كيف دخل الإسلام أوغندا؟ (2)مقالات


الملك "موتيسا" وانتشار الدعوة الإسلامية بأوغندا:

وما إن خلفه ابنه الملك "موتيسا الأول" Muteesa حتى كان قبوله للإسلام أسرع من أبيه، ولم يكن ذلك غريبًا عليه؛ لأنه كان قد شاهد والده وهو يحاول أن يتعلم الإسلام؛ ولهذا لم يتأخر عن قبول الإسلام، وطلب من المسلمين العرب والسواحليين أن يُعلِّموه الإسلام على الفور.

وعليه فقد بادر جمعٌ من التجار الدعاة بتعليمه الحروف الأبجدية، وكان على رأسهم الداعية "علي بن خميس"، وقيل: إن عدد العلماء الذين شاركوا في هذه المهمة بلغ سبعة علماء، ولقد تمكن الملك "موتيسا" من أن يتعلم أجزاءً من القرآن الكريم بسرعة فائقة أذهلت معلميه حتى أعربوا عن دهشتهم من هذا وقالوا: (يامولانا لقد حيرتنا بكيفية سرعة فهمك للإسلام)[1].

هذا ولم يقتصر حب الملك "موتيسا" للإسلام على تعلُّمه لقراءة القرآن الكريم وحسب، بل أصبح معلمًا وداعيًا إلى الإسلام؛ يدل على ذلك ما جاء في كتاب "هامو موكاسا" Mukasa Hamu بأن الملك موتيسا بعد أن تعلم القرآن الكريم جمع كافة زعمائه وولاته يومًا وجعل يشرح لهم فكرة الإله، وقال لهم: إن الله واحد، وهو الإله الأكبر والأعظم من جميع الآلهة، (وإني أرجو منكم جميعًا أن تتعلموا هذا الدين)، ولم يكتفِ الملك بهذا؛ بل قام هو بنفسه يشرح لهم ويعلمهم فضل الإسلام وتعاليمه كما فهمه من القرآن الكريم، فانصاع الولاة لأمر مليكهم وقالوا: (يا مولانا، أنت أكثر منا ذكاء، وأعظمنا فهمًا لدقائق الأمور كهذه، وما دمت قد رضيت بهذا الدين واخترته لنا فإنا مثلك فاعلون)، وكان ممن اعتنق الإسلام رئيس الوزراء "موكاسا" Mukasa وكانت أزواج الملك "موتيسا" وأزواج ولاته يواظبْنَ على الحضور إلى درس القرآن[2].

بل وقام "موتيسا" بصيام شهر رمضان، وكان ذلك حدثًا عظيمًا في مجتمع بوغندا، بحيث أصبح الناس يؤرخون الأحداث برمضان الذي صامه الملك "موتيسا"، كقولهم: في رمضان السابع أو السادس كان كذا وكذا.

وأمر "موتيسا" كافة رعاياه في العاصمة "ناكاوا" Nakawa بالصيام ومعاقبة المفطرين وبَثَّ مخبرين لمعرفة من خالف أمر الصيام، وقد كانت تعاليم الصيام شاقّة على الشعب في بدايات إسلامه حتى على المخبرين، ومنهم المخبر "كاكولوبوتو" الذي كُلِّف بمراقبة أهل محافظة "بوسيرو"، وقد ضُبِطَ متلبسًا بالأكل في نهار رمضان، وكان يأكل من الطعام الذي اختلسه من الناس، ولقد نال من الملك عقابًا شديدًا حتى أصبح اسمُه لقبَ ذمٍّ لكل مُفطِر في نهار رمضان!

وقد شجع الملك "موتيسا" تعليم العربية، وإنشاء الكتاتيب بالمساجد لتعلم القرآن لأبناء مملكة بوغندا[3].

غير أن جهود "موتيسا" لم تقتصر على دعوة رعاياه، بل توسعت لتشمل زعماء الدول المجاورة وملوكها للدخول في الإسلام، فأرسل عالمين مسلمين من مواطنيه إلى "كاباريغا" عاهل مملكة "بونيورو" Bunyoro ومعهم عدد من الهدايا كبساط وإناء للوضوء لاستخدامهما عند الصلاة، وعلمًا أحمر ينصب في موضع إقامة صلاة الجمعة، وكمية من خفاف النعال سهلة الخلع عند دخول المسجد، لكن قابل ملك "بونيورو" دعوة "موتيسا" بغطرسة وعناد، ويُعتقَد أن هذه الرحلة كانت سنة 1869 م، ورغم فشلها إلا أنها تعد من العوامل التي ساعدت على التعرف على الإسلام بين أمراء المناطق المجاورة والدخول في الإسلام بعد ذلك.

 

انتشار الإسلام في باقي الممالك والإمارات الأوغندية:

وقد انتشر الإسلام في باقي ممالك أوغندا بنشاط التجار العرب، فوصل مملكة "بونيورو" سنة 1860 م، وانتشر الدعاة حول مدينة "ماسيندي" Masindi بها، أما "كيغيزي" Kigezi فدخلها الإسلام سنة 1880 م، وفي سنة 1888 م وصل أول دعاة الإسلام إلى مملكة "أنكولي" Ankole، أما مملكة "تورو" فقد دخلها مجاهدون من القبائل المحلية وعدد من السواحليين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فيما بين عام 1888 و1890 م.

أما المنطقة الشرقية فقد ظهر الإسلام بها في نهاية القرن التاسع عشر بفضل الرجل المجاهد المشهور "سيمي کاکو نغولو" Semi Kakungulu الذي كان قد عين واليًا ببوسوغا Busoga في السنة الأولى أثناء الحكم الاستعماري البريطاني في أوغندا، وكان له أتباع كثيرون من المسلمين فيما حوله، فاستغل هذه الفرصة وفتح رقعة كبيرة في الشمال، وأقام مشاريع جديدة لتوفير العمل للمسلمين النابغين، حيث كان من بين ضباطه عدد من المسلمين البارزين من أهل بوغندا Buganda يتصدرهم كل من: "بو مباکالي کاميا" Bumbakali Kamya، و"صالح كامايا" Kamaya، و"جعفر مايانجا" Mayanja، و"غاديمبا" Gadimba، و"كاكوما" Kakuma وكانوا جميعًا من الولاة المسلمين في بوغندا إبان حكم الملك المسلم "كاليما" Kalema[4].

 

الاستعمار يحارب الإسلام في أوغندا:

ولم يزعج هذا التنامي الطبيعي للإسلام وحركة التعليم الديني إلا الحضور الاستعماري، والنشاط التنصيري الذي رافقه عام 1877م، وزُجَّ بشعب "بوغندا" في حرب دينية بين المسلمين والنصارى في العقد الأخير من القرن التاسع عشر؛ كانت الغلبة العسكرية فيها للنصارى، غير أن ذلك كان - في حقيقته - نصرًا للإسلام؛ إذ تشتت المسلمون المهاجرون في أرجاء المملكة، وامتزجوا بقبائل نائية ما برحت أن أسلمت على أيديهم[5].

ونجد أن منطقة بوغويري (Bugweri) الشرقية، التي تعد الآن أكثر مناطق أوغندا إسلامًا (۷۰٪)، يرجع إسلامها إلى إسلام زعيمها القبلي مينهيا (Menhya))، ومن أكثر المناطق ذات الحضور الإسلامي أيضًا: منطقة (Arua) في الشمال الغربي، و Busaga في الشرق، و(Ankole) في الغرب، وبوغندا في الوسط.

 

توسع إقليمي واقتصادي:

عليه؛ فإن هذا التوزيع الواسع للمسلمين على رقعة أوغندا قد وفر على الدعاة جهودًا دعوية مضنية، وأفاد المسلمين اجتماعيًّا واستراتيجيًّا؛ بانضواء مختلف القبائل تحت مظلة الإسلام، بما في ذلك الزعامات القبلية التقليدية، كما أفادهم اقتصاديًّا حيث ظلت حركة التجارة في قبضة المسلمين تبعًا للتبادلات التجارية بين القبائل المذكورة في مختلف أرجاء أوغندا[6].

• دخل الإسلام أوغندا عن طريق التجار العرب المسلمين والسواحليين في الساحل الشرقي لإفريقيا عن طريق الدعوة والإقناع.

• كان الإسلام أولى الديانات السماوية انتشارًا في أوغندا، ثم زاحمته النصرانية في أعقاب حركة الاستعمار للقارة الإفريقية.

• تعد مملكة "بوغندا" أولى الممالك في أوغندا التي أسلم ملوكها، وقد تولت نشر الدعوة بين جيرانها.

• ظلت حركة التجارة في قبضة المسلمين تبعًا للتبادلات التجارية بين القبائل المذكورة في مختلف أرجاء أوغندا.

 


[1] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، صـ110.

[2] الإسلام في أوغندا، مجلة دراسات إفريقية، العدد الثالث، صـ113-114.

[3]

Reid Richard: “Images of African Ruler: KabakaMutesa of Buganda, ca 1857 - 1884”, History in Africa, Vol. 26 (1999), p 269 - 298.

[4] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، صـ45.

[5] عوامل انتشار الإسلام وتراجعه في زمبابوي وأوغندا: دراسة مقارنة، د. الأمين أبو منقة محمد، من أوراق المؤتمر الدولي، الإسلام في إفريقيا، منشورات جامعة إفريقيا العالمية، 1427 هـ- 2006 م، صـ410.

[6] التعليم الإسلامي بشرق إفريقيا: أوغندا نموذجًا، د. آدم بامبا، مجلة قراءات إفريقية، العدد الثاني عشر، ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1433 هـ، إبريل- يونيو 2012 م، صـ44.