المسلمون في بنما (تاريخ موجز)مقالات

Dr. AbdulKhabeer Muhammad

المصدر: Islamic Awareness[i]

نقلًا عن: The Message Canada Islamic magazine

أغسطس، 1997م

 

"مترجم عن اللغة الإنجليزية"

 

جاءت المجموعة الأولى من المسلمين إلى بنما (في أمريكا الوسطى) كعبيد قادمين من إفريقيا، جلبهم الإسبان للعمل في مناجم الذهب، على عكس الأفارقة في الأجزاء الأخرى من الأمريكتين الذين رفضوا أن يكونوا عبيدًا؛ ففي عام 1552 وصلت مجموعة من قبائل Mandinka إلى بنما، كان أبناؤها يعتبرون من الأذكياء والمجتهدين، ولديهم درجة عالية من الثقافة.. ونظرًا لأن قبيلة Mandinka الشهيرة هذه قد تأثرت بالإسلام، فقد كانوا جميعًا مسلمين، وكان مكتوبًا في القوانين الإسبانية في تلك المدة أنه يُحظر جلبهم إلى الأمريكتين، لأن التقاليد الإسلامية كانت تشعرهم بالفخر والعزة، مما جعلهم يرفضون بشكل قاطع اعتبارهم عبيدًا للرجل الأبيض، لذلك تم القبض على العديد وبيعهم، ولكن روح الحرية لديهم دفعتهم إلى قيادة تحركات للتحرر من العبودية، فاعتبرهم الإسبان أشرارًا لأنهم رفضوا بالقوة أن يكونوا عبيدًا.

ثم هربت مجموعة مكونة من حوالي 400 - 500 مسلم، ووصلت إلى ساحل بنما الأطلسي عام 1552، وبدأت تعيش وتقاتل للحفاظ على حريتها، كما أن هذه المجموعة لم تصل إلى البر الرئيسي كعبيد أصلًا، فانتخبوا أحد أعضائهم وهو BAYANO أو VAINO ليكون زعيمًا لهم، ويقال إن اسم Bayano مشتق من الكلمة العربية (بيان)، فقادهم Bayano في معركتهم ضد المستعمرين.

وظل هؤلاء المسلمون ثابتين على الإسلام خلال قيادة بايانو، وشكلوا المجالس، وبنوا المساجد لإقامة الصلوات وعقد الاجتماعات، وقد كان هؤلاء الرجال ثابتين على الإيمان والإسلام، ومما يروى عنهم أن اثنين منهم أُسروا في كمين، وكان أحدهما من أئمة الجماعة، فحُكم عليه بالموت شنقًا، ثم اقترحوا عليه أنه إذا تخلى عن إيمانه ومعتقداته فسيكونون متساهلين معه، فرفض هذا العرض، وألقوا به في حفرة مع مجموعة من الكلاب الدانماركية التي مزقته، وواصل إصراره على رفضه، ومات محتفظاً بإيمانه ولله الحمد.. كما مات كثيرون منهم دفاعاً عن إسلامهم.

لقد عقد بايانو كمسلم العديدَ من العهود مع حاكم بنما، والتي سمحت له ولإخوته المسلمين بالبقاء في سلامٍ إلى حدٍّ ما، وحافظ بايانو على كلمته في جميع تلك العهود التي أبرمها مع الإسبان، ولكن الإسبان لم يحافظوا عليها، فقد تم إرسال ضابط باسم أورسوا لإيقاف ما رأوا أنه تمرد عليهم، ونظرًا لأنه لم يستطع هزيمتهم فقد بدأ في تكوين صداقات معهم، وعقد بعض الاتفاقات مع  Bayano، وتم نقض هذه الاتفاقيات من قبل أورسوا بتسميم أربعين من رجال بايانو في حفلة دعاهم إليها، وتوفي اثنان وثلاثون منهم، وبقي بايانو وسبعة من رجاله في قبضتهم، فعندما أدرك بعضهم ما كان يحدث في ذلك الحفل قرروا الهرب، وبقي بايانو ورجاله، وتم القبض عليهم، ثم تم إرساله إلى بيرو ثم إسبانيا حيث توفي هناك.

ومن المعروف أن هؤلاء الرجال قد حولوا بعض السكان الأصليين إلى الإسلام، مما نشر بينهم حب الحرية والعدالة، ولذلك شرع المستعمرون الإسبان في قتلهم جميعًا لوقف نموهم ونمو الإسلام، فأسس هؤلاء المسلمون مجتمعًا يقوم على الثقافة الإسلامية والدين والسياسة معًا.

وبعد وفاة بايانو بُذلت جهود لتدمير أي أثر للإسلام في بنما، وعاش هؤلاء الرجال في مناطق: دارين وسان ميغيل وتشيبو وباكورا وسان بلاس، وفي المنطقة الواقعة على طول نهر بايانو، الذي سمي على اسم بايانو المذكور، ولا يوجد تاريخ مكتوب يروي لنا ما حدث للمسلمين الذين بقوا في بنما، حتى إن الكتب التي تدرِّس تاريخ بنما وبايانو أغفلت - عن قصد - حقيقةَ أنه مسلم، ونحن عندما نحاضر عن الإسلام في المؤسسات التعليمية المختلفة، ونخبرهم بهذه الحقيقة التاريخية نجد أنه حتى أساتذة التاريخ تنقصهم معرفة هذه الحقيقة! ومع ذلك، لم يتمكن أحد من دحض هذه الحقيقة التاريخية، وهذا ما سجله المؤرخ فرناندو روميرو في مقال بعنوان: (الملك بايانو والبنميون السود في منتصف القرن السادس عشر).

أما الموجة الثانية من المسلمين فإنها لم تأت إلى بنما حتى أواخر القرن التاسع عشر، عندما جاء البعض كمسافرين وبقوا فيها، وكان أحد هؤلاء المسلمين أخًا لبنانيًّا يُدعى محمد مجدوب، وصل إلى بنما عام 1909، وأثبت نفسه كتاجر في مدينة كولون على ساحل المحيط الأطلسي، وبقي حتى عام 1935، وكان له أخ اسمه نجم مجدوب.

وخلال الأعوام 1904-1913 جاءت المجموعة - التي وصلت واستقرت في بنما للعمل بالتجارة - من الهند وباكستان ولبنان ودول إسلامية أخرى، ولكن كان يغلب عليهم أهل الهند وباكستان من البنغالية والبنجاب وبيشاور وكشمير، وقاد هذه المجموعات الأخوان: عبد الجبار بابو وعلي أكبر، وقد تراوحت أعدادهم بين 15 و 20، وتزوج بعضهم من نساء محليات.

وفي عام 1929 جاءت مجموعة أخرى من المسلمين من بومباي، وكان بينهم: محمد إبراهيم، وسالومون بيخو وعائلة أسفت وإسماعيل وموسى وعائلة بهانا وآخرون، وقد شكلوا منظمة تسمى المجتمع الإسلامي السني الهندي الباكستاني، وكان العديد منهم يعيشون ويصلُّون في مبنى يقع في شارع كولون، ثم انتقلوا إلى غرفة في شارع 19، وكان من بين تلك المجموعة أيضاً عائلة جليل، التي تقيم الآن في فيستا أليغري بمقاطعة كولون.

وخلال المدة 1929 - 1948 بدأت تلك المنظمة - التي سميت آنذاك ببعثة بنما الإسلامية - ببناء مكان للصلاة على أرض تبرَّعَ بها علي أكبر، وقد كان هذا أول مسجد تم بناؤه في مدينة بنما، وقد كانت تقام فيه صلاة العيد ودروس للمسلمين الجدد الذين بلغ عددهم قرابة 25 مسلماً خلال تلك المرحلة، وقد كان أولئك المسلمون الجدد من السود المنحدرين من أصول هندية غربية، ومن الجامايكيين والترينيداديين والبرباديين، وكان من بين من يقدم الدروس للمسلمين هناك رجل اسمه علي أكبر، ولا يزال مكانه القديم موجوداً حتى اليوم، وهو يقع في هذا العنوان: (Avenida 12 de Octubre entrance to Pueblo Nuevo, Panama City)، ونظرًا لأن ذلك المكان لم يكن قيد الاستخدام، فقد سمحت الحكومة المحلية للمشردين بالإقامة فيه.

وخلال المدة المذكورة كانت هناك مجموعة مسلمة ثانية في مدينة كولون الواقعة على الساحل الأطلسي لجمهورية بنما، وقد قاد هذه المجموعة جامايكي يدعى باسيل أوستكان، قام باستئجار مكان للصلاة وعقد الاجتماعات، في الشارع السادس - برودواي – كولون، وكان هؤلاء المسلمون يرتدون الثياب البيضاء للصلاة ويصومون في شهر رمضان وفي غيره من الأوقات التي شرعها الإسلام.

وفي عام 1932 ظهرت مجموعة من المسلمين في سان ميغيل – كاليدونيا، في مدينة بنما، يقيمون في شارع شورت، حيث كانوا يعقدون الاجتماعات ويقيمون الصلوات.

ولم يكن للمسلمين في مدينة بنما من أبناء المنطقة الهندية الباكستانية هيكل عائلي حتى عام 1951، عندما وصلت أوائل الزوجات إليهم، وعلى الرغم من أنهم كانوا قد بنوا المسجد الواقع في Pueblo Nuevo لأداء شعائر الصلاة، إلا أن كثيرين منهم استمروا في أداء الصلوات في الغرفة المستأجرة الواقعة في شارع 19؛ لأنها كانت أقرب إلى مكان عملهم، كما قام أحدهم بترجمة معاني آيات القرآن الكريم إلى الإنجليزية لتعليم السكان المحليين الذين أسلموا وكانوا يتحدثون الإنجليزية، لأنهم أتوا من جزر الهند الغربية، وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ظل هؤلاء المسلمون يمارسون عباداتهم في منطقتي كالي كولون وشارع 19، ثم اشتروا في عام 1963 قطعة أرض في المقبرة المحلية تسمى Jardin de Paz لدفن موتاهم، ثم اشترى المسلمون عقاراً في عام 1991، في منطقة تسمى Arrajain، وهي تستخدم الآن كمقبرة إسلامية.

أما في منتصف سبعينيات القرن العشرين، فقد بدأت مجموعة من البنميين المسلمين، بقيادة عبدالوهاب جونسون وسليمان جونسون وغيرهما، في نشر الإسلام، ثم نمَت هذه المجموعة وتفرعت إلى مجموعتين، واحدة على جانب المحيط الهادئ في مدينة بنما، والأخرى على الجانب الأطلسي في كولون، وبعد اتصالهم بالدكتور عبدالخبير محمد، الذي جاء بعد ذلك إلى بنما، بدؤوا في دراسة الإسلام الصحيح المبني على فهم القرآن الكريم والسنة النبوية فهماً صحيحاً، وتم تزويدهم بكتب لعبدالخبير، وتعلموا مبادئ الإسلام الأساسية، ثم في عام 1977، تم البدء بعقد دروس في أيام الأحد في قاعة تابعة لرجال الإطفاء؛ لأن أحد مسؤولي الدروس، واسمه سليمان، كان رجل إطفاء، ثم تلقوا فيما بعد مساعدةً مالية من التجار العرب المقيمين في كولون، وعلى رأسهم الأخ أحمد صقر، واستأجروا مكانًا في الشارع السابع والجادة المركزية في كولون، حيث أقيمت الصلوات والاجتماعات، ثم تفككت هذه المجموعة بسبب نقص المعرفة والمساعدة.

وقد بدأ مسلمو المنطقة الهندية الباكستانية في بنما في تعليم أطفالهم في المنازل من عام 1965 حتى عام 1973؛ حيث بدأ برنامج تعليمي صغير في غرفة فوق بازار هندستان في المنطقة المركزية في بنما سيتي، كما أقيمت الصلوات وعقدت الاجتماعات هناك، ثم بدؤوا عام 1978 في استخدام مصلى خاص في منطقة  Perejil في مدينة بنما، حيث أقيمت الصلوات وعقدت الاجتماعات فيه، وبقوا كذلك حتى تم الانتهاء من مسجد الجماعة، الذي تم افتتاحه في 15 يناير 1982، وقد تم تأسيس هذا المسجد لتوفير مكان للمسلمين للالتقاء والصلاة وحضور الدروس في المساء للأطفال ولغيرهم، وكانت دروس يوم الأحد في مسجد كولون مخصصة للمسلمين الجدد والمهتمين بالإسلام، يلقيها الدكتور عبدالخبير محمد، ويلقيها في غيابه حمزة بيرد.

واعتبارًا من ديسمبر 1996، كان في بنما أربعة مساجد في جمهورية بنما، وخامسٌ قيد الإنشاء من المقرر افتتاحه في شهر مارس 1997، وتقع هذه المساجد في مدينة بنما وكولون وأغوادولسي وديفيد.

لقد بدأ الإسلام في بنما مع قدوم العبودية إلى المنطقة، وسوف تنمو الدعوة الإسلامية - بمشيئة الله - وتجلب العدالة لشعب بنما وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

 

[i] رابط المادة الأصلية: اضغط هنا.

0 شخص قام بالإعجاب