كيف دخل الإسلام أوغندا؟ (1)مقالات


• دخل الإسلام أوغندا عن طريق التجار العرب المسلمين والسواحليين في الساحل الشرقي لإفريقيا عن طريق الدعوة والإقناع.

• كان الإسلام أولى الديانات السماوية انتشارًا في أوغندا، ثم زاحمته النصرانية في أعقاب حركة الاستعمار للقارة الإفريقية.

• تعد مملكة "بوغندا" أولى الممالك في أوغندا التي أسلم ملوكها، وقد تولت نشر الدعوة بين جيرانها.

• ظلت حركة التجارة في قبضة المسلمين تبعًا للتبادلات التجارية بين القبائل المذكورة في مختلف أرجاء أوغندا.

 

نبذة عامة عن أوغندا:

تقع أوغندا في الجزء الشرقي من إفريقيا، وهي دولة مغلقة، يحدُّها من الشمال جمهورية السودان، ومن الجنوب تنزانيا ورواندا وبورندي، ومن الشرق كينيا، ومن الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية.

واسم "أوغندا" اسم حديث أطلقه الاستعمار البريطاني على هذا الجزء من إفريقيا عندما فرض عليه الحماية سنة 1903 م، وكانت تتكون من عدة ممالك، دومًا في حروب وعراك بعضها مع بعض، وكان أشهر تلك القبائل مملكة "بوغندا" التي تجاور بحيرة فيكتوريا من الشمال، ومن اسم "بوغندا" اقتبست بريطانيا اسم "أوغندا"، وذلك بحذف حرف B من اسمها، وقبيلة "بونيورو" وتقع شمال بوغندا، و"أنكولي" و"تورو" وتقعان إلى الغرب منهما، بجوار بحيرتي ألبرت وإدوارد، ثم "أشولي" وتقع في الشمال من هذه الممالك الأربعة ويفصلها عنها نهر فيكتوريا[1]، وكانت بوغندا أرقى هذه الممالك وأكثرها تقدمًا، وهذا ما أكده الرحالة بيرتون (Burton) عندما اخترقها في منتصف القرن التاسع عشر، أثناء رحلته إلى الشمال لاكتشاف المنابع العليا للنيل.

وقد بلغت أوغندا من ناحية التنظيم السياسي درجة متقدمة لم تشهدها بقية الممالك الاستوائية؛ إذ كان على رأسها ملك يحمل لقب "الكاباكا" (Kabaka) ويساعده مجلس يسمى "اللوكيكو" (Loukiko) ويضم رؤساء القبائل والعشائر، كما كانت البلاد مقسمة إلى عدد من الأقاليم أو المديريات يحكم كلًّا منها رئيس أو زعيم، ويرأس الحكومة المركزية رئيس الوزراء ويطلق عليه لقب "الكاتيكيرو" (Katikiro). وقد كانت جميع إدارات الدولة ومؤسساتها مثل المالية والشؤون القانونية والأشغال العامة والجيش على درجة كافية من الكفاءة اللازمة لإدارة الأمور بالعاصمة على الأقل.

 

الساحل الشرقي لإفريقيا وانتشار الإسلام:

كان الساحل الشرقي للقارة الإفريقية يعتبر منطلقًا للإسلام إلى داخل عمق القارة الإفريقية الشرقية؛ حيث كان الإسلام قد ظهر منذ القرن السابع الميلادي، بل وكان له نفوذ في بعض المناطق الساحلية خصوصًا ما بين "دار السلام" و"باغامويو"، وظل ينتشر بين سكان المنطقة دون توغل إلى داخل القارة فترة من الزمن حتى عام ۱۸۳۷ م الذي حدث فيه عهد جديد في تاريخ علاقات العرب بالساحل الشرقي لإفريقيا حين استولى "سيد سعيد" على "ممباسا" Mombasa ثم نقل عاصمته من عمان إلى زنجبار Zanzibar ونتج عن ذلك زيادة عدد المهاجرين العرب من عمان وحضرموت إلى زنجبار وبمبا Pemba، وغيرهما من المناطق الساحلية.

وقد نجح السلطان "سعيد" بفضل سياسته الاقتصادية أن يجعل زنجبار أهم وأكبر مركز تِجاري في غرب ساحل المحيط الهندي، بل والسوق الفريد من نوعه بالساحل الشرقي لإفريقيا الذي كان يَؤُمُّه الناس من داخل القارة الإفريقية وخارجها بمختلف البضائع من العاج والمنتجات الزراعية ومعظم الواردات التجارية من الهند وأمريكا وأوروبا، وقد توافد التجار العرب وغيرهم من كبار التجار حتى ضاق بهم السوق بالساحل، وانطلقوا يبحثون عن أسواق جديدة داخل القارة الإفريقية شرقًا ووسطًا، كما ساعدهم على ذلك السلطان حين نظم القوات التجارية بين الساحل والمناطق الداخلية، وأنشأ طرقًا جديدة حتى وصلت تنانيقا Tanganyika ونياسلاند Nyasaland وكينيا وفكتوريا Victoria، وأوغندا Uganda، ولا ريب أن السواحليين وتجار العرب هم أصحاب الفضل في وصول الإسلام إلى أوغندا، أو الذين هيَّأوا الجو المناسب لدخول الإسلام في مملكة "بوغندا" Buganda، ثم انتشاره بعد ذلك في سائر مناطق أوغندا[2].

 

كيف دخل الإسلام أوغندا:

يرجع المدُّ الإسلاميُّ بأوغندا إلى حركة التِّجارة بين السكان المحليِّين والتُّجار السَّواحليين والعرب الذين توغَّلوا في مناطق "أكولي" و"لانْغو"، وغيرهما من المناطق الشَّماليَّة بأوغندا الحديثة[3].

أما المدُّ الفعليُّ للإسلام فكان من مملكة "بُوغندا" بوسط البلاد، في النِّصف الأوَّل من القرن التَّاسع عشر الميلاديِّ حين قَدِمَ "أحمد بن إبراهيم العامري"، وهو أول المسلمين العرب دخولًا في بوغندا، وكان ذلك في عهد الملك "سونا الثاني" Suuna II (1825- 1856 م) والذي استقبله بترحاب، ووقف الشيخ "أحمد" في مجلس الملك، وتحدَّث عن الإسلام وترك الوثنية، وأخذ يعِظُ الملك حتى تقبل تعاليم الإسلام، وأسلم جزء من حاشيته اتِّباعًا للملك، غير أن الملك سونا لم يعمل على نشر هذا الدين[4].

وكان الانتشار الفعلي للإسلام خصوصًا في عهد (الكاباكا) الملك "موتيسا" Muteesa I (1862-1875 م)، وقد قرَّب الملك التُّجار المسلمين، وأوكل إليهم وظائف إداريَّة مهمَّة، وزاد ذلك بتعلُّمه مبادئ العربيَّة، وقام بترجمة أجزاء من القرآن الكريم إلى لغة البوغندا.

وبذلك يمكن الاستنتاج - رغم الروايات المتضاربة - عن أول من نزل أوغندا من التجار العرب، أن الإسلام وصل لهذه المنطقة في فترة ما بين العقد الخامس والعقد السادس من القرن التاسع عشر الميلادي[5].

 

"سونا الثاني" المتعطش للدماء وتغيره بعد الدعوة:

يروي المؤرخ الأوغندي المشهور "سير أبولو كاغوا" Sir Apolo مشيدًا بموقف الداعية "أحمد بن إبراهيم" البطولي من الملك سونا، حيث يقول: "كان الملك سونا Suuna II سفاحًا يذبح الناس كثيرًا ظلمًا؛ اقتداءً بتقاليد ديانة بوغندا الجاهلية التي كانت تقضي بتقديم الذبائح البشرية قُربانًا لأرواح آبائه الملوك السابقين[6]، فبينما الملك "سونا" يهم بذبح الناس كعادته، إذ قال له "أحمد بن إبراهيم" معترضًا: (مولاي إن الذين تقتلهم من الناس كل يوم خلق الله الذي خلقك، وآتاك ملكك هذا)، فما كان جواب الملك "سونا" إلا أن قال: إنما آتاني ملکي إلهتي "بالوبالي" Balubale"؛ أي: آلهته التقليدية من الأوثان، ولم يزل النقاش قائمًا بينهما، حتى قبل الملك دعوة "أحمد" رغم غطرسته، وسمح له بإلقاء المزيد من عظاته عليه، وطلب منه أن يعلمه الإسلام[7].

وسرعان ما تأقلم الملك مع التعاليم الإسلامية، وكفَّ عن ذبح رعيته، ورغم أن مسألة إسلامه وثباته عليه يعد من الجدالات محل النقاش بين المؤرخين الإفريقيين[8]، إلا أن تلك المعارضة التي أبداها الداعية "أحمد بن إبراهيم" تعتبر بداية لدعوة الحق في هذه الربوع، والتي كررها "أحمد بن إبراهيم" عدة مرات حتى قال له الملك سونا: (أين الإله الذي تفتأ تذكره دائمًا وأبدًا؟ ومن ذا الذي تزعم أنه أعز مني؟)، فشرح "أحمد" للملك "سونا": "أن الله تعالى في السماء، وأنه ينجي الذين يؤمنون به، وأنهم سيدخلون الجنة يوم القيامة"، وقد أوجدت هذه الكلمات تأثيرًا مهمًّا في نفس الملك "سونا" حتى طلب من "أحمد" أن يعلمه كلام الله سرًّا ، وهو ما كان يبغاه الشيخ "أحمد بن إبراهيم"، وكان السبب الرئيسي في إرادة الملك أن يتعلم سرًّا؛ لأن الديانة الوطنية كانت يومئذٍ قد بلغت ذروتها، فأراد الملك أن يتلافى بغض ولاته وكبار رجاله خصوصًا "كائيرا" Kayira رئيس الوزراء الذي كان يوصف بأنه رجل شديد القوة.

وقد دعم الملك "سونا" علاقاته بالمزيد من التجار العرب والسواحليين عمومًا، بل إن "سونا" قبل وفاته نجده قد مست قلبه آيات الذكر الحكيم، وأتم تعلُّم أربع سور من القرآن، وهي: سورة الفاتحة، وسورة الناس، وسورة الفلق، وسورة الإخلاص[9].

 


[1] دور البعثات التبشيرية في التمهيد للاستعمار الأوروبي في أوغندا، أ. نادية سلاماني، مجلة الدراسات الإفريقية، العدد السادس، 2018، صـ2، 3.

[2] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، رسالة دكتوراه، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، 1411 هـ - 1990 م، صـ26-27.

[3] التعليم الإسلامي بشرق إفريقيا: أوغندا نموذجًا، د. آدم بامبا، مجلة قراءات إفريقية، العدد الثاني عشر، ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1433 هـ، إبريل- يونيو 2012 م، صـ44.

[4] مظاهر الانحراف في توحيد العبادة لدى بعض مسلمي أوغندا، وسبل معالجتها على ضوء الإسلام، حسين محمد بُوا، رسالة ماجستير، كلية الدعوة وأصول الدين، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1412 هـ - 1992 م، صـ9- 10.

[5] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، صـ30.

[6] مقال" الإسلام في أوغندا.. تحديات وصراعات وبقاء"، مجلة الكوثر، العدد 16، السنة الثانية، ذو الحجة - ذو القعدة 1421هـ، فبراير 2001م.

[7] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، صـ31.

[8] الإسلام في أوغندا وموقف المسلمين من العقائد المنحرفة، عبد القادر عيد بالوندي، صـ108-109.

[9] Kagwa and Duda, "How religion came to Uganda", vol, III (1902), P. 35.