المصدر: موقع طريق الإسلام (14-7-2013) نقلاً عن موقع مفكرة الإسلام.
أحبتي في الله اليوم نستكمل رحلتنا على الأراضي البنمية، لنتعرّف كيف واصل سطوع نور الإسلام على تلك الأرض، وما هي أحوال المسلمين والدعوة الإسلامية هناك، ويا ترى هل هناك عقبات تواجه الإسلام والمسلمين؟.. فهيا بنا لنحاول إيجاد إجابات لكل هذه التساؤلات.
إخوتي أخواتي.. لقد بدأ العمل الإسلامي يشق طريقه، والصحوة الإسلامية تنتشر بين الشباب وبين جميع أفراد الجالية المسلمة، وقد بدأت هذه النهضة بعودة عدد كبير من المسلمين إلى بيوت الله واستجابتهم لدعوة الحق، كما ظهر الحجاب الإسلامي في شوارع بنما وكولون وبنما سيتي وغيرها من المدن، وما زال المسلمون يقترَّبون يومًا بعد يوم من بيوت الله لِمَا يشعرون بحاجتهم إلى دين آبائهم وأجدادهم بعد ضياعٍ طويل.
هذا وقد غدا حتى غير الملتزمين يشاركون في احتفالات عيدي الفطر والأضحى؛ حيث يحضرون بصحبة أولادهم وهو الأمر الذي لم يكن معتاداً قبل سنوات. كما يلاحظ وجود إقبال على المساجد حيث أصبحت تمتلئ بالمصلين والراغبين في حضور الدروس الدينية وذلك بفضل مجهودات دعوية من دعاة ورؤساء جمعيات وأئمة مساجد مخلصين في دعوتهم إلى الله. حتى أن هناك "إحصاء تقديري" للمسلمين في بنما يشير بأنهم ما بين 380-500 ألف نسمة[1]، وأن هذه الأعداد في ازدياد خصوصًا مع الهجرة وسهولة التواصل مع المسلمين في الدول الأخرى، سواءً من القارة نفسها أو من أمريكا الشمالية.
يضاف إلى ذلك دخول بعض سكان تلك البلاد في الإسلام نتيجة لما يُعانونه من خِواءٍ روحي لا تملأه دياناتهم الأصلية. وإذا نظرنا إلى مستقبل الدعوة الإسلامية في بنما فنجد أنه يُبشِّر بالخير؛ فالدستور البنمي يعطي الحق للشعب في حرية الكلمة وحرية الأديان والمعتقدات، فمن حق كل جماعةٍ أو طائفةٍ أن تمارس نشاطها بحرية كاملة وبدون مضايقة عليها من طرف الدولة، ما دامت تنشر أفكارها ومعتقداتها سلميًا وعبر وسائل مشروعة.
إضافة إلى ذلك تم افتتاح أول جامعة دولية في بنما؛ بل في أمريكا اللاتينية كلها، وهي جامعة عربية إسلامية تُعنى بنقل الثقافة الإسلامية إلى شعوب أمريكا اللاتينية التي لا توجد فيها جامعة إسلامية واحدة، ويقوم بالإنفاق على هذه الجامعة كبار التُجَّار في بنما بالاشتراك مع جامعة الأزهر التي تقوم بإرسال الكادر التدريسي والأكاديمي.
ومع كل هذه النقاط الإيجابية هناك بعض السلبيات التي تتمثّل في المشكلات التي تواجه الإسلام والمسلمين في بنما وفي أمريكا اللاتينية كلها، أن المسلم في هذه البلاد لا يعيش في مجتمع إسلامي، وبالتالي تضعف الحصانة والمناعة والتربية الإسلامية التي يتلقاها الابن داخل بيته أو مدرسته الإسلامية، فيحدث الذوبان شيئًا فشيئًا وسط بحرٍ من الميوعة والمجون، ناهيك عن الخلافات التي تحدث بين أبناء الجالية العربية والإسلامية في المهجر لأسباب إما سياسية، أو لتعصُّبٍ مذهبي، أو لتعصُّبٍ إقليمي، أو بسبب التعصُّب للعائلة.
وهناك أيضًا كثرة زواج الشباب بغير المسلمات أو بالمسلمات اسميًّا. وهذا يؤثّر في مستوى التزام الشباب أنفسهم بالإسلام وأبنائهم بعد ذلك، توفير الطعام الحلال والذي يُعدّ من أصعب المشكلات التي تواجه المسلمين.
وهناك أيضاً الأصابع الخبيثة التي تعبث في تلك الأراضي الخصبة، من بعض النِّحل الضالة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: فقد تسلَّلت إلى بنما جماعة من أتباع النِّحلة القاديانية المنحرِفة والتي تُعتبَر من الجماعات المرتدّة عن الإسلام بإجماع المؤسسات الإسلامية العالمية، وقد روّجت هذه الجماعة لأفكارها الضالة فضلَّلت بعض المسلمين ممن تعوزهم الثقافة الإسلامية الصحيحة، فأنشأت معهداً قاديانياً في العاصمة بنما، وأسّست جمعية أطلقت عليها اسم "البعثة الإسلامية للتبشير" لكن سرعان ما تم تعرية أهداف هذه النِّحلة المضلِّلة على أيدى دعاة الإسلام، وتكوّنت هناك جمعية إسلامية لصدّ أخطارها والتصدي لفكرها الضال، حتى أعلن المسلمون براءتهم من الانتساب إليها.
كما قام الدعاة بترشيد زعماء هذه الجماعة فأعلنوا توبتهم وعادوا إلى حظيرة الإسلام من جديد، وقد تم تحويل المعبد القادياني إلى مسجد وتحويل الجمعية القاديانية إلى جمعية إسلامية.
جدير بالذكر أن كل من عاش وسط هذه الجالية ولو فترة قصيرة سواءً في البرازيل أو فنزويلا أو بنما سيُلاحِظ أن المسلمين ليسوا يدًا واحدة، وهذا التفرُّق والتشرذم والعصبية القبلية والمنافسة على رئاسة الجمعية ونحو ذلك كلها عوامل سلبية وخطيرة، تضعف تأثير المسلمين، وتقلل من أهميتهم، وتجعل نفوذ أقليات أخرى كاليهود والصينيين أقوى، وهذا ما هو حاصل بالجمهورية البنمية.
أضف إلى ذلك بعض المشكلات التي يعاني منها المسلمون مثل قلة المساجد -حيث إن عدد المساجد لا يجاوز التسعة وإن زادوا قليلاً- والدعاة وضعف العمل الدعوي والإسلامي. فهذه الأمور كلها تحديات تُعرقِل سير الدعوة الإسلامية إلى الأمام.
هذا وللمسلمين في بنما مطالب أهمها، إنشاء المدارس الإسلامية وزيادة عدد المساجد وزيادة عدد الدعاة وكتب التفسير والحديث باللغة الإسبانية، فضلاً عن تدريب الدعاة من مسلمي بنما على العلوم الشرعية والتأييد السياسي من الدول العربية والإسلامية لتدعيم الأقلية المسلمة وتأسيس قناة إسلامية وجريدة رسمية لهم.
والأقلية المسلمة في بنما تتطلَّع إلى الدعم العربي والإسلامي لدفع مسيرة المدّ الإسلامي وتحويل حماسة المسلمين وصحوتهم إلى خطة عمل إيجابى، تُثمِر عن الحفاظ على الهوية الإسلامية لمسلمي بنما، وكذلك زيادة في أعداد المسلمين هناك. أحبتي في الله إن شعب بنما الذي نحن بصدد الحديث عنه، وشعوب أمريكا اللاتينية تعيش حاليًا فراغًا روحيًا كبيرًا لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية أن تملأه، ولا يزال عدد كبير منهم يبحث عن الدين القادر على تلبية حاجاتهم العقائدية.
لذلك فإن الظروف متاحة في تلك القارة للدعوة إلى الله على نطاق واسع لتقريبهم إلى الدين الإسلامي، كما أن العمل الإسلامي المؤسسي مُيسَّر لإنقاذ المسلمين من الذوبان واحتضان أبنائهم لحمايتهم من الضياع.
إخوتي أخواتي:
مما لا يُنكِره كل ذي لُبّ أن الدعوة الإسلامية خارج العالم الإسلامي هي في الغالب حصيلة جهود فردية، لذلك فإنه يسهل على الحكومات الغربية تجميد أنشطتها بأية حجة وتحت أي ذريعة، لذلك ينبغي على المهتمين بالدعوة الإسلامية من الجهات الرسمية أو الجمعيات الخيرية التطوعية أن تأخذ بعين الاعتبار والنظر الجاد في أحوال تلك الأقليات المنتشرة هنا وهناك، في شتّى أرجاء العالم وخاصة النائية منها.
ونحن من هذا المنبر ندعو كل من يهمه ويعنيه الأمر من الهيئات والمنظمات الإسلامية الرسمية والخيرية، وكذلك أصحاب الاستطاعة من المسلمين كافة لتضافر الجهود للنهوض بالدعوة الإسلامية والاهتمام بشئون إخواننا المسلمين في بنما، أما إنا قد علمنا بوجود مسلمين هناك فقد وجبت علينا نصرتهم إن استطعنا وما تيسر لنا ذلك.
انتهت رحلتنا على الأراضي البنمية، ونعدكم بلقاءٍ جديد على أرض جديدة مع إخواننا المسلمين أبناء الأقليات إن أحيانا الله عز وجل، فإلى الملتقى.
[1] [إحصاء تقديري ربما اجتهد فيه بعض المهتمين، والمسلمون هناك أقل من هذا العدد].
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.