تنزانيا أو سلطنة زنجبار الإسلامية (1)مقالات


• عرَف التجار العرب زنجبار وتنجانيقا (تنزانيا الحالية) منذ القرن الأول الهجري، والتجأ إليها حكام عمان وقت الاضطرابات؛ لبعدها النسبي، وكثرة الثروات الطبيعية بها.

• استعمر البرتغاليون إمارات الساحل الشرقي لإفريقيا ومن ضمنها "زنجبار" بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.

• طرد "البوسعيديون" حكام عمان البرتغاليين من سواحل المحيط الهندي، وسيطروا على "زنجبار" لِما يقرُبُ من ألف عام، وأسسوا بها سلطنة مسلمة زاهرة.

•  استطاع السيد "سعيد بن سلطان" تطوير مدينة زنجبار من قرية صغيرة لصيد الأسماك لتصبح الميناء الرئيسي على سواحل المحيط الهندي الغربية وأكبر مستودع للتجارة الإفريقية الآسيوية.

 

نبذة عامة عن تنزانيا:

تقع تنزانيا في الجزء الشرقي من إفريقيا، المطلة على المحيط الهندي، تحدُّها كينيا وأوغندا من الشمال، ورُواندا وبُوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الغرب، وزامبيا وملاوي ومُوزمبيق من الجنوب، وخضعت تنزانيا لاستعمار بريطاني وألماني كغيرها من الدول الإفريقيّة، واستقلت عام 1961 م[1].

وتتكون تنزانيا من إمارتين متجاورتين هما أرض "زنجبار" و"تنجانيقا" اتحدتا عام 1964م بعد الاستقلال في بداية 1961 م، وباتتا تعرفان بـ"جمهورية تنزانيا المتحدة"، ومع هذا الاتحاد تعتبر "زنجبار" - وهي عبارة عن جزيرتين: "Unguja"، و"Pemba" - دولة شبه مستقلة؛ حيث لها رئيسها وبرلمانها ووزراؤها؛ باستثناء ما يعرف بالحقائب السيادية؛ وهي: وزارة الداخلية، والخارجية، والدفاع[2].

 

دخول التجار العرب زنجبار:

وتتكون "زنجبار" من جزيرتين:

الأولى: جزيرة "زنجبار" ويسكنها 400 ألف نسمة.

الثانية: "بمبا" التي يسميها العرب (الخضراء) ويسكنها 300 ألف نسمة.

ويعتقد أن أول من سماها بهذا الاسم الفرس من "شيراز" ويقصد بها (بر الزنج)[3].

واسمها باللغة السواحلية "أنغوجاء" وهي كلمة مركبة من مقطعين هما: "أنغو" ومعناها: الصحن الواسع، و"جاء" ومعناها: امتلاء؛ أي تعني: الصحن الواسع الممتلئ[4].

وقد عرفت "زنجبار" الإسلام عن طريق الهجرات العربية إلى شرق القارة الإفريقية في نهاية القرن الأول الهجري في عهد الدولة الأموية؛ حيث وفدها التجار العرب المسلمون مبكرًا للتجارة مع سُكَّانها، وفي سنة 65 هـ، قام "الحجاج بن يوسف الثقفي" في عهد الخليفة "عبد الملك بن مروان" بمحاولة ضم "عُمَان" إلى الدولة الأموية، وكان يحكم "عمان" آنذاك الأخوان "سليمان" و"سعيد" ابنا الجلندى، وقد امتنعا على "الحجاج"، فأرسل إلى عمان جيشًا كبيرًا لا حول لهما به، فآثرا السلامة وخرجا بمن تبعهما من قومها إلى "بر الزنج" شرق إفريقيا. وقد استدل المؤرخون على ضوء هذه الحقيقة التاريخية على أن الوجود العربي في الساحل الشرقي لإفريقيا كان مركزيًّا وأمرًا مألوفًا لالتجاء حكام عمان إليها وقت الضرورة، وارتضائها مقرًّا جديدًا لحكمهما، كما كان لهذه الهجرات دورٌ كبيرٌ في إنشاء مراكز تِجارية على الساحل الشرقي لإفريقيا[5].

وقد كان مقام هذه القبيلة العربية عاملًا فعالًا في توالي هجرات عربية استمر تدفُّقها إلى فجر العصور الحديثة، وتمكنت بذلك من تكوين دولة إسلامية امتدت على طول الساحل الشرقي لإفريقيا وجزره المقابلة التي كان من أهمها "جزيرة زنجبار"، وبعد أن دانت السيطرة للقبائل العربية على أجزاء السواحل المختلفة عملوا على نشر الإسلام والثقافة العربية الإسلامية[6].

ومع ازدهار الإسلام كدين ودولة تدفَّقت إلى تلك الجهات مجموعات ضخمة من دعاة الإسلام من عرب وغيرهم، فأنشأوا مراكز عربية ثابتة، ونشروا الإسلام بين القبائل الإفريقية الساحلية، والقاطنة في الجزر المطلة على ذلك الساحل[7].

 

قدوم الاستعمار البرتغالي:

بعد أن اكتشف البرتغاليون طريق "رأس الرجاء الصالح"، وصل نفوذهم إلى هذا الجزء من ساحل شرق إفريقيا في بداية القرن السادس عشر، ولم يكد ينتهي ذلك القرن حتى تعرض نفوذهم للاضمحلال، وفي منتصف القرن التالي قُضي تمامًا على هذا النفوذ ليحل محله نفوذ سلاطين "مسقط" أصحاب "عمان"[8].

وقد عمل البرتغاليون على السيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي، ودمروا سفن التجارة العربية التي كانت تنقل البضائع من الهند إلى سواحل عمان والخليج.

وحاول البرتغاليون الذين جاءوا إلى هذه المنطقة نشر الكاثوليكية في منطقة "تنجانيقا"، والتي منها تنزانيا الحالية، إلا أن تأثيرها لم يُحدث أثرًا ذا بال، وجاءت النصرانية متأخرة في القرن السابع عشر تقريبًا؛ وهو ما أدَّى إلى عدم اندماج النصرانية مع المجتمع المحلي[9].

 

تأسيس إمارة زنجبار الإسلامية على يد العمانيين:

في نهاية القرن السابع عشر أرسل سلطان مسقط أسطولًا إلى الساحل الشرقي استطاع بمعونة الأهالي طرد البرتغاليين، وباتت الموانئ والجزر بل و"مقديشيو" ذاتها التي احتفظت باستقلالها أيام البرتغاليين تخضع اسميًّا للسلطان اليعربي مع سكان المناطق[10].

ونجد أن العمانيين قاموا بدور كبير في العلاقات العربية الإفريقية، ولا سيما في الساحل الشرقي، وبداية هذه العلاقات في التاريخ الحديث يمكن إرجاعها إلى قيام دولة اليعاربة، والدور الذي قامت به في طرد الاستعمار البرتغالي من عمان؛ مما جعل أبناء شرق إفريقيا يرسلون وفدًا منهم إلى الإمام "سلطان بن سيف" ( 1059- 1079 هـ) (1649-1668 م) - من أئمة اليعارية - في عمان يطلبون منه أن يقوم في جزر "ممباسا" و"زنجبار" و"بمبا" بنفس الدور الذي قام به في عمان، وفعلًا استطاع الإمام العماني طرد البرتغاليين من "زنجبار" و"باتا"، وتحول ولاء "زنجبار" إلى "عمان"، وأصبحت تدفع لها الجزية، وبعد تولي الإمام "سيف بن سلطان اليعربي" الحكم (۱۰۷۹- ۱۱۰۳ هـ) (1668-1692 م)، استطاع إكمال ما بدأه والده في طرد البرتغاليين من جزيرتي "بمبا" و"كلوا"؛ وبذلك أصبح حكم المدن الساحلية الهامة في أيدي العرب العمانيين الذين كونوا فيها حاميات عربية عمانية، فكانت "زنجبار" من نصيب قبيلة "الحرث"، و"ممباسا" لقبيلة "آل مزروع"، و"باتا" تحت حماية قبيلة "آل نبهان"، و"بمبا" تحت حكم حاکم "ممباسا"[11].

وعندما تعرضت عمان للاضطرابات الداخلية في نهاية عهد الأسرة اليعربية (1153 هـ/1741 م)، نتج عن ذلك قيام دويلات محلية عربية في شرق إفريقيا؛ من أهمها أسرة "المزاريع" العمانية، التي استقلت بحكم "ممباسا" لفترة من الزمن حتى قيام أسرة "آل بوسعيد" في عمان، وقد حاول الإمام "أحمد بن سعيد" السيطرة على "ممباسا"، إلا أنه لم ينجح، وظلت تحت حكم أسرة "المزاريع"، غير أن بقية الممتلكات العمانية الأخرى في شرق إفريقيا مثل "زنجبار" و"بركة" و"كلوة"، ظلت على ولائها للحكم البوسعيدي في عمان[12].

وفي عهد السيد "سعيد بن سلطان" قرر "سعيد" تولية ابنه "هلال" على عمان بكاملها، والاتجاه إلى "زنجبار" في عام 1247 هـ/1832 م ليستقر فيها، ويجعلها عاصمةً له في ممتلكاته في شرق إفريقيا، وبذلك انتقلت السلطنة إلى "زنجبار"، فبدلًا من أن يحكم شرق إفريقيا ومقر حكمه في عمان، فإنه بدأ يحكم عمان من مقر حكمه في شرق إفريقيا[13].

وبقدوم "البوسعيديين" إلى "زنجبار" بدأت مظاهر حضارة عظيمة في الساحل الشرقي لإفريقيا، حيث نقل العمانيون جميع مظاهر النهج الإسلامي في الحكم والقضاء، وفي دوائر الأحوال الشخصية، والممارسات العامة في الحياة اليومية، وانتشر الإسلام في شرقي إفريقيا نتيجة هذه الصحوة، ولقي قبولًا واقتناعًا أكثر لدى المواطنين، حيث تعتبر تلك المرحلة هي مرحلة غرس وتأصيل النشأة الفعلية والتطور الملموس للحكم الإسلامي في زنجبار[14].

 


[1] مسلمو تنزانيا: الطموحات والتحديات، أ.د. يونس عبدلي موسى، ود. فوزي محمد بارو، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 2016، صـ3.

[2] ثلاثة تحديات رئيسة يواجهها مسلمو تنزانيا: حوار مع "شمس علمي"، الأمين العام لمؤسسة ذي النورين الخيرية، هاني صلاح، مجلة قراءات إفريقية، 11 يناير 2020 م.

[3] مقالة "زنجبار قرنفلة شرق إفريقيا: 99% من أهلها مسلمون"، مجلة الكوثر، العدد1، السنة الأولى - رجب، شعبان 1420 هـ.

[4] الجهاد الإسلامي في شرق إفريقيا، نوال صيرفي، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1407-1408 هـ، صـ38.

[5] الشعر العربي في شرق إفريقيا (كينيا وتنزانيا) في العصر الحديث، أحمد سليمان موايي الأوغندي، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام أباد - باكستان، 1432 هـ - 2011 م، صـ19، 20.

[6] دور عرب عمان في نقل الحضارة والثقافة العربية والإسلامية في بلاد زنجبار وبلاد الساحل الإفريقي (1154 - 1273 هـ / 1744 - 1856 م)، عبد الوهاب بن صالح بابعير، مجلة البحوث والدراسات العربية - مصر، ع 20، 1992 م، صـ87.

[7] "الأثر الحضاري للهجرات في شرق إفريقيا"، عادل رفاعي خفاجة، مجلة الأزهر - الجزء السادس - السنة السابعة والستون - جمادى الآخرة 1415 هـ - نوفمبر 1994م.

[8] سلطنة زنجبار الإسلامية بين الإنجليز والألمان، د. محمد سيد أحمد، جامعة الملك عبد العزيز، ع 2، جمادى الآخرة / مايو 1398 هـ- 1978 م، صـ71.

[9] الوجود الإسلامي في تنزانيا في ضوء التحديات المعاصرة، كمال محمد جاه الله الخضر، مجلة قراءات إفريقية، 28/ 6/ 2018 م.

[10] سلطنة زنجبار الإسلامية بين الإنجليز والألمان، د. محمد سيد أحمد، صـ71، 72.

[11] تاريخ العلاقات العمانية الإفريقية، عامر محمد الحجري، البحوث المقدمة إلى مؤتمر دراسات تاريخ شرق الجزيرة العربية، لجنة تدوين تاريخ قطر، ج2، الدوحة، 1976 م، صـ787.

[12] الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، حسن أحمد محمود، مكتبة المتنبي، 2009 م، صـ435.

[13] عمان وشرقي إفريقيا، أحمد حمود المعمري، وزارة التراث والثقافة- سلطنة عمان، ط2، 1992 م، صـ73.

[14] دور عرب عمان في نقل الحضارة والثقافة العربية والإسلامية في بلاد زنجبار وبلاد الساحل الإفريقي (1154 - 1273 هـ / 1744 - 1856 م)، عبد الوهاب بن صالح بابعير، مجلة البحوث والدراسات العربية - مصر، ع 20، 1992 م، صـ92.