مأساة تركستان الشرقية عبر التاريخ (2)مقالات


علماء مسلمون من الإيغور:

كانت مدينة "كاشغر" عاصمة تركستان في الماضي، إحدى منارات الإسلام حتى سبعين عامًا مضت، حتى أنه ليشبهها كثيرون ببخارى في وسط آسيا، وكانت تسمى "بخارى الصغرى" لكثرة علمائها، وكانت تمتلئ بالمساجد والزوايا ومدارس العلم، وقد أخرجت "كاشغر" العديد من العلماء والقادة والمجاهدين، قال "السمعاني": "هي من ثغور المسلمين اليوم، خرج منها جماعة من أهل العلم في كل فن"[1]، ومن هؤلاء العلماء:

• أبو المعالي طُغرُلْ شاه محمد بن الحسن بن هاشم الكاشغري الواعظ، وكان فاضلًا، سمع الحديث الكثير، وطلب الأدب والتفسير، ومولده سنة 490 هـ.

• أبوعبدالله الحسين بن علي بن خلف بن جبرائيل الألمعي الكاشغري، كان شيخًا فاضلًا واعظًا، وله تصانيف كثيرة... وصنف من الحديث زائدًا على مائة وعشرين مصنفًا، وتوفي ببغداد سنة 484 هـ.

وفي العصر الحديث كان من أبرز قادتها وعلمائها: "يعقوب بك"، والزعيم الديني "باين هو"[2].

آلام وآمال:

قام المسلمون الإيغور بثوراتهم في الصين بعد أن لاحظوا أن كيانهم مهدد بالزوال، وشخصيتهم الإسلامية معرضة للضياع وسط نفوذ شيوعي إلحادي ينكر الأديان، ويريد تدويل القوميات العديدة بالصين ومسخها في كيان موحد يختلف عن مفهوم المسلمين وتصوراتهم وأنظمتهم واعتباراتهم ومقاييسهم.

ورغم نجاح العديد من الدول صغيرة المساحة والكيان في نيل استقلالها في العصر الحديث، أو حتى التمتع بحكم "فيدرالي" وإدارة شئونها الخاصة بعيدًا عن السيطرة المركزية، إلا أن تركستان الشرقية ما زالت تعاني من سياسة "التصيين" ومسخ الهوية المسلمة لأبنائها، وما تزال الحكومة الصينية تقوم بحملة اعتقالات وقمع واسعة بحق العرقيات المسلمة الإيغورية[3]، كان آخرها مذبحة قامت بها في يوليو عام 2009 م تحت سمع وبصر القوى الدولية، دون أي تحرك لردع الصين عن اعتدائها المستمر بحق مسلميها[4].

ونجد أنه في عام 2020 م، اتهمت الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2019، الصين باحتجاز المسلمين بمراكز اعتقال لمحو هويتهم الدينية والعرقية، وإجبارهم على العمل بالسخرة، إلى جانب وجود منهج منظم "لتعقيم" نسل المسلمين الإيغور، وخطف الأطفال المسلمين من ذويهم، وتربيتهم في مراكز أنشأتها الحكومة لمحو الهوية الإسلامية لهذا الجيل الجديد [5].

وتقوم الصين بتهجير عدد كبير من مواطنيها من قومية "الهان" لإحلالهم محل "الإيغور" في الإقليم المسلم، حيث سيطر "الهان" على مجريات الإقليم في مجالاته الاقتصادية والسياسية[6]، وتم ذلك بناءً على خطط مدروسة؛ منها إلغاء اللغة الإيغورية، وتوفير الخدمات والوظائف لجميع أبناء قومية هان، والذين يتزايد عددهم يومًا بعد يوم، ومنع الإيغوريون من العمل بالشركات الصينية، خاصةً بعد اكتشاف آبار البترول التي توجد بغزارة في المنطقة الأمر الذي يزيد مشكلة البطالة ويساعد على هجرة الأيغوريين عن الإقليم للدول المجاورة[7].

وما زال المسلمون من عرقية "الإيغور" والعرقيات الأخرى يأملون في أن تسفر المقاومة لخطط الحكومة الصينية عن انفراجة في الوضع البائس للمسلمين في المنطقة، وأن يحظوا بهدنة من تلك الحرب الدائمة من الحكومة الصينية، ينعمون فيها بقسطٍ من حرية العبادة، وممارسة شعائرهم دون تضييق.

 

• إقليم "تركستان الشرقية" من أقدم ممالك الإسلام فتحًا ودخولًا للإسلام منذ أن فتحها القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" في القرن الأول الهجري سنة 96 هـ.

• استولى الصينيون في عهد الأسرة المانشورية Manchu على تركستان الشرقية سنة (1172 هـ = 1759م)، وقامت بالتضييق على المسلمين الذين قاموا بثورات عديدة ضدهم فقدوا فيها أرواح الكثير من الإيغوريين.

• بعد وصول "ماوتسي تونج" إلى الحكم حورب الإسلام في إقليم تركستان، وسيطرت عرقية الهان الصينية على مفاصل الإقليم السياسية والإدارية

• في يوليو عام 2009 م قامت الحكومة الصينية باقتحام مقاطعة تركستان، وقامت بمذبحة بحق المسلمين، ولا يعلم عدد القتلى والمفقودين الحقيقي بالمذبحة حتى اليوم.

• رغم كل حملات الاعتقال وتقييد الحريات وتعقيم نسل المسلمين بتركستان، فإن "الإيغور" المسلمين محافظون على ما تبقى من مظاهر هويتهم الإسلامية.

 


[1] الأنساب، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني، تعليق عبدالله البارودي، نشر دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1408 هـ، 10/ 324-326.

[2] الإسلام في الصين، د. فهمي هويدي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 43، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، يوليو 1981 م، صـ 79،80.

[3] مقال: أيام تركستان والراية الحمراء: نار لم تخمد، د. حسن الخطاف، مجلة مقاربات، العدد الخامس، 1440 هـ - 2018 م، تصدر عن المجلس الإسلامي السوري.

[4] https://www.bbc.com/arabic/world-41453093.

[5] تركستان الشرقية بعد الحرب الباردة و11 سبتمبر، ص (16)، نقلًا عن كتاب "الصين: القمع الديني للمسلمين الإيغور"، ملخص تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش  Watch Human Rights، 12/4/2005، نيويورك، موقع المنظمة: http://www.hrw.org/de/news/2005/04/10-1

[6] الإسلام في الصين، دراسة حول الأقلية المسلمة، محمد حسن محمد حمد، صـ182.

[7] مقال: مسلمو الايغور... المنسيون في الأرض، فيصل قطبي، موقع الإسلام أونلاين، بتاريخ 7/2/2002 م.

0 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً