بنما: 12 ألف مسلم بلا مجتمع إسلاميمقالات

صحيفة الراي

المصدر: صحيفة الراي - 23 يوليو 2013م.

 

أذِنَ الله تعالى وشاء للدين الإسلامي العظيم أن ينتشر في شتى أرجاء المعمورة، ففي كل بقعة من بقاع الأرض يوجد الإسلام ويوجد أتباع له، كثيراً كانوا أم قليلاً... لكن ليس في كل مكان يقام الإسلام، أو ينعم أتباعه بحياة آمنة مستقرة، أو حتى يسلمون من الأذى والجهل.

ففي أماكن كثيرة من الأرض يوجد مسلمون، ولكنهم يعيشون على الهامش...! ما بين جهل بالدين وعدم معرفة بأصوله وتعاليمه... وقلة إمكانات في جميع الوجوه اللازمة لإقامة الدين... فلا تعليم ولا دعوة ولا مؤسسات دينية ترعاهم، وما بين من يضطهد في دينه ويتعرض إلى الإبادة والتطهير العرقي والتهجير.

 يتعرضون لكافة صنوف الإذلال في دينهم وأنفسهم، ويمنعون من أداء شعائرهم وعباداتهم... كل ذلك في محاولة للقضاء على الإسلام... لكن هيهات هيهات... هؤلاء المسلمون يحتاجون منا إلى الكثير والكثير من الدعم المادي والمعنوي حتى يثبتوا على دينهم... وقبل ذلك يجب أن نتعرف عليهم... وهذه نماذج لمسلمين يعيشون على الهامش.

إن تاريخ المسلمين بالأمريكتين مسكوت عنه ومعتم عليه، نظرًا للحقائق التاريخية والدينية والاجتماعية البارزة التي تؤكد من أول وهلة من دراستها وتحليلها أن المسلمين في هذه القارة الشاسعة هم السكان الأصليون والمكتشفون الحقيقيون لها.

يقول فهمي توفيق مقبل صاحب كتاب (دور العرب في اكتشاف العالم الجديد): إن أول هجرة للمسلمين إلى بنما كانت في بداية النصف الثاني من القرن السادس عشر، فقد كانت أول مجموعة مسلمة وصلت إلى بنما عبارة عن عبيد أتى بهم المستعمرون الإسبان إلى اميركا ليعملوا في مناجم الذهب، وكان هؤلاء العبيد كأمثالهم من العبيد في أمريكا، ثوريين ومتعلمين ورافضين للعبودية.

وفي عام 1552م وصلت إلى بنما مجموعة من العبيد من قبيلة (مندينكا) وكانوا مسلمين وذوي ذكاء عال، وكان من هذه القبيلة فخذ (باس) وهو مشهور ومعروف بذكاء سكانه في قارة أفريقيا، بحيث كانوا يقرؤون ويكتبون، واستمرت معهم هذه الأجواء الثقافية والعلمية والدينية إلى بنما بعدما نجوا من سفينتهم التي غرقت في المحيط الأطلنطي المحاذي لشواطئ بنما، وقد تمكن نحو 400 إلى 500 منهم من الهرب، والعيش في حرية في بنما، وعندما أحست السلطات الإسبانية الاستعمارية بدخول العبيد المسلمين إلى بنما أحرارًا بعدما نجوا من هذا الغرق أصدرت قانونًا يمنع المسلمين من دخولهم إلى اميركا، لكن لشدة ذكائهم وثقافتهم أمروا عليهم زعيمًا يدعى بيانو (bayano) ويبدو أن كلمة بيانو مشتقة من كلمة بيان في اللغة العربية، وقد قادهم هذا الزعيم المسلم ضد المستعمرين الإسبان.. ويقدر عدد هذه الجماعة بنحو 1500 شخص.

الدخول الفعلي

لقد دخل الإسلام فعليًا إلى بنما خلال عملية حفر القناة، فوصل إليها عدد من العمال المسلمين للقيام بمشروع الحفر، وكانوا من مسلمي البنغال من شبه القارة الهندية الباكستانية، ووصل إليها كذلك 500 مسلم صيني في سنة 1908م، ولكن هذه الموجة ذابت وانتشرت في أرجاء أميركا، والبقية الباقية منهم حاول القاديانيون السيطرة عليهم، لكن فشلوا، كما أن الكنيسة البنمية تكالبت مع حكام بنما فأصدروا قانونًا سنة 1938م يمنع العناصر الآسيوية والأفريقية من الدخول إلى بنما ما عدا الذي يتكلم الإسبانية منهم.

وكان يتزعم هذه المجموعات الهندو-باكستانية شخصان هما: علي أكبر وعبدالجبار بابو.

 كما أتت إلى بنما مجموعة أخرى من بومباي عام 1929م. وكان من بينهم محمد إبراهيم وعائلة موسى وإسماعيل وغيرهم، وكون هؤلاء جمعية يطلق عليها: «جمعية الهنود الباكستانيين السنيين المسلمين»، وكانوا يقيمون شعائرهم الدينية في مصلى لهم في بيت خشبي في طريق كولون، ثم بنوا مصلى على أرض تبرع بها للجمعية علي أكبر، ثم توالت الهجرات القوية التي اجتاحت بنما خلال مطلع العشرينيات وجلهم من لبنان، حيث توجد جالية لبنانية كبيرة ولها شأن كبير وتأثير قوي ليس فقط على الاقتصاد البنمي، وإنما على مستوى صناعة القرار السياسي.

ويأتي بعد الجالية اللبنانية في العدد والتأثير المهاجرون من أصل فلسطيني، ثم شمال إفريقيا وخاصة (المغرب تونس مصر الجزائر). وتمتاز الجالية الهندية المسلمة عن غيرها من جاليات أميركا اللاتينية، بأنها تحرص أشد الحرص على تعليم أبنائها مبادئ الدين الإسلامي الحنيف واللغة العربية.

وقد قام أحد أفراد الجالية سليمان بيكو سنة 1983م بشراء قطعة أرض، وبناء مسجد عليها على نفقته الخاصة، وبلغت تكاليف بناء هذا المسجد (500 ألف دولار). وبعد انتهائه من بناء المسجد قام بشراء عمارة تتكون من عدة شقق أوقفها باسم المسجد.

المسلمون اليوم

بدأ العمل الإسلامي يشق طريقه، والصحوة الإسلامية تنتشر بين الشباب وبين جميع أفراد الجالية المسلمة، وقد بدأت هذه النهضة بعودة عدد كبير من المسلمين إلى بيوت الله واستجابتهم لدعوة الحق، كما ظهر الحجاب الإسلامي في شوارع بنما وكولون وبنما سيتي وغيرها من المدن، ومازال المسلمون يقتربون يومًا بعد يوم من بيوت الله لما يشعرون بحاجتهم إلى دين آبائهم وأجدادهم بعد ضياع طويل، وغدا حتى غير الملتزمين يشاركون في احتفالات عيدي الفطر والأضحى حيث يحضرون بصحبة أولادهم.

وهناك مجهودات دعوية من دعاة ورؤساء جمعيات وأئمة مساجد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهناك إحصاء تقديري للمسلمين في بنما، بأنهم نحو 12 ألفًا.

أما عدد المساجد فهو 9 فقط وأهمها: المسجد الكبير في بنما سيتي والمعروف باسم مسجد هنا، ودافيد وكولون وهو تابع للمركز الثقافي الإسلامي بنفس المدينة، وبالإضافة إلى المساجد يوجد العديد من المدارس العربية والمراكز الخيرية والإسلامية، وعلى رأسها المركز الثقافي الإسلامي في كولون.

ومن أخطر المشكلات التي تواجه الجالية الإسلامية في بنما وفي أميركا اللاتينية كلها أن المسلم في هذه البلاد لا يعيش في مجتمع إسلامي، وبالتالي تضعف الحصانة والمناعة والتربية الإسلامية التي يتلقاها الابن داخل بيته أو مدرسته الإسلامية، فيحدث الذوبان شيئًا فشيئًا وسط بحر من الميوعة والمجون، ناهيك عن الخلافات التي تحدث بين أبناء الجالية العربية والإسلامية في المهجر لأسباب إما سياسية، وإما لتعصب مذهبي، وإما لتعصب إقليمي، وإما بسبب التعصب للعائلة، وكل من عاش وسط هذه الجالية ولو فترة قصيرة سواء في البرازيل أو فنزويلا أو بنما سيلاحظ أن المسلمين ليسوا يدًا واحدة، وهذا التفرق والتشرذم والعصبية القبلية والمنافسة على رئاسة الجمعية ونحو ذلك كلها عوامل سلبية وخطيرة، تضعف تأثير المسلمين، وتقلل من أهميتهم، وتجعل نفوذ أقليات أخرى كاليهود والصينيين أقوى، وهذا ما هو حاصل بالجمهورية البنمية... أضف إلى ذلك بعض المشكلات التي يعاني منها المسلمون مثل قلة المساجد والدعاة وضعف العمل الدعوي والإسلامي.

ولكننا إذا نظرنا إلى مستقبل الدعوة الإسلامية في بنما فنجد أنه يبشر بالخير؛ لأن الدستور البنمي يعطي الحق للشعب في حرية الكلمة وحرية الأديان والمعتقدات، فمن حق كل جماعة أو طائفة أن تمارس نشاطها بحرية كاملة ومن دون مضايقة عليها من طرف الدولة، ما دامت تنشر أفكارها ومعتقداتها سلميًا وعبر وسائل مشروعة.

إضافة إلى ذلك تم افتتاح أول جامعة دولية في بنما بل في أميركا اللاتينية كلها، وهي جامعة عربية إسلامية تعنى بنقل الثقافة الإسلامية إلى شعوب أمريكا اللاتينية التي لا توجد فيها جامعة إسلامية واحدة، ويقوم بالإنفاق على هذه الجامعة كبار التجار في بنما بالاشتراك مع جامعة الأزهر التي تقوم بإرسال الكادر التدريسي والأكاديمي.

1 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً