الإسلام والمسلمون في أمريكا (2)مقالات

الدكتور محمد عبدالرؤوف

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي-السنة الثالثة-العدد الثامن والعشرون - غرة ربيع الثاني 1387ه-8 يوليو 1967م - الصفحة 64

 

حركة المسلمين السود

وأهم تلك الحركات وأخطرها تلك التي تسمى حاليا بحركة «المسلمين السود» ويعتبرها البعض امتدادا لحركة «النبيل درو علي»، وأصل تلك الحركة أن بائعا متجولا من أصل غير مؤكد يسمى «مستر والاس فارد محمد» ظهر بمدينة «دیترویت» بولاية «متشجن» عام ۱۹۳۰ وكان يذهب إلى بيوت الزنوج ليعرض عليهم بضاعته من المنسوجات، وكان يحدثهم في نفس الوقت عن أولاد عمومتهم في أفريقيا، ويقول لهم إنهم يلبسون مثل هذه المنسوجات، ثم كان يذكر لهم الكثير عن مجد هؤلاء في بلادهم، فأثار ذلك حماسهم والتفوا حوله، وسرعان ما وجد نفسه زعيما مطاعا بينهم.. ولكنه اختفى فجأة ولا يعلم أحد حتى الآن كيف حدث ذلك.

أليجة محمد

فقام بالزعامة مكانه شاب نشيط منهم كان يسمى «أليجه بول»، واسم «أليجه» هو الصيغة الإنجليزية لاسم «اليسع»، وأما اسم (بول) فكان لقب العائلة التي كانت تملك أسلافه، فتخلى عن هذا اللقب وجعل لقبه «محمد» فأصبح اسمه الكامل «أليجه محمد» أو «مستر محمد» على عادة الأوربيين في الاقتصار على اللقب، وكذلك أصبح سميا لرسول الله صلی الله عليه وسلم. وعند اختفاء «مستر والاس فارد محمد» أعلن «اليجه محمد» أن «والاس» هو الله تعالى نزل إليه في صورة رجل ليبلغه الرسالة النهائية ليبشر بها بين السود، وكذلك أعلن أنه رسول الله وأنه سيد المرسلين وخاتمهم. وأما رسالته فتتلخص في أن الإنسان كان أسود وظل كذلك طوال الدهور حتى قام شرير منذ ستة آلاف سنة يدعى «ياقوب» بتجارب - جنسية نتج عنها الجنس الأبيض الذي يسميه أیضا «الجنس القوقازي» كما يسميه جنس الشياطين، فكل أبيض شیطان وقد اغتصب الجنس الأبيض هذه السيادة من سيده الجنس الأسود الذي يعتبره أفضل الشعوب: وأكثرها ذكاء وأقواها بدنا وأحسنها جمالا، ولكن هذا الاغتصاب للسيادة كان محددا بستة آلاف سنة. فيما يقول - وأنها قد أوشكت أن تنتهي، ويحدد نهايتها أحيانا بعام ۱۹۷۰.

ويقول: إن الرجل الأبيض سوف يحطم نفسه بما اخترع من مدمرات ومخربات كما سيقضي عليه بعوامل أخرى كالطوفان والزلزال والصواعق، وعندئذ تكون القيامة والبعث - وذلك بنهاية سيادة الرجل الأبيض وبعث الرجل الأسود من غفلته وعودة المجد والسيادة إليه، والبعث - كما يقول - لا يعني حياة بعد موت، فهو ينكر هذا المعنى ويقول إنه من خلق المسيحية التي هي دين الرجل الأبيض لخداع الرجل الأسود، وإنما البعث - كما يرى - بعث الرجل الأسود في هذه الحياة وعلى هذه الأرض ليكون سيدها ووارثها. ويسمى حركته باسم «أمة الإسلام» وأتباعه بالمسلمين، ويطالب بأن تمنح «أمة الإسلام» قطعة خاصة من الأرض ليقيموا عليها دولتهم.

وقد استطاع السيد «اليجه محمد» بفضل ما يزرعه في قلوب أتباعه من حقد وكراهية عميقة للرجل الأبيض أن يجذب إليه العديد من الزنوج، ويبلغ عددهم الآن - فيما يقال - ما لا يقل عن ربع المليون، وقد نقل مركزه الأساسي مبكرا إلى مدينة «شیکاغو» وافتتح فروعا في شتى كبار المدن تزيد الآن عن العشرين، ويسمونها «معابد» لا مساجد، ويقال إنهم لا يعرفون الصلاة ولا يقيمون الشعائر الإسلامية المعروفة وتقتصر تجمعاتهم في عطلة الأسبوع في معابدهم على دراسة مبادئ زعيمهم وتعاليمه على يد المشرف على المعبد الذي يطلق عليه ما يطلق على القسيس في المسيحية.

 

ولا يسمح للرجل الأبيض بدخول معابدهم، ويفتش كل داخل أيا كان على يد أعضاء تشكيلهم العسكري للتأكد من أنه لا يحمل سلاحا أو سكينا، ويحرم «اليجه محمد» على أتباعه حمل السلاح تجنبا للأخطار، ويتبع في تنظيمهم قواعد مشددة، ولا بد من مراعاتها، ويعمل بنجاح على رفع مستواهم الاقتصادي، وذلك بإنشاء الجمعيات التعاونية وفتح المطاعم والمحلات التجارية التي لا توظف أحدا إلا من بينهم، ويفرض على كل منهم دفع حصة معينة من دخله لجماعته، ويتشدد في ضرورة المحافظة على النظافة في البدن والثوب والمنزل، حتى يقال: إنه يحرم عليهم إطلاق اللحى والشوارب.

ويقال إن أتباعه أنظف الناس بين الملونين وأحسنهم مظهرا، كما يحرم عليهم - في شدة - تعاطي المخدرات والمسكرات والزنا، وقد نجح في ذلك نجاحا واضحا، ومن أبرز أتباع هذه الحركة «کاسیاس کلای» بطل الملاكمة العالمي المعروف الذي تسمى عند انضمامه إلى الطائفة باسم «محمد على» ومنهم الزعيم «مالكولم اکس» | الذي انشق على رئيسه عام ۱۹6۳| وأعلن على يد الدكتور محمود الشورابی الأستاذ بجامعة القاهرة والذي كان يشرف على المؤسسة الإسلامية بنيويورك في ذلك الوقت أنه تخلى عن أفكار رئیسه وأنه يؤثر مبادىء الإسلام الصحيحة،  ولما سافر لأداء فريضة الحج في عام 1964 أدهشه ما لقي من معاملة كريمة، وما رأی من (ديمقراطية) الإسلام البالغة، فكتب مذكرات نشرت في العام الماضي كان لها أثر طيب في تعريف الناس بمبادئ الإسلام الإنسانية وتعاليمه الشريفة وقد قتل في فبراير عام 1965 وأنكرت جماعة «المسلمين السود» أن لهم بدا في قتله. وتحترم هذه الجماعة رئيسها للغاية ولا يذكرونه إلا هكذا «السيد المحترم اليجه محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إلى الأبد»

جمعيات إسلامية

وعدا هاتين الحركتين اللتين قامت كل منهما باسم الإسلام لتدعو إلى مجد الرجل الأسود، وتستخدم الإسلام في دعواتها قام عدد غير قليل من هؤلاء الملونين بالدعوة لدين الإسلام من أجل الدين دون خلط ذلك بأغراض سياسية أو عنصرية، كان من بين هؤلاء رجل يسمى «صوفي عبد الحميد» الذي قضى بعض الوقت بشمال أفريقيا ثم عاد ليبشر بالدين في منطقة «هارليم» بمدينة نيويورك، والتي تضم الآن أكبر مجموعة من الملونين، وقد استطاع أن يسلم على يده منهم بضع مئات قبل أن يقتل في "حادث طائرة عام ۱۹۳۷م، كما أن عددا من أتباع «النبيل درو على» لما تخلوا عن تعاليمه اتجهوا للتعاليم الصحيحة وبشروا بها وأقاموا علی أنقاضها عددا من المنظمات الإسلامية مثل «جمعية دين الله» و «الجمعية الإسلامية العالمية» و «معهد الدعوة الإسلامية».

ومن خير الجمعيات التي قامت في ذلك الحين تلك الهيئة التي اختارت لنفسها اسم «الأكاديمية الإسلامية العالمية»، وقد أعان تأسيسها في أغسطس عام ۱۹۳۹، ومن أهم مظاهرها أنه يشترك فيها الملونون وغيرهم وبخاصة من العرب، فكان ذلك بداية التعاون العناصر الإسلامية المختلفة وكان لذلك خطره وأهميته في التطورات الإسلامية في المستقبل.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية اتخذت الحركات الإسلامية اتجاهات مشجعة، وحدثت تطورات بعيدة المدى، فقد ظهر في الميدان أئمة أعلام تفرغوا لخدمة دين الله تعالی بین جماعاتهم، و كان حظ مدينة «دیترویت» منهم نصيب الأسد، فقد ظفرت بالأستاذ «وهبي اسماعيل» الألباني الأصل ومن خريجي كلية أصول الدين بالأزهر، فعمل إماما للجالية الألبانية منذ عام ۱۹4۸، ومن حسناته أنه ألف بالإنجليزية كتابا مبسط الأسلوب عن السيرة النبوية الشريفة، ومنهم «الشيخ حسين خروب» الذي يصدر مجلة عربية تحت عنوان الرسالة»، ومنهم الأستاذ «محمد جواد سری» الذي يؤم جماعة الشيعة بالمدينة المذكورة، وقد أصدر کتابا مفيدا تحت عنوان «استعلامات عن الإسلام». وقد عني الأزهر بتدعيم هذا النشاط الإسلامي فأرسل «الأستاذ أحمد مهنا» حيث قضى في «دیترویت» حقبة من الزمن شاركهم فيها في الكفاح الاسلامي حتى عاد إلى وطنه عام 1965 م.

يتبع... الإسلام والمسلمون في أمريكا (3)