وصول الإسلام إلى إندونيسيا.. الطرق والبدايات (2)مقالات


أندونيسيا المسلمة في كتابات الرحالة الأوروبيين:

رغم تشويه التاريخ الإسلامي بأندونيسيا من جانب المستعمرين الهولنديين والأسبان، إلا أن عددًا من الرحالة  الأوروبيين قد أثبت قيام حكومات إسلامية عريقة بجزر الأرخبيل الأندونيسي، فقد زار الرحالة الشهير "ماركو بولو" Marco Polo سومطرة سنة 626 هـ/ 1229 م ، وقد وجد فيها مملكتين إسلاميتين وهما "برلاق" و"باساي"، وكلتاهما كانت بمنطقة "أتشيه"، وقابل هذا الرحالة القادم من البندقية أحد سلاطين مملكة "باساي"، ويدعى "المالك الصالح"، وهو السلطان الثاني عشر لهذه المملكة، وقد حكم 14 عام، ومن هذا نعرف أن تلك المملكة الإسلامية كانت مزدهرة طيلة ثلاثة قرون، وقد كان سلطانها الأول هو "السلطان الملك إبراهيم بن مخدوم" والذي دام حكمه من 388 هـ / 997 م حتى 402 هـ / 1010 م[1].

وقد زار الإمارات الإسلامية بتلك المنطقة عددٌ من الرحالة المسلمين كذلك، كان من أبرزهم الرحالة الشهير ابن بطوطة، والذي كتب عن عاداتهم وملوكهم في رحلته، وكذلك التاجر "سليمان السيرافي".

الممالك والسلطنات الإسلامية في أندونيسيا:

• أشارت الدراسات أن أولى الممالك الإسلامية في أندونيسيا كانت مملكة "برلاق" - كما سبق ذكره -، وتذكر المصادر عدة إنجازات لتلك المملكة في مجالات متنوعة من بينها تأسيس زاوية تشوت كالا (Zawiyah Cot Kala) عام 285هـ / 897م في منطقة تدعى بايوين (Bayuen) وكانت هذه الزاوية بمنزلة جامعة إسلامية كان يفد إليها الطلاب من كل الأرجاء، لتعلم أصول الإسلام، وكان مؤسسها السلطان السادس "مخدوم علاء الدين محمد أمين"، والذي كان من الملوك العلماء.

بل كان للمملكة عملة ذهبية وفضية خاصة بها، وعلى وجهيها كتابات باللغة العربية، كما أنشأ هذا السلطان قوات بحرية وبرية للدفاع عن المملكة[2]، وقد استمرت هذه المملكة 467 سنة.

• وقد جاء بعد تأسيس "برلاق" قيام مملكة باساي (Pasai) المتقدم ذكرها سنة 388هـ / 997م وكان سلطانها الأول الملك "إبراهيم بن مخدوم" الذي استمر في الحكم حتى عام 402 هـ / 1011م وظلت هذه المملكة قائمة لمدة 8 سنوات وكان عدد ملوكها 18 ملكًا.

وكانت العلاقة بين المملكتين "برلاق" و"باساي" وطيدة بفضل المصاهرة والتعاون الثنائي لصالح الدعوة الإسلامية؛ الأمر الذي أسرعَ بانتشار الدعوة الإسلامية بالأرخبيل بصورة سلسة.

وقد زار "ماركوبولو" - كما سبقت الإشارة إليه - هاتين المملكتين أثناء رحلته بالمنطقة، كما زار الرحالة "ابن بطوطة" مملكة باساي في وقت لاحق.

• ثم بعد سلسلة من عمليات الدعوة قامت ممالك إسلامية أخرى في مناطق متفرقة وفي أوقات متقاربة، أهمها مملكة "ملقا" Malaka  في شبه الجزيرة الماليزية تأسّست تقريبًا في عام 1400 من قبل السلطان "باراميسوارا" والذي تسمى باسم "إسكندر شاه"[3].

ونجد أنه في عهد الملوك المسلمين تزايدت أهمية "ملقا" كمركز تجاري دولي، وكان التنظيم العادل للتجارة وتنظيم القوانين البحرية في ميناء "ملقا" المفتاح الأساسي لاستمرار الرخاء، في فترة حكم السلطان محمد شاه، والذي عين أربعة شابندرات[4] في الميناء، أدى كل ذلك إلى استيعاب التجار الأجانب، الذين كانت لهم مناطقهم الخاصة في المدينة.

وفي فترة حكم الملوك المسلمين أعلنت الصين سياساتها التوسعية البحرية في ثلاثينيات القرن الخامس عشر، وعلى الرغم من أن الصين كانت تعتبر معظم الدول الأجنبية دولًا تابعة، بما في ذلك إيطاليا والبرتغال، فإن علاقاتها مع مملكة "ملقا" اتسمت بالاحترام المتبادل والصداقة، مثل العلاقات بين أي بلدين يتمتعان بالسيادة، واستمرت هذه المملكة حتى عام 1511 م[5].

• وكذلك قامت مملكة "آتشيه" Aceh الإسلامية في جزيرة سومطرة، وقد كانت قوة إقليمية كبرى في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وقد بدأ حكمها في سنة 1496 م وقد أسسها "علي الدين مغايث شاه"، فبالإضافة إلى قوتها العسكرية الكبيرة، أصبحت آتشيه مركزًا معروفًا في نشر الدراسات الإسلامية بلغة الملايو، وشؤون التجارة، وسُميت "رواق مكة" أو "بوابة مكة"، وقاومت هذه السلطنة محاولات الاحتلال الهولندي حتى سقطت في سنة 1903 بيد الهولنديين[6].

• وأيضًا قامت مملكتا "دماك" Demak و"بانتين" Banten وكان موقعهما الساحل الشمالي لجزيرة جاوة، وكانت سلطنة "دماك" أول ولاية مسلمة في جاوة، وقد هيمنت على معظم الساحل الشمالي لجزيرة جاوة وجنوب سومطرة، وعلى الرغم من قصر فترة وجودها (1512-1555 م)، فقد لعبت السلطنة دورًا مهمًا في إقامة الإسلام في إندونيسيا، خصوصًا في جاوة والمنطقة المجاورة.

أما ممكلة "بانتين" والتي قامت فيما بين 1552 - 1684 م، وكان أبرز سلاطينها "الشريف حسن الدين" والذي ازدهرت سلطنة "بانتين" في عهده؛ حيث امتد نفوذه إلى منطقة "لامبونغ" في جزيرة سومطرة، وأصبح جانبي مضيق "سوندا" تحت سيطرته.

• وأيضًا قامت مملكة "جوا" Goa في جنوب جزيرة "سلاويسي"، وكان معظم مواطنوها ينتمون إلى قبيلة "ماكاسار"، وقامت فيما بين 1605 - 1906 م، وذلك مع اعتناق الملك الرابع عشر لمملكة "تالو جوا" الإسلام، حيث غير اسمه فيما بعد إلى "السلطان علاء الدين".

• وقد عم الإسلام الأرخبيل الأندونيسي، وازدهرت تلك الممالك تجاريًا واقتصاديًا وعلميًا، ولم تكن هناك صعوبة أو عرقلة في طريق الدعوة إلا ما قل وندر. فمثلًا ظلت قبيلة "باتاك"Batak  تقاوم انتشار الإسلام لوقت طويل حينما حاول بعض الملوك نشره بالعنف والقوة بينهم، لكنهم سرعان ما انقلبوا إلى أهم المتعصبين للإسلام والمناصرين له، حينما لجأ الدعاة إلى المنهج الرباني في نشر الدعوة بالرفق واللين[7]، وكذلك جزيرة "بالي" Bali التي تمركز فيها أتباع الهندوكية، لكن مع دخول الإسلام الجزيرة، توارت الهندوكية، وانتشر عدد المسلمين بها حتى بلغوا ما يقارب عشرة ملايين مسلم[8].

لكن نظرًا لتفرق الممالك الإسلامية وبعدها النسبي عن بعضها البعض، صارت لقمة سائغة لقوى الاستعمار الغربي التي ركزت أطماعها على الأرخبيل الأندونيسي لثرواته وأهميته التجارية خلال القرن السادس عشر الميلادي.

• تبين من الدلائل والمصادر التي عرضت أن الإسلام قد دخل إندونيسيا لأول مرة في القرن الأول الهجري، أي فيما بين القرنين السابع والثامن الميلاديين، ومن بلاد العرب مباشرة.

• أن أول منطقة دخلها الإسلام هي السواحل الغربية لشمالي "سومطرة"، وبعد أن تمكن الإسلام فيها، قامت المملكة الإسلامية الأولى في "أتشيه"  .Aceh

• أن بعض الدعاة الأولين كانوا من التجار، وأن الدعوة الإسلامية كانت بغير قتال، كما أن الإندونيسيين أنفسهم أسهموا بعد ذلك في عملية نشر الإسلام.

 


[1] الدعوة إلى الإسلام، سير توماس.و. أرنولد، صـ 405 وما بعدها.

[2] أرخبيل الملايو وانتشار الإسلام فيه، محمد تقي الدين قنديل، مجلة حضارة الإسلام، دمشق، السنة الثانية، العدد الأول، يونيو 1961، صـ 66-67.

[3] موسوعة التاريخ الإسلامي، أحمد شلبي، ج 8، القاهرة، 1990 م، صـ76.

[4] شابندر بمعنى "رئيس التجار" بالتركية.

[5]الإسلام في إندونيسيا، فيصل السامر (الكويت: مجلة عالم الفكر، مج 10، العدد 2، 1979 م) صـ 479.

[6] الإسلام في أرخبيل الملايو ومنهج الدعوة إليه، رؤوف شلبي، مطبعة السعادة، 1975 م، صـ189 وما بعدها.

[7]  Warneck, Die religion der Batak, P. 122, leipzig, 1909.

[8]  الدعوة إلى الإسلام: سير توماس.و. أرنولد، صـ 407.