد ما يقرب من50 ألفًا من مسلمي يوغوسلافيا، أغلبهم من البوسنة وغيرها، ولم يكن هناك أي اهتمام بالدين، ولا يُسمَح بإنشاء مساجد بديلة لأكثر من 80 مسجدًا طالتْها يدُ التدمير بعد مغادرة العثمانيين البلقان، ولا يوجد دعاة قادرون على إرشاد المسلمين لدينهم؛ لذا كانت لهذه الفترة آثارٌ مدمِّرة على درجة الوعي الديني لمسلمي سلوفينيا.

من المؤكَّد أن تطورات إيجابية قد شهدتْها البلاد خلال السنوات الماضية، أسهمت في تحسن هذا الوعي؟

• بالفعل شَهِد العقدان التاليان لسقوط يوغوسلافيا واستقلال البلاد تحسنًا مطردًا في درجة الوعي الديني، وإقبالاً على أداء الصلاة وصوم رمضان، وتظهر معالِم الصَّحْوة الدينية جليَّة خلال أداء صلاة التراويح والعِيدين؛ حيث يصطفُّ أكثر من خمسة آلاف مسلم في ساحة واحدة لأداء هذه الصلوات؛ مما يدلُّ على عودة مسلمي سلوفينيا للاهتمام بدينهم، لا سيما أن السنوات الأخيرة لم تكن تشهد إقبالاً أكثر من مائتي مسلم على أداء الصلاة في نفس هذه المناسبات، فيما لا تتجاوز أعداد مَن يُقبِلون على صلاة الجمعة أكثر من 600 مصلٍّ، وهو ما يكشف نجاحنا في إعادة مسلمي سلوفينيا لدينهم بدرجة لافتة.

كم عدد المساجد حاليًّا في سلوفينيا؟

• ما يقرب من 15 مسجدًا في مختلف المدن التي تضم تجمعات إسلامية؛ مثل: ماريبور، وشيليه، وكرانبي، ويوغو ميتشو، وتبوي، ولكن من أسفٍ أن العاصمة لوبليانا تكاد تكون العاصمة الأوروبية الوحيدة التي تخلو من مسجدٍ، ولكن هذه المساجد ذات مساحات ضيقة، وكانت في السابق شققًا سكنية وتحوَّلت لمساجد ومصليات؛ لسد العجز الرهيب في دُور العبادة.

هل ينسحبُ هذا على تنامي الوعي الديني على الفتيات والسيدات، أم يقتصر على الرجال والشباب؟

• تشارك المسلمات السلوفينيات بقوَّة في الصحوة الدينية التي تشهدُها البلاد، رغم قلة أعدادهن، وتُقبِل مئات الفتيات على ارتداء الحجاب، ولكن تواجهنا مشكلة عدم إلمام الكثير منهن بمبادئ دينهن؛ مما خلق تحديًا أمام دار الإفتاء لتنظيم ندوات لرفع مستوى الوعي الديني، ونأمل في اجتياز هذا الأمر في القريب العاجل.

دون الطموحات:

لم نتطرَّق للوزن السياسي للمسلمين في المجتمع السلوفيني!

• الدَّور السياسي للمسلمين في المجتمع السلوفيني ما زال محدودًا، ويحتاج لجهود مكثفة ووقت طويل؛ حتى نلعب دورًا سياسيًّا مهمًّا، ومع هذا فقد تمكَّن عديدٌ من الأشخاص المسلمين من الحصول على أصوات أهَّلتهم لدخول المجالس البلدية لعديد من المدن تتجاوز الخمسة، ولكننا لم نتمكنْ حتى الآن من إيصال نوَّاب للبرلمان السلوفيني، ومن الجيِّد الإشارة إلى أن بعض الأحزاب السلوفينية قد دخلتْ حوارًا مع بعض التجمعات الإسلامية، وسَعَتْ للتعرف على مشاكلها وتضمينها في برامجها، وهو ما يشكِّل مؤشرًا جيدًا على تصاعُدِ الوزن السياسي للمسلمين، وإن كان ذلك دون طموحاتنا حتى الآن.

فوبيا وحوار:

يواجه الإسلام والمسلمون في القارة الأوروبية نوعًا من الفوبيا، فهل ينطبق هذا الأمر على سلوفينيا؟

• بلدنا لا تعيش في مَعْزِلٍ عن البلدان الأوروبية المجاورة، وتظهر من آنٍ لآخر دعواتٌ تهاجم الإسلام، وتحاول إثارةَ النعرات والمخاوف ضده، حتى من قِبَل بعض رجال الدين الكاثوليك، وصولاً إلى أن بعض السلوفينيين ينظرون للمسلمين على أنهم أحفاد العثمانيين، ويسيطر عليهم فكر العصور الوسطى، غير أننا نتعامل مع هذه الأحداث بهدوء، ونتبنَّى الدعوات للحوار لحل أي مشكلة، ووضعها في حجمها الطبيعي، دون أن تكون لها أية تداعيات سلبية على العلاقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، غير أن الظاهرة اللافتة حاليًّا تمثَّلت في تزايد الحملات المعادية للإسلام على شبكة الإنترنت، وهو ما نحاول مواجهته بأقصى طاقاتنا، والتركيز على أننا مواطنون سلوفينيون، نحب هذا البلد ولا نَقبَل المساس به، وبل نشارك أيضًا في نهضته.

تعاون وإخاء:

نرجو أن تشرح لنا طبيعة العَلاقة بين مسلمي سلوفينيا والدول الإسلامية؟

• لنا علاقاتٌ طيبة مع العديد من الدول العربية؛ أهمها: جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقَطَر، وهناك تعاونٌ مع مؤسسات من هذه الدول، ولا سيما المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، والذي أوفد خلال شهر رمضان الماضي المقرئ ومقيم الشعائر "يوسف رضا" من مدينة دمنهور المصرية؛ لإحياء ليالي الشهر الكريم، وبعدها استقبلت وزارة الأوقاف المصرية أحدَ الدعاة السلوفينيين من مدينة يسانيتسا؛ حيث حضر تدريبًا في مصر استمر لمدة ثلاثة أشهر، فضلاً عن وجود تعاون مثمر بين المشيخة الإسلامية والسفارة المصرية في لوبليانا.

تنتشر بعثات التنصير في أجزاء كبيرة من البلقان، فهل ينطبق هذا الأمر على سلوفينيا؟

• الأوضاع في سلوفينيا مستقرة ماليًّا من زمن طويل؛ حيث يرتفع معدَّل الدخل القومي لأغلب المواطنين - وبينهم المسلمون - رغم أن هناك بعض الممارسات التمييزية في مجال التوظيف، ولكن الوضع الاقتصادي الجيد حال دون استفحال الخطر التنصيري بالمقارنة بعدد من الدول المجاورة.