المسلمون في كوبامقالات

موقع مداد

المصدر: موقع مداد (27/ 10/ 1428هـ)

 

رغم أن المؤرخين يعدون البحار الإيطالي كريستوفر كولومبس - الذي عمل تحت العلم الإسباني - مكتشف العالم الجديد، فإن هناك من المؤرخين من يؤكد وصول جماعات بشرية من العالم القديم - أفريقيا وآسيا وأوروبا - إلى العالم الجديد قبل كولومبس، معتمدين في ذلك على العديد من الشواهد الأثرية في الأمريكتين، بل وما كتبه كولومبس في مذكراته.

غير أن أمر هذه الرحلات السابقة على كولومبس أصبح طي النسيان لأنها لم تجد من يؤرخ لها، إضافة إلى أن المهاجرين للعالم الجديد لم يتمكنوا من التواصل مع العالم القديم، وربما لم يدركوا طبيعة الأرض التي وصلوا إليها.

 واستناداً إلى ما ذكره "بارتولوميه دي لاسكاساس" نقلا عن مذكرات كولومبس الضائعة "يوميات الرحلة الأولى" فإن كولومبس عندما وصل بسفينته إلى كوبا في أكتوبر 1492م شاهد أثرا لمسجد على قمة أحد الجبال وله مآذن ونقوش ومكتوب على جدرانه بعض الكتابات العربية، وعندما وصل إلى هاييتي في رحلته الثانية قدم له الهنود رماحًا تشبه رماح المسلمين الأفريقيين كما شاهد زنوجاً أفريقيين.

وحين أسس أول مستعمرة له في كوبا وجد كولومبس أن طعام الهنود الحمر مشابه لطعام المسلمين وهو ما أثار دهشته ظنًّا منه أنهم "محمديون"، على نحو ما سجله في يومياته.

كما وجد الإسبان مخطوطات أثرية إسلامية في كوبا وغيرها من بلدان الأمريكتين.

ونشرت مجلة المقتطف في عددي أغسطس 1926 وفبراير 1945 مقالين عن مجلة العالم اليوم لمارتن كلين أشار فيهما إلى وجود كلمات عربية في لغة الهنود تعود إلى عام 1290م أي قبل اكتشاف كولومبس لكوبا والأمريكتين بمائتي عام.

ومن غير الواضح كيف وصل هؤلاء المسلمون إلى كوبا والعالم الجديد فهناك آراء تشير إلى احتمال أن تكون هناك رحلات عربية ضلت طريقها في بحر الظلمات [المحيط الهادي] والمحيط الأطلنطي في العصور الوسطى واستقر بها المقام في الأمريكتين، والبعض يشير في ذلك إلى أن مؤسس الأسطول العثماني خير الدين بارباروسا كان قد بعث ببعض السفن لاكتشاف ما وراء البحر [المحيط الأطلنطي]، وهناك أيضا رواية الأسطولين اللذين بعث بهما الملك منسا موسى [بين 1307-1322م] ملك مملكة ملي [أو مالي] الإسلامية في غرب أفريقيا إلى المحيط الأطلنطي لتعرف ما وراءه، ولم يرجع أي منهما.

وعلى الرغم من التخمين بوجود موريسكيين في أطقم رحلات كريستوف كولومبس عبر المحيطات، فإن أول مؤشر على آثارهم الديموغرافية المفترضة تقدمه، ويا للعجب، مراسم التحريم الصادرة عن التاج الإسباني، عبر أوامر منتظمة صدرت طيلة القرن السادس عشر، والتي كانت تنبه السلطات الإسبانية الاستعمارية إلى الوجود غير القانوني في العالم الجديد لأشخاص انقلبوا مجدداً إلى "موريسكيين" وتلك هي التسمية التي عرف بها المسلمون الإسبانيون القدامى: موريسك.

إن وجود الموريسك الواضح في القارة الأمريكية كان له صدى في كوباº ففي عام 1593 تم تعميد رجل موريسكي، بربري الأصل، في خورية هافانا الكبرى، اتخذ لنفسه اسم "خوان ديلا كروس".

تلك الطقوس الدينية وغيرها من التي مارسها الموريسك الإسبان أو الأفارقة، كان يقيمها كبار رجال الجزيرة المستعمرون.

لقد وصل مدينة هافانا في عام 1596، وذلك حسب أبحاث الدكتور سيزار غارسيا ديل بينو، بضعة عشرات من العبيد المسلمين، من بينهم مجموعة يعود أصلها إلى ممالك المغرب وفاس وتونس وطرميسين إضافة إلى اثنين من الموريسك.

تلك الآثار الوثائقية تسمح لنا بأن نصف المرحلة الأولى من تأثير العرب في كوبا بأنه إسباني - موريسكي وموريسكي - شمال إفريقي أتى به العبيد وأشخاص أحرار انقلبوا إلى الكاثوليكية.

أحد مظاهر هذا التأثير نلاحظه في بصمات الفن المعماري، إذ أنه خلال القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر تميز الفن المعماري في هافانا وريميديوس وسانتياغو دي كوبا وغيرها من المدن بالطراز المدجن، كإرث هام من مدرسة أشبيليا الموريسكية في التشييد.

ولكن على كل حال يبدو أن أوضاع المسلمين في هذه المنطقة تدهورت، وضعفت ثقافة وعقيدة أبنائهم فيما بعد فذابوا في مجتمع الهنود الحمر.

وبعد نجاح رحلات كولومبس سرعان ما استطاع الأسبان السيطرة على ما يعرف بأمريكا اللاتينية حالياً، فيما سيطرت البرتغال على المنطقة المعروفة حاليا باسم البرازيل.

وكان كولومبس قد أقام عقب وصوله إلى كوبا أول مستعمرة أوربية في الأمريكتين، ثم رجع إلى أوربا وسرعان ما عاد إلى كوبا مرة ثانية في مايو 1493م بحملة كان هدفها الأول تنفيذ أوامر ملك إسبانيا بنشر المسيحية بين السكان الأصليين، وهو ما دفعه لاصطحاب 6 قساوسة لهذه المهمة.

وحين وصل كولومبس جزر الكاريبي أخذ يطلق أسماء القديسين على الجزر التي اكتشفها، ولكن السكان الأصليين قضوا على رجاله فأقام مستعمرة ثانية سرعان ما واجهت نفس المصير، إلى أن جاء الإسبان بعدتهم وعتادهم فاستقروا في كوبا وأخذوا في إبادة السكان الأصليين، وساعدهم في ذلك الخيول والأسلحة النارية، ولم يكن الهنود يعرفون الخيول وكانت آلاتهم الحربية عبارة عن الرماح فقط لذا أثارت الخيول الرعب في قلوبهم حتى يروى أنهم كانوا يعتقدون أن الفارس وفرسه قطعة واحدة فكانوا يقطعون رأس الفرس ويتركون صاحبه.

استمرت حملات الإبادة، وبعد 50 عاما لم يتبق من نصف مليون هندي كانوا يقطنون كوبا وقت اكتشافها عام 1492 سوى 4 آلاف يسكنون الأودية الجبلية. هذا غير ما يقرب من 30 مليون هندي أبيدوا في جزر أمريكا الوسطى.

 وسرعان ما جلب الأوربيون ما يقرب من 10 ملايين من العبيد السود من أفريقيا - منهم 3 ملايين مسلم- لإعمار أمريكا الشمالية والوسطى، ويقدر أن هناك نحو1.5مليون نسمة من سكان كوبا من الزنوج والمولدين من البيض والسود.

غير أن الإسبان غيروا أسماء الزنوج بمن فيهم المسلمون وخلعوا عليهم أسماء مسيحية وعمدوهم، وقد قاوم بعض المسلمين عمليات التنصير الجبرية وكان أبرز محاولات المقاومة عندما قاد الأفريقي المسلم ماكندال الثورة عام 1758 في أمريكا الجنوبية، لكن تم القضاء عليها.

 وأدت الوحشية الإسبانية إلى القضاء على الإسلام في قلوب الزنوج بمنعهم من الصلاة وإجبارهم على اعتناق المسيحية وارتياد الكنائس ولم تقتصر على السكان المسلمين وإنما امتدت لتشمل السكان الهنود أيضا فكانت موجهة ضد كل من يقاوم الدخول في المسيحية كما أن مفعول مراسم التحريم الملكية شمل أيضا العبيد المنتمين إلى مجموعات عرقية إفريقية كالبربر والجولوفي، الذين اعتنقوا الدين الإسلامي.

وفي غمرة إعجابنا بالصمود الكوبي أمام الحصار الأمريكي الظالم تغيب عنا أشياء عظيمة الأهمية. ومنها وضع الأقلية المسلمة في كوبا التي يبدو أنها سقطت تماما من حسابات الدول والهيئات والمنظمات الإسلامية التي ربما غلب على بعضها التعاطف مع كوبا على الاهتمام بمسلميها، أو أغرى بعضها قلة عدد مسلمي كوبا فتجاهل أوضاعهم، أما البعض الآخر فربما غاب عنه أن هناك مسلمين في كوبا من الأصل!.

مسلمو كوبا:

بقيام الثورة الشيوعية في كوبا عام 1959 بزعامة فيدل كاسترو حُرم المسلمون في كوبا من أي اتصال بالعالم الإسلامي وأصبحوا لا يعرفون أي شيء عن دينهم في ظل نظام شيوعي يدرّس الإلحاد في المدارس.

فلم يسمح كاسترو بإنشاء أي مسجد للكوبيين على الإطلاق، واستثنى فقط البيت العربي في هافانا القديمة والذي ظل المكان الوحيد في كوبا الذي تسمح الحكومة بفتحه مدة 3 ساعات كل يوم جمعة لأداء صلاة الجمعة بإحدى قاعاته للدبلوماسيين العرب والمسلمين في كوبا، بينما مُنع المسلمون الكوبيون من أداء باقي الفرائض فيه ولم يعد بإمكانهم أداء صلواتهم إلا في المنازل بعيدا عن رقابة واعتراضات الحكومة.

وفي عام 1982 اعتبرت اليونسكو البيت العربي من الآثار الإنسانية حيث جرى بناؤه بواسطة أحد التجار العرب في القرن السابع عشر وتبرعت قطر بمبلغ 40 ألف دولار لتطويره ليضم مكتبة تحوي 1200 كتاب، ومعرضا للتراث العربي ووثائق عربية من لبنان وصالة للمعارض وأخرى للمؤتمرات.

الوضع الحالي لمسلمي كوبا على الرغم من أن الرئيس الكوبي كاسترو بدأ في التحول الطفيف عن الشيوعية عام 1991 وسمح لأعضاء الحزب الشيوعي ببعض الممارسات الدينية مثل ارتياد الكنائس، فإن هذا لم يعد بأدنى فائدة على المسلمين حيث منعوا من بناء أي مسجد لهم ولم يسمح لهم حتى بالصلاة في البيت العربي، كما لم تسمح الحكومة بإجراء أي تعداد لهم أو تعترف بهم كأقلية، ورفضت الطلب الذي تقدم به محمد يوسف مهاجر الأمين العام للمنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية بالسماح بتمثيل مسلمي كوبا في اجتماعات المنظمة في الوقت الذي اعترفت بالأقلية اليهودية البالغ عددها 1300 نسمة وسمحت لهم ببناء 11 معبدا تركت لهم فيها الحرية التامة لممارسة شعائرهم، كما سمحت لهم بإنشاء العديد من المنظمات والهيئات الخاصة بهم.

وفي الوقت الذي قام الرئيس الكوبي كاسترو بزيارة الفاتيكان عام 1996 ثم استقبل البابا في هافانا عام 1997 وما صاحبه من الموافقة على فتح كثير من الكنائس الكاثوليكية في كوبا كان الموقف من الإسلام على النقيض، فحين استقبلت الحكومة في مايو 2002 الأمين المساعد لمنظمة اتحاد العالم الإسلامي بمكة الشيخ محمد بن ناصر العبودي، رفضت طلبه السماح ببناء مسجد لمسلمي كوبا أو بتحويل بيت لكوبية اعتنقت الإسلام حديثا إلى مكان الصلاة بل واعتبرت الطلب "غريبًا" لأن مواطنيها "شيوعيون" واقترحت على الشيخ العبودي أن يتقدم بهذا الطلب للحزب الشيوعي للنظر فيه!.

والأمل معقود حاليا على الدول الإسلامية لبذل مزيد من الجهود لإقناع حكومة كاسترو بالعدول عن موقفها من بناء المساجد، خاصة أن هناك العديد من جمعيات الصداقة بين كوبا والدول الإسلامية وهي كثيرة أهمها جمعيات الصداقة مع لبنان وسوريا ومصر وتونس واليمن والعراق وإيران والأردن وليبيا، كما توجد جمعية الاتحاد العربي في كوبا للمهاجرين من لبنان وفلسطين وسوريا منذ عام 1979، وتصدر مجلة العربي مرتين في السنة بالعربية والإسبانية ويمكن لهذه الجمعية أن تلعب دورا في تخفيف حدة المواقف الحكومية تجاه المسلمين هناك.