الإسلام في تايلاند اليوممقالات

د. امتياز يوسف

د. امتياز يوسف، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة أمير سونغكلا، تايلاند.

 

المصدر: ResearchGate [1]

 

"مترجم عن اللغة الإنجليزية"

 

يقدم المسلمون التايلانديون وإخوتهم في الدين في كل من سريلانكا وبورما: ثلاثة أمثلة لمجتمعات الأقليات المسلمة التي تعيش في المناطق التي يغلب عليها البوذيون التيرافادا.

وهناك مجموعتان رئيسيتان من المسلمين في تايلاند: "المسلمون الأصليون"، أو الملايو المقيمون في المقاطعات الجنوبية، والمسلمون "المستقرون/ المتجنسون" من خلفيات عرقية مختلفة تقيم في جميع أنحاء البلاد.. ومن هنا جاءت المحددات العرقية واللغوية والثقافية، وشكَّلت نوعاً من التنوع داخل الجالية التايلاندية المسلمة.

يشكل مسلمو جنوب تايلاند الغالبية (حوالي 700000، أو 80 ٪) من إجمالي عدد السكان المسلمين التايلانديين الحاليين، والإسلام هو الدين الرئيسي الثاني في تايلاند، ويشكل المسلمون أكبر أقلية دينية هناك.

ويعود تاريخ الإسلام في تايلاند إلى عهد أسرة أيوثايا (1350-1767)، عندما كانت الدولة لا تزال تُعرف باسم سيام، ولم يتم دمج ممالك الملايو المستقلة في الجنوب ولم تصبح جزءًا من تايلاند حتى عام 1902.

وصل الإسلام إلى تايلاند من اتجاهات مختلفة: أرخبيل الملايو الإندونيسي واليمن (حضرموت) وبلاد فارس والهند وبورما والصين وكمبوديا.

كما أدى تأسيس الإسلام في ملقا، في عهد السلطان إسكندر، إلى انتشار الإسلام التوفيقي المبكر في أرخبيل جنوب شرق آسيا، ووصل إلى باتاني بحلول عام 1387. وتشير مقاطعة سونغكلا في جنوب تايلاند العليا إلى الحدود اللغوية بين المسلمين الملايو والمسلمين الناطقين بالتايلاندية، إذ كان هناك انتشار ضئيل للتدين الإسلامي الملايوي خارج سونغكلا، وكان هذا جزئيًا بسبب توغل "البوذية السنهالية (ثيرافادا)"، التي تم إدخالها إلى شبه الجزيرة الهندية الصينية من قبل مونس من بورما وتم نشرها بشكل أكبر من قبل التايلانديين" قبل قرن من الزمان، وذلك في أعقاب ضعف الثقافة الهندوسية السنسكريتية وبوذية الماهايانا في حوضي مينام وميكونغ.

وقد كان الوافدون المسلمون الآخرون إلى تايلاند من اتجاهات مختلفة من البلاد، ويتألفون في الغالب من مسلمين مهاجرين من خلفيات طائفية وعرقية مختلفة، حيث تضم السهول الوسطى للبلاد مسلمين تايلانديين من أصل فارسي وباكستاني وإندونيسي وشامي، في حين أن المقيمين في المقاطعات الشمالية لامبانج وتشيانغماي وتشيانغ راي هم من أصول بنغالية وبورمية ويونانية وصينية، فقد هاجروا إلى تايلاند لأسباب اقتصادية، كما كانوا يفرون من الاضطهاد الديني على أيدي الشيوعيين في الصين والقوميين في بورما.

وفي تايلاند أيضًا معتنقون للإسلام إما عن طريق الزواج أو التحول من دينهم إلى الدين الإسلامي، ومعظم المسلمين التايلانديين هم من السنة، ومع ذلك ننبه على وجود مجموعة من الشيعة والإسماعيلية والإمامية والبهرة هناك.

وبصرف النظر عن الاختلافات العرقية، هناك أيضًا تنوع لغوي داخل المجتمع المسلم التايلاندي، إذ يتحدث غالبية المسلمين في الجنوب لغة الملايو، بينما يتحدث المقيمون في أجزاء أخرى من تايلاند باللغة التايلاندية، سواء في المنزل أو في الأماكن العامة.. ولم يعودوا على دراية بلغات أسلافهم.

الهوية الإسلامية في تايلاند

في جنوب شرق آسيا، غالبًا ما ترتبط الهوية الدينية بالعرق: فالملايو مسلمون، والتايلانديون بوذيون، والصينيون إما نصارى أو طاويون وبوذيون، ولكن على الرغم من أن التركيبات العرقية والدينية تسهم في تشكيل الهويات؛ إلا أنه يمكن القول إن الجميع تقريبًا يتشاركون في بعض السلوكيات الاجتماعية ووجهات النظر والشكليات والممارسات العامة.

ويحافظ المسلمون التايلانديون على هويتهم الدينية، ويعبرون عنها ويرمزون إليها من خلال المؤسسات الدينية مثل المسجد ومدرسة بوندكور ومكتب شيخ الإسلام، وكذلك من خلال المهرجانات الإسلامية التي يتم الاحتفال بها على المستوى الوطني.

التربية الإسلامية في تايلاند

تاريخياً، تم إنشاء نظام البوندوك الشهير للتعليم الإسلامي في باتاني، [سكولا بوندوك Sekolah Pondok أو: مدرسة الكوخ، وهو مصطلح يدل على المدارس الإسلامية]، وهذا النظام معروف بعلمائه المشهورين مثل أحمد بن محمد زين الفتاني وداود الفتاني، اللذين لعبا دورًا محوريًا في انتشار وتطوير التعليم الإسلامي في جنوب شرق آسيا.. وقد ترك تأثيرهم الفكري علامة دائمة على تطور الدراسات الإسلامية، وقد كانت الحكومة التايلاندية قد اعتبرت أن البرامج التعليمية التي ينفذها البوندوك قديمة، دون الالتفات إلى أهميتها الأخلاقية والثقافية، وكانت الفكرة هي تبسيطها على طول الخطوط التعليمية العلمانية الحديثة، ولكن المسلمين احتجوا على ذلك لاحقاً، فتم الاعتراف بالجوانب الدينية والأخلاقية لهذا الطلب بشكل متكامل في التعليم، وذلك للحفاظ على الهوية الإسلامية وإعداد الشباب أخلاقياً للحياة المهنية الحديثة، مما أدى إلى إنشاء المدارس الإسلامية الخاصة.

واليوم تتم تنمية التعليم الإسلامي المعاصر في تايلاند من خلال نظام البوندوك، الذي يقدم تعليمًا دينيًا فقط، بالإضافة إلى البرامج التعليمية المشتركة التي تنشرها المدارس الإسلامية الخاصة، والتي تكون تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، وكلا النوعين من المؤسسات يديرها خريجو المعاهد والجامعات الدينية من أرخبيل الملايو الإندونيسي والأزهر في مصر والمملكة العربية السعودية وتونس والهند وباكستان وتركيا.

وقد شاركت الأقلية المسلمة التايلاندية في العملية الوطنية خلال كل من العصور الديمقراطية وغير الديمقراطية، وقد أكسبت هذه المشاركة المسلمين التايلانديين الاعتراف بهم، ومثّل المسلمون أنفسهم في مختلف الانتخابات البرلمانية التي جرت في البلاد منذ ظهورها كملكية دستورية في عام 1932، كما شهدت هذه الحقبة أيضًا نضال المسلمين الجنوبيين ضد سياسة التحويل إلى التايلندية.. ويتبنى المسلمون في هذه الانتخابات تقديم الحلول للمشكلات التنموية التي تواجه المسلمين مثل: تحسين التعليم، والتقدم الاقتصادي، والحرية الثقافية والدينية، والاعتراف بهم.. وحتى عام 1988، كان المسلمون التايلانديون يمثلون فئات مختلفة على أساس شخصي، ولكن الحزب الديمقراطي التايلاندي، الذي يمثل الطبقة الوسطى، كان الأكثر شعبية في جنوب تايلاند، ولطالما كان الصوت الرئيس للمسلمين التايلانديين، ومع ذلك، انسحب العديد من المسلمين التايلانديين منذ مدة طويلة المتحالفين مع الحزب الديموقراطي، متذمرين من عدم كفاية الاهتمام بقضايا إسلامية محددة، ومن عدم الوفاء بالوعود الانتخابية، فتسببت حالات الانسحاب هذه في تشكيل فصيل تايلاندي مسلم في عام 1988 يسمى Wah-dah (الوحدة)، والذي تتمثل أولويته في معالجة المشكلات التنموية التي تواجه المجتمع المسلم التايلاندي. وقد وصفت بأنها حركة عرقية تسعى إلى تحقيق مصالح المسلمين التايلانديين...

ويتفق أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ التايلانديين مع المسلمين على الحاجة الملحة إلى معالجة مسائل تنموية كتحسين البنية التحتية والتنمية الاقتصادية للمقاطعات ذات الأغلبية المسلمة داخل IMT-GT (إندونيسيا، ماليزيا، تايلاند - برنامج مثلث النمو)، مع أمور مهمة أخرى كتسهيل ترتيبات السفر للحجاج التايلانديين إلى الحج، والحصول على إذن قانوني للمسلمات التايلانديات بارتداء الحجاب في الأماكن العامة (تم منحه)، وإنشاء بنك إسلامي كمؤسسة مالية بديلة.

أخيراً، وعلى مر العقود، أدرك البعض من غير المسلمين في تايلاند ضرورة الاعتراف بالعرقيات المختلفة والفكر المختلف عنهم، كما أدرك بعضهم الحاجة إلى الابتعاد عن الجمود والحصرية، في حين أنه لا تزال هناك العديد من قضايا التنمية، في مجالات التعليم والاقتصاد في القطاع الإسلامي يتعين معالجتها.

وتعكس الديناميكية بين أتباع الأديان في تايلاند الحاجة إلى الحوار والتفاوض، ولكن الأهم من ذلك هو القدرة على التعرف على التنوع العرقي والديني من قبل الجهات الرسمية ومنسوبيها.

 

[1] رابط المادة الأصلية: اضغط هنا.