المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، العدد السابع عشر، السنة الثانية، جمادى الأولى 1386هـ.
صفحات مجهولة:
يبدأ التاريخ المالديفي الحقيقي بدخول الإسلام، وأما الفترة السابقة لذلك فلا يعرف عنها إلا أقل القليل، وهو ما ذكره المسعودي في كتابه "مروج الذهب" الذي ألفه في عام 332هـ أي قبل اعتناق المالديفيين الإسلام بقرنين.
وقد وصف المسعودي المالديف بأنها بلاد مستقلة يحكمها أبناؤها، وبأنها متقدمة في الصناعات اليدوية وتصدر منتجاتها منها إلى البلاد القريبة، وقال أن المالديفيين يستخدمون الودع في المعاملات التجارية بدل النقود، كما قرر أن التي تحكمهم امرأة وأنهم يعبدون الأوثان وأن المالديف بلاد يسودها الرخاء، وأن كمات كبيرة من العنبر تأتي بها الأمواج إلى شواطئها.
هذا كل ما كتبه المسعودي عن المالديف، وهو كل ما نعرفه عنها قبل إسلام أهلها، وأما ما عداه فصفحات مجهولة قد تكشف عنها الأيام وقد لا تكشف.
تاريخ مجيد:
ومن دواعي الفخر لدى الشعب المالديفي، أن بلاده قد احتفظت بكامل حريتها واستقلالها منذ أقدم العصور، رغم صغرها وقلة سكانها، فقد روى المسعودي فيما سبق أن المالديف كانت دولة مستقلة قبل دخول الإسلام، وهي الفترة شبه المجهولة في تاريخ هذه الجزر، وأما بعد إسلامها فنعرف أنها ظلت محتفظة باستقلالها وسيادتها على أراضيها فيما عدا ثلاث مرات.
كانت المرة الأولى عندما أغار عليها الأسطول البرتغالي بقيادة الأدميرال أندرسون في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، واستولى على البلاد بعد معركة عنيفة، ضرب فيها الشعب المالديفي مثلًا رائعًا في الدفاع عن الوطن بقيادة السلطان علي رسجفان الذي كان ملكًا على المالديف في ذلك الوقت، ولم تنته المعركة إلا باستشهاد مئات من المالديفيين الأحرار من بينهم السلطان نفسه، وقد أقام الشعب ضريحًا يضم جثمان البطل الشهيد في المكان الذي استشهد فيه على الشاطئ الغربي لجزيرة "مالي" العاصمة، وما زال موجودًا هناك رمزًا للبطولة والفداء.
وقد حكم البرتغاليون المالديف بالحديد والنار، وحاولوا أن يجبروا الناس على الارتداد عن الإسلام واعتناق المسيحية ولكن دون جدوى، ولم يدم حكمهم سوى 16 عامًا، إذ هيأ الله للمالديف أعظم أبطال تاريخها في شخص شاب من احدى جزر الشمال اسمه "محمد تكرفان"، استطاع أن ينظم صفوف الشعب، ويقود معارك خاطفة ضد البرتغاليين، انتهت بقتل أندرسون وكثير من جنوده وانتصار الشعب على أعدائه، وتولى البطل القائد حكم البلاد وعرف باسم "السلطان الغازي محمد تكرفان الأعظم".
والمرة الثانية كانت عندما هاجمها المالاباريون في منتصف القرن الثامن عشر واستولوا عليها، وكانت فترة حكمهم قصيرة جدًّا، إذ لم تدم سوى أربعة أشهر، استرد بعدها الشعب المالديفي حريته السليبة بعد معركة ظافرة قادها البطل حسن عزالدين.
وأما المرة الثالثة والأخيرة فهي الفترة التي خضعت فيها المالديف للحماية البريطانية، ابتداء من عام 1887 حتى يوم الاستقلال في العام الماضي.
والتاريخ المالديفي زاخر بشخصيات نسوية قوية، فرضن أنفسهن على الحياة العامة، وتولين أعلى منصب في الدولة وهو منصب السلطان، فقد ارتقت أربع ملكات فيما نعرف عرش البلاد في فترات مختلفة، واحدة منهن قبل دخول الإسلام إلى المالديف، وقد حكمت البلاد في القرن الرابع الهجري، وهي التي ذكرها المسعودي والثلاث الأخريات تولين الملك بعد دخول الإسلام، بل وفي قرن واحد هو القرن الثامن الهجري. وأشهرهن هي السلطانة خديجة رهندي التي حكت المالديف (35) سنة كاملة على ثلاث فترات، تخللتها فترتان حكم فيها اثنان من الملوك، وكل منهما كان قد توصل إلى العرش عن طريق الزواج بها.
وقد كانت رحلة ابن بطوطة إلى المالديف أثناء فترة حكمها الأول، فرحبت به وأكرمته وعينته في منصب القضاء، وقد ذكر ابن بطوطة تفاصيل زيارته بتوسع في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" الذي أملاه على تلميذه ابن جزى.
أصل سكان المالديف: سيلانيون:
ليست هناك أدلة تاريخية تثبت بصفة قاطعة كيف بدأ استيطان هذه الجزر، ولا في أي زمن، ولا من هم سكانها الأولون.
نعم، أن هناك أقاصيص تحكي كيف أن جماعة من الهنود قد اكتشفوا هذه الجزر مصادفة منذ أكثر من ألفي عام، واستقروا فيها لجمالها وهدوئها، كما تحكي هذه الأقاصيص أن سلاطين المالديف من نسل أمير سيلاني تزوج فتاة مالديفية وارتقى عرشها، وكل هذا يعوزه الدليل.
ويرجح أكثر المؤرخين أن أول من اكتشف هذه الجزر واستوطن فيها هم جماعة من أهل سيلان، فقد كشفت الحفريات عن بقايا معابد بوذية، وبعض التماثيل التي تمثل بوذا في العاصمة (مالي) وفي بعض الجزر الأخرى، ومعلوم أن السيلانيين يدينون بالبوذية من قديم، ويؤيد ذلك أيضًا تشابه المالديفيين والسيلانيين في البنية والملامح، وتشابه اللغة المالديفية واللغة السنهالية التي يتحدث بها سكان سيلان.
بعض المالديفيين تجري في عروقهم دماء عربية:
وليس معنى هذا أن المالديفيين الحاليين من عنصر سيلاني محض لم تختلط به عناصر أخرى، فالثابت أن العنصرين الهندي والعربي، قد اختلطا به فترات مختلفة من التاريخ، وذلك أن سكان الجزر الشمالية كان لهم فيما مضى صلات تجارية بالمدن الواقعة على شواطئ الهند، وفي رحلاتهم التجارية كانوا يتزوجون من بنات الهند، وبذلك اكتسبت سلالاتهم العنصر الهندي الذي يبدو واضحًا في ملامحهم.
وبنفس الطريقة اكتسب سكان الجزر الوسطى (وهي العاصمة وما حولها من الجزر) العنصر العربي، فقد كانت لهؤلاء صلات تجارية ببلاد العرب، كما استقر كثير من التجار العرب في هذه الجزر، فأصبحت الدماء العربية تجري في عروقهم، ولذلك فهم قريبو الشبه بأهل اليمن والجنوب العربي.
أما سكان الجزر الجنوبية فقد كانوا أكثر محافظة على أصلهم السيلاني فلم تختلط بهم دماء أخرى، ولذلك فهم يشبهون في بنيتهم وملامحهم سكان القرى في سيلان.
تعمير المالديف يرجع إلى 2000 سنة:
وعن طريق المقارنة بين اللغتين المالديفية والسنهالية، توصل السيد محمد أمين ديدي الذي كان رئيسًا لوزراء مالديف من 1944 إلى 1953 والذي كان -بجانب كونه رجل دولة- أديبًا وشاعرًا ومؤرخًا، إلى أن جماعة من السيلانيين كانوا يقيمون فيها قبيل ظهور سيدنا عيسى عليه السلام. وذلك لأن أقرب لغة إلى اللغة المالديفية الحالية هي اللغة السنهالية النقية قبل اختلاطها باللغتين البالية والسنسكريتية، والثابت تاريخيًّا أن هذا الاختلاط قد بدأ حدوثه في الفترة التي عاصرت ظهور سيدنا عيسى، مما يؤكد أن السيلانيين قد استوطنوا في المالديف قبل هذا التاريخ، ومن هنا رجح السيد محمد أمين ديدي أن تعمير هذه الجزر يرجع تاريخه إلى 2000 سنة على الأقل.
وبالرغم من أن المرجح أن جماعة من السيلانيين هم أول من استوطن المالديف، فإنه من المستبعد أن تكون هذه الجزر قد خضعت للحكم السيلاني في مبدأ استيطانها أو في غيره من الأوقات، لأن ذلك لو حدث في أي وقت من الأوقات لجاء ذكره في (المهافنسا) وهو كتاب التاريخ المعتمد لدى السيلانيين الذي دونت فيه كل أحداث تاريخهم، و(المهافنسا) خالٍ عن أي إشارة إلى ذلك.
تغيير جوهري في اللغة المالديفية بعد الإسلام:
على الرغم من أن اللغة المالديفية ترجع في أصلها إلى اللغة السنهالية، فإنها تعتبر الآن لغة مستقلة تمامًا، لها قواعدها وأصولها وحروف كتابتها وأدبها وشعرها، وذلك لأنها اختلطت بلغات كثيرة وتأثرت بها مثل الفارسية والبالية والسنسكريتية، كما أنها قد تطورت وفقًا لمتطلبات البيئة والحاجة عبر أجيال طويلة، حتى أصبحت مختلفة كل الاختلاف عن اللغة الأم.
وقد تأثرت اللغة المالديفية باللغة العربية، كما لم تتأثر بغيرها من اللغات، وسبب ذلك كما يقول السيد إبراهيم حلمي ديدي الذي يعتبر حجة في اللغات الشرقية، هو أن المالديفية بعد اعتناقهم للإسلام دخل في قاموس حياتهم كلمات وعبارات جديدة مثل (الله – الرسول – القرآن – الملائكة – الآخرة – الثواب - العقاب) وغيرها من الكلمات والعبارات التي لها صلة بأصول الدين الحنيف، والتي أصبحت جزءًا من حياتهم الجديدة، يستخدمونها في عبادتهم، بل وفي تفكيرهم وكتاباتهم وأحاديثهم اليومية.
ولشدة تعلقهم بالإسلام وحبهم للغة القرآن استخدموا الكلمات والعبارات الجديدة بلغتها الأصلية العربية وبحروفها العربية، ولم يحاولوا ترجمتها إلى اللغة المالديفية ولا كتابتها بالحروف المالديفية.
وهنا واجهتهم عدة صعوبات أهمها أن اللغة المالديفية كانت في الأصل تكتب من الشمال إلى اليمين بحروف قريبة الشبه بالحروف السنهالية، فاستبدلوا بها حروفًا جديدة ابتكروها ابتكارًا تكتب من اليمين إلى الشمال كالعربية، وذلك حتى يسهل استعمال الكلمات الجديدة العربية الأصل، إذا جاءت أثناء الجملة، ومن المألوف منذ ذلك الوقت حتى الآن أن تكتب كل الكلمات العربية التي تحتويها اللغة المالديفية الآن بالحروف العربية، وتكتب بقية الكلمات بالحروف المالديفية.
صيادون مهرة:
ان الحرفة الرئيسية لأغلب سكان المالديف هي صيد الأسماك التي تتوافر في بحارها بكثرة، فالظروف الطبيعية والمهارة التي اكتسبها الصيادون المالديفيون عبر أجيال طويلة، قد جعلتا من الصيد حرفة مريحة، على الرغم من أن الطريقة التي ما زال يتبعها معظمهم هي نفس الطريقة القديمة التي كان يتبعها أجدادهم.
يخرج الصيادون قبل شروق الشمس في قوارب شراعية مصنوعة خصيصًا لهذا الغرض، إلى مناطق معروفة لجمع الطعم الذي يستخدمونه في عملية الصيد، وهو نوع من الأسماك الصغيرة، يجمعون كميات كبيرة منه بواسطة الشبك، ومن الضروري الاحتفاظ بهذا الطعم حيًّا، ولذلك فهم يغرقون قاع القارب بماء البحر عن طريق عدد من الثقوب المحفورة في جسم القارب بطريقة معينة تسمح بفتحها وإغلاقها حسب الطلب.
100 سمكة في الدقيقة:
وعندما يفرغون من عملية جمع الطعم يخرجون إلى عرض البحر، ويمعنون النظر في كل الاتجاهات بحثًا عن الطيور التي يدل تواجدها بكثرة في منطقة من المناطق على وجود تجمعات ضخمة من السمك فيها، فإذا أبصروا الطيور في ناحية ما أسرعوا نحوها، ويقوم أحد الصيادين بقذف كميات من الطعم يمينًا وشمالًا، وإذا رأتها الأسماك أسرعت لالتهامها غير واعية للخطر الذي يحدق بها.
وهنا يقوم ثلاثة أو أربعة من الصيادين المهرة المدربين بصيد الأسماك الجائعة المتلهفة على التهام الطعم بواسطة السنانير، وهي تظنها أسماكًا صغيرة من أسماك الطعم، وتبلغ مهارة هؤلاء الصيادين حدًا مذهلًا يمكن الواحد منهم من اصطياد ما بين (30 و40) سمكة في الدقيقة من الأسماك التي تزن الواحدة منها كيلو جرام، وبما أن ثلاثة أو أربعة صيادين يشتركون في العملية، فإن مجموع ما يستطيعون اصطياده في الدقيقة الواحدة يزيد على 100 سمكة.
وإذا امتلأ القارب بالسمك -والقوارب تختلف في سعتها، فتتراوح حمولتها ما بين (500)، (1000) سمكة- عادوا إلى الجزر وهم يتغنون بأناشيد الفرح والانتصار، ويستريحون بقية النهار والليل، ثم يخرجون للصيد في الصباح التالي.
ويوجد في بحار المالديف أنواع كثيرة من السمك ولكن نوعين منها فقط، هما اللذان يصطادان بكميات وافرة، وهما البونيتو والتونة، وتجفف أسماك البونيتو بطريقة خاصة وتصدر إلى الخارج، ولها أسواق ممتازة في سيلان والهند، وتعرف فيها باسم "السمك المالديفي" ويعشقها السيلانيون بصفة خاصة، ولا تخلو موائدهم منها أبدًا، وتبلغ قيمة ما يصدر منها حوالي 90% من صادرات المالديف.
الصيد بالوسائل الحديثة:
وقد أخذت الحكومة في السنوات الأخيرة في تشجيع الصيد بالطرق الحديثة فاستوردت من اليابان عددًا من زوارق الصيد، كما أنشأت صناعة زوارق الصيد الميكانيكية، وتقوم الحكومة بعرض منتجاتها من الزوارق المصنوعة محليًّا، للبيع بأسعار معقولة مع تسهيلات كثيرة في دفع أثمانها، وقد بدأ الناس يقتنعون بجدوى استعمال الوسائل الحديثة، ولكن من الطبيعي أن يمر بعض الوقت قبل أن يتسع نطاق استعمالها بصورة ينعكس أثرها على الاقتصاد الوطني.
فاكهة الخبز:
وتأتي الزراعة في المرتبة الثانية بعد الصيد، فتنتشر في المالديف زراعة مختلف أنواع الحبوب والبقول والتوابل، غير أن أهم حاصلات المالديف هي جوز الهند الذي يملأ نخيله سماء كل الجزر، وتصدر كميات كبيرة من جوز الهند المجفف المعروف باسم "الكوبرا" إلى سيلان والهند، كما يستخرج منه زيت جوز الهند الذي يمتاز بقيمة غذائية عالية، وله قيمة علاجية أيضًا لكثير من الأمراض وخاصة الأمراض الجلدية.
ومن الحاصلات الرئيسية في هذه الجزر أيضًا ما يسمى بفاكهة الخبر Bread Fruit وثمارها مستديرة، متوسطة الحجم، ذات قشرة خضراء محببة، وتشبه البطاطس في الطعم، وتستعمل مثلها في الطهي وشجرها ضخم، كثير الفروع غزير الورق ويكثر في المناطق الاستوائية.
وتزدهر في المالديف زراعة الفواكه، فتكثر فيها المانجو والموز والبطيخ والليمون، كما تكثر فيها الفواكه الاستوائية مثل الأناناس والجاك والبرنجول وغيرها.
تحف فنية من الخشب:
ويشتهر المالديفيون بإجادة الصناعات الخشبية منذ قرون طويلة، فالأخشاب متوفرة، والمهارة قد اكتسبوها بالخبرة والممارسة عبر العصور والأجيال، فتزدهر في المالديف صناعة الأثاث ولوازم المنازل، كما أن التحف الخشبية المصنوعة محليًّا لتزيين الحجرات تبلغ قمة الإبداع الفني، ولها أسواق رائجة في سيلان.
نزهة الأصيل:
ويجيد المالديفيون بناء المراكب الشراعية وقوارب الصيد والنزهة، ويصنعونها من خشب جوز الهند الذي يمتاز بالمتانة والقوة ومقاومة الماء، وتعتبر القوارب الشراعية المالديفية من أجمل القوارب الشراعية في العالم، وأدقها صنعًا، وأسرعها سيرًا، ويعتز بها أصحابها فيدهنونها بألوان جذابة، ويحرصون على صيانتها، ومن المناظر المألوفة الرائعة منظر هذه القوارب الرشيقة المختلفة الألوان بأشرعتها البيضاء الناصعة، وهي تقطع البحر جيئة وذهابًا ساعة الأصيل.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.