الإسلام في هايتيمقالات

مصطفى مهدي

المصدر: شبكة الألوكة – 27/ 3/ 2013 - مترجم عن المصدر: usatoday.

 

لقد فقدَت "دارلين ديروسر" منزلها في زلزال عام 2010 الذي دمَّر بلدها، وبعد شهر توفِّيَ زوجها بعد المعاناة مما أسمَتْه: "صدمة وجدانية من الزلزال"، والآن تعيش هي وابنتها في خيام خارج العاصمة "بورت أوبرانس"؛ حيث تُحاط بالآلاف ممن أصبَحوا مُشرَّدين وبائسين بسبب الكارثة.

ولكن ما ساعَدها على تخطِّي مرارة الكارثة - كما قالت - كان إيمانها؛ ولكن ليس الكاثوليكي، ولا البروتستانتي، ولا حتى الفودو السائد في الدولة التي تقع على شكل جزيرة، ولكنها قد اعتنقت دينًا يُعتبَر جديدًا هنا؛ الإسلام، وقامت ببناء مسجد صغير في الحيِّ مِن أحجار الرماد والخشب الرقائقيِّ؛ حيث يُصلي 60 مسلمًا يوميًّا.

لقد حظي الإسلام بعدد مُتزايد مِن الأتباع في هذا البلد الفقير، وخاصة بعد الكارثة التي وقعَت منذ عامين، والتي تسببت في قتل 300 ألف، وتركت المزيد مِن الملايين مُشرَّدين.

إن العاصمة التي يُعتبَر حضور الكنائس فيها مُنتشِرًا؛ حيث يَنتشِر ترديد الترانيم بالطرقات أيام الأحد؛ أصبحَت الآن تتضمَّن خمسة مساجد، وعضو برلمان مُسلمًا، وبرنامجًا محليًّا مسائيًّا حول الإسلام.

لقد تسبَّبت الكارثة في جذب جماعات الإغاثة، والتي كان من بينها "منظَّمة الإغاثة بالولايات المتحدة"، والتي قامت ببناء 200 مأوى، ومدرسة ثانوية تحتوي على 20 فصلاً.

وفي هذا الإطار قال "روبرت ديبوي" - الإمام أو القائد الإسلامي الروحي بالعاصمة -: "بعد الزلزال كان لدَينا انضِمام الكثير من الناس"، وكنَّا مُنظَّمين، وكان لدينا مكان بالمساجد لاستِقبال الناس، وكان لدينا طعام لإطعامهم".

لقد أشارت "ديروسر" إلى أنها انجذبَت إلى تعاليم الدِّين المُتعلِّق بضبط النفس، وتأكيده على أهمية التعليم والعناية بالنظافة، وقالت: "إن التطهُّر المستمِرَّ يُساعدها ويُساعد المسلمين الآخَرين على تجنُّب الكوليرا، المرض المنقول بالماء الذي قال عنه مسؤولو الصحة: "إنه أصاب نحو 600 ألف شخص، وتسبَّب في قتل أكثر مِن 7500 منذ ظهوره عقب الزلزال".

وأما عن اعتناقها الإسلام في أعقاب الزلزال فقد قالت المرأة البالغة 43 عامًا: "هذا يُعتبَر انتصارًا بالنسبة لي"، وقد حدَّثتْنا البروتستانتية السابقة بفناء دارها المليء بالخيام؛ حيث كان وجهُها يُحيطه حجاب أسود نظيف، وقالت: "إنه انتصار أن حصَلتُ على السِّلم وعثرتُ على الهِداية".

وأما "كيشنر بيلي" مالك محطة "تلفزيون تليماكس" بالجزيرة ومُضيف البرنامج المسائي "الإسلام في هايتي"؛ فقال: "إنه على نحو ما يَعود نموُّ المجتمع الإسلامي إلى عودة المُغترِبين الذين اعتَنقوا الدين الإسلامي في الولايات المتَّحدة".

يَعتقِد "بيلي" وآخَرون أن تاريخ الإسلام في هايتي يرجع إلى فترة ما قبل الاستِقلال في عام 1804، وأن أحَد العبيد الجامايكيِّين وكاهن الفودو الذي يُدعى "بوكمان" الذي قاد ثورة العبيد التي طردَت المُستعمِرين الفرنسيِّين - كان بالفِعل مُسلمًا.

وفي هذا قال "بيلي" الذي انتقَل عن النصرانيَّة منذ 20 عامًا: "عادَ الإسلام إلى هايتي ليبقى"، وقال: "أجيال المُستقبَل، أبنائي وبناتي سوف يتحدَّثون عن الإسلام".

ومِن ناحية أخرى فإنه لا توجد إحصاءات مُحكمة حول عدد المسلمين في هايتي، كما أنه لا يوجد أرقام موثوق بها حول العديد مِن الأشياء بالدولة؛ بما في ذلك عدد السكان الفِعلي لمَدينة "بورت أوبرانس".

ولكن قدَّرتْ إحدى دِراسات مركز بيو للأبحاث عام 2009 حول المسلمين بالعالم أن هايتي بها نحو 2000 مسلم، ولكنَّ القادة الإسلاميِّين بالدولة - هايتي - يُصرُّون على أن العدد أكبر مِن ذلك بكثير، وفي تصاعُد.

الإسلام قليلاً ما يُعتبر غير معروف بدول الكاريبي؛ فدول مثل: "ترينداد وتوباجو"، و"سورينام"، و"غويانا" يوجد بها عدد ملحوظ مِن المسلمين، الكثير مِن أولئك السكان المسلمين لدَيهم نسبٌ قويٌّ بدوَل مثل الهند وإندونيسيا؛ حيث يَنتشِر الإسلام.

ولكنَّ أسلاف أهالي هايتي، على العكس، فقد أتَوا بصورة كبيرة مِن المناطق غير الإسلامية بإفريقيا، كما أن حكام مُستعمَرة هايتي مِن الفرنسيِّين قد استورَدوا إليها مُعتقدَهم النصراني.

إنَّ نموَّ الإسلام الحديث، بالإضافة إلى غيره مِن المُعتقدات، يُظهر أن "هايتي" تتجدَّد وتُصبح أكثر تعددية طبقًا لما يقوله "باتريك بيليجارد سميث" أستاذ العلوم الإفريقية بجامعة ويسكنسن ميلووكي.

وكتب "بيليجارد سميث" في رسالة بريد إلكتروني قال فيها: "الغزوات التي قام بها الإسلام وعن طريق التوسُّع، مِن خلال المورمونيَّة، والراستفارية، يُخبرني أن هايتي تُعتبَر بصورة كبيرة نتاجًا لهذا القرن، مجال لجميع أنواع الرياح؛ الرياح السيِّئة وغيرها، والتي تهبُّ على أمة دول الكاريبي".

وأما "وزيداني بازيل" المعلِّمة البالغة 39 عامًا، والتي اعتنقت الإسلام بعد مرور عدة أشهر على وقوع الزلزال، فقالت: "إنها كانت تَشعُر بالتيه والحيرة قبل اعتِناق الإسلام، وكانت تبحث عن طريق للخروج مِن ذلك"، وقالت: "الإسلام يضع الناس على الطريق الصحيح ويُريهم مَن هو الله".

بعض مُسلمي هايتي يَنتمون إلى "أمة الإسلام"، إحدى جماعات الولايات المتَّحدة الإسلامية التي تدعو إلى حصول السود على حق تقرير المصير وحرية الإرادة، وبعض الأفراد المحليِّين اعتنَقوا الإسلام أثناء قضاء فترتهم بالإصلاحيات الأمريكيَّة قبل أن يتمَّ ترحيلهم إلى هايتي، وقد قام "لويس فاراكان" زعيم الجماعة بزيارة الدولة للمرة الأولى العام الماضي، لقد جعل قرار اعتناق الإسلام بعضهم عرضَة للتمييز.

وأما حكومة هايتي فلا تَعترِف بالإسلام كدين رسميٍّ، كما أنها لا تُعامِل زواج المسلمين بالصورة المشرِّفة، هذا بالإضافة إلى أن ارتِداء القلنسوة أو الحجاب الفضفاض الممثِّل للدِّين الإسلامي، يُمكن أن يَستثير النظر بشدة، ويُثير الإشارة إليهما بالأصابع، ولهذا قالت "ديروسر": "إن جيرانها يتناقلون الإشاعات حول أنها شريرة".

أما "الفودو" الذي يُعتبَر مجموعة مِن مُعتقَدات غرب إفريقيَّة التي أنشأه العبيد أثناء فترة الاستعمار، فقد ظل لمدة طويلة المعتقد السائد بالدولة؛ مِن خلال عناصِره التي يتبعها نحو 85% مِن السكان، والذين يَزعمون أنهم يَدينون بالنصرانيَّة، لقد اعتُنق "الفودو" بصورة واسعة بعد أن كان يَستخدمه الدكتاتور سيِّئ السُّمعة "فرانسوا دوفال" (بابا دوك) في إرهاب الجموع والتحكُّم فيهم.

يُعرِّف غالبيَّة النصارى بهايتي أنفسهم بأنهم نصارى كاثوليك، لقد انتُخب "جان برترند أريستد" أحد الكهَنة رئيسًا عام 1990 مِن خلال معارَضة الديكتاتورية الموروثة والتي استمرَّت إلى وقت "جان كلود دوفال" (بابي دوك) ابن "فرانسوا".

وتعليقًا على هذا قال "بيلي": "إنه في ظل استمرار بقاء هذا الشرِّ بِهايتي؛ بلغت الحاجة إلى الإسلام مداها الأكبر، ومنذ شهرَين، بدأ برنامجه الحواري المباشر لتعليم أهالي بلده دينَه الذي يؤمن به.

وفي هذا قال "بيلي": "لقد ضلَّت هايتي الطريق؛ لم يُمكنها إنتاج شيء"، وأضاف: "إلى الآن يُريد أهالي هايتي الحصول على تأشيرة للولايات المتحدة، أو لكندا؛ لا يُريدون البقاء في هايتي".

 ومع وجود خلفيَّة تَحمِل زخارف لمكَّة وصفوف المصلين ببرنامجه في إحدى الليالي، دعا "بيلي" ومشاركه الضيافة "روبن كاريز"، المشاهِدين إلى إرسال استفساراتهم حول الإسلام مِن خلال الرسائل النصية.

وأما جهاز البلاك بيري الخاص بـ"بيلي" فقد امتلأ بالرسائل النصية، والتي تضمَّنتْ هذه الرسالة التي كُتبت باللغة الكريولية، والتي تقول: "أريد أن أصبح مسلمًا".

2 شخص قام بالإعجاب