الإسلام في اليابان (8)مقالات

أ. د. صالح مهدي السامرائي

المصدر: شبكة الألوكة، التاريخ: 11/1/2011

 

الثمانينيات والتسعينيات

وحتى يومنا هذا 1980 - 2001

- في أوائل الثَّمانينيات تبرَّع الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بأرض من أجل إقامة مقر شامخ للمركز الإسلامي، ورعى الأميران الكريمان نايف بن عبدالعزيز، وأحمد بن عبدالعزيز تشييدَ البناء، وبذلك أصبح المركز الإسلامي معْلمًا إسلاميًّا يقصده الأساتذة والطلبة والصحافيون والتلفزيون وعامَّة الناس، ومنهم من يعلن إسلامه، ومنهم من يستعلم عن الإسلام، ولا يزال هذا المقر يؤدي دوره بتطور وتحسن مستمر.

- وقد زار المركزَ سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود عام 1985، وسمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1986، وقدَّما الدَّعم المادي والأدبي لنشاطاته - فجزاهما الله كلَّ الخير.
- إنَّ أكبر تطور في تاريخ الوجود الإسلامي في اليابان بدأ من أواسط الثمانينيات حتَّى الآن، ألا وهو هجرة أعداد كبيرة من المسلمين إلى اليابان بعد أول هجرة للمسلمين التتار، إنَّ أكثرهم من إندونيسيا، وباكستان، وبنغلاديش، والهند، وسريلانكا، وإيران، وأفغانستان، ثمَّ من الأفارقة والأتراك ويليهم العرب، لقد جاء الجميع إلى اليابان طلبًا للرزق، فتزوَّجوا اليابانيَّات بعد إسلامهن، وحصلوا على الإقامة الدَّائمة، ومنهم من حصل على الجنسيَّة، وأبناؤهم يابانيون بالولادة فأبناء اليابانيَّة هم يابانيون.
لقد بنى هؤلاء المساجد والمصليات وأقاموا محلاَّت بيع المواد الغذائيَّة الحلال، وفتحوا مطاعم الحلال، وعمَّروا المساجد بالصلاة، وأصبحت مقراتهم ومساجدهم محلاَّتِ لقاءٍ وتربيةٍ للمسلمين الجدد من اليابانيين.

- في عام 1986 هدم مسجد طوكيو وسط دموع المسلمين، وكان الهدف هو إعادة بنائه في الموقع نفسه، إلاَّ أنَّ صعوباتٍ جمَّةً وعراقيلَ وضِعت أمام ذلك، وبعد جهود متواصلة من قِبَل المركز الإسلامي، ومن قِبل المحبين للإسلام في داخل تركيا الشَّقيقة وخارجها، أُعِيد بناء المسجد في وسط عام 2000 صرحًا شامخًا جميلاً، وعلى الطراز العثماني، وأصبح مقصدًا لجميع اليابانيين، يزورونه ويتعرَّفون على الإسلام بواسطته، وقد أشرفت رئاسة الشؤون الدينيَّة في تركيا على البناء تقريبًا، وقام المسلمون في اليابان وخارجها بجمع ثلث كلفة البناء تقريبًا، تولَّى مركزنا الإسلامي جمع أكثرها، وتتولَّى رئاسة الشؤون الدينيَّة مأجورة إدارة المسجد إمامًا ومؤَذنًا.
- كما تمَّ بناء ملحق بمسجد "كوبي" العريق يتخذ مركزًا إسلاميًّا ثقافيًّا في جنوب غرب اليابان، وتولى أكثرَ الصَّرف على بنائه عائلةُ الدبس، وممثلهم في "كوبي" الأستاذ "فؤاد الدبس"، وهو صرح إسلامي آخر في ذلك الجزء من اليابان يؤدي دوره الإسلامي بكل كفاءة.
- وفي "ناغويا" تمَّ بناء مسجد جميل، عوَّض الله به عن المسجد القديم الذي دمَّرته قنابل الحرب العالميَّة الثَّانية، وتولَّى تأسيسَه التاجر الباكستاني المفضال الأستاذ "عبدالوهاب قريشي"، وافتتحه معالي الدكتور "صالح بن عبدالله بن حميد" رئيس إدارة الحرمين الشَّريفين، وأصبح هذا المسجد ملتقى لمسلمِي المنطقةِ على سعتها للعبادة والتَّعلم، وأقام هذا الأخ مدرسةً قريبة منه؛ لتعليم أولاد المسلمين، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- أمَّا الإخوة الباكستانيون، والبنغلادشيون، والأفارقة، فمساجدهم لا تُعَد ولا تُحْصَى، فمن مسجد "إيجي نيواري" الذي بناه أهل التَّبليغ وسلسلة مساجدهم الأخرى، إلى مساجد الحلقة الإسلاميَّة من أتباع الجماعة الإسلاميَّة في باكستان، ومسجد "أوتسوكا" الذي حظي بتبَرُّعٍ كريم من صاحب السمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، وافتتحه فضيلة الدكتور عمر بن عبدالله السبيل إمام الحرم المكي الشَّريف، ومسجد "تودا" الذي كان مصنعًا، ومسجد "إيساساكي"، ومسجد الإخوة الأفارقة وغيرها، ولدى المركز قائمة بكل مساجد اليابان سيتولى طبع عناوينها وخرائطها، إن شاء الله، كما حظي الإخوة في جمعية مسلمي اليابان بتبرع كريم من سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مكَّنهم من شراء مقرٍّ جديد لهم.
- إنَّ هدم مسجد طوكيو في عام 1986 حدث باطنه الرَّحمة، وظاهره العذاب، فرغم الحزن الذي عمَّ المسلمين والحيرة والتَّفرق بعد أن كان يجمعهم هذا المسجد، هيَّأ الله سبحانه وتعالى بدائلَ وشجع المسلمين الذين تزايدت أعدادهم على إقامة المساجد والمصليات، وكان أول بديل هو المعهد العربي الإسلامي بمقره القديم والجديد؛ حيث قام بالدَّور الرئيس في استيعاب المصلين في الأوقات الخمسة والأعياد، فجزى الله القائمين عليه خير الجزاء، كما أنَّ الإخوة الإندونيسيين استوعبوا أعدادًا كبيرة منَ المُصَلِّين في مُصَلَّى سفارتهم ومصلى مدرستهم، وكذلك الإخوة في سفارتي إيران وماليزيا، إنَّ جماعة الدَّعوة والتَّبليغ هم أول من كسر حاجز إقامة مساجد جديدة، وأعقبهم بقيَّة المسلمين في شراء وتأجير المصليات، والمركز الإسلامي يتحمَّل نصف أجرة المصليات في المناطق التي يتواجد فيها الطلبة، ويقل فيها التجار المسلمون، وذلك من أقصى شمال اليابان إلى جنوبه، ومن أحدث المساجد التي أقامها المسلمون مسجدٌ في مدينة "إيبينا" Ebina، في محافظة Kanagawa التي تعتبر "يوكوهاما" مَركَزَها، ولا تبعد كثيرًا عن طوكيو، إنَّ المسجد كلف مليون دولار، ولم يجمع المسلمون قرشًا خارج محافظتهم.
أمَّا آخر صرح للدَّعوة الإسلاميَّة فهو المسجد الذي تبرَّع ببنائه مأجورًا سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في منطقة "هاجي أوجي" Hachioji، في ضواحي طوكيو، وهو إضافة في سلسلة قافلة الخير التي تقودها وتدعمها المملكة العربيَّة السعوديَّة ملكًا وحكومة وشعبًا، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- ومن الأحداث المهمَّة في هذه الفترة ندوة "العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي، ومائة عام من تاريخ الإسلام في اليابان"، التي أقامها المركز الإسلامي في اليابان بالتَّعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها في جدة، وذلك في شهر مايو عام 2000 بدعم سخيٍّ من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أيَّده الله - ومن رابطة العالم الإسلامي والبنك الإسلامي للتَّنمية، والنَّدوة العالميَّة للشباب الإسلامي، والهيئة الخيريَّة الإسلاميَّة العالميَّة في الكويت، حيث حضر النَّدوة حوالي سبعين ممثلاً للمسلمين من الدول المجاورة وذات الاهتمام، وعلى رأسهم معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلاميَّة والأوقاف والدَّعوة والإرشاد في المملكة، وحضرها جمع غفير من المثقَّفين اليابانيين، وألقى كبار الأساتذة اليابانيين المسلمين وغير المسلمين أبحاثًا قيمة؛ وكذلك أُلقِيت كلمات وأبحاث من الوُفود بما فيهم مندوب وزير الخارجيَّة الياباني؛ كما حضرها وتعاون في إنجاحها مندوبون من مختلف الجمعيَّات الإسلاميَّة داخل طوكيو وخارجها، واستمرَّت النَّدوة ثلاثة أيام، أبرزت الوجود الإسلامي، ورحب المسؤولون اليابانيون وخصوصًا في الخارجيَّة اليابانيَّة بهذا النشاط، وطالبوا بتكراره لتعميق الصلات بين اليابان والعالم الإسلامي.
- كما شهدت هذه الفترة إقامة مخيمات سنويَّة نظَّمها المركز الإسلامي بالتَّعاون مع النَّدوة العالميَّة للشَّباب الإسلامي، وبدعم من سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز مادي وأدبي بحضور مستشار سموه فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك، الذي أضفى على هذه المخيَّمات حياة في مجال العقيدة والعلم والتَّوجيه.
- كما كان لفضيلة الشيخ سعد البريك دورٌ كبيرٌ أثناء انعقاد المخيمات في إحياء مجلس التَّنسيق بين الجمعيَّات الإسلاميَّة الذي كان نشيطًا للعشرين سنة الماضية، وتوقف نشاطه بوفاة منسقه العام البروفسور "عبدالكريم سايتو" - رحمه الله - فقد وقع أثناء هذه المخيَّمات ثلاثمائة وخمسون مندوبًا مسلمًا من جميع أنحاء اليابان على إحياء هذا المجلس، وانتخاب الأستاذ "خالد كيبا" العالم الياباني المعروف، وعضو المجلس التَّأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ومدير الشؤون المالية في المركز الإسلامي - منسقًا عامًّا لمجلس التَّنسيق.
- لقد والى المركز الإسلامي إيفاد بعثات المجتمع، ومنها إشرافه على أكبر بعثة حج لثلاثة وأربعين مسلمًا يابانيًّا ومسلمة، وقدَّموا من خالص أموالهم، وكانوا بقيادة الدَّاعية الياباني الحاج محمد ساوادا، وأرسل المركز معهم للإرشاد الشيخ نعمة الله، والأستاذ عبدالرحمن صديقي، كما ساهم المركز بدور كبير في إعداد تجمع ضخم للحج من اليابانيين عام 1420 بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشَّريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وإن آخر بعثة نظَّمها المركز للحج عام 1421 وهي بدعم سخي واستضافة كاملة من سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز، فجزى الله الجميع خير الجزاء، وأخلف عليهم بالخير.
- إنَّ من أكبر هموم المسلمين في اليابان دفنَ مَوتاهُم، خصوصًا بعد أن أصبح وجودهم كثيفًا، سواء كانوا يابانيين أو أجانبَ مقيمين، إن كلفة الحصول على قبر في المقبرة الحالية "إينزان"، التي أصبحت تحت إشراف إخواننا بجمعية مسلمي اليابان تبلغ أكثر من مليون ين، (أكثر من عشرة آلاف دولار)، لهذا فقد حرص المسلمون على شراء أرض في إحدى المحافظات المجاورة لطوكيو يدفن بها موتى المسلمين مجانًا، وبدؤوا بمحاولة لجمع تبرعات من الجالية، وهنا جاءهم العون، فقد امتدت يد كريمة لترعى مشروعهم، وهي يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - حيث قدَّم تبرعًا كريمًا مقداره سبعمائة ألف دولار لشراء أرض للمقبرة، إنَّ لَجْنَةَ المقبرة ورئيسَها الأستاذ "ميان أفتاب" التاجر الباكستاني في "يوكوهاما" وهو من كرام الناس، ومن جملة التجار المسلمين الذين يبذلون الكثير في المشاريع الإسلاميَّة، هذه اللجنة طلبت أن تسجل أرض المقبرة باسم المركز الإسلامي؛ لأنه يكاد يكون الهيئة الدينيَّة الرئيسة الوحيدة المسجلة رسميًّا لدى الحكومة اليابانيَّة، لأنَّ الهيئة الدينيَّة الرَّسميَّة هي التي من حقها أن تطلب إقامة مقبرة، وقد لبَّى المركز الأمر، ويسعى سويًّا مع اللجنة لاستكمال امتلاك أرض المقبرة.