الإسلام والمسلمون في أمريكا  (3)مقالات

الدكتور محمد عبدالرؤوف

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي-السنة الثالثة-العدد الثامن والعشرون - غرة ربيع الثاني 1387ه-8 يوليو 1967م - الصفحة 64
 

الإسلام والمسلمون في أمريكا وعناية الحكومات الإسلامية

 ومن أخص مظاهر هذه الحقبة بدء الاهتمام من جانب الحكومات الإسلامية بالنشاط الإسلامي عن طريق ممثليها في واشنطون، ثم في مدينة نيويورك، فكان من نتيجة ذلك إنشاء المركز الإسلامي بمدينة واشنطون الذي تبنت مشروعه الحكومات الإسلامية ممثلة في سفرائها، وتولت الإنفاق على بنائه كما تتولى الآن الإنفاق على صيانته، وقد کان افتتاح المركز عام ۱۹5۷ بعد تمام بنائه الذي بدأ عام 1949 - حدثا هاما تحدث فيه الرئيس الأمريكي السابق «ایزنهاور» وكان مدير المركز في ذلك الوقت «الدكتور محمد بيصار» الأستاذ بكلية أصول الدين بالأزهر وقد تولى منصبه كخلف للدكتور «محمود حب الله المدير الأول للمركز والأمين العام الحالي المجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، و أنهى الدكتور محمد بيصار مهمته، عاد الدكتور محمود حب الله إلى منصبه مرة أخرى، ثم خلفه المرحوم «الدكتور عبد الحليم النجار» الذي لم يمهله القدر طویلا، ثم شغل المنصب مديره الحالي الدكتور علي عبد القادر عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر والمدير الأسبق للمركز الثقافي الإسلامي بلندن. ويعتبر المسجد الملحق بالمركز آیة في الجمال والفن الإسلامي مما يجعله قبلة المئات من الزوار والمعجبين يوميا.

وقد أدى هذا الاتجاه الكريم من جانب البلاد الإسلامية إلى ما يحدث الآن من تطورات بالمركز الإسلامي في نيويورك وعزم حكومات هذه الدول على بناء مرکز اسلامي كبير بالمدينة يقوم على خدمة الاسلام والمسلمين بها وهم يعتبرون أكبر جالية اسلامية بأمريكا.

 

التعاون بين الهيئات الإسلامية

ومن أهم التطورات التي صاحبت إنشاء المركز الإسلامي بواشنطون الاتجاه نحو التحالف بين الهيئات الإسلامية المختلفة والتعاون بين مختلف العناصر، رأينا ذلك حال إنشاء «الأكاديمية الإسلامية العالمية» كما حدث ذلك أيضا في قيام «المجلس الإسلامي» بمدينة نیویورك الذي يضم عشر جمعيات إسلامية بالمدينة، ولكن الأهم من ذلك کله قيام ما يسمى الآن «باتحاد الجمعيات والهيئات الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا»، وكانت فكرة هذا الاتحاد كثيرا ما تدور بخاطر زعماء المسلمين، ولكنها لم تتحقق إلا عام ۱۹5۲ حيث اجتمع مئات من ممثلي المسلمين في شتى البلاد الأمريكية في مدينة «سیدرابيدز» بدعوة من جاليتها الإسلامية، واجتمعت كلمتهم على تكوين هذا الاتحاد.

ومنذ ذلك التاريخ يعقد الاتحاد مهرجانا عاما للمسلمين في صيف كل عام، ليكون فرصة للقاء والتعاون فيما بينهم، كما يعمل الاتحاد الآن على إنشاء معسكر صيفي للشباب المسلم. ومن أهم ما حققه هذا الاتحاد - بتعاون مع المركز الإسلامي والسفارة العربية في واشنطون - أنه استطاع أن يحصل على مبعوثين من الأزهر للعمل كائمة بين الجاليات الإسلامية ابتداء من عام ۱۹6۰، كان من بينهم «الأستاذ أحمد مهنا» الذي ورد ذكره من قبل، والأستاذ «محمد نور الدين شريبة» الذي عين مديرا للمؤسسة الإسلامية بمدينة نیویورك (المركز الإسلامي حاليا)، حتى عاد إلى وطنه في بداية عام 1966 م. أما كندا فكان من نصيبها الأستاذ حموده عبد العاطي صاحب كتاب «الإسلام تحت المجهر» بالإنجليزية، وقد أدي خدمات جليلة للمسلمين في كندا حتى تخلى عن العمل ليتفرغ للدراسة بجامعة «برنستون» الشهيرة، فخلفه «الأستاذ عبد المنعم خطاب» للإشراف على المركز الإسلامي في «ادمنتون» بكندا، ثم لحق به «الأستاذ عبد الفتاح بركة» ليؤم جماعة المسلمين في مقاطعة «کالجری» بكندا أيضا.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تجمعا آخر إذ تألف اتحاد الطلاب المسلمين بجامعات الولايات المتحدة وكندا للطلاب المسلمين نشاط كبير ومفيد، ويبذلون جهودهم في التأليف في موضوعات إسلامية شتى ويوزعون ما ينشرون على أوسع نطاق

وبالرغم من الضعف الذي يسود أكثر هذه الهيئات والجمعيات والمؤسسات بسبب العجز المالي وتقاعس الكثيرين عن التعاون، والأصابع التي تلعب في الخفاء فإن هذه المنظمات قد استطاعت أن تقوم بخدمات جليلة. وأصبح المسلمون المغتربون لا يعانون من الشعور بالحرمان والغربية التامة عن النشاط الإسلامي، وأصبح لدين الإسلام مراکز ومؤسسات تتحدث عنه، وتخدم من يرد إليها، وترد على الأسئلة ومختلف الاستفسارات، وتنظم الدروس الدينية للكبار والصغار، وتعقد الصلاة وبخاصة أيام الجمع والأعياد، وتنظم الاحتفالات بالمواسم الدينية، كما أن الراغبين في اعتناق الإسلام أصبح في إمكانهم أن يجدوا من يعينهم ويأخذ بناصرهم، وبذلك أمكن زيادة عدد من يعتنقون الإسلام، يجذبهم إليه بساطة عقيدته، وسلامة مبادئه، ودعوته إلى العدالة الاجتماعية والحرية الفردية، والمشورة بين الناس.

كما أن ما يجري من جدل بين رجال الدين، وتكشف الأيام عن مفاسد لما غایر الإسلام من عقائد ومذاهب، ثم تلك المادية الطاغية المملة، والسعي وراء عقيدة تخاطب العقل، ونظام يغذی الروح كل ذلك جعل الإسلام تالة الباحث عن الحقيقة، وحاجة من ينشد غذاء روحيا يطمئن له الخاطر، ويقتنع به الضمير، ويستريح إليه الفؤاد.

ثم إن دعوة الإسلام إلى المساواة دون مراعاة فوارق الجنس أو اللون أو غيرهما تغری به الزنوج، وتجعلهم يقبلون عليه، ويجدون فيه خلاصا وملاذا، بل يشعر الكثير منهم أنهم بإسلامهم يستردون مجدا قد افتقدوه، ويستعيدون ماضيا قد غاب عنهم فنسوا أصلهم، لا أصل الدين فحسب، بل أصل الجنس والتبعية العنصرية، وأنه ليسود بينهم الاعتقاد بأنهم عرب، بل العرب الحقيقيون، «حامیون» من ذرية إبراهيم عليه السلام من طريق «زوجته هاجر» بل لا تعجب إذا سمعت بعضهم يؤكد أن عروبتهم أشد أصالة من عروبة العرب بالشرق الأوسط، وأن إسلامهم هو الإسلام الحقيقي، لذلك تجدهم يقبلون على تعلم اللغة العربية، ويحاولون التحدث بما يعرفون من كلماتها، بل قد ترى بعضهم يتزيا بالزي العربي، فيضع على رأسه الطربوش أو الغترة والعقال، ليؤكدوا عروبتهم حسا «ومعنى».

ولا حاجة بنا إلى ما وراء ذلك من عناصر معادية للعروبة، ترى انتصارات الإسلام انتصارات العروبة نفسها، وفي رأيي أنه لا بد من معالجة الأمور بالحكمة والصبر واللين والتسامح، وقبول القليل ممن يتقبل الإسلام تأليفا لقلوبهم، مع عدم الإصرار على الأخذ بالكثير من التفاصيل والدقائق التي تبدو لنا سهلة لأُلفنا اياها، ولكنها صعبة عسيرة على من لم يألفها، وحسبنا قدوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قبل الإسلام من أعراب ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، ولكنه - صلوات الله عليه - كان يرجو ((أن يحسن إسلامهم ويخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا).