تنزانيا الحديثة ومستقبل الإسلام بها (2)مقالات


أثر حضارة الإسلام في زنجبار:

برغم المحاولات المستمرة لـ"تنصير" تنزانيا، ونبذ أي مظهر من مظاهر الحضارة الإسلامية التي كانت تظلل "زنجبار"، فإن أثر الثقافة العربية ما زال جليًّا بين السكان حتى وقتنا الحالي، فمن الواضح أن العرب والفرس نقلوا معهم إلى تلك البلاد مظاهر حضاراتهم، فنقلوا النقش والحفر والنحت، وأدخلوا معهم الأصول الرئيسية لفنهم من عقود البناء العالية الجميلة، والفسيفساء المتحدة مع الرخام الملوّن مع الرسوم الجميلة، وظهر ذلك جليًّا في قصور زنجبار وغيرها من مدن الساحل، كما أدخل الفرس من رعايا السلطنة نظامًا معماريًّا وهو البناء بالحجارة، بالإضافة إلى استعمال الأسمنت والرمل والخشب، وكان فيها مهندسون مسلمون برعوا في فن النقش والزخرفة وهندسة البناء[1].

ولسكان زنجبار وبعض المدن الساحلية التي خضعت لسلطان العرب العمانيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نجد نوعين من التقاليد الاجتماعية: نوعًا ناتجًا عن الديانة الإسلامية، والنوع الآخر ناتج عن حياة الوطنيين البدوية؛ ففي الأعياد ومختلف المناسبات تخرج القبائل في صفوف منتظمة تحت إمرة زعيمها، وترقص الرقصات الوطنية، وتشبه إلى حد كبير الرقصات العربية[2].

أما على المستوى الثقافي فلقد نفح العربُ هؤلاءِ السكانَ حُبَّ الأدب وفنون الشعر، وتبين الدراسات أن الشعر السواحيلي قد استخدم عددًا من الأوزان الشعرية العربية، والناظر في نشأة الشعر العربي في شرق إفريقيا، يستطيع أن يستدل على إلمام الساحليين (سكان ساحل شرق إفريقيا) بالشعر العربي وقواعده[3].

كما كان للإسلام بساحل إفريقيا أثره في تطوير وإثراء لغة المنطقة العامة (اللغة السواحيلية)، وتستمد اللغة السواحلية كثيرًا من مفرداتها من اللغتين العربية والسنسكريتية، وكانت حروفها المنطوقة تكتب باللغة العربية.

وقد خرج من بينهم شعراء وخطباء، وأصبح لهم أدب يعتزون به، وبرز كثير من العلماء والشعراء والأدباء باللسان العربي، كالفقيه البليغ "فخر الدين أبي عمرو عثمان بن علي بن محمد البارعي الزيلعي"، كما أوردت المخطوطات العربية في زنجبار وبعض بلاد الساحل أسماء بعض العلماء والفقهاء والأدباء، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أسماءهم وبعض مساهماتهم:

1- الشيخ برهان محمد مكلي، ومن بين مساهماته الأدبية: مرشد الفتيان، والألفية الواضحة، ونفحة الوردة، وتاريخ جزيرة القمر.

۲ - الشيخ محمد بن علي بن خميس البرواني، ومن بين مساهماته: رحلة أبي الحارث، ومقامات أبي الحارث.

3 - الشيخ حسن بن عمر الشيرازي، ومن بين مساهماته: وسيلة الرجاء، ومدارج العلي، ومسلك المحتاج.

4- محيي الدين بن شيخ بن عبد شيخ بن عبد الله الختمي، شاعر بليغ له العديد من القصائد، وهو من مواليد براوه بمقديشو، وعاش في زنجبار بتنزانيا.

ويبدو أن العديد من هؤلاء العلماء من أصل عربي، أو هكذا يودون أن يروا أنفسهم، وذلك للتأثير العربي العميق في نفوس سكان البلاد الذين صاروا ألصق بالجزيرة العربية بوجه عام. وتتضح محاولة تأكيد الصلة بالمواطن العربي أو الإسلامي في أسماء هؤلاء العلماء مثل "مكلي" نسبة إلى "المكلا".. وغير ذلك[4].

وقد ضُرِبتْ في عهد بعض حكام زنجبار عملات بُرُنْزيّة وذهبية وفضية، ولا يزال بعضها موجودًا في المتحف البريطاني بلندن، وتحمل في أحد وجهها اسم السلطان أو الحاكم، وفي الوجه الآخر عبارات إسلامية.

ووجدت في زنجبار وظيفة الحسبة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقوم صاحبها المحتسب بالإشراف على الأسواق ومراقبة المكاييل والموازين ومعاقبة من يخل بالأمن، ولا زال لها آثار ملموسة بزنجبار حتى وقتنا الحالي، إلى جانب سمت الأسواق الإسلامي بالمدينة[5].

ونجد أنه خارج مدينة زنجبار تستطيع أن تشاهد أثرًا من الآثار الرائعة للوقف الإسلامي؛ حيث أوقف بعض المسلمين منذ أكثر من 70 سنة أوقافًا لتزويد زنجبار بالماء، وحتى يومنا هذا يستفيد كل أهالي جزيرة زنجبار بالماء مجانًا رغم أن هناك ضغوطًا من بعض الدول الأوروبية لفرض ضرائب على استخدام الماء، بدعوى أنهم يدفعون مالًا مقابل استخدام الماء في بلادهم[6]!

ونجد أنه عندما تتجول في الجزء القديم من المدينة التي يسمونها "المدينة الحجرية" Stone Town تستطيع أن تشم عبق التاريخ وتحس أنك في مدينة عربية قديمة بأزقّتِها الضيقة، وأبوابها الخشبية المنقوشة، فلكل بيت قصة، ولكل بيت اسم، فهناك "بيت العجائب" الذي بناه السلطان "سيد برغش" عام 1883 م، وكان أول بيت تتم إنارته بالكهرباء، وتجري فيه المياه بالمواسير، واستُخدِم كمقرٍّ للحزب الحاكم، وقامت الحكومة بتحويله إلى متحف، وهناك "بيت التوابل"، و"بيت القرنفل"، و"بيت السلام"، ويمكننا من مرأى الشرفات من الأدوار العليا تمييز مؤثرات الفترة الإسلامية التي يختلط فيها الفن الهندي والمعمار العربي والخشب الإفريقي.

ونجد كثرة المساجد بضواحي مدينة زنجبار، فهي تزيد عن 75 مسجدًا حاليًّا، وتمتلئ بالمصلِّين في الصلوات الخمس، ويصعب أن تجد مكانًا للصلاة في بعض المساجد إن وصلتَ متأخرًا؛ حيث إن 99% من أهل زنجبار مسلمون، وتغطي كل النساء تقريبًا رؤوسهن، ويلبسْنَ العباءة السوداء التي يسمونها "بوي بوي" أو "الحجاب".

ويأمل المسلمون في "تنزانيا"- في وقتنا الحاضر- في زيادة التمثيل السياسي بالحكومات لتحسين أوضاعهم، والتمرد على سياسات التهميش والإقصاء، والمساهمة بفعالية في المجتمع التنزاني، والمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والتعليمية، ووضع الإجراءات والقوانين التي تعينهم على الالتزام بإسلامهم في ظل موجات التنصير والتشيُّع بالمنطقة.

 

• بدأ الاستعمار البريطاني في التدخل في شؤون زنجبار بحجة محاربة تجارة الرقيق، واستغل موت السلطان "سعيد بن سلطان" لزرع الخلافات بين أبنائه البوسعيديين.

• أعلنت بريطانيا الحماية على زنجبار في عام 1890 م، وبدأت في استغلال موارد البلاد بشكل سافر، وتهميش دور الحكام البوسعيديين.

• استمر الاحتلال البريطاني لزنجبار حتى العاشر من ديسمبر عام 1963 م حيث تم استقلال زنجبار بعد كفاح القوى الوطنية العربية، ولكن لم تنعم بالاستقلال كثيرًا؛ حيث وقعت مذبحة 12 يناير 1964 م ضد العرب والمسلمين قتل فيها 60 ألفًا.

•  كان للاستعمار البريطاني بمساعدة أنصار الحزب الأفروشيرازي وحزب الأمة دورٌ كبيرٌ في المذبحة لإنهاء وجود الإسلام بزنجبار.

• ما زال أثر الحضارة الإسلامية حاضرًا بقوة رغم محاولات طمس الهُوِيّة الإسلامية بتنزانيا في المعمار والفن والأدب، والتزام أهل تنزانيا بالتقاليد الإسلامية في مناسباتهم الاجتماعية.

 


[1] الإسلام والمسلمون في شرق إفريقيا، عبد الرحمن زكي، مطبعة يوسف - القاهرة، 1965، ج1، صـ79-80.

[2] الصومال الكبير والساحل، أحمد صوار، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1959 م، صـ11.

[3] الشعر العربي في شرق إفريقيا (كينيا وتنزانيا) في العصر الحديث، أحمد سليمان موايي الأوغندي، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام أباد - باكستان، 1432 هـ - 2011 م، صـ21.

[4] مساهمة علماء شرق إفريقيا في الحضارة العربية الإسلامية، سيد حامد حريز، ندوة العلماء الأفارقة ومساهمتهم في الحضارة العربية، معهد البحوث والدراسات العربية- بغداد، 1985 م، صـ141.

[5] دور عرب عمان في نقل الحضارة والثقافة العربية والإسلامية في بلاد زنجبار وبلاد الساحل الإفريقي (1154 - 1273 هـ / 1744 - 1856 م)، عبد الوهاب بن صالح بابعير، مجلة البحوث والدراسات العربية - مصر، ع 20، 1992 م، صـ96.

[6] مقالة "زنجبار قرنفلة شرق إفريقيا: 99% من أهلها مسلمون"، مجلة الكوثر، العدد1، السنة الأولى - رجب، شعبان 1420 هـ.