إطلالة على الإسلام في كوبامقالات

وحدة رصد اللغة الإسبانية بالأزهر

المصدر: وحدة رصد اللغة الإسبانية بالأزهر (31 يناير 2017م)

 

تاريخ الإسلام في كوبا:

فرض الاستعمار الإسباني الديانة الكاثوليكية على جميع دول أمريكا اللاتينية، وبطبيعة الحال على الجزيرة الكوبية، إلا أنه بعد ثورة 1959 ومع بداية النظام الشيوعي تم السماح للجميع بممارسة أي دين أو معتقد دون أية قيود، وفي عام 1976 تمت الموافقة على قانون حرية العبادة التي كَفَلها الدستور للجميع، لكن دون نشره أو الدعوة إليه، إلا أنه تم تفعيل هذا القانون خلال عام 1992، وفي هذا السياق أوضح  "مايكل ليو أوينز"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "إيموري" في مدينة "أتلانتا" بولاية جورجيا الأمريكية بأن الحزب الشيوعي اتخذ حزمة من القرارات بهدف فتح الباب للتعددية الدينية.

ومع هذه الحريات، بدأ الكثيرون يتركون الكاثوليكية ويعتنقون ديانات أخرى مثل "الأوريشا"  و"السانتيرية"، والتي تنتشر في مجموعة من دول أمريكا اللاتينية، حيث يُقدر أتباع هذا المذهب بما يقرب من 100 مليون نسمة حول العالم، وخلال الآونة الأخيرة، قام بعض الكوبيين باعتناق الإسلام الذي أصبح ضمن هذه الديانات خلال الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فإن المذهب الكاثوليكي المسيحي و"السانتيرية" يمثلان النسبة الأعلى في البلاد، يليهما المذهب البروتستانتي، ثم بعض الديانات الأخرى منها الإسلام. ومنذ أن ظهر التكتل السوفيتي ارتبطت كوبا بعلاقات وطيدة مع الدول العربية، وفي هذا السياق قَدِمَ العديد من الطلاب الجزائريين واليمنيين والفلسطينيين إلى كوبا ضمن بعثات التبادل الثقافي بين الجامعات الكوبية وجامعات تلك البلدان، الأمر الذي ساعد على تعرف الكوبيين أكثر على الثقافة العربية والإسلامية من خلال هؤلاء الطلاب.

أعداد المسلمين في كوبا:

جمهورية كوبا هي دولة تقع في منطقة الكاريبي في مدخل خليج المكسيك، وتتكون من جزيرتي "كوبا" و"لا خوبنتود" التي تبلغ مساحتهما الإجمالية 109,886 كم²، و"هافانا" هي عاصمة البلاد وأكبر مدنها، تليها "سانتياجو دي كوبا" ثاني أكبر المدن هناك، وقد بلغ تعداد السكان في كوبا خلال عام 2015 حوالي 11,389,562 نسمة.

ووفقًا لآخر الإحصائيات الرسمية الموثقة الصادرة عن مركز "بيو" البحثي الأمريكي لعام 2010، فإن عدد المسلمين في كوبا أقل من 10,000 مسلم، وهو ما يتفق إلى حد كبير مع الإحصائيات غير الرسمية الحالية، التي تشير إلى أن المسلمين في كوبا وصل عددهم إلى حوالي 13,000 يتمركز معظمهم في مدينة "هافانا" القديمة، وآخرون يعيشون في مدن "كاماجوي" و"سانتياجو دي كوبا" وفي جزيرة "لا خوبنتود"، أخذاً في الاعتبار أن هناك ما يقرب من ألف مسلم كوبي اعتنق الإسلام حديثاً.

تجدر الإشارة إلى أن أعداد المعتنقين للإسلام في أمريكا اللاتينية في تزايد مستمر خاصة بعض أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، مما دفع الكثيرين إلى الذهاب إلى المساجد للتعرف على حقيقة ما يُقال عن هذا الدين، ومن هنا أخذوا في التعرف على حقيقة الإسلام وتعاليمه وعقائده السماوية السمحة.

وتشير الإحصائيات إلى أن هناك ما يقرب من 25 ألف شخص من أمريكا اللاتينية يعتنق الإسلام سنويًا، في حين أن هذا العدد تضاعف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وتقدر نسبة المسلمين اللاتينيين 19% من المسلمين في أمريكا اللاتينية، كما تشكل النساء 55% من هذه النسبة، مع العلم بأن 70% من النسبة الإجمالية ممن اعتنقوا الإسلام حديثًا كانوا كاثوليك. وهذا يتفق تمامًا مع أن المسلمين هم الأسرع نموًا في العالم، وفقًا لمركز "بيو" البحثي، والذي يرى أنهم سيزدادون بنسبة 73٪ مع حلول عام 2050، إلا إن هذا التنامي غير ملحوظ في كوبا بصورة كبيرة.

ومن خلال الإحصائيات التي اطّلع عليها مرصد الأزهر، يمكن التأكيد على أن الشباب والمسلمين الأجانب يشكلون الغالبية العظمى من الجالية المسلمة في كوبا، أغلبهم من أصول عربية، كما أن عددًا كبيرًا منهم طلاب علوم طبية يدرسون بمنح من الحكومة الكوبية، قدموا من غرب إفريقيا ومن اليمن وفلسطين وبعض الدول العربية، وكان لهم التأثير الأكبر خلال عقد التسعينيات حيث كانوا ولا يزالون يمثلون عاملاً رئيسيًا في تطور المجتمع الكوبي، وبعد ذلك ظهرت على الساحة الجالية الباكستانية. ووفقًا لبعض الخبراء فإن الإسلام كان قد دخل إلى الجزيرة الكوبية عبر الطلاب القادمين من باكستان خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.

المساجد والمراكز الإسلامية:

تعتبر المؤسستان الإسلاميتان الوحيدتان في كوبا هما "الاتحاد العربي" و"الرابطة الإسلامية" ومقرهما بالعاصمة "هافانا". وقد تأسس الاتحاد العربي عام 1979، ويهتم في الأصل بالثقافة العربية، أما الرابطة الإسلامية فتعمل منذ 2002 وتم الاعتراف بها رسميًا في 2007، وهي تهتم بكافة أمور المسلمين في كوبا وبالمطالبة بحقوقهم وتعزيز ونشر الثقافة العربية عن طريق إقامة دروس ودورات ومؤتمرات ومناقشات حول الإسلام وأنشطة متعلقة بالثقافة العربية، بالإضافة إلى عروض فنية في الرسم والنحت. ويوجد أيضًا في كوبا "بيت العربي"، وهو عبارة عن متحف ثقافي تُعرض فيه مظاهر الثقافة الإسلامية والعربية، وهو المكان الوحيد الذي يتضمن قاعة كبيرة مخصصة للصلاة.

وعلى مستوى المساجد، يفتقر المسلمون إلى وجود مساجد يؤدون فيها الصلوات اليومية، الأمر الذي دفعهم في بادئ الأمر إلى تخصيص مجموعة من المنازل لصلاة الجماعة، وكذلك إقامة اجتماعاتهم ودروسهم الدينية، ولأول مرة عام 1991 تم افتتاح مصلى صغير في مدينة "كاماجوي"، وحديثًا أُسس مصلى صغير في العاصمة يتجمع فيه المسلمون منذ يوليو 2015، كانت الحكومة قد افتتحته كأول مسجد في كوبا، وبالقرب من هذا المصلى يوجد مشروع بناء مسجد، كان الرئيس التركي وعد ببنائه أثناء زيارته خلال فبراير 2015، إلا أنه لم يتم البدء في أعمال البناء بعد لأسباب مجهولة، وفي تقرير أعدَّه التليفزيون الكوبي عن أحوال الجالية المسلمة في كوبا، صرّح رئيس الرابطة الإسلامية هناك على أن الحكومة الكوبية قامت بإلغاء المشروع، فيما لم تؤكد الحكومة أو تنف هذا التصريح.

 الجدير بالذكر أنه قد طُلب من الحكومة الكوبية السماح لتركيا بإقامة مسجد في كوبا، إلا أن كوبا فضّلت أن تتولى منظمة التعاون الإسلامي بناء المسجد بدلاً من أن تقوم به دولة وحدها. في السياق نفسه، كانت المملكة العربية السعودية قد طَلبت من الحكومة الكوبية السماح لها ببناء مسجد على أراضيها، وبالفعل تمت الموافقة على الطلب وخُصصت أرض للبناء بمنطقة "هافانا القديمة" بالعاصمة، إلا أن ما تم في هذا الصدد هو وضع لافتة معلقة تقول "هنا سيقام المسجد" ولكن المسجد نفسه لم يظهر بعد، وأبدى الشيخ "يحيى بيدرو تورّيس" رئيس الرابطة الإسلامية عدم تصديقه لوعود الحكومة، بالرغم من أن الدولة قد وافقت على بناء أماكن عبادة أخرى لطائفة الأرثوذوكس، الذين يمثلون إحدى الطوائف الدينية قليلة العدد.

هذا وتَتَلقّى الجالية المسلمة هناك الدعم والمساندة من بعض الدول الإسلامية مثل السعودية التي تقوم على تمويل مراكز لتعليم اللغة العربية في مدينتي "هافانا" و"سانتياجو دي كوبا". وفي عام 2014 كان للمملكة جناح داخل معرض الكتاب بالعاصمة، تم فيه توزيع مجموعة من الكتيبات حول الإسلام فضلاً عن نسخ من القرآن الكريم مترجمة إلى الإسبانية.

المشاكل والصعوبات:

لا يوجد اضطهاد للمسلمين في كوبا، لكنهم بالطبع لم يسلموا من الآراء المسبقة عن الإسلام التي تسود العالم الغربي، ولا تدعم الحكومة الكوبية الجالية الإسلامية ماديًا، لكن هذا ليس مقصورًا على المسلمين حيث إن الدولة بطبيعتها علمانية لا علاقة لها بالدين، كذلك الحصول على اللحوم الحلال من أكبر المشاكل التي تواجه المسلمين في كوبا، الدولة التي يُمثل لحم الخنزير على موائدها طبقًا تقليديًا، والبديل الوحيد لهم هو الأسماك، وهي مرتفعة السعر نسبيًا في كوبا. أما المطعم الوحيد الذي يقدم لحوماً "حلالاً" في كوبا هو مطعم لسيدة مغربية، تحول أسعاره المرتفعة دون أن تتناول الغالبية العظمى من المسلمين الطعام فيه، فضلاً عن أن السلطات الكوبية لم تسمح حتى الآن بذبح الحيوانات وفقًا للشريعة الإسلامية، كذلك من الصعوبات التي تقابل المسلمين أثناء شهر رمضان هو المحافظة على سُنة الإفطار على التمر الذي يصعب الحصول عليه في الأسواق في الجزيرة الكوبية والذي ينبغي استيراده من الخارج، مع العلم بأن السفارة السعودية تقوم بتمويل الجالية المسلمة هناك بالأطعمة الحلال وكميات كبيرة من التمر.

ومع تلك الصعوبات، يبدو أن المسلمين في كوبا بدؤوا في التكيّف مع عادات المجتمع الكوبي وتقاليده في ممارسته اليومية، وفي الوقت ذاته يتمسكون بتعاليمهم الدينية، إلا أنهم يفتقدون إلى رجال الدين من الأئمة لأجل وعظهم وإرشادهم لتعاليم الدين، وقد أشار المصور الصحفي "خوان ألبادو" الذي يقيم في برشلونة إلى أن المسلمين في كوبا -خاصة حديثي العهد بالإسلام- لا توجد لهم أرضية دينية صلبة تساعدهم على التعرف على تعاليم الدين بصورة صحيحة ووافية، كما أنهم اعتنقوا الإسلام عن طريق التواصل مع طلاب ودارسين في بلدان ذات غالبية مسلمة، كما أن غالبية المسلمين في كوبا الآن من الشباب الذين نشأوا في مجتمع يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر، لكن مع اعتناقهم الإسلام ظهرت صبغة تعاليمه جلية عليهم في سلوكياتهم ومعاملاتهم اليومية رغم افتقارهم -كما ذكرنا سابقاً- إلى الأرضية الدينية القوية التي تعينهم على التعرف على تعاليم دينهم بشكلٍ أكثر تفصيلاً.

خاتمة:

يرى مرصد الأزهر أنه ينبغي متابعة الاهتمام بأحوال الجاليات الإسلامية في دول العالم، والعمل على تلبية احتياجات المسلمين في دولة كوبا وتقديم الدعم اللازم، من خلال إيفاد أئمة يُتقنون اللغة الإسبانية حتى يتمكنوا من نشر الإسلام الصحيح بين الجالية المسلمة، وتوفير كُتيبات ومطبوعات تعريفية لحديثي العهد بالإسلام، والمساهمة في إنشاء مدارس ومراكز لتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، والتواصل مع الجالية المسلمة أيضًا من خلال مختلف الوسائل، ومن الممكن فتح قناة تلفزيونية تُبث من خلالها برامج تعليمية وتقارير وثائقية عن الإسلام وتاريخه وحضارته في شتى بقاع الأرض، بهدف إلقاء الضوء على روح الإسلام المعتدلة بُغية أن يستقي المسلمون الجدد المنابع الحقيقية والصافية من تعاليم الإسلام السمحة.