دخول الإسلام بروناي دار السلام (1)مقالات


• يرجح أن معرفة سلطنة بروناي بالإسلام كانت عن طريق التجار العرب منذ القرن الأول الهجري؛ حيث كانت بروناي جزءًا من أرخبيل الملايو ذي الأهمية التجارية.

• تحوّل شعب بروناي رسميًّا إلى الإسلام كان في القرن الرابع عشر الميلادي، وذلك بالتبعية لملكهم الذي أسلم بالمصاهرة، وسمى نفسه السلطان "محمد شاه".

• كانت سلطنة بروناي نهبًا لمطامع القوى الاستعمارية في العصر الحديث كالاستعمار الإسباني والهولندي والإنجليزي والياباني، حتى وُضِعتْ تحت الحماية البريطانية عام 1888 م.

• تظل الثقافة الإسلامية هي الميهمنة على الهُوِيّة العامة لحكام وشعب سلطنة بروناي منذ دخول الإسلام إليها وحتى وقتنا الحالي.

 

نبذة عامة عن بروناي (دار السلام):

تقع "بروناي"[1] أو "دار السلام" في الجهة الجنوبية الشرقية لقارة آسيا، على الساحل الشمالي لجزيرة بورنيو (Borneo)، وتتألف من قسمين: القسم الشرقي الذي تعيش فيه النسبة الأكبر من السكان، والقسم الجبلي الجنوبي، ويحيط بها من بقية الجهات ولاية "ساراواك" الماليزية إحاطة السوار بالمعصم، و"بروناي دار السلام" إحدي مكونات دول "أرخبيل الملايو"[2] ذات الأغلبية المسلمة التي تضم ماليزيا، وإندونيسيا، وسنغافورة، وجنوب تايلاند، وبعض جزر الفلبين.

وهي سلطنة، عاصمتها مدينة "بندر سري بيجاوان"، وتبلغ مساحة أراضيها 5,765 كم²، وقد يخلط البعض بين "بروناي" و"بورنيو" فيظن جزيرة بورنيو هي بروناي، وإن صحّ هذا في التاريخ القديم للسلطنة حين اتسعت مساحتها؛ لتشمل معظم جزيرة بورنيو إلا أن الأمر اختلف منذ عام 1901 م، فأصبحت بروناي جزءًا من جزيرة "بورنيو" التي تضم بالإضافة إليها أجزاءً من أراضي إندونيسيا وماليزيا، فلا تتجاوز مساحة سلطنة بروناي 5765 كم من جزيرة بورنيو، ويقدر طول ساحلها 161 كيلومترًا بمحاذاة "البحر الصيني الجنوبي"[3].

وتغطي الغابات الاستوائية معظم أجزائها (حوالي ثلاثة أرباعها) وتتميز التضاريس بسهل ساحلي منبسط يتحول إلى جبال في الشرق، وتتميز الجهة الغربية بأراضٍ منخفضة تتخللها تلال، وتشكل الأراضي الصالحة للزراعة جزءًا ضئيلًا من المساحة الكلية للبلاد[4].

 

كيف دخل الإسلام بروناي؟

كانت بروناي واحدة من أقدم الممالك في جنوب شرق آسيا، ويقال: إنها نشأت أول ما نشأت في القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري)[5]، وأنها كانت جزءًا من الإمبراطورية الهندوكية "ماجابهيت" Majaphit، أما عن وصول الإسلام الجزيرة أول مرة، فقد اختلفت الآراء في ماهية ناشري الإسلام الأوائل في "بروناي"، وبمناقشة الآراء يستنتج المؤرخون المحايدون أن الدعوة الإسلامية جاءت من بلاد العرب مباشرة إلى سلطنة بروناي، فالبحّارة العرب امتلكوا زمام التجارة البحرية في العصور القديمة الوسطى بعملهم كوسطاء بين مصر وإيران من جهة، والهند وجنوب شرق آسيا بما فيه أرخبيل الملايو من جهة أخرى، ولظروف الرياح الموسمية كان يستوجب أن تقف البواخر في الموانئ التي تكون في خط سير هذه الرياح بما فيها ميناء "بروناي" القديم، وكان التجار يمارسون البيع والشراء مع أهل تلك الجزر، مع الدعوة الإسلامية، ولإعجاب أهل تلك المنطقة بأمانة التجار العرب وأخلاقهم، وحسن تعاملهم في مسائل البيع والشراء تسرب إليهم حب الإسلام رويدًا رويدًا[6].

ومن القائلين بهذا الرأي John Crowford فيرى أن الدعوة الإسلامية وصلت إلى بروناي عن طريق التجّار العرب في مرحلة تالية للفتوحات الإسلامية التي انطلقت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويُقوي هذه النظرية أن التُّجار العرب كانوا من أوائل من نشر الإسلام في بلاد الصين والهند وسيلان، فليس من المستبعد أن يكونوا هم من نشروا الإسلام في بروناي ودول جنوب شرق آسيا، ويدعم هذه النظرية مقولة Thomas Arnold: "من الممكن أن هذا الدين حمله التجّار العرب إلى جنوب شرق آسيا منذ القرن الأول الهجري"[7].

أما عن التاريخ الدقيق لوصول أول فوج من التجار العرب المسلمين لتلك الجزر، فقد اختلف الباحثون والدارسون في تحديد ذلك، فمنهم من يرى أن العرب وصلوا إلى "بروناي دار السلام" في القرن السابع الميلادي في عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 30 هـ - 650 م، ويرى أصحاب هذا الرأي أن التجار العرب مرُّوا بحرًا بأرخبيل الملايو وتوقفوا في ميناء بروناي الواقع في وسط طريقهم إلى كانتون بالصين وجنوب فيتنام وجزر الفلبين، سالكين طريق "مضيق سوندا" بين جنوب سومطرة وشمال جاوة[8].

وتشير المصادر إلى أن جزيرتي "سومطرة" و"جاوة" كانتا من أولى المناطق دخولًا في الإسلام في "أرخبيل الملايو"، وشهدت المرحلة اللاحقة انتشارًا متزايدًا للإسلام؛ مما أدى إلى ظهور أولى الممالك الإسلامية بالمنطقة؛ ففي سنة 226 هـ / 840 م، ظهرت أول مملكة إسلامية في جنوب شرق آسيا وهي مملكة "برلاك"[9] Perlak الإسلامية بـ"أتشيه"، سومطرة، التي أسسها السلطان "علاء الدين" (226-250 هـ / 840-864 م)، ثم بعد ذلك تتابع قيام كثير من الممالك الإسلامية في المنطقة التي كان لها دور كبير في نشر الإسلام، ومن أهمها مملكة "باساي"، ودولة "ملقا" التي امتد سلطانها على منطقة "ماليزيا" الحالية بما فيها جزيرة "بروناي"[10].

فالأخبار تذكر أن ملك "ملقا": السلطان "أوانج ألق بتاتر"[11] Awang Alak Betatar أراد أن يتزوج أميرة مسلمة من بنات سلطان المملكة الإسلامية "باساي" (597-853 هـ/ 1200-1449 م) ولكن الأميرة رفضت أن تتزوج رجلًا غير مسلم حسب الشرع الإسلامي؛ مما دفعه إلى محاولة التعرف على الإسلام ودراسته، وسرعان ما آمن به وأعلن اعتناقه له، وغيَّر اسمه بعد إسلامه إلى "محمد شاه"، وبالتدريج أصبحت مملكة "ملقا" مركز إشعاع لنشر الإسلام في المنطقة، ثم قامت بعدها عدة ممالك إسلامية "ملايوية" سارت على نهجها بعد سقوطها[12].

ومنه يستنتج المؤرخون أن تحوُّل شعب بروناي رسميًّا إلى الإسلام كان في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث إن هذا الزواج تم بين عام 1370 - 1386 م[13].

ويستند المؤرخون إلى دليل تاريخي آخر، هو الكتابات الموجودة على الحجر الأثري المسمى بـ "باتو ترسيله" Batu Tersilah، الموجودة في المقبرة الملكية بالعاصمة بروناي، ومن نصه ما يلي: "أول من ولي الحكومة وحمل الدين الإسلامي حسب شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو جلالة السلطان محمد وأخوه السلطان أحمد"[14].

ولما أسلم السلطان، أسلم معه رعيته، باستثناء الذين يعيشون في الأماكن النائية، فقد ظلُّوا على وثنيّتهم، وكان من عادة الملايو أن يتبعوا دين أميرهم، ومنذ إسلام السلطان "محمد" أصبحت "بروناي" سلطنة ملايوية إسلامية حتى الآن.

 


[1] يرجح أن كلمة بروناي ربما اشتقت من كلمة "فاروناي" السنسكريتية التي تعني "البحارة" لتصبح لاحقًا "بروناي"، كما أن اسم "برونيو" له نفس الأصل، وقيل: إن كلمة "بروناي" مأخوذة من الكلمة الصينية "فو-لي" أو "فو-لو" أو "فو-ني" ثم حورت إلى "بون-لاي" فـ"بروناي".. انظر: Awang Mohd. Jamil Al-Sufri, History Of Brunei In Brief, (Brunei History Centre, (Y) Ministry Of Youth And Sports), Second Edition, 2000, pg: 14.

[2] أرخبيل الملايو (بالإنجليزية: Malay Archipelago)‏ أكبر أرخبيل في العالم من حيث المساحة (أرخبيل مصطلح يرمز لأي مجموعة متقاربة ومتجاورة من الجزر، وتتأصل هذه الكلمة من الكلمة اليونانية: أَرْخِيپِيلاَگُوسْ αρχιπέλαγος)، ويحوي أرخبيل الملايو بحدود 20,000 جزيرة، ويقع بين جنوب شرق آسيا وأستراليا، شكل مظاهر حضارة إسلامية عريقة جنوب شرق آسيا؛ وذلك بسبب موقع الأرخبيل الجغرافي الذي يقع وسط طريق قوافل التجار العرب والصين؛ فساهم ذلك في انتشار الإسلام بتلك الجزر، انظر: حضارة اللغة العربية في أرخبيل الملايو، د. روسني بن سامه، مجلة اللغة العربية، المجلد 13، عدد 2، 2011 م، صـ186.

[3] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، 1439 هـ، صـ11، 12.

[4] بروناي- دار السلام، أ.د. زين الدين عبد المقصود، الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، ج7، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1419 هـ، صـ267، 268.

[5] زيارة لسلطنة بروناي الإسلامية، محمد بن ناصر العبودي، المطابع الأهلية للأوفست، ط1، 1405 هـ - 1985 م، صـ14.

[6] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، صـ20.

[7] منهج اللغة العربية في كلية اللغة العربية والحضارة الإسلامية بجامعة السلطان "الشريف علي" الإسلامية سلطنة بروناي دار السلام: دراسة وصفية تحليلية، حاج حنبلي بن حاج جايلي، بحث مقدم لنيل درجة التخصص "الماجستير" في العلوم الإنسانية من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية - ماليزيا، صـ 134،133.

[8] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، صـ22.

[9] الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، سير توماس.و. أرنولد، ترجمة: جرجي فتح الله، مكتبة النهضة العربية، 1971 م، صـ1-4.

[10] أثر الإسلام على النهضة الفكرية في جنوب شرق آسيا في العصور الإسلامية المتأخرة، غنية ياسر كباشي القيسي، رسالة ماجستير، كلية التربية للبنات بجامعة بغداد، 2003 م، صـ 47، 48.

[11] المراكز الإسلامية ودورها في الدعوة إلى الله في بروناي دار السلام بعد الاستقلال، الحاجة سيتي نورليانه بنت سلامن، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين، جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية ببروناي، 1432 هـ- 2011 م، صـ16.

[12] تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ج 1، محمود شاكر الحرستاني، الرياض، 1984 م، ص 33.

[13] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، صـ26.

[14] المصدر السابق، صـ26.