دخول الإسلام بروناي دار السلام (2)مقالات


حكام بروناي المسلمين:

1- السلطان محمد شاه: أول سلاطين بروناي، وفي عهده تطور ميناء نهر "أباي" Aba في مقاطعة "بلود" بسلطنة بروناي وصار ميناءً تجاريًّا هامًّا، والذي كان معروفًا منذ القرن السابع الميلادي للتجار العرب، وفي عهده بدأ الإسلام ينتشر على نطاق أوسع في المجتمع البروناوي في هذا الوقت[1]، وتوفي السلطان "محمد شاه" في عام 1402 م.

2- السلطان "عبد المجيد حسن": ابن السلطان "محمد شاه"، تولى الحكم من بعده، لكن اسمه لم يذكر في سلسلة "راج راج بروناي" (Brunei Raja Raja Silsilah) - أي سلسلة الأنساب لملوك بروناي - لكن ذكرته المصادر الصينية باسم "مانا- جي- كانا" " Ma-Na-Je-Ka-Na، وذكرت أنه قد زار الصين وتوفي هناك عام 1408 م.

3- السلطان "أحمد": أخو السلطان "محمد شاه"، وهو الذي أطلق على بروناي هذا الاسم[2]، إلا أنه لا يُذكر له جهود في نشر الإسلام، وقد توفي سنة 1425 م، ولم يترك بعده ولدًا.

4- السلطان "الشريف علي بن عجلان" (1425 - 1432م): كان "الشريف علي" تاجرًا وفقيهًا عربيًّا جاء من الطائف في عام 1375 م تقريبًا، وكان له مكانة في بلاد الحجاز في عهد دولة المماليك بمصر، وقد أحضر معه إلى سلطنة بروناي سيفًا تذكاريًّا أُهدي إليه من الخليفة العباسي، ويتصل نسب السلطان "الشريف علي" بالحسن بن علي رضي الله عنهما، وقد امتاز بشدة الورع والأخلاق الكريمة، بالإضافة إلى فقهه في الدين؛ لذا تزوج من "رتنا كسوما" Ratna Kesuma ابنة السلطان "أحمد" وأصبح سلطانًا لبروناي دون أدنى معارضة من أحد[3]، وهو من أشهر السلاطين الذين حكموا المملكات الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا بسبب جهوده العظيمة في نشر الدعوة الإسلامية وخصوصًا في مملكة بروناي دار السلام، فقام ببناء أول مسجد في مدينة "كوتا باتو" فور توليه الحكم؛ لإقامة صلاة الجمعة وأداء صلاة الجماعة، متخذًا من المسجد مركزًا للتعليم والتربية وملتقى للمسلمين[4].

وكان السلطان يؤمّهم في الصلاة، ويُعرِّفهم بتعاليم الإسلام، ويخطب الجمعة فيهم باللغة الملايوية التي تعلمها وأتقنها حتى صار فصيحًا فيها منذ وقت مبكر، وقد ساعده في ذلك أنه لم يأتِ إلى بروناي مباشرة من شبه الجزيرة العربية، بل ذهب أولًا إلى "ملقا" فاختلط بأهلها، وتمكَّن من لغتها حتى أجاد الملايوية إجادة تامة، ثم جاء إلى بروناي داعيًا إلى الله عز وجل، وكان بجوار أعباء الحكم إمامًا وخطيبًا ومدرسًا، ولهذه الأدوار الكثيرة التي كان يقوم بها أطلق عليه المواطنون لقب "السلطان بركات أو بركة".

وتحكي بعض الروايات عن رحلاته إلى جزيرة "جاوة"، ودعوته قبائلها إلى الإسلام، واعتناق كثير منهم للإسلام، وأنه أول من بنى لهم مسجدًا في "لرات جتكالا"[5]، وبعد عودته إلى بروناي واصل عرض الإسلام على الوفود التي تأتي لزيارة السلطنة مثل ما فعل مع "ستيمفورد ريفال" وغيره من النصارى.. وهو من جعل علم بروناي على صورة ثلاثة أجنحة تشير إلى مراتب الدين الثلاثة: "الإسلام، والإيمان، والإحسان"، وأوّل من أضاف إلى اسم سلطنة بروناي كلمة "دار السلام" تيمنًا بالجنة وأمنها وخيرها وسلامها[6]، وتوفي السلطان "الشريف علي" عام 1432 م.

5- السلطان "سليمان بن الشريف علي": تولى الحكم بعد وفاة أبيه عام 1432 م حتى عام 1485 م، له جهوده المباركة في دعم الإسلام داخل مجتمع بروناي، ولا تذكر المصادر التاريخية أي دور له خارجها، كان تقيًّا شديد التديُّن، توفي سنة 1511 م بعد أن تنازل عن العرش لابنه السلطان "بلقية" في عام 1485 م.

6- السلطان "بلقية بن سليمان": لبث في الحكم تسع وثلاثين عامًا، شجَّع الدعاة على نشر الإسلام في جميع بقاع جزيرة "بورنيو" و"الفلبين"، وكوّن علاقة وثيقة مع ملك "ملقا"، واتسعت في عهده مساحة السلطنة، فأصبحت تضم جميع أجزاء جزيرة بورنيو وجزر فلاون وسولو ولوزون في الفلبين، وأقبلت في عهده القبائل في الجزر التابعة لسلطنة بروناي على الإسلام بخلاف القبائل القاطنة في مناطق نائية، فلم تصلهم الدعوة الإسلامية حينها لصعوبة وسائل الانتقال آنذاك، ووصف المؤرخون عصره بالعصر الذهبي للسلطنة[7].

7- السلطان "عبد القهار بن بلقية": خلف السلطان "عبد القهار" أباه عام 1524 م، واستمر حكمه حتى عام 1530 م، واحتفظت فيها بروناي بكونها مركزًا للدعوة الإسلامية؛ ففي عهده قدم إلى بروناي كثير من العلماء والدعاة، وخرج منها الكثير من الدعاة إلى الجزر المحيطة؛ حتى أصبحت بروناي مركزًا مشهورًا لنشر الدعوة الإسلامية، وخير دليل على ذلك رسالة الحاكم الإسباني في مانيلا (الفلبين) ويُدعى Dr.Francisco de sande إلى السلطان عبد القهار يطلب منه أن يرسل إليه دعاة من بروناي لنشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة في الجزائر الفلبينية[8].

8- السلطان "سيف الرجال": تولى الحكم بعد وفاة السلطان "عبد القهار"، عاصر تراجع نفوذ الاحتلال البرتغالي في أرخبيل الملايو أمام توسعات الاستعمار الإسباني الطامع في استغلال خيرات هذه البلاد، وفي عهده حدثت "حرب قشتالية" Perang Kastila مع الإسبان عام 1578 م الذين أرادوا احتلال المنطقة وإنهاء الوجود الإسلامي بها.

ورغم طول مدة حكم السلطان "سيف الرجال" الذي تُوفي عام 1581 م إلا أنه لم يكن له جهود في نشر الإسلام أو تقوية السلطنة وتوسيع حدودها.

9- السلطان "شاه بروناي": ابن السلطان "سيف الرجال"، خلفه في الحكم، غير أنَّ حكمه لم يطل فقد عاجلته المنية في العام نفسه، فتولى الحكم من بعده السلطان "محمد حسن" عام 1582 م.

10- السلطان "محمد حسن": استعادت "بروناي دار السلام" في عهده سالف عهدها من القوة والازدهار، فعلى الرغم من أنها فقدت بعض الولايات في جزر الفلبين إلا أن السلطان قد استطاع أن يضم بعض الجزر الأخرى إلى سلطنته مثل "سولوك" بعد أن تزوّج من أميرتها، وضمّ كذلك جزر: "كاجاين، وفولا، وكراميان" وغيرها من الجزر.

وقد أرسل إلى هذه الجزر الدعاة؛ لينشروا الإسلام؛ فبنوا هناك مسجدًا ومدرسة دينية لتعليم القرآن الكريم، وأصدروا أول قانون مكتوب في سلطنة بروناي عُرف بـ "أحكام قانون بروناي" ضمّ قرابة سبعة وأربعين فصلًا تناولت أحكام الشريعة من حدود وميراث، وقد جرى العمل بأحكام هذا القانون حتى عام 1912 م.

 

الاحتلال البريطاني لبروناي:

انتهت فترة الازدهار لسلطنة بروناي بوفاة السلطان "محمد حسن" عام 1598 م، لتدخل "بروناي" في نوبة من الاضطرابات دامت قرنين من الزمان بسبب تنازع أولاد السلاطين على الحكم، واستغلت "إنجلترا" - التي كانت تتابع الرخاء الاقتصادي الذي كان عليه "أرخبيل الملايو"، وتطمع في الحصول على تلك الثروات لقمة سائغة - هذه الحالة من الضعف والانحدار لتدخل السلطنة عام 1841 م، دون مقاومة كبيرة، وتنازلت السلطنة عن "ساراواك" لجيمس بروك (James Brooke) الحاكم العام البريطاني للمنطقة، وكذلك تنازلت عن جزيرة "لابوان" Labuan سنة 1846 م، ومراكز أخرى في شمال شرق جزيرة "بورنيو"، كما تنازل سلطان "سولو" عن مراكز أخرى عام 1878 م؛ ليؤسس الإنجليز شركة "شمال بورنيو" البريطانية عام 1882 م لإدارة المنطقة، وفي عام 1888 م وُضِعتْ بروناي تحت الحماية البريطانية في عهد السلطان "هاشيم جليل العالم"، وفى سنة 1929م، أدَّى اكتشاف النفط في حقول مغمورة بعيدًا عن الساحل إلى أن تصبح "بروناي" دولة غنية، وظلت بروناي محمية بريطانية إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية 1941 م فاحتلت اليابان "بروناي" لأربعة أعوام[9].

 

الاحتلال الياباني لبروناي:

في أثناء أحداث الحرب العالمية الثانية استغلت اليابان الصراعات المتشابكة، وقامت بالنزول في منطقة "ميري" في 16 ديسمبر 1941 م، وقامت باحتلال منطقة "بورنيو" بالكامل، التي كانت تتقاسمها القوات البريطانية والهولندية، وضمتها جميعًا تحت قيادة مركزية واحدة بعد أن قامت بتقسيم "شمال بورنيو" إلى خمس إدارات إقليمية، وقامت بمراقبة قادة الملايو المحليين، والدعاة المسلمين، لعدم القيام بأي ثورة مضادة، وقد أساء اليابانيون معاملة الأهالي، رغم ما رفعوه من شعارات برَّاقة، وحاولوا فرض لُغتهم على الأماكن التي احتلُّوها[10]، ولم يطل مقام اليابانيين في المنطقة أكثر من ثلاث سنوات بعد هزيمتهم في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 م، وعادت "بروناي" ثانية للاستعمار البريطاني[11].

 

استعادة الهُوِيّة الإسلامية:

في عام 1948 م عين البريطانيون حاكم "سارواك" مندوبًا ساميًا لبريطانيا في "بروناي" واستمر ذلك حتى عام 1959 م، حيث دُوِّنَ دستور "بروناي"، وأُلغِيَ منصب المندوب السامي، وقامت في البلاد إدارة منفصلة بِناءً على اتفاقية وقّعت بين السلطنة والحكومة البريطانية؛ ليبدأ السلطان "حاج عمر علي سيف الدين" الذي تولى الحكم عام 1950 م مرحلة جديدة من تاريخ بروناي عُرفت بمرحلة التأسيس الثاني للسلطنة واستعادة الهُوِية الإسلامية[12].

وقد كان مفروضًا أن تنضم سلطنة "بروناي" إلى "ماليزيا" التي قامت عام 1963م، لكن لم يتم ذلك لأسباب سياسية، فبقيت وحدها محمية إنجليزية[13].

 

السلطان حسن بلقية وإعلان تطبيق أحكام الشريعة:

خطَتْ سلطنة بروناي خطوات هامة في دعم السلطنة علاقاتها الخارجية مع الدول والمنظمات الإسلامية، وذلك في عهد سلطانها التاسع والعشرين "حسن بلقية"، كما أصدرت عدة قرارات لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالسلطنة بشكل مرحلي متدرج، كانت آخر مرحلة بها سنة 2019 م عندما أعلن السلطان "حسن بلقية" أن تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاده هو واجب وطني وديني، باعتباره سلطانًا لبلد مستقل ذي سيادة[14].

ورغم الاعتراضات الدولية الكثيرة على هذه القرارات، فإنه بالنسبة للغالبية العظمى من مواطني بروناي المحافظين بصفة عامة، والذين يتمتعون بمستويات معيشية جيدة؛ نتيجة للإنفاق والدعم الحكومي الكبير الناتج من دخول النفط، فإن تطبيق أحكام الشريعة، ما هو إلا انعكاس لهُوِيتهم الوطنية والدينية.

 

• يرجح أن معرفة سلطنة بروناي بالإسلام كانت عن طريق التجار العرب منذ القرن الأول الهجري؛ حيث كانت بروناي جزءًا من أرخبيل الملايو ذي الأهمية التجارية.

• تحوّل شعب بروناي رسميًّا إلى الإسلام كان في القرن الرابع عشر الميلادي، وذلك بالتبعية لملكهم الذي أسلم بالمصاهرة، وسمى نفسه السلطان "محمد شاه".

• كانت سلطنة بروناي نهبًا لمطامع القوى الاستعمارية في العصر الحديث كالاستعمار الإسباني والهولندي والإنجليزي والياباني، حتى وُضِعتْ تحت الحماية البريطانية عام 1888 م.

• تظل الثقافة الإسلامية هي الميهمنة على الهُوِيّة العامة لحكام وشعب سلطنة بروناي منذ دخول الإسلام إليها وحتى وقتنا الحالي.

 

 


[1] الإسلام وأثره في نشر اللغة العربية في بروناي دار السلام، محمد عزيزون بن حاج أحمد، (رسالة ماجستير)، كلية اللغة العربية والحضارة الإسلامية، جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية، بروناي دار السلام، 1434 هـ - 2013 م، صـ40

[2] المسلمون في الفلبين، محمد عبد القادر أحمد، مطابع الناشر العربي - القاهرة، 1980 م، ص 33.

[3] الإسلام في أرخبيل الملايو ومنهج الدعوة إليه، رؤوف شلبي، مطبعة السعادة، 1975 م، صـ45.

[4] دور المسجد في مجتمع بروناي دار السلام، عليزان بن حاج رملي، معهد السلطان حاج عمر علي سيف الدين للدراسات الإسلامية، جامعة بروناي دار السلام، 2000 م، صـ29- 35.

[5] الدعوة الإسلامية في جنوب شرق آسيا، داتوء وان حاج حسين عزمي، رسالة مخطوطة لنيل درجة العالمية (الدكتوراه)، جامعة الأزهر، كلية أصول الدين، القاهرة، 1394 هـ - 1974 م، ص 27- 38، وص 101، 102.

[6] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، صـ27، 28.

[7] Islam di Brunei Darussalam Zaman British (1774 -1984) - Dewan Bahasa dan Pustaka. Sejarah Brunei untuk Tingkatan Menengah -Rendah. Percetakan Brunei Bhd. KB. 1978. Hlm: 16, P.115.

[8] الدعوة الإسلامية في بروناي دار السلام عبر العصور، د. صابر أحمد طه، ط. مركز الدعوة الإسلامية - وزارة الشؤون الدينية، بروناي دار السلام، 2007م، ص 21،20.

[9] زيارة لسلطنة بروناي الإسلامية، محمد بن ناصر العبودي، المطابع الأهلية للأوفست، ط1، 1405 هـ - 1985 م، صـ14.

[10] Tan, Gabriel (2011). "Under the Nippon flag". The Borneo Post.

[11] Ooi, Keat Gin (2010). The Japanese Occupation of Borneo, 1941-45. Routledge, 2010, p. 186.

[12] اللغة العربية في سلطنة بروناي دار السلام بين الماضي والحاضر، أ.د. عبد الباسط سلامة هيكل، صـ30.

[13] مقالة "الإسلام في عالم الملايو" (2)، محمد عبد الرؤوف، مجلة الوعي الإسلامي، السنة الأولى، العدد الرابع، ربيع الثاني 1385هـ.

[14] حديث متلفز في الثالث من إبريل عام 2019 م للسلطان حسن بلقية على تلفزيون بروناي.