الإسلام في أوغندا ورياح التحديات (2)مقالات


أساليب طمس الهوية الإسلامية في أوغندا:

عمد المنصّرون الأوروبيون والمستعمرون إلى اتباع عدة أساليب حاسمة للقضاء على الإسلام في نفوس أبناء أوغندا - رغم قصر مدته الفعلية في أوغندا ودخوله في وقت متأخر نسبيًّا - ومنها:

• إجبار المسلمين على تغيير أسمائهم.

• الالتحاق بمدارس الإرساليات الكنسية.

• إهمال الكتاتيب والمدارس الإسلامية، ومحاربتها باعتقال دعاتها.

• نشر فكر الحركات الضالة الخارجة عن الإسلام الصحيح كالقاديانية الموالية للاستعمار، وحركات التشيُّع، وترك المجال مفتوحًا أمام دعاتها للتبشير بين أبناء أوغندا في القرى والمناطق النائية.

• اهتمت البعثات التنصيرية بتوفير وسائل الصحة والعلاج للفقراء من أبناء أوغندا على أساس اعتبارها إحدى أهم وسائلها "التبشيرية" بين الناس في هذه البلاد، وكان الهدف من ذلك إظهار المسيحية بأنها دين رحمة ومحبة وإنسانية.

• استغلال الوسائل الإعلامية بمختلف أشكالها من كتب ومجلات وجرائد، وإنشاء محطات إذاعية تنصيرية خاصة، وتلفزيونية، لدعم تمركز النصارى في مختلف مراكز الدولة، والتبشير بالمسيحية.

• كانت الجمعيات النصرانية التبشيرية تقوم بتنظيم المحاضرات والندوات للدعوة المسيحية في الأماكن العامة في العاصمة "كمبالا" وغيرها من المدن الأوغندية، ويقوم مترجمون بترجمة كلام المنصرين الأوروبيين إلى اللغة المحلية وباستخدام مكبرات صوت لوصول الرسالة إلى كل من بلغه الصوت، شاء أم أبى!

• تنويع الجمعيات التبشيرية، والصراع بين أتباع المذهب البروتستانتي والكاثوليكي على إنشاء أكبر عدد من الجمعيات التنصيرية في مختلف مدن أوغندا لاستمالة أهلها للدخول لمذهبهم وسط إغراءات مادية كبيرة[1].

ورغم ذلك فإن الجيل الأوَّل من المثقَّفين المسلمين - الذي تربَّى على الثقافة الغربية المسيحية - قد استطاع أن يقاوم هذا الطَّمس والتَّدجين الشرس، وعلى أيدي أولئك الغيورين كانت إعادة الصُّفوف، وتأسيس "جمعيَّة مسلمي أوغندا للتعليم""UMEA Uganda Muslim Education Association" وهي حجر الزاوية لحركة التعليم الإسلامي بأوغندا الحديثة[2].

في الوقت الحاضر تبلغ نسبة المدارس الإسلامية التابعة لهذه الجمعية، وتحظى بالدَّعم الفني والماديِّ منها (75 %) من مجموع المدارس بأوغندا، وقد بلغ تعداد تلك المدارس عام 2007 م 3500 مدرسة ابتدائيَّة، و200 مدرسة ثانويَّة، وأربعة معاهد لتدريب المعلِّمين، وخمس مدارس تقنية.

ومن الهيئات المنبثقة عن UMEA "اتحاد معلمي أوغندا" Association Uganda Muslim، ومن أهمِّ أهداف هذا الاتِّحاد: دعم المدارس والمعلِّمين ماديًّا ومهنيًّا، وإعداد الكتب المدرسية لمختلف المواد الدِّراسية الإسلامية، وتوحيد المقررات بين جميع المدارس بالدولة إلى جانب الارتقاء بالمستوى الوظيفي للمعلمين المسلمين تجاه المدِّ التنصيري المنظم بالبلاد.

وفي الوقت الحالي يمثل تدني المستوى الأمني تحديًا آخر كبيرًا للمسلمين بأوغندا، في كافة مناحي الحياة، ففي شمالي البلاد تحديدًا مجموعاتٌ مسلمة غير قليلة، ومدارس عديدة واقعة في "المناطق الحمراء" التي تمثِّل ساحات الحرب والمواجهة بين القوات الحكومية وميليشيات "جماعة الرَّب" المسيحية (L.R.A) ويعني ذلك انعدام أيِّ نوعٍ من الرِّعاية لتلك المجموعات والمدارس، وأنَّ مهام المدرسة في تلك المناطق تتعدَّى حدود التَّربية والتَّعليم المعهودة إلى الحفاظ على الأطفال من الوقوع فريسة للتَّجنيد القسريِّ في صفوف الفرَق المتقاتلة[3].

 

أوغندا الحديثة والمد الإسلامي الجديد:

ويبلغ عدد سكان أوغندا 39,032,383 نسمة، وَفْقًا لإحصائية عام 2015 م الرسمية، وهم يتحدثون باللغة الإنجليزية في تعاملاتهم التِّجارية وفي المدارس، متخذينها اللغة الرسمية الأساسية في البلاد، وتتعدد الديانات التي يدين بها سكان أوغندا، ولكن النسبة الكبرى من السكان هم من النصارى، وتصل نسبة المسلمين هناك في بعض المصادر إلى 12.1%، وفي مصادر أخرى: 13.7%، و20%، وأوصلها أحد الباحثين إلى 14 مليون نسمة، بنسبة 30% تقريبًا من السكان.

ورغم نقص أعداد المسلمين في مقابل النصارى في أوغندا في العصر الحديث، إلا أن أوضاع المسلمين في أوغندا قد تحسنت عن فترة الاستعمار البريطاني، وتُرِكَ المجال مفتوحًا - من جديد - لنشاط الدعاة المسلمين بالبلاد؛ حيث لوحظ ازدياد ملحوظ في أعداد المسلمين الجُدُد بين السكان المحليين، فهم يدخلون الإسلام بصورة كبيرة نتيجة جهود الدعاة الفردية في أغلب الأحيان[4].

ونجد أن تلك التغيرات السياسية التي مرت بأوغندا، لم تستطِع القضاء على الثقافة الإسلامية في أيٍّ من مراحل البلاد المضطربة؛ لأنها أصبحت تستعصي على الاضمحلال والذوبان، ولكنها أثرت عليها، بأن قللت من حركتها ونشاطاتها، وأقصت عددًا كبيرًا من الزعامات الإسلامية[5].

ولا ريب أن تأخُّر دخول الإسلام- مع قصر الزمن- والظروف السياسية المتربصة بهذا الدين أدت إلى ظهور المسلمين كأقلية في الوقت الحالي في أوغندا[6]، لكنها أقلية فاعلة نشطة بفضل شدة تمسك الجيل الجديد بتعاليم الإسلام، والميل إلى العودة إلى نظام تعليمي إسلامي لحفظ ما بقي من الإسلام في البلاد، والظهور ككيان واحد متماسك في مواجهة موجات التغريب.

•  ظل الإسلام في أوغندا أمينًا طليقًا ذا نفوذ بين الزعامات من وقت دخوله أوغندا سنة 1844 م حتى وصول النصارى، ولما وصلت النصرانية استعمرت بريطانيا أوغندا.

• عملت الزعامات القبلية جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع المنصرين الأوروبيين في محاربة الإسلام، وقتل القيادات المسلمة رغبة في إنهاء الوجود الإسلامي ببوغندا، ونجحوا في ذلك.

• تقلص عدد المسلمين بأوغندا من 40 % حتى وصل إلى 12% مع موجات التنصير والتغريب المستمرة للشعب المسلم.

• شهد العصر الحديث رجوع كثير من الشباب الأوغندي إلى الإسلام، والتحول من النصرانية بفضل الجهود الدعوية الفردية.

• تظل أوغندا في مهب رياح التغيرات السياسية، ودور الحكام يظل محوريًّا في الاتجاه السائد للدولة في مواجهة الدين!

 


[1] مقال "المسلمون في أوغندا: تاريخ وتحديات" (1)، بقلم: زياد صالح لو بانغا، مجلة البيان (99/ 66).

[2] التعليم الإسلامي بشرق إفريقيا: أوغندا نموذجًا، د. آدم بامبا، مجلة قراءات إفريقية، العدد الثاني عشر، ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1433 هـ، إبريل- يونيو 2012 م، صـ45.

[3] نفس المرجع السابق، صـ50.

[4] أوضاع المسلمين في إقليم شرق إفريقيا - السواحيلية في العقدين الأخيرين (1985- 2005 م) (مؤتمر الإسلام في إفريقيا - نوفمبر 2006 بالخرطوم)، صـ10.

[5] مقال "المسلمون في أوغندا: تاريخ وتحديات" (2)، بقلم: زياد صالح لو بانغا، مجلة البيان (100/ 108).

[6] عوامل انتشار الإسلام وتراجعه في زمبابوي وأوغندا: دراسة مقارنة، د. الأمين أبو منقة محمد، من أوراق المؤتمر الدولي الإسلامي في إفريقيا، منشورات جامعة إفريقيا العالمية، 1427 هـ- 2006 م، صـ419.