الإسلام في اليابان (1)مقالات

أ. د. صالح مهدي السامرائي

المصدر: شبكة الألوكة، التاريخ: 11/1/2011

 

المُقَدِّمة:

انبثق نور الإسلام منَ الجزيرة العربيَّة، وامتدَّ شرقًا إلى العراق وإيران وأفغانستان وشبه جزيرة القارة الهنديَّة، ثم ماليزيا وإندونيسيا، وحتى الصين والفلبين.

واستغرق هذا الانتشار زمانًا، وامتدَّ مكانًا، وتأخَّر وصول الإسلام إلى اليابان إلى أواخر القرن التاسع عشر، ويعبِّر اليابانيون - مُسْلمهم، وغير مسلمهم - عن أسَفِهم واستغرابِهم من هذا التَّأخير، في الوقت الذي وصل فيه الإسلام الصين والفلبين.

وعلى أيَّة حال وبقَدَر منَ الله - سبحانه وتعالى - حدَثَ الذي حدث، وإنَّني بهذه الورقة آثرتُ أن أعرض الوجود الإسلامي زمنيًّا Chronology، وحدَّدت محطات، وأرَّخت لكل فترة وَفق ما تيسَّر من معلومات، عاشرت الأربعين سنة الأخيرة منها، وتتبَّعت المراحل التي قَبْلها بالبحث والتنقيب مدةً زادت على الثلاثين سنة، ولا أدَّعي الإحاطة، وكل إنسان يرى التاريخ يبدأ من عند نفسه، وحين تتعدد الكتابات والمصادر فإنَّ الصورة قد تصل إلى ما هو أقرب إلى الكمال، وهَأَنَا أدْلِي ببضاعتي معتذرًا إن كان لحظ النَّفس فيها شيء، وهو غير مقصود، فتجارة الدنيا تُمحَق بركتُها إن لم يصاحبها الصدق والإخلاص، فكيف بالتجارة مع الله وهو يعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصدور، وإني أسأل الله العفو والمغفرة، وأرجو من إخواني الصَّفح.

19/ 8/ 1422هـ

4/ 11/ 2001م

 

مرحلة ما قبل 1900

في بداية عصر النهضة اليابانيَّة ويدعى "عصر ميجي" Meiji، الذي بدأ عام 1868 - كانت هناك دولتان وحيدتان في آسيا هما اللتان تتمتعان بالاستقلال، وهما العثمانيَّة واليابانيَّة، وكلتاهما تواجه ضغوطًا من الدول الغربيَّة، فحرَص الجانبان على إقامة علاقات ودِّيَّة بينهما، وتمَّ تبادل الزيارات، وكانت أهمها البعثة التي أرسلها المرحوم السلطان عبدالحميد الثاني إلى اليابان على الباخرة "آل طغرل"، وعلى ظهرها أكثر من ستمائة ضابط وجندي عثماني (ترْك، وعرب، وألبان، وبوسنيون... إلخ)، يقودهم الأميرال عثمان باشا، وذلك عام 1890، وبعد أن أدت البعثة مهمتها في اليابان وقابل رئيسها الإمبراطور، عادت أدراجها، إلاَّ أنَّها وهي لا تزال على الشواطئ اليابانيَّة، وليس بعيدًا عن "أوساكا" هبَّ عليها إعصار شديد، أدَّى إلى تحطمها واستشهد أكثر من خمسمائة وخمسين شخصًا بما فيهم أخو السلطان ومعهم عثمان باشا.

هزَّت الحادثة الطَّرفين، ونُقل النَّاجون على باخرتين يابانيتين إلى إسطنبول، ودفن الشهداء عند الموقع، وعمل متحف بجانبهم، ويحتفل اليابانيون والأتراك إلى يومنا هذا كل خمس سنوات بهذا الحادث في الموقع نفسه برغم تبدل الحكومات، وهذا دليل على إخلاص اليابانيين في صداقتهم.

بعد سنة من الحادث تصدَّى صحفي ياباني شاب "أوشاتارو نودا" لجمع تبرعات من اليابان لعائلات الشهداء، وذهب إلى إسطنبول عام 1891، وسلَّم التبرعات للسلطات العثمانيَّة، وقابل السلطان عبدالحميد، وأثناء إقامته في إسطنبول لقي أول مسلم إنجليزي، وهو "عبدالله غليام" وهو من مدنية "ليفربول"، وبعد التَّحادث معه قَبِل دِينَ الإسلام، وتَسمَّى "عبدالحليم" كما تظهر الوثيقة العثمانيَّة المرفقة.

ويمكن اعتبار "عبدالحليم نودا" أول مسلم ياباني، تَبِعه بعد ذلك يامادا الذي وصل إسطنبول عام 1893 يحمل التَّبرعات لعائلات الشهداء، وطلب منه السلطان عبدالحميد تدريسَ اللغةِ اليابانيَّة للضبَّاط العثمانيين، واتخذ اسم خليل أو عبدالخليل، فبذا يمكن اعتباره ثاني مسلم ياباني.

أمَّا الشَّخص الثالث فهو "أحمد أريجا" Ahmed Ariga، وكان مسيحيًّا يعمل في التجارة، زار مدينة "بومبي" عام 1900، ولفت نظرَه مسجدٌ فيها، فدخله وأسلم هناك، وعاد داعية وشارك في إحدى ترجمات القرآن الكريم لليابانيَّة، وفي هذه المرحلة سكن تجار مسلمون من الهند في كل من "طوكيو"، و"يوكوهاما"، و"كوبي"، وبهذا يعتبرون أول جالية إسلاميَّة تقيم في اليابان.

وللحديث صلة في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى..

1 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً