حوار مع الدكتور إسماعيل كمارا - الداعية الإسلامي العاجي وإمام المسجد الكبير ببواكيهمقالات

السيد عبدالرحمن

المصدر: شبكة الألوكة 20/ 9/ 2015م.

 

أكد الشيخ الدكتور إسماعيل كمارا الداعية الإسلامي العاجي وإمام المسجد الكبير ببواكيه أن مسلمي ساحل العاج قد واجهوا عقودًا من الظلم والتهميش والحرمان من تبوُّء أيِّ منصب رفيع طوال العقود الأربعة التالية للاستقلال، واستمرت هيمنة الأقلية النصرانية على البلاد بدعم فرنسي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الصعبة والمعقدة هي التي دفعت الأغلبية المسلمة للتحرك لإنهاء حقبة العقود المظلمة التي طُوِيَتْ صفحتها بدون رجعة.

 وأشار إلى أن وصول الرئيس الحالي الحسن وتارا للحكم منذ 3 أعوام قد كتب نهاية للتمييز والتهميش الذي عانى منه المسلمون لعقود طويلة، وتصدى بقوة للمخاطر التي هددت وحدة واستقرار البلاد التي تورط فيها النظام السابق الذي لم يكن يكترث إلا للسيطرة على السلطة دون النظر إلى جماجم ملايين المواطنين.

 وأقر الداعية الإسلامي العاجي بوجود نشاط تنصيري محموم في بلاده في ظل الدعم الرسمي والحرية والميزانيات المفتوحة التي حظي بها المنصرون لسنوات طويلة، مشيرًا إلى أن الغزوة التنصيرية لم تحقق أغلب الأهداف التي وضعت، وفشل المنصرون في إيجاد أسباب وجيهة؛ لرفض مسلمي البلاد لإغراءاتهم.

 التفاصيل الكاملة لأوضاع مسلمي ساحل العاج في الحوار التالي:

قبل أن نتطرق لهموم المسلمين في ساحل العاج، نرجو أن توضح لنا السبيل الذي سلكتْه الدعوة الإسلامية للوصول لبلادكم.

الدكتور إسماعيل كمارا: يعتقد على نطاق واسع أن الإسلام قد وصل بشكل مبكر جدًّا لشمال البلاد عبر المجاهد المسلم ساموري توري خلال القرن الأول الهجري، وعبر قوافل التجارة الوافدة للبلاد، حيث احتك العاجيون معهم وأعجبوا بأخلاقهم، وكانت المناطق الشمالية خلال القرنين الـ 13 و 14 الهجريين تابعة لدولة مالي الإسلامية، ثم غدت جزءًا من مملكة موسى لمدة طويلة، حتى قدم الاحتلال الفرنسي وقاومه المسلمون حتى استطاع المحتل إيقاع الهزيمة بالقائد المسلم إمام ساموري، وسقطت عاصمة الشمال دوالا التي كان يطلق عليها عاصمة الكاكاو، وبسط المحتلون السيطرة على جميع أنحاء البلاد، ولم ينسوا طوال مدة احتلالهم لساحل العاج التي اقتربت من حوالي قرن من الزمان المقاومة الشرسة من جانب المسلمين لهم، فعملوا على بسط سيطرة الأقلية النصرانية على الأوضاع في البلاد التي توجت بوصول هوافيه بوانيه للسلطة.

 ما أبرز معالم هذه الفترة وتداعياتها على الأغلبية المسلمة؟

الدكتور إسماعيل كمارا: جثم بوانيه على صدر المسلمين أكثر من ثلاثة عقود، تبنى فيها سياسات تهميش وتمييز ضد المسلمين، وعمد لإبقائهم مزارعين وبائعين للكاكاو، وحرمهم لسنوات طويلة من تبوُّء أيِّ مناصب رفيعة ومن حق الترشح والانتخاب، لدرجة أن المسلمين ولسنوات طويلة من عهده كانوا لا يفضلون ارتداء الملابس الدالة على هويتهم؛ حتى لا يتم توقيفهم في العاصمة السابقة أبيدجان.

 تهميش وانتفاضة:

يتركز الوجود الإسلامي في شمال البلاد، فما هي أعداد المسلمين وأوضاعهم حاليًّا، وأهم المدن التي يقطنون فيها؟

الدكتور إسماعيل كمارا: لا يوجد إحصاء محدد لأعداد المسلمين في ساحل العاج، أو لنسبتهم لعدد سكان البلاد، ولكن يمكن التأكيد أن نسبتهم لا تقل عن 60% من عدد السكان البالغ تعدادهم 16مليونًا، بينما لا تتجاوز أعداد النصارى 22%، ويعيش أغلب المسلمين في مدن الشمال؛ مثل: بواكيه، وكروبو، واجينيه، فضلاً عن تجمعات للمسلمين في العاصمة السياسية ياماسوكورو والعاصمة الاقتصادية أبيدجان.

 هل ما زالت أوضاع المسلمين على مثل هذه الحالة من السوء؟

الدكتور إسماعيل كمارا: كانت أوضاع المسلمين شديدة السوء في عهد الرئيس السابق لوران جاجبو، حيث استمر حرمانهم من جميع الحقوق السياسية والاقتصادية، ولكنها كانت لا تقارن بعهد بوانييه الذي غابت خلاله معايير المساواة بين أبناء البلاد لصالح الأقلية النصرانية، حيث لم يعد المسلمون أغلبية صامتة ومستضعفة كما حدث إبَّان العقود التالية لحصولنا على الاستقلال، بل إن المسلم العاجي لا يجد غضاضة في الإعلان وبشكل واضح عن هويته بعد أن كان في الماضي يخشى إعلانها؛ خوفًا من الملاحقة والمضايقات، واستمرت هيمنة الأقلية النصرانية على المناصب الرفيعة داخل مؤسسات الدولة.

 ولكن كيف سيطرت الأقلية النصرانية على الجيش لعقود طويلة؟

الدكتور إسماعيل كمارا: لقد تبنت المؤسسة العسكرية سياسات حرمت المسلمين من اجتياز ترقيات بعينها؛ ليظلوا محصورين في الدرجات الدنيا، حيث حصرت الترقيات على أبناء ما يطلق عليهم "bad"، وهم ثلاث قبائل نصرانية تقطن جنوب البلد، وإلى أحدها ينتمي جاجبو وكبار الضباط، وحُرم المسلمون طوال العقود التالية للاستقلال من تبوُّء المناصب السياسية، وحتى الحصول على منصب وزاري، وهي سياسة انتهت مع وصول الرئيس وتارا للحكم.

 مؤامرات:

هل تمدد التهميش إلى المجالات الاقتصادية - أيضًا - سعيًا لحرمان المسلمين من تبوُّء صدارة المشهد تمامًا؟

الدكتور إسماعيل كمارا: الوضع يختلف نسبيًّا، خصوصًا أن المسلمين يحوزون أغلبية ساحقة من الشمال، وتحترف أعداد كبيرة منهم التجارة، غير أن الحكومات المتعاقبة تناوبت على تبني سياسات لإفقارهم وحرمان مناطقهم من أيِّ خطط تنموية، وعدم إصلاح البنى التحتية، وإهمال المدارس والمستشفيات، غير أن تعاون أبناء المسلمين نحج في تفريغ هذه المؤامرات من مضمونها، بل إن المسلمين نجحوا في إطار مساعيهم لمواجهة المؤامرات بتشكيل مؤسسات سياسية واقتصادية ودينية تدافع عن مصالحهم وتتصدى لمحاولات إفقارهم وتهميشهم.

 لكن البلاد خلال عقد من الصراع السياسي واجهت أوضاعًا شديدة الصعوبة، وأطل عليها شبح التقسيم؟

الدكتور إسماعيل كمارا: بفعل سياسات التهميش والظلم وغياب المساواة عانى المسلمون طويلاً ودفعوا ثمنًا باهظًا لسيطرة الأقلية النصرانية، وهو ما سعى المسلمون لتغييره مع أفول شمس نظام روبرت جي وهروبه من البلاد، ولكن الأوضاع عادت شديدة السوء خلال حكم جاجبو الذي حظي بدعم فرنسا لمدة ليست بالقصيرة، دفع فيها المسلمون فاتورتها كاملة لها بفعل المقابر الجماعية والتعذيب والاغتصاب، وأطل شبح التقسيم حيث رفض المسلمون نتائج الانتخابات، وأخضعوا الشمال العاجي لهيمنتهم، حتى وصل وتارا للحكم، وأعاد توحيد البلاد.

 بعد الاستغراق في الكلام على هذه المعاناة في البلاد نعود للقضية الخاصة بأوضاع المسلمين في المجتمع العاجي، وعلى رأسها وضع المؤسسات التعليمية الإسلامية هناك؟

الدكتور إسماعيل كمارا: في ظل سيطرة النصارى وعرابي الفرانكفونية على الأوضاع في البلاد، والسعي لتجريف الهوية الدينية لمسلمي ساحل العاج، سعى الاستعمار الفرنسي لربط التعليم بالمنظمات التنصيرية عبر إنشاء مدرسة مرفقة بكل كنيسة؛ سعيًا لاكتساب أرضية، وممارسة الأنشطة التنصيرية في صفوف المسلمين؛ مما أدى إلى إحجام أبناء المسلمين عن الانضمام إليها في المراحل الأولى، غير أن انتشار الأمية في صفوف المسلمين وغياب التخصصات المتنوعة حدا بالمسلمين إلى إنهاء المقاطعة والانضمام لهذه المدارس، ولكن مع التنبيه على خطورة الوقوع أسرى للثقافة الفرنسية حينما يدرسون اللغة، وهو ما تم، أضف إلى هذا توسع المسلمين في إنشاء مؤسسات تعليمية أهلية متخصصة في العلوم الإسلامية، تعتمد على التبرعات والدعم من قِبَل الأغنياء والميسورين، لا سيما أن السعي للحصول على دعم حكومي لها كان يستلزم الانصياع للشروط الحكومية، وهو ما كان مثار رفض قاطع من المسلمين لخطورته على هويتهم.

 أنياما:

هل تضرب لنا مثلاً يؤكد نجاح تجربة المدارس الإسلامية في الحفاظ على هوية مسلمي ساحل العاج؟

الدكتور إسماعيل كمارا: لعل تجربة مدارس "أنياما" الإسلامية هي المثال الأبرز على نجاح التجربة، حيث تأسست على الشيخ "باه" لحفظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الإسلامية، ومن اللافت أن الإقبال عليه لم يكن كبيرًا في السنوات الأولى، ولكن السنوات التالية شهدت إقبالاً فاق التوقعات، وانضم الآلاف للمدرسة، وتمكنوا من حفظ القرآن واكتساب قدر كبير من الثقافة الإسلامية مكنتهم من العمل كمقيمي شعائر في مئات من مساجد البلاد التي يأتي في مقدمتها المسجد الكبير "أدجامي"، ومسجد "ريفيرا"، ومسجد "أدجان"، فضلاً عن دعم مسيرة الدعوة بعدد كبير من الأئمة والخطباء.

 في ظل النجاحات هل امتدت التجربة لتشمل تدريس اللغة العربية في المدارس الأهلية؟

الدكتور إسماعيل كمارا: لا يوجد في البلاد أيُّ نوع من المؤسسات التعليمية الخاصة باللغة العربية، حيث لم تُبدِ السلطات خلال العقود الماضية أيَّ ارتياح لمثل هذه التجربة، بحجة أن نوعية هذه المدارس ستُخرج متطرفين، مِن ثَم فلا يوجد أية مؤسسات لتعليم اللغة العربية حتى الآن، وإن كانت هناك آمال بإمكانية تدريس العربية في مؤسسات التعليم الإسلامي الأهلي خلال السنوات القادمة.

 فشل وصاعقة:

بدأ النشاط التنصيري في ساحل العاج بشكل مبكر جدًّا، فهل حقق النتائج المتوقعة منه؟

الدكتور إسماعيل كمارا: بالفعل هناك نشاط تنصيري محموم في البلاد، باعتبارها رأس حربة لمثل هذا النوع، ومركزًا لمئات من المنظمات التنصيرية، علاوة على أن العاصمة أبيدجان تضم أكبر كنيسة في القارة الإفريقية، ولعل مساحة الدعم والحرية التي يحظى بها النشاط التنصيري في بلادنا لا تتكرر في بلاد إفريقية عديدة، لا سيما أن الحكومات العاجية قد انخرطت في أنشطة التنصير ودعمتها بمنتهى القوة في أوساط المسلمين، وخصصت ميزانيات حكومية لدعم المخطط التنصيري، ناهيك عن الوجود المكثف لمئات من منظمات التنصير الكاثوليكية، وتركيز الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي على مسلمي ساحل العاج لتنصيرهم، ونقل نموذجهم للبلدان الأخرى، ولكن المفاجأة بل الصاعقة أن الغزوة التنصيرية لم تحقق أغلب الأهداف التي وضعت، وفشل المنصرون في إيجاد أسباب وجيهة لرفض مسلمي البلاد لإغراءات منظمات التنصير وتمسكهم بالإسلام.

 مد مشبوه:

لا يمثل المنصرون التحدي الوحيد في ظل طرق التشيع لأبواب البلاد في الفترة الأخيرة.

الدكتور إسماعيل كمارا: من الغريب جدًّا تفسير التسامح من قبل نظام جاجبو مع جحافل عرابي التشيع الموجودين في عشرات من المدن، وعدم إبداء هذا النظام أيَّ اعتراضات على الأنشطة المشبوهة التي تقوم بها البعثة الإيرانية في بلادنا، وفي مقدمتها الكيد للمسلمين السنة، غير أنني أحب أن أطمئنك أن مصير المساعي لنشر التشيع لن يكون أفضل من جحافل التنصير.

0 شخص قام بالإعجاب