حوار مع رئيس المركز الإسلامي في الإكوادورمقالات

مجلة المجتمع

أمريكا الجنوبية قارة مؤهلة لتلقي دعوة الإسلام، يعاني مسلموها من قلة التواصل مع العالم الإسلامي بمنظماته الخيرية والدعوية.. فلا يجدون من يتواصل معهم بصورة فعالة، حتى يؤسسوا لعمل إسلامي قوي، يكون بداية لانتشار المد الإسلامي في القارة الجنوبية.

وتأتي «الإكوادور» في القارة اللاتينية، كأحد هذه الدول التي تكفل الحرية الدينية لأفرادها، ولا يقوم فيها كَبت أو قهر للمعتقدات والأفكار... وهو ما يتيح الفرصة للإسلام كي يعرض نفسه وحقيقته إذا وجد من يدعمه.. وفي الوقت الذي تجد الديانات الوضعية من يدعمها ويروج لها بالإمكانات الضخمة، فإن العمل الإسلامي ضعيف الإمكانات قليلٌ من يؤازره..

 وحول المسيرة الدعوية بالإكوادور وأحوال الأقلية المسلمة فيها كان لنا هذا الحوار مع «يحيى خوان سوكيليو» رئيس المركز الإسلامي في الإكوادور، لدى زيارته لديوانية جدة.

أولويات الدعوة

* بداية حدثنا عن الإكوادور وطبيعة أهلها؟

- هناك أوجه تشابه كثيرة بين العرب المسلمين وأهل القارة اللاتينية، وربما يكون لهذا تأثر بهم دون غيرهم، ولهذا لابد من إعادة النظر في أولويات الدعوة، وأهلها بسطاء متسامحون، وهناك حرية كبيرة في اعتناق الأديان، وأسلوبنا الدعوي يقوم على الوسطية، وتقع الإكوادور في الشمال الغربي من قارة أمريكا الجنوبية بين كولومبيا وبيرو ومساحتها 670.260 كيلومتر مربع، وسكانها 5.12 مليون، ولها تاريخ عريق مرتبط بالتدين منذ حضارتها التي كانت قبل الميلاد وأهمها: تشورد لج وماتشاليلا وتشوريرا، وكانوا يعبدون الشمس، وهم الهنود الأوائل الذين تشوههم مصادر التاريخ الغربي وتصفهم بالهمجية، رغم أن لهم آثار تؤكد أنهم كانوا أصحاب حضارات، وقد حرق الغزاة الإسبان زعيمهم «أتاهوالبا» حياً لرفضه اعتناق المسيحية.

دخول الإسلام

* كيف تعرفت الإكوادور على الإسلام؟

- عدد الأقلية المسلمة اليوم في الإكوادور 19 ألف، وهذا الرقم هو آخر إحصائية من وزير الأديان، وقد تكونت الجالية المسلمة من 35% من سكان البلاد الأصليين، و65% من المغتربين والمهاجرين من بعض البلدان الإسلامية، وقد بدأ الوجود الإسلامي في الإكوادور منذ نهاية القرن 19؛ حيث هاجر مسلمون من مصر ولبنان وفلسطين وسورية، واستقروا، وزادت الهجرات بعدها مع بداية القرن العشرين، وخاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين، وأغلبهم من التجار أو الباحثين عن عمل، ولم تكن الدعوة للإسلام هي الهدف الأصيل لهم، فمما يذكر أن بعضهم ارتد عن دينه في سبيل المصالح الدنيوية، ومع إقبال هجرات أخرى من الهند وباكستان وليبيريا ونيجيريا وغانا ازداد عدد المسلمين، وأسسوا جمعيات ومساجد متعددة بإذن من الحكومة التي تكفل حرية الدين للجميع، وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي اعتنق رجلان بارزان من الإكوادور الإسلام الذي تعرفوا عليه من بعض المسلمين، وهما يدرسان بإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، و قد أعجبا بالإسلام وتعاليمه، وعرفا كيف يدعو للسماحة والأمن والسلام واحترام الآخر وإنصاف المرأة والعدالة والمساواة، وغير ذلك من القيم النبيلة، ودخلت عائلاتهما في الإسلام، وقاما بتأسيس جمعية إكوادورية مسلمة، وخلال هذه الفترة أسلم العشرات، وبحلول عام 2004م كان قرابة 100 شخص قد اعتنقوا الإسلام، وبنهاية عام 2005م أسلم ما يقرب من 500 من سكان العاصمة، وربما العدد نفسه من سكان جواياكيل.

عناية بالدين

* هل هناك عناية بالدين أم أن الحياة تقوم على أسس علمانية؟

- الدين له دور أساسي في حياة القارة كلها، حتى وصل الأمر إلى أن هناك حروباً ومجازر كثيرة وقعت على أساس ديني، وخاصة منذ قدوم الإسبان الأوائل الذين فرضوا سيطرتهم على فترات من تاريخ القارة وتدريجياً خفت حدة ذلك، وأول محاول للعلمانية في القارة كانت على يد الرئيس الإكوادوري الأسبق «ألوي ألفارو»... حيث تم إحراقه حيًّا في عام 1912م بعد أن تعمد فصل الدين عن الدولة.

ضعف الاتصال

* ما أبرز مشكلات الأقلية المسلمة في الإكوادور؟

- من أبرز مشكلاتنا:

1- بعدنا عن العالم الإسلامي، وضعف الاتصال بِدِولِه، كما أن المنظمات الإسلامية الكبرى مقصرة في حق الأقليات، وخاصة في أمريكا الجنوبية التي تُعد منسية من خريطة الدعوة لديها.

2- قلة الكتب المترجمة عن الإسلام، التي تشرح قيمه وتعاليمه وتبين حقائقه، وأنا بنفسي ترجمت كتباً من الإنجليزية إلى الإسبانية، ومنها كتاب «الحوار بين المسلمين والمسيحيين»، وكتاب «محمد في الإنجيل» وكتاب «التوحيد»، ولكن للأسف لا توجد طباعة وتحتاج إلى تكلفة، وتضم القارة حوالي 30 دولة تتحدث كلها الإسبانية إلا البرازيل التي تتحدث البرتغالية، ومع هذا فإن ترجمات معاني القرآن لهاتين اللغتين قليلة جداً وغير كافية لتعريف المسلمين بكتابهم المقدس، وما فيه من تعاليم وقيم.

3- نعيش، ولا يوجد لدينا مسجد كامل في كيتو، وليس لدينا مدارس للتعليم الإسلامي، وكل هذا يؤدي إلى ضعف الوعي بالإسلام لدى المسلمين.

إقبال على الإسلام

* هل يهتدي الكثيرون للإسلام؟

- هناك كثيرون جداً يدخلون الإسلام كل أسبوع نعلن هداية أحدهم، وهم من المسيحيين وأكثرهم من النساء، ويعجبهم في الإسلام أنهم وجدوه يشبع حاجتهم الروحية بدلاً من الحياة المادية التي يعيشونها ويملونها، كما أن حرصنا ودعوتنا لهم على تعلم القرآن وقراءته، كانت شيئاً جديداً لديهم، ووجدوا أنه عكس ما يجدونه في النصرانية، حيث لا يدعوهم القسس لقراءة الإنجيل فهو وحده فقط الذي يقرأه، وأمريكا الجنوبية أرض خصبة للإسلام لكنها منسية من خريطة الدعوة الإسلامية.

* تحدثت عن أن هناك إهمال للترجمات عن الإسلام، فهل أثر ذلك على الدعوة إليه؟

- الكتاب هو الرسالة التي تعّرف بك وهي وسيلة بعيدة عن الجدال والحوار، فالقارئ يتلقى فقط ولا يناقش إلا فكره وعقله وبعيداً عن التحدي والمغالبة، وشعوب القارة تجهل حقيقة الإسلام حتى الآن؛ لأنها لم تطلع على الترجمات الوافية والكافية لمعاني القرآن والسنة وأمهات كتب التراث، وتسبب هذا في ضعف المد الإسلامي في القارة كلها، واللوم كبير على المنظمات الإسلامية التي لا تضع هذه القارة ضمن أولوياتها ويقل الاهتمام بها، ولا يتناسب مع شغف أهلها بالتعرف على حقيقة الإسلام، خاصة وأنه لا يوجد أي ميراث عدائي مع العالم الإسلامي، و لا ينقصهم سوى تقديم الإسلام بكل الصور المستحسنة.

مطلوب دعاة

* ألم يكن لكم محاولات لدعوة هذه المنظمات؟

- لقد عقدنا مؤتمرات، ودعونا قادة العمل الإسلامي، وشرحنا فيها كل مطالبنا، ودعوناهم لإرسال دعاة قادرين على التأثير والإقناع، وطلبنا زيادة المنح الدراسية الجامعية، وتوفير تراجم للقرآن والسنة وكتب التراث باللغتين الإسبانية والبرتغالية، حتى تكون زاداً للمطلعين والباحثين والمهتدين الجدد، ويا ليتهم يُبادرون بخطوة جادة في العمل الإسلامي في بلادنا، فالفرصة سانحة والسُبل مُهيئة لقبول الإسلام، حيث بدأت تيارات جديدة تنتشر في القارة، وهناك إقبال على ديانات أخرى كاليهودية، وديانات وضعية كالبوذية والهندوسية، ولا يوجد أي عائق في ذلك، فإذا كان لنا اهتمام وعمل، فإن هذا سيكون خدمة جليلة للعمل الإسلامي.

وسائل تأثير

* هل ترى أن الاهتمام بالأقليات المسلمة ودعمها قد يخدم قضايا العالم الإسلامي؟

- نعم فهذه الأقليات تُعد امتداداً إستراتيجياً مؤثراً له، ويمكن الاستفادة منها في دعم قضاياه واستخدامهم كوسائل تأثير لخدمة مصالحه، ولن يكون ذلك إلا إذا تجاوب العالم الإسلامي في تعامله مع أقلياته المنتشرة في بقاع الدنيا، والتي يمكن أن تُفيده سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً، كما أن هناك نوابغ من المسلمين يعيشون في بلاد غير إسلامية، وحصلوا على جوائز عالمية، و يتم استثمارهم في دعم التنمية والنهضة العلمية، وقهر التخلف في العالم الإسلامي، انظر مثلاً إلى «إسرائيل»، وكيف تستفيد مثلاً من جالياتها اليهودية في دول العالم، لخدمة قضيتها رغم أعدادهم البسيطة.

قواسم مشتركة

* التشابه الملحوظ بين المسلمين وسكان القارة هل يكون سبيلاً إلى مزيد من التعاون والقبول؟

- معظم المهاجرين العرب الذين استقروا هنا تزوجوا بنساء لاتينيات، وعاشوا مستقرين لوجود قواسم مشتركة أهمها:

1- يميل الجميع إلى النظام العائلي كبير العدد والتمسك الأسري والقيم الأخلاقية، ويؤمنون بأهمية الدين في الحياة، ورفض كل مظاهر التطرف والتعصب.

2- وجود تشابه خلقي جيني في لون البشرة والعينين.

3- ارتباط الجذور منذ أيام الأندلس، وهذا ما جعل اللغتين الإسبانية والبرتغالية، تحملان كثيراً من المفردات والتعبيرات العربية، وهذا ما خلق نوعاً من الألفة، حتى أنه يُوجد في المدن الكبرى، تأثر بالنظام المعماري الإسلامي، حيث نجد مدينة «ليما» عاصمة «بيرو» ومدينة «كيتو» عاصمة «الإكوادور» وغيرهما من العواصم متأثرة بشكل كبير بالفن المعماري الإسلامي، الذي عرفه الأجداد من الأندلس وتناقلته الأجيال، والأعجب من هذا أن كثيراً من واجهات الكنائس متأثرة بالعمارة الإسلامية، وهذا يؤكد أن عوامل التلاقي كثيرة، وعلينا أن نغتنم هذا التشابه في عرض الإسلام إليهم، وبيان حقيقة موقفه من التسامح والحوار مع الآخر.

قارة خصبة

* كيف ترى مستقبل الإسلام في الإكوادور؟

- أؤكد كثيراً أن أمريكا الجنوبية بدولها وشعوبها قارة خصبة لتلقي الإسلام، ولكنها تفتقد لعناصر أهمها الدعاة الفاهمين الواعين الذين يقدمون الإسلام بمقاصده وروحة السمحة، كما تفتقد تكاتف الجهود والعمل المشترك في الداخل والخارج في العمل الدعوي، ونشر الإسلام بين أهلها المؤهلين نفسياً لقبول قيم هذا الدين.


المصدر: موقع قيم حياتنا، نقلًا عن مجلة المجتمع.