الأقلية المسلمة في جمهورية القرم الإسلاميةمقالات

موقع الإسلام

المصدر/ شبكة الألوكة، نقلاً عن موقع الإسلام، 16/ 7/ 2013م.

 

مجموعة دول الاتحاد السوفيتي "سابقًا" في حوض نهر الفولجا شرق أوروبا: (تتاريا - باشكيريا - مولدوفيا - تشوفاشيا - أدمورتيا - ماري - شكالوف - القرم الإسلامية).

كانت القرم إحدى الجمهوريات السوفيتية على البحر الأسود في شرقي أوروبا، وشكل التتار المسلمون الغالبية العظمى من سكانها، والقرم تعني في لغة أهلها "القلعة"، وألغيت جمهورية القرم على أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك بقرار من مجلس السوفييت، صدر في شهر ديسمبر من سنة 1362هـ - 1943م، وأصبح ساري المفعول في الثالث والعشرين من فبراير سنة 1364هـ - 1944م، وأذيع على العالم في الخامس والعشرين من يونيو سنة 1366هـ - 1946م، أي بعد تنفيذه بعامين. وصحب تنفيذه أحداث جسام، لهذا أخفى السوفييت أخباره عن العالم الخارجي مدة عامين، وضمت القرم بعد إلغائها إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية، ثم أصدر نفس المجلس قرار بتبرئة تتار القرم في سنة 1387هـ - 1967م مما نسب إليهم في القرار السابق، بعد تشريد أهلها.

الموقع:

كانت في شبه جزيرة القرم في شمال البحر الأسود، وتمتد بينه وبين بحر أزوف الذي يحدها من الشرق، وتطل على خليج كرشينسي الذي يصل بين بحر أزوف والبحر الأسود، ويربطها باليابس برزخ ضيق في شمالها، تمر عبره خطوط المواصلات، وتحيط بها مياه البحر الأسود من الجنوب والغرب.

الأرض:

القرم ضمن اليابس الأوروبي، أرضها سهلية مستوية في معظم مساحتها، وتتناثر بعض البحيرات في سواحلها الشمالية والغربية، وتكثر التعاريج بسواحلها الشمالية، وتتعدد الخلجان في جنوبها وغربها، حيث توجد الموانئ، وترتفع أرضها في النطاق الجنوبي، حيث أعلى قممها في جوارا رومان كوش، وتصل إلى 1540م.

المناخ:

مناخ القرم معتدل بسبب موقعها البحري، رغم وجودها ضمن مناخ شرقي أوروبا، وحيث تسود القارية والتطرف والبرودة في الشتاء، إلا أن المياه عدلت من هذه السمات، وقللت من حدة برودة الشتاء وحرارة الصيف، وتسقط الأمطار في فصل الصيف بكميات وفيرة.

النشاط البشري:

كانت الزراعة حرفة أساسية وأهم الغلات القمح والشوفان والشعير، والبنجر السكري، وينتج العديد من الفاكهة والخضر، والقرم غنية بمعادنها لا سيما الحديد والنفط، ولقد كان تتار القرم قبل إلغاء جمهوريتها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ولم يبق من هذا العدد سوى نصف مليون.

كيف وصل الإسلام إلى شبه جزيرة القرم؟

وصلها الإسلام عن طريق التتار، وذلك في عهد القبيلة الذهبية، فعندما وصل التتار إلى شبه جزيرة القرم جذبوا من كان بها من الإغريق والإيطاليين إلى الإسلام، وكانوا يبذلون جهدهم في نشر الإسلام بين جيرانهم، ولقد استقر تتار القرم بشبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وكانوا قسمًا من دولة المغول، ثم استقلت دولة القرم تحت حكم أسرة كيراي منذ سنة 831هـ - 1427 م، وقويت دولة القرم التتارية بمد نفوذها على الأراضي المجاورة لها، وبلغت قوتها أن إمارة موسكو كانت تدفع لها جزية سنوية في عهد السلطان محمد كيراي في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، ثم خضعت موسكو لحكمها في سنة 979هـ - 1571م، وقويت شوكة الروس وبدؤوا في مهاجمة أطراف دولة القرم، والتي بدأت تضعف، فاستولوا على القسم الشمالي منها في سنة 1091هـ - 1680م، وهب الأتراك العثمانيون لنجدتهم، وتم تحالف بين تتار القرم والدولة العثمانية، فنزل العثمانيون جنوب شبه جزيرة القرم، ودام هذا التعاون قرابة قرن.

ولما أصاب العثمانيين الضعف في الجهة الشمالية، تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198هـ - 1783م، في عهد كاترين الثانية إمبراطورة روسيا المتعصبة للمسيحية، وهكذا فقدت دولة تتار القرم حريتها، وبدأ الاضطهاد الديني لمسلمي القرم، وطرد الروس من شبه جزيرة القرم نصف مليون نسمة، وصدرت عدة قوانين تحرم الدعوة للإسلام، وظل هذا الغبن مفروضًا على التتار المسلمين طيلة قرن وربع.

ولما صدر قانون حرية التعبد أعلن التتار الدعوة الإسلامية، بعد أن كانوا يمارسونها سرًّا بين جيرانهم، وزاد عدد الداخلين في الإسلام، ونشط تتار القرم في استعادة كيانهم منذ صدور قانون حرية العقيدة في روسيا القيصرية في سنة 1323هـ - 1905م، وحتى استيلاء السوفييت على حكم روسيا في سنة 1336هـ - 1917م، فقاوم تتار القرم الخضوع لهم، فلجأ السوفييت إلى حرب التجويع والحصار، وقد نشرت جريدة "أزفسيتا" السوفيتية جانبًا من حرب التجويع التي فرضت على تتار القرم، واستمرت طيلة عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين، ومات في هذه المجاعة أكثر من ستين ألف مسلم من تتار القرم، وقتل مائة ألف، وحكم على خمسين ألف بالنفي، وهكذا قدم تتار القرم العديد من الضحايا، قبل الاستسلام لحكم السوفييت، وأعلن قيام جمهورية القرم السوفيتية، وخضعت للحكم الذاتي.

وفي سنة 1347هـ - 1928م اتجه الروس إلى جعل شبه جزيرة القرم موطنًا ليهود روسيا، واحتجت حكومة القرم، فأعدم رئيس جمهوريتها وأعضاء حكومته، ونُفي أربعون ألف مسلم من القرم إلى سيبيريا، وهكذا كانت قلعة حصينة، ولم تستلم بسهولة، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية أتهم السوفييت سكان القرم بالتعاون مع الألمان، فصدر قرار مجلس السوفييت بإلغاء جمهوريتهم في سنة 1363هـ - 1943م، وتم تنفيذه، وشرد تتار القرم، وأرغموا أهلها على الهجرة الإجبارية إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، خصوصًا في أوزبكستان، وهرب مليون وربع مليون منهم إلى تركيا وأوروبا الغربية، وبعضهم في بلغاريا، ورومانيا وأعدم الكثير، ولم يبق من خمسة ملايين مسلم من تتار القرم غير نصف مليون، وهدم السوفييت ألفًا وخمسمائة مسجد في شبه جزيرة القرم، والعديد من المعاهد والمدارس، وفي سنة 1387هـ - 1967م قرر مجلس السوفييت براءة تتار القرم من تهمة التعاون مع الألمان، وألغى قرار الاتهام السابق، ولكن هذا جاء بعد فوات الأوان وتشريد شعب كامل وإلغاء جمهوريته، نتيجة تهمة باطلة ألصقت به، ويطالب تتار القرم بالعودة إلى وطنهم.