الدراسات العربية الإسلامية في تايوانمقالات

مازن مطبقاني

المصدر: مدونة الكلمة الصادقة، 20/ 2/ 2019م.

 

هذه ليست المرة الأولى التي أزور فيها "تايوان"، بل إنه تيسر لي السنة الماضية (عام 2008م) من زيارة لتايوان ضمن وفد من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية يرأسه الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس الإدارة. وفي أثناء تلك الزيارة عُقِد لقاء في جامعة "تشانغ تشي" (أي الجامعة الوطنية) الواقعة في العاصمة "تايبيه". وهي إحدى أكبر الجامعات الوطنية في تايوان، وتحوي ضمن أقسامها؛ قسم اللغة العربية وآدابها "، وهو من أقدم الأقسام فيها؛ حيث إنه أسس فيها قبل أكثر من خمسين عاماً.

وألقيت الكلمات الترحيبية في ذلك اللقاء، ثم تلا ذلك حديث ودِّي مع طلاب الجامعة، وتمت الإجابة عن تساؤلاتهم، والتي كان من ضمنها؛ سؤال عن دور المملكة العربية السعودية في دعم برنامج دراسة اللغة العربية التابع لجامعتهم!

وطلبت التعليق على كلمات الطلاب والمسؤولين فأثنيت على مستوى الطلاب في اللغة العربية ثم تساءلت قائلا: "ألم يئن الأوان لتوسيع القسم المتخصص بدراسة اللغة العربية، ليشمل كذلك دراسة العالم العربي والإسلامي، ودراسة الدين الإسلامي؛ أو ما يسمى بدراسات الشرق الأوسط؟" ومن حسن الحظ أن مدير الجامعة كان حاضراً في ذلك الحفل واللقاء، فما كان منه إلا أن عقب على كلمتي تلك مؤيداً اقتراحي، ومؤكداً أن الجامعة ستبحث في هذا الاقتراح.

في تلك الرحلة الجميلة، وفي إحدى الحفلات واللقاءات؛ التقيت اثنين من الصينيين ممن ولدا وترعرعا، بل درسا جميع مراحلهما التعليمية في مدارس مدينة جدة، كونهما ابنا السفير التايواني لدى السعودية في حينه -كانت جدة تحوي العديد من السفارات- فأحدهما اسمه سامي، والآخر إبراهيم (ومن أساليب التايوانيين أن يطلقوا على أنفسهم أسماء تقربهم من ضيوفهم حتى لا يشق عليهم نطق الأسماء الصينية) فإبراهيم كان يعمل في قسم العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية التايوانية، بينما سامي يعمل كرئيس لشركة مالية كبيرة، وكلاهما مهتم بالدراسات الإسلامية! علما بأنهما غير مسلمين! لكن ولكونهما عاشا في جده، أصبح لديهما تعاطف كبير للإسلام.

تحدثت مع أحدهما عن أهمية إنشاء مركز للدراسات الإسلامية في تايوان، ونبهته إلى وجوب الاستقلالية والاعتماد على الذات عند القيام بالدراسات في هذا المركز، وحذرته من الاعتماد على الدراسات الغربية في هذا الخصوص، أي أن عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم عند دراستهم لتلك الشعوب والأمم؛ لأن الخطأ الحاصل الآن في الصين، بل وفي الشرق كله؛ هو الاعتماد على الدراسات والإملاءات التي قامت بها المعاهد والمراكز الغربية؛ أي الأوربية والأمريكية! إن كثير ممن هو متخصص في دراسات العالم العربي والإسلامي؛ في الصين، هم من خريجي الجامعات الغربية البريطانية والأمريكية! تعرفت على إثنين من هؤلاء المتخصصين الصينيين في هذا المجال، أحدهما خريج جامعة جورج تاون اليسوعية الأمريكية، والآخر هو خريج أحد الجامعات البريطانية! إن عقدة الأجنبي الموجودة عندنا - في عالمنا العربي- هي ذاتها التي يعاني منها الصينيون! فإذا جلس أحدهم - أو أحدنا - أمام هذا الأجنبي؛ أصيب بنوع من الذل والخضوع!

إن الاقتراحات التي قدمتها في تلك الزيارة لقسم الدراسات العربية وآدابها في جامعة " تشانغ تشي " لم تلاق ترحيبا فحسب، بل إنها ظهرت لحيز الوجود هذه السنة، حيث تم تأسيس مركزا باسم "المركز الإسلامي الثقافي الأكاديمي" وفي العاصمة "تايبيه"، وترأس ذلك المركز "سامي" سالف الذكر! ويعود الفضل أيضا في تأسيس هذا المركز "الإسلامي الثقافي الأكاديمي" إلى الدعم الذي تقدمه الجهات المالية والتجارية في تايوان! إن الجهود العلمية في الغرب تقوم على الدعم المالي الذي تقدمه لها الجهات التجارية المالية، وكذلك هو الحاصل أيضا في تايوان وبعض من دول الشرق المتأثرة بالغرب!

دعانا هذا المركز هذه السنة لحضور حوار أقامه وأعده، وبما يسمى اصطلاحا بـ "الطاولة المستديرة". كان من المحاور الرئيسة في ذلك الحوار هو: تطوير علاقات تايوان بالعالم العربي (أو ما يسمى بالشرق الأوسط)، كما تطرق الحوار أيضا إلى مناقشة موضوع إنشاء مركز لدراسات الشرق الأوسط في تايوان، وكيفية القيام بتلك الدراسات!

 حضر ذلك المؤتمر وذلك الحوار عدد من أساتذة قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة " تشانغ تشي"، ومن أولئك أستاذ أردني الجنسية، ورئيس ذلك القسم، كما حضر هذا الحوار؛ أساتذة من دول أخرى، وعلى سبيل المثال؛ د. مايكل هدسون؛ أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون الأمريكية، كما أنه مدير لمعهد الدراسات العربية المعاصرة - التابع لتلك الجامعة - والذي تأسس عام (1975).

ملاحظة: إن جامعة جورج تاون هي أكبر مؤسسة علمية "يسوعية" في الولايات المتحدة الأمريكية، اليسوعيون هم طائفة من فرق النصارى؛ لهم معتقدات خاصة بهم عن غيرهم من النصارى، كما أن لهم تاريخ طويل، ومشاركة قوية في الحروب الصليبية، ودور فعَّال في العداء للإسلام! -صدر كتاب عن اليسوعية والفاتيكان في معرض الرياض الأخير للكتاب- حرصت اليسوعية على إنشاء الجامعات العلمية عالية التعليم وعلى تأسيس المعاهد ذات المستوى العلمي الراقي المتخصص! تقع جامعة جورج تاون في العاصمة الأمريكية؛ واشنطن دي سي. تحوي هذه الجامعة عدة مؤسسات علمية منها؛ "معهد الخدمات الخارجية"؛ والذي يقدم براج متعددة لموظفي البيت الأبيض الرئاسي، وليس ذلك فحسب؛ بل إن معظم كبار موظفي الحكومة الأمريكية قد تعلموا في هذه الجامعة!

إن د. مايكل هدسون هذا متزوج من نصرانية لبنانية من أصول فلسطينية، وهو متقن للغة العربية، كما أنه متخصص في "دراسات العالم العربي والإسلامي" كان المحور الذي دُعي إليه د. مايكل هدسون للحديث عنه هو: تطوير علاقة تايوان بدول المنطقة، فتحدث حول ما يراه ضروريا لتايوان لأجل أن تقوي علاقاتها بالعالم العربي والإسلامي، وبنى حديثة وآراءه من واقع خبرته في جامعة جورج تاون. أما أنا فقد قمت - في هذا الحوار - بالتأكيد على إيجاد الخطوات العملية من أجل إنشاء مركز الدراسات العربية والإسلامية.

 دعيت إلى إلقاء محاضرة في قسم الدراسات العربية وآدابها في جامعة " تشانغ تشي"، وحضر تلك المحاضرة طلاب هذا القسم وأساتذته ورئيس قسمه أيضا. إن رئيس هذا القسم هو: امرأة صينية متخصصة في الأدب العربي، حاصلة على درجة البكالوريوس من جامعة الملك سعود بالرياض، تخصص لغة عربية! كما أنها حاصلة على درجة الماجستير والدكتوراة من الجامعة الأردنية في عمَّان!! تخصص؛ "الأدب الجاهلي"!! كانت لغتها العربية جيدة، لكن لا تخلوا من العجمة، وكانت هي من وجه لي الدعوة لإلقاء تلك المحاضر أمام طلاب قسمها وأساتذته.

 تحدثت في هذه المحاضرة عن أهمية دراسة العالم الإسلامي. عرجت في محاضرتي هذه إلى تبيين حقيقة قد تكون خافية؛ وهي أن مصطلح "الشرق الأوسط" هو مصطلح من صنع غربي، وأن الهدف من اختراعه هو؛ لمحو مفهوم مصطلح "المنطقة العربية الإسلامية "! وأيضا من أجل إدخال ما يسمى بدولة إسرائيل في هذه المنطقة العربية الإسلامية، ومن خلال هذا المصطلح المصطنع!

 أشرت في تلك المحاضرة إلى أن اللغة العربية هي لغة الإسلام، وأنه لا يمكن لمسلم أن يؤدي شعائره الدينية إلا بها! وقلت لهم: " أنه من أراد التعرف على الإسلام معرفة حقيقية ... فلا بد له من معرفة اللغة العربية". اقترحت؛ أن يكون اسم القسم الذي سيتم إنشاؤه للدراسات العربية والإسلامية، ومسايرة للتيار العالمي؛ اقترحت أن يكون اسمه: قسم دراسات الشرق الأوسط، والدراسات الإسلامية! وبررت ذلك بأنه لا غنى لهم عن دراسة الإسلام دراسة عميقة.

 في هذه المحاضرة ضربت بعض الأمثلة للدراسات الغربية الخاطئة عن الإسلام وأهله، ومنها: أن الكتب والوثائق الفرنسية كانت تصف الجزائريين المسلمين بأنهم: يعادون الأجانب! وبينت لهم حقيقة وسبب ذلك، وهو؛ أن الفرنسيين وبعد أن قاموا باحتلال الجزائر، ظنوا أنهم قد هزموا الهلال وإلى الأبد! بل إنهم قد أقاموا احتفالات استمرت لمدة ستة أشهر، وذلك بمناسبة إعلانهم الهزيمة النهائية للإسلام، وأن الجزائر قد أصبحت جزءا من الأمة الفرنسية، وإلى الأبد! فقد دخل الفرنسيون الجزائر لا ليستعمروها كما يُدَّعى، بل إنهم قد استوطنوها، حتى أنه بلغ عددهم في الأراضي الجزائرية نحو أكثر من مليون فرنسي! علما بأن عدد السكان الجزائريين في حينه حوالي السبعة ملايين جزائري! أي أنه قد أصبحت نسبة عدد الفرنسيين هو ثمن سكان الجزائر! كما أنهم قاموا بالاستيلاء على الأراضي الجزائرية الخصبة، وأحيائها الراقية فيها، حتى انه بقي من آثارهم؛ بعض الأسماء التي أطلقوها على تلك الأحياء الراقية الجميلة؛ كحي " الجنان "، الواقع في العاصمة الجزائرية؛ وهو اسم على مسمَّاه؛ وذلك لجماله. كما استولى الفرنسيون على جميع ثروات الجزائر، تاركين الجزائريين يعيشون حياة الفقر والمجاعة، أما هم فيرفلون بنعم وثروات الجزائر! ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل إنهم عمدوا إلى الإساءة إلى معتقدات الجزائريين ورموزهم الدينية؛ فقد كانوا يطلقون على الخادمة اسم فاطمة، كما كانوا يطلقون على الخادم؛ اسم محمد!

 ثم تحدثت إلى الحضور قائلا: ألا يحق للجزائريين أن يعادوا من فعل كل تلك الأفاعيل المهينة بهم؟! فهذه صورة من الصور المسيئة في كتابات الغربيين عن الإسلام وأهله.

 ثم فتح باب الإجابة على أسئلة الحضور، وتم التطرق خلال تلك النقاشات إلى الحديث عن كيفية دراسة العالم العربي والإسلامي، وبينت لهم أن من تلك الكيفيات؛ هو إيجاد تعاون وثيق بين الجامعات التايوانية والجامعات العربية والإسلامية.

استطراد:

أنا لا ألوم الشرقيين من يابانيين وصينيين وغيرهم من إرسال أبنائهم إلى الجامعات الغربية! والسبب هو أن الجامعات الغربية تتميز بفتح أبوابها وتقدم التسهيلات للطلاب الأجانب الوافدين إليها! أما نحن! وكتجربة شخصية عايشتها بنفسي؛ فقد شاهدت البؤس الذي يعانيه السكن الخاص بإخواننا الطلاب المسلمين الوافدين للدراسة في الجامعة الإسلامية؛ كان يسكن الغرفة الواحدة؛ ستة طلاب! أما الأثاث فهو لا يليق!

رسالة:

 إننا لم نفتح جامعاتنا لاستقطاب الطلاب غير العرب، وغير المسلمين للدراسة فيها! وهذه رسالة لمن يستطيع تبليغها إلى المسؤول؛ وهي كيف لنا أن نستقطب هؤلاء؛ للدراسة وكتابة الرسائل العلمية في جامعاتنا؟! كما يجب إيجاد الطرق المثلى والراقية من حيث تعامل المشرفين الأكاديميين مع طلابهم إن المشرف الغربي يتعامل مع طلابه الأجانب معاملة حسنة كريمة تجعل الطالب يتعلق بمشرفه، ويصفيه الود لحسن تعامله معه!

 أحد أقاربي كان يدرس في جامعة برمنجهام البريطانية، وكان هذا القريب، ومن تعلقه الشديد بأستاذه، أنه كان يود تقبيل يديه! علما بأن هذا الأستاذ هو أحد عتاة المستشرقين الدنماركيين، وهو المؤسس والمدير لمركز الدراسات العربية في دمشق الذي تدعمه الحكومة الدانمركية من أجل تحسين علاقتها بالعالم العربي ، ومن خبث هذا الأستاذ والمستشرق الدنماركي، أنه كان يفخر بأن مكتبه يقع بالقرب من قبر ابن عربي المعروف بتصوفه الكفري، كما أنه يفخر بعلاقته القوية بمفتي سوريا الداعم للتصوف والصوفية، إذا ما هي حال الطالب المسلم الذي تعلق وانبهر بأستاذه صاحب هذه المنجزات؟

 أتساءل الآن: هل سنشهد قدوم طلاب من المشرق؛ من أجل دراسة الإسلام في جامعاتنا، وهل سنعاملهم المعاملة الراقية اللائقة بهم، وهل سنوفر لهم الحياة الكريمة عند استضافتنا لهم؟

 وفي تلك المحاضرة حذرت من التعرف على الإسلام من خلال الكتابات والدراسات الغربية! وردني سؤال - خلال فترة النقاش تلك - عن قضية اضطهاد المرأة في العالم العربي والإسلامي ... فقلت دعوني أسأل؛ هل المرأة عندكم في الشرق أو في الغرب، بل وخاصة الغرب الذي يتهم المسلمين بذلك؛ هل المرأة عندكم أو عندهم أحسن من حال المرأة عندنا؟ ثم قلت لهم: أني كنت في كلية دنفر، واطلعت على كتاب ضخم – عدد صفحاته أكثر من خمسمائة صفحة - وعنوانه العنف ضد المرأة! كما أن هذا الكتاب أحد المقررات الدراسية في الجامعة، ثم قلت لهم: لو بحثنا في قوقل عن العنف ضد المرأة، فما عدد الصفحات المتعلقة بهذا الموضوع والتي ستظهر لنا، كم سيكون عدد أنواع تلك الصور من العنف في الغرب؟

 وقلت: أنه وقبل عدة سنوات؛ سنَّت الحكومة البريطانية قانون يمنع فيه المستشفيات-خاصة أقسام الطوارئ فيها- من معالجة إصابات الجروح والصدمات، إلا بعد أن يتم التحقيق مع المتسبب؛ لأن تلك الإصابات قد تكون لنساء تعرضن لعنف - وهو الغالب في تلك الحالات-!! فطلبت منهم عدم اتهام المسلمين بالعنف ضد المرأة. معلوم أن الإنسان يمكن أن يأتي بكذا تصرفات متى ما كان بعيدا ومنحرفا عن منهج الإسلام! فكلما كان المرء أكثر تمسكا بالإسلام والالتزام بشرعة؛ كلما كان أرقى في تصرفاته وتعاملاته.

 لم يكن موضوع الرحلة إلى تايوان هو من أجل الحديث عن برنامج " دراسات الشرق الأوسط"، أو "الدراسات العربية والإسلامية" فقط، بل إنه تيسر لي أيضا حضور مؤتمرا في مدينة "تشائي" الواقعة في الجنوب من تايوان، وصلت إليه عن طريق ما يسمى بالقطار عالي السرعة، أو ما يطلق عليه في اليابان بـ "الطلقة"، وهذا القطار تم تصنيعه في تايوان بالكامل! فالتايوانيين حققوا العديد من الصناعات المتطورة، وحققوا نهضة عمرانية عمَّت بلادهم، أما نحن أمة العرب؛ فما زلنا نعيش عالة على صناعات الأمم؛ شرقها وغربها، فشوارعنا وطرقنا سيئة، مع أننا نحن أصحاب المقولة التي نطق بها الفاروق عمر رضي الله عنه حينما قال: لو أن بغلة عثرت في العراق، لعلمت أن الله محاسبي عليها! لم تسوي لها الطريق يا عمر! فأين نحن من بغلة عمر الفاروق، والتي حالها، أحسن من حالنا!

 يوجد في مدينة "تشاي" جامعة وطنية، كما يوجد بها رابطة تسمى بـ "الرابطة الآسيوية للعولمة"، والغريب أن من أسس هذه الرابطة هو أستاذ كندي من جامعة مونتريال، ومتخصص في العلوم السياسية! كما أن نائب رئيس هذه الربطة شخص إنجليزي، يعمل في اليابان! وعلى الرغم من أن الحاضرين في ذلك المؤتمر كانوا من بقاع متفرقة من العالم؛ كالهند واليابان وإندونيسيا وماليزيا، إلا أن العنصر الغالب في ذلك المؤتمر؛ كان من المنتمين للبلدان الأوربية المقيمين أو العاملين في بلدان الشرق؛ كالصين واليابان! ولم يحضر من العالم العربي أجمع سوى محدثكم!

 أعجبني موضوع ذلك المؤتمر، والذي كان عنوانه "الدين في مواجهة العولمة"! وكانت افتتاحية أعمال هذا المؤتمر؛ محاضرة لأستاذ من جامعة كاليفورنيا، بسانتا باربرا، وهو أمريكي الجنسية!

سأعد تقريرا عن تلك الرحلة إلى مدينة "تشاي"، ومؤتمرها هذا، ذاكرا أسماء الأساتذة، وموضوعات المؤتمر. تبين لي من هذا المؤتمر بأنه ليس المسلمين فقط من يعادي العولمة، بل أن في النصارى واليهود من يعاديها أيضا!

 كان من البحوث التي لفتت انتباهي؛ بحث عن " مشكلة اليابان في عدد السكان، وزيادة عدد المتقاعدين فيها، كما بيَّنت الدراسات والأبحاث والاستطلاعات التي أجرتها الأمم المتحدة، خالصة إلى أن اليابان بحاجة إلى عدد كبير من المهاجرين! لكن اليابان تعامل المهاجرين إليها معاملة سيئة وقاسية، ومن ذلك إلزامها لأولئك المهاجرين بالتبصيم كالمجرمين (أي أخذ بصماتهم)! دون أن تقوم بأخذ بصمات مواطنيها، أو مواطني الدول الغربية! علما بأن أولئك المواطنين يرون أن أخذ تلك البصمات منهم أمر مشين!

 تحدث هذا التقرير عن انخفاض عدد السكان في اليابان، والناتج عن قلة المواليد فيها! فقلت لذلك المحاضر: إنّ تعليلي لسبب وجود هذه المشكلة؛ أنه بسبب عزوف الشباب عن الزواج! والسبب في ذلك كونهم يجدون شهواتهم البهيمية الآثمة بشكل ميسَّر، ودون وجود رادع أو عقاب، فلماذا يتزوج الشاب وهو واجد لما يريد؛ فلا حاجة له لأن يتحمل المسؤولية، ولماذا يكلف نفسه بأمور الزواج، أو أن يتحمُّل مسؤولية الأطفال، والحال كذلك؟

استطراد:

 أتذكر أنه وقبل حوالي الأربعين سنة مضت، كنت طالبا في أمريكا، وكانت المسؤولة عن شؤون الطلاب والنشاط الطلابي عجوز أمريكية، فأخبرتني أنه كان هناك في أحد المدن الأمريكية أربع مستشفيات لاستقبال حالات الولادة، وبسبب نقص الولادات؛ لم يتبق سوى مستشفى واحد فقط لاستقبال تلك الحالات!

 وبعد أن قلت للمحاضر أن سبب انخفاض ونقص المواليد هو نتيجة حياة الرذيلة التي يعيشها الشاب الياباني، والتي تجعله لا يفكر بتحمل مسؤولية إنجاب الأطفال، بل إن بعض هؤلاء الباب يسمَّى بالشاب الطفيلي أو العالة، حيث إنه قد يبلغ من العمر الخامسة والثلاثين أو الأربعين، وهو يعيش معتمدا على أبيه وأمه في النفقة! بل ويعيش حياة فاسدة، فما كان من ذلك المحاضر إلا أن أجابني بقوله: إن السبب الرئيس هو سبب اقتصادي، وليس سبب أخلاقي!!

 من الأمور التي أثارت حفيظتي في ذلك المؤتمر هذه القضية: تكلمت أحد المحاضرات - وهي باحثة إندونيسية - عن بحث قامت به بشأن قضية شرعية (دينية) حصلت في بلادها؛ إندونيسيا، فما كان من أحد الحاضرين - وهو أستاذ أمريكي من أصل يوناني، وهو متخصص في العلوم السياسية والتاريخ - إلا أن علق على محاضرتها قائلا: أي إسلام تقصدين؟

 المُشكل في ذلك أن كثير من الغربيين يظنون أن الإسلام يتكون من عدة أنواع؛ أي عدة إسلامات! بعد انتهاء المحاضرة، قلت لذلك السائل: أريد أن أتقاتل معك! - هذه عبارة عنيفة، لكن ولمعرفتي بالعقلية التي يفكر بها الغربيون، وهي أنهم يريدون من يحدثهم أن يتحدث معهم بقوة! قلت له: لماذا تزعم أن الإسلام هو عدة إسلامات؟ أهو لأن هدفكم هو إلغاء الإسلام بالكلية، اسمع! هناك إسلام واحد فقط؛ وهو إسلام الكتاب والسنة، وهو الإسلام الذي كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهو إسلام المحجة البيضاء؛ " تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي "، فكيف تزعم أن لدينا أكثر من إسلام؟ والحمد لله رب العالمين.