حضارة الإسلام في تركمانستان (2)مقالات


شهرستان أو عشق آباد العاصمة:

تعتبر "عشق آباد" هي عاصمة تركمانستان وأكبر مدنها حاليًّا، وتلفظ بالتركمانية "إشكاباد"، وتعني "المدينة المحبوبة" بالتركمانية، سميت بذلك تيمنًا بمستعمرة "إشكاباد" التي بُنيت بجوارها، وتعتبر المدينة امتدادًا لكلٍّ من مدينة "شهرستان"، ومدينة "نسا" القديمة.

ومدينة "شهرستان" وصفها "ياقوت الحموي" وقال إنها: "بليدة بخراسان قرب نسا بينهما ثلاثة أميال، وهي ‌بين ‌نيسابور ‌وخوارزم، وإليها تنتهي بادية الرمل التي بين خوارزم ونيسابور فإنها على طرفه "[1]، وقد خربت هذه المدينة منذ دخول الروس تخريبًا كاملًا.. ولا يوجد منها سوى أنقاض.

ومن علماء "شهرستان" الذين طبقت شهرتهم الآفاق "محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني" المتكلم الفقيه الفيلسوف صاحب الكتاب المشهور "الملَل والنِّحَل"، وله من المصنفات الأخرى: "غاية المرام في علم الكلام"، و"نهاية الإقدام" في علم الكلام، وله "تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام"، و"دقائق الأوهام"، و"الإرشاد إلى عقائد العباد"، وكتاب "المبدأ والمعاد"، و"الأقطار في علم الأصول"، ولما دخل "خوارزم" كان يلقي دروسه في مدارسها وجوامعها المختلفة، ثم انتقل إلى خراسان، والتقى بمحمود الخوارزمي مؤلف كتاب "تاريخ خوارزم" الذي أعجب به وبعلمه وقال عنه: إنه أهل للإمامة لولا انتصاره لمذهب الفلاسفة وتعصبه لآرائهم، ودارت بينه وبين محمود الخوارزمي هذا محاورات ومناظرات بديعة، حيث أنكر عليه "محمود الخوارزمي" مذهبه الفلسفي، وخروجه في ذلك على أهل السنة والجماعة.

وقد وصف "ياقوت الحموي" "شهرستان" أثناء هروبه من الزحف المغولي فقال: "رأيتها سنة 617 هـ وقت هربي من خوارزم من التتر الذين وردوا وخربوا البلاد فوجدتها مدينة ليس بقربها بستان، ومزارعها بعيدة والرمال متصلة بها وقد شرع الخراب فيها، وقد جلا أكثر أهلها من خوف التتر"، ولكن "شهرستان" عادت إلى الوجود بعد هجوم التتر القدامى، ولكنها اختفت من الوجود بعد هجوم الروس، وكانت "شهرستان" و"نسا" وما حواليهما خاضعة لسلطان أمراء خوارزم منذ القرن الخامس الهجري إلى القرن العاشر الهجري عندما ظهرت دولة الأوزبك القوية فسيطرت على هذه المنطقة طوال القرنين السادس والسابع عشر الميلادي، وعندما خضعت المنطقة للروس قاموا بإنشاء مدينة "عشق آباد" على أنقاضها.

و"عشق آباد" مدينة حديثة نوعًا ما؛ إذ إنها بُنيت كمحمية عام 1881 م، وقد اهتم الروس بإعمارها لقربها من بلاد الفرس التي كانت تحت تأثير البريطانيين؛ مما أدى إلى نموها على النمط الأوروبي الزاهي بمتاجرها وفنادقها وأبنيتها الحديثة، وتشتهر بصناعة المنسوجات القطنية وصناعات المعادن، ومما ساعد اقتصادها هو موقعها كمحطة أساسية على طريق سكك حديد وسط آسيا.

 

المساجد والأماكن التراثية:

بدأ الاهتمام بالأماكن الأثرية القديمة التي تعبر عن حضارة الإسلام بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، الذي كان يقوم عامدًا بطمس أي مَعْلَم إسلامي، لقتل الهُوِيّة الإسلامية لأهل تلك المنطقة، وللأسف فأغلب المساجد والمدارس القديمة قد تعرضت للتدمير خلال الحقب المختلفة التي مرت بها حواضر "تركمانستان"، وأقدم مسجد باقٍ في تركمانستان، يُسمى الآن "شير كبير" أو "ماتشات آتا"، وهو يقع على مسافة قصيرة من أنقاض منطقة "دخستان" القديمة، وهناك مسجد "سيد جمال الدين" على مقربة من "عشق آباد"، يعد من المعالم الأثرية القليلة التي تعود إلى العصر التيموري بتركمانستان، تم بناؤه في عهد السلطان "أبي القاسم بابر بهادورهان" (1446-1457)، ويتميز بالفسيفساء فوق قوس المدخل، والتي تصور اثنين من التنانين الهائلين بارتفاع 8-9 أمتار يواجه كلٌّ منهما الآخر، على الرغم من حرمة تصوير ذوات الأرواح في الفن الإسلامي، وقد دُمِّرَ المسجد بالكامل في زلزال وقع عام 1948 م.

ومعظم المساجد الكبيرة الموجودة الآن أغلبها يعود للعصر الحديث؛ حيث يعود أقدمها لعام 1995 م، وأنشئت بمبادرات مجتمعية للعودة إلى الاعتزاز بالهوية الإسلامية للتركمان من جديد،

أما أبرز ما تبقى من معالم إسلامية بالدولة:

• مئذنة كوتلوج تيمور: هي مئذنة في منطقة "كهنة غرغانج" شمال تركمانستان، تم بناؤها عام 1011 م في عهد الدولة الخوارزمية، وسلمت من تدمير المغول بأعجوبة، ويبلغ ارتفاع المئذنة 60 مترًا بقطر 12 مترًا في القاعدة ومترين اثنين في الأعلى. وفي عام 2005 م، تم إدراج المئذنة في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.

وتنتمي مئذنة "كوتلوج تيمور" إلى مجموعة من حوالي 60 مئذنة وأبراج بُنيت بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر في آسيا الوسطى وإيران وأفغانستان.

وبناءً على دراسة لقوالب الطوب المزخرفة، والنقوش الكوفية التي تزين المئذنة، يُعتقد أن المئذنة هي بناء سابق، ولكن "كوتلوج تيمور" قام بترميمها وتجديدها حوالي عام 1330 م.

• كهنة غرغانج Köneürgench: هي بلدية عدد سكانها 30,000، شمال شرق تركمانستان قرب الحدود مع أوزبكستان، أنشأ الأخمينيون المدينة، وأصبحت فيما بعد عاصمة الخوارزميين. وقد هجرت المدينة القديمة قبل ثلاث قرون ونصف، وتحوَّل أهلها إلى مدينة "كهنة غرغانج" الحديثة، وصنفت المدينة القديمة كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو عام 2005 م.

• حصن داية خاتون (داي هاتون): أو أطلال "كارافان سيراي" Daya-KhatynCaravanserai، والتي بنيت في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وتقع أطلالها على بعد 170 كم من مدينة "تركمان أباد" بتركمانستان، وكانت تقع على الضفة اليسرى لنهر أموداريا على الطريق القديم المؤدي من آمول (الآن تركمان أباد) إلى خوارزم.

والحصن عبارة عن هيكل مستطيل يبلغ طول جوانبه 112 × 125 مترًا، وفي زواياها كانت الأبراج قائمة، وتم بناء المبنى من القرميد الخام على ملاط ​​من الطين، والاسم المحلي للنصب التذكاري هو نصب "باي هاتون" Baikhatyn.. تم إنشاؤه في حكم السلاجقة (القرنين الحادي عشر والثاني عشر)، وتم تجديده وإعادة بنائه تحت حكم التيموريين، عدة مرات، وفي النصف الثاني من القرن الخامس عشر، تم تنفيذ العديد من أعمال الترميم بالحصن في عهد السلطان التيموري "حسين بايكار".

وكانت فترة ازدهار هذه القلعة أيام السلاجقة حيث كانت استراحة للقوافل التجارية.

سمات الصحوة الإسلامية في تركمانستان:

كانت تركمانستان تزهو بحواضرها الإسلامية "مرو" و"سرخس" و"بيهق"، والتي كانت مساجدها ومعاهدها الإسلامية لا تُعدّ ولا تُحصى لكثرتها، وتحاول "تركمانستان" في العصر الحديث التعافي من سنوات حكم الشيوعية، فتركمانستان تعد الجمهورية الأكثر تدينًا في آسيا الوسطى، وعلى الرغم أن المسلمين التركمان يغلب عليهم الفكر الصوفي؛ لنشاط الطرق الصوفية الضالة المتزايد المتمثلة في الطرق الثلاث (الياساوية والكبروية والنقشبندية)، إلا أن الإسلام في تركمانستان يتميز بعدة سمات فريدة منها ارتباط مفهوم القومية بالإسلام بحيث إن لفظ مسلم يعني تركماني.. وهي ظاهرة لا تشاهد بقوة إلا في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة ذات الصبغة الإسلامية؛ حيث ارتبط مفهوم (الملة) - وهي تعني قوم باللغة التركية - بمفهوم الدين، ويكفي أن لفظ القوم أو القومية قد أصبح لدى مسلمي الاتحاد السوفيتي السابق عامةً يعبر عنه بلفظ الملة التي تعني في اللغة العربية الدين.

إلى جانب انتشار الدعاة الذين تلقوا تعليمهم في المعاهد الدينية بالدول العربية كمصر والمملكة العربية السعودية، وتعرفوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وهؤلاء الدعاة هم طليعة المد الإسلامي الجديد بتلك الجمهورية التي قبعت لسنوات طوال في غياهب الإلحاد والمذاهب العلمانية.

 

• كانت تركمانستان تضم مدن "مرو" و"سرخس" و"نسا" و"بيهق" و"شهرستان" و"آمل"، وغيرها من حواضر الإسلام، التي أخرجت العديد من العلماء والساسة.

• كانت "مرو" عاصمة إقليم خراسان، وقبلة العلماء، ومقر خزائن العلم، وذخائر المكتبات.

• من أهم العلماء الذين خرجوا من "مرو": أحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والقفال الصغير، ومحمد بن أحمد المروزي الحزقي.

• دفن بمرو عدد من الصحابة والتابعين منهم: الحكم بن عمرو الغفاري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي وابنه سليمان، وأبو برزة الأسلمي، وقريط بن أبي رمثة.

• من أهم مدن تركمانستان مدينة "نسا"، التي خرج منها الإمام النسائي صاحب السنن.

• من أهم حواضر تركمانستان: "سرخس"، موطن الإمام السرخسي صاحب "المبسوط" في الفقه الحنفي.

• من أهم حواضر تركمانستان: "بيهق"، بلد الإمام البيهقي، و"آمل جيحون" منشأ طائفة من علماء الحديث.

 • من أهم حواضر تركمانستان: "شهرستان"، تقع أنقاضها بالقرب من العاصمة "عشق آباد"، وهي بلد أبي الفتح الشهرستاني صاحب "المِلَل والنِّحَل".

• تركمانستان تعد الجمهورية الأكثر تدينًا في آسيا الوسطى، وتتميز بارتباط مفهوم القومية بالإسلام بحيث إن لفظ مسلم يعني تركماني.

 


[1] "معجم البُلدان" (3/ 377).