إصابتي سبب هدايتي (حوار مع الدكتور يحيى خوان سوكيليو)مقالات

موقع إسلام ويب

أكد رئيس المركز الإسلامي في الإكوادور يحيى خوان سوكيليو أنه اعتنق الإسلام على خلفية إصابته في إحدى الحروب بين الإكوادور والبيرو، وتفكيره المتواصل في قضية ما بعد الموت وكيف سيلقى الله وهو لا يرتبط بالله سبحانه وتعالى بعلاقة جيدة، مشيراً إلى أن الكاثوليكية التي كان يعتنقها لم تجعل منه إنساناً صالحاً، كما لم تجب عن تساؤلاته فيما يتعلق بعقيدة التثليث والتفسير الكاثوليكي لموت عيسى عليه السلام وولادة الأطفال مظلومين!

 وقال رئيس المركز الإسلامي في حواره لم إنه درس الكاثوليكية وتنقل بين الكنائس في الولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن الدين الحق، فكانت هدايته على أيدي طلاب مسلمين من السعودية والكويت حيث اطمأن لعقيدة التوحيد، وخفق قلبه ارتياحاً أثناء متابعته للمسلمين وهم يصلون.

 وقال: إن الظروف الآن مهيأة في أمريكا اللاتينية لاستقبال الإسلام لأن الناس يعانون خواءً روحياً، وينتظرون من يأخذ بأيديهم خاصة مع تراجع معتنقي الكاثوليكية.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

 الفترة التي سبقت اعتناقك للإسلام.. كيف كنت تفكر؟ وما مناسبة التفكير في مسائل

دينية وعقدية موروثة؟

 في عام 1981م كنت ضابطاً في الجيش الإكوادوري، وأثناء الحرب التي وقعت بين دولتي الإكوادور والبيرو بسبب النزاع حول النفط، فقدت ذراعي على إثر انفجار عنيف، وكان عمري وقتها 21 عاماً، وحينما فقدت ذراعي شعرت بنهاية الأجل، وبدأت أفكر بشكل تلقائي في قضية الموت، وكيف سألقى رب العالمين، وكانت فكرة الخوف من الموت وصعود الروح تسيطر عليّ بشكل كبير، لأنني كنت قريباً من الموت، حيث نقلت إلى المستشفى في حالة حرجة، وسبب خوفي أنني كنت غير مستعد للقاء الله، فعلاقتي به سبحانه وتعالى كانت غير جيدة، ولم يسبق هذه اللحظة الفارقة في حياتي توبة، ولم تكن التعاليم الكاثوليكية تحفز على الهداية واتباع السلوك القويم.

ومن هنا بدأت أفكر وأتساءل: هل عدم وجود علاقة جيدة مع الرب يعود إلى عيب في شخصي وقصور ذاتي في علاقتي بالله، أم إلى قصور في ديانتي الكاثوليكية؟! ومن أجل معرفة الإجابة عن هذا السؤال رحت أبحث في الكاثوليكية، ولسان حالي يقول: إما أن اكون مخطئاً أو أن الدين فيه نقص!!

وماذا كانت نتيجة البحث والدراسة؟

 بعد بتر ذراعي وتماثلي للشفاء قررت الالتحاق بالجامعة الكاثوليكية من أجل البحث عن الحقيقة والدراسة بطريقة علمية، وأثناء دراستي للإنجيل، تبلورت لدي ثلاث مسائل مهمة وشائكة، وكنت أبحث بشغف عن إجابات لها وكانت كالتالي:

 الأولى: لا يوجد تفسير مقنع لمسألة التثليث، فكيف يكون (الابن والأب والروح القدس) شيئاً واحداً؟! وكيف يكون الله الواحد ثلاثة في آن واحد؟! هذه المسألة كانت تؤرقني بشدة، وكنت أقول لنفسي: لقد كنت صغيراً وقد رددت عقيدة التثليث دون وعي أو إدراك حيث ولدت لأب وأم كاثوليكيين، لكنني الآن أصبحت قريباً من الموت، وأعرف أن الموت حق، والموت نهاية كل حي، ولابد من فهم مسألة التثليث، لأنها ترتبط بصلب الدين وهو العقيدة، وبعد الدراسة والبحث وجدت في الإنجيل 17 دليلاً على وحدانية الله، فيما لم أجد سوى دليل واحد على التثليث!! فازددت حيرة ورغبة في استكمال مسيرة البحث والتقصي. والحقيقة أن لي أخوين من القساوسة لم يستطيعا أن يجيباني عن تساؤلاتي.

الثانية: أن التفسير الكاثوليكي لموت النبي عيسى عليه السلام لم يكن أيضاً مقنعاً، فكيف يمكن أن ينظف دم عيسى كل ذنوب البشر؟! إذا كان الأمر كذلك حسب المنطق الكاثوليكي، فلا داعي أن يكون الإنسان صالحاً في الدنيا، وليعش حياته مستمتعاً بكل إغراءات الدنيا وملذاتها دون قيود الحلال والحرام!! هذا بالطبع منطق غير صحيح وتفسير خاطئ، فالإنسان يجب أن يكون صالحاً ومؤمناً وصاحب قيم ومبادئ تتصل بشخصه فتقوم سلوكه، وبكونه أحد أفراد المجتمع.

الثالثة: العقيدة الكاثوليكية تقول: إن كل البشر خرجوا من رحم أمهاتهم مخطئين، حيث ولدوا وهم يحملون خطأ أبيهم آدم بأكله من الشجرة وخروجه من الجنة، ومن ثم فحينما يولد الطفل في الكاثوليكية، يغسل بالماء لتنظيفه من هذه الخطيئة التي يحملها !! هذا أيضاً لم يكن كلاماً مقنعاً.

نأتي إلى المرحلة الفاصلة في حياتك وهي اعتناقك للإسلام.. ما الخيوط التي قادتك إلى إشهار الإسلام؟

بعد أن استشكل علي الأمر وباتت هذه المسائل الثلاث عالقة دون إجابات قررت ترك الديانة الكاثوليكية، في سبيل البحث عن الدين الحق، واستقلت من الجيش، وقررت الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة اللغة الإنجليزية في إحدى جامعات ميتشجان، وكان هدفي الرئيس من الدراسة اكتساب لغة جديدة تفتح لي آفاق التعرف على الدين الحق، وهناك التقيت بطلاب من كل دول العالم كاليابان وكولومبيا والدول العربية والإسلامية، وواصلت رحلة البحث عن الدين الحق الذي يجيب عن أسئلتي بعد أن كفرت بالكاثوليكية فذهبت إلى الكنائس البروتستانتية فلم أجد إجابات، وظللت أتنقل بين الكنائس لمدة 6 شهور دون جدوى!!

 وشاء الله تعالى أن ألتقي في الجامعة ثلاثة شباب مسلمين ما زلت أذكر أسماءهم وأتواصل معهم: وهم إبراهيم الصقير من السعودية وعبد الله الصلال وعبد الله عبد الرحمن الجاسر من الكويت، وكانوا على درجة كبيرة من الالتزام بالأخلاق الرفيعة، وقد لفت ذلك انتباهي، وذات يوم سمعت الأخ إبراهيم يقدم تعريفاً عن الدين الإسلامي، وجذبني هذا الحديث خاصة أنه تحدث عن وحدانية الله تعالى، وبعد أن انتهى من حديثه وجهت إليه سؤالاً مفاده: كم إلهاً عندكم في الدين الإسلامي؟! واستطردت قائلاً وأنا أستحضر في ذهني العقيدة الكاثوليكية: أنت تقول عندنا إله واحد، فكم إلهاً في هذا الإله الواحد، فقال: إله واحد لا شريك له وأكد ذلك غير مرة، وراح يشرح لي ذلك ويبرهنه، وكنت لأول مرة أسمع في حياتي عن دين تقول عقيدته: إن الله واحد لا شريك له وشعرت أن هذا هو الدين الحق الذي أبحث عنه، وقد تلقيت ذلك بارتياح شديد ونفس مطمئنة لأنني منذ أن وقع الانفجار وبتر ذراعي وأنا أفكر في أن الله واحد وليس ثلاثة.

 ثم سألته عدة أسئلة عن الإسلام وعقيدته، من بينها: من أين تستمدون هذه الأخلاق الرفيعة والإنسانية العالية التي تتعاملون بها فيما بينكم ومع غير المسلمين؟ فأجابوني أن هذه أخلاق وتعاليم الإسلام، فطلبت منهم أن أذهب معهم للمسجد من باب الزمالة التي تربطني بهم والفضول في معرفة المزيد عن الإسلام.

وبالفعل ذهبت إلى المسجد ولأول مرة أرى في حياتي أناساً يصلون في صفوف متراصة ومنضبطة وأن الصلاة في الصف الأول لأسبقية الحضور للمسجد، وليست لذوي الجاه والسلطان، أحببت هذا المشهد الرائع، وجلست خلف الصفوف وهم يصلون، وبينما هم في السجود وأنا أتتبعهم حركة بحركة، خفق قلبي عندما سجدوا لله تعالى وتزايدت نبضاته.

وبعد أن فرغوا من أداء الصلاة، طلبت من زملائي أن أذهب معهم إلى بيتهم فرحبوا بذلك، وهناك عبرت عن رغبتي في اعتناق الإسلام، وبالفعل أشهرت إسلامي، وعندئذ شعرت بسعادة غامرة فقد وجدت ضالتي، حتى أنني كنت أبكي من شدة الفرح، وحمدت الله على فقدان ذراعي فهو السبب في هدايتي، وبعد أن درست علوم الإدارة في جامعة ميتشجان عدت للإكوادور وقد أصبحت لدي خلفية جيدة عن الإسلام، لأبحث عن مسلمين ومراكز إسلامية فلم أجد.

هناك سؤال تقليدي وهو: بعد أن عدت لبلدك كيف تلقى والداك خبر إسلامك؟ وماذا عن المرحلة التالية مباشرة لإشهار إسلامك؟

 لم أجد أية معارضة من والديّ، فقد قالا لي: أنت حر في اختيار عقيدتك، وأنت ما زلت ابننا ولن نتخلى عنك، مكثت بعد إسلامي شهراً واحداً في الإكوادور، ثم التحقت بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وهناك درست أصول الدين والحديث والقرآن الكريم، ولأن بلدي لم يكن بها مسلمون، فقد التقيت في الجامعة بصديق من مدينة قريبة من المكسيك، وأخبرني أنه يعرف أسرة مسلمة في الإكوادور، وأن زوجته لها صديقة في هذه الأسرة، وهي أسرة متدينة، وبعد عودتي إلى الإكوادور بحثت عن هذه الأسرة، والتقيت بها وتزوجت منها وهي أسرة من أصل لبناني.

وأعيش الآن في ظل الإسلام أسعد أيام حياتي حتى أنني كلما نظرت ليدي المبتورة حمدت الله على ذلك وتمنيت لو بترت في وقت مبكر من حياتي، لكن إيماني بأن اعتناق الإسلام بصدق يجُب ما قبله يبعث في نفسي الطمأنينة والسكينة.

 وكيف بدأت نشاطك الإسلامي في الإكوادور؟

 في عام 1994م أسسنا أنا وزوجتي مسجداً عرف بمسجد السلام، حيث كنا نمتلك بيتاً من 3 طوابق، فهدانا تفكيرنا إلى إزالة الحوائط الداخلية من الدور الأول وجعلناه مسجداً، كما أسسنا المركز الإسلامي في الإكوادور، ويعتبر مسجد السلام أول مسجد مرخص من حكومة الإكوادور، حيث إن قوانين البلاد علمانية وتسمح بحرية الأديان والعقائد، ومنذ ذلك الحين بدأ المركز ممارسة نشاطاته الإسلامية والاجتماعية والثقافية والتربوية.

إذا أردنا أن نؤرخ لدخول الإسلام إلى الإكوادور.. فكيف كانت البدايات وكيف تطورت؟

 في أواخر القرن التاسع عشر جاء أوائل المسلمين إلى الإكوادور قادمين من بلاد الشام ومصر، كما شهد مطلع القرن العشرين هجرة إسلامية ملحوظة، حيث كان المسلمون المهاجرون يبحثون عن حياة جديدة في فترة ما بين الحربين العالميتين، ودخل هؤلاء البلاد بجوازات تركية، لأن بلادهم كانت تحت الخلافة العثمانية، فعرفوا بالأتراك.

وسكن المسلمون الأوائل في العاصمة كيتو ومدينة جواياكيل وهي أكبر ميناء بحري على المحيط الهادئ وسكن بعضهم صوب الساحل بالقرب من مقاطعات منابي، ولوس ريوس، وأزميرلدا، وكان يجذبهم السلام والهدوء اللذان كانت تنعم بهما البلاد، بالإضافة إلى الروابط الأسرية في المجتمع التي كانت تذكرهم بمجتمعاتهم العربية.

وكانت الغالبية العظمى من المسلمين الذين عاشوا في البلاد من التجار، إذ كان الاقتصاد الإكوادوري في مطلع القرن الماضي يرتكز في غالبيته على تبادل السلع والبضائع، وكان العقدان الأولان قاسيين على المسلمين في هذه البلاد، فلقد كانت وسائل تنقلاتهم بين القرى والمدن بهدف المتاجرة هي الحمير والبغال.

ولم يكن من الصعب أن تذوب الهوية الإسلامية للكثيرين في قلب التيار الكاثوليكي الطاغي، وفي نفوس أوائل المسلمين الذين أتوا إلى هذه البلاد سعياً على أرزاقهم، في وقت كانت خلفياتهم الدينية ضعيفة، ومن المؤسف أن بعضهم ارتد عن الإسلام واعتنق المسيحية، باستثناء فئات قليلة أرسلت أولادها إلى البلاد العربية لإتقان اللغة العربية والانتفاع بالثقافة الإسلامية، وتوالت هجرات المسلمين، وبعضهم استقر في الإكوادور، والغالبية هاجرت إلى كندا وأمريكا، ولم يتركوا أثراً يذكر للإسلام.

 لكن.. ماذا عن المسلمين من أصل إكوادوري؟ وكم نسبة المسلمين في الإكوادور؟

في منتصف الثمانينيات اعتنق رجلان بارزان من الإكوادور الإسلام تأثراً بمسلك بعض المسلمين الصالحين، وهما يتابعان دراستهما في إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانا قد أعجبا بالإسلام وتعاليمه الداعية إلى السلام والأمن واحترام الآخر وإنصاف المرأة إلى غير ذلك، وقاما بتأسيس جمعية إكوادورية مسلمة، ولقد أضحت عائلات هؤلاء مسلمة، وخلال هذه الفترة تجاوز عدد المتحولين للإسلام العشرات، وبحلول عام 2004م كان قرابة مائة شخص قد اعتنقوا الإسلام، وبنهاية عام 2005 تتوقع الإحصائيات أن يدخل في الإسلام حوالي 500 من سكان العاصمة كيتو، وربما العدد نفسه من سكان جواياكيل.

أما نسبة المسلمين في الإكوادور فهي لا تتعدي 1% من مجمل السكان، وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم بلدان أمريكا اللاتينية.

وما دور وحجم النساء الإكوادوريات المسلمات؟

 تمثل النساء الإكوادوريات المسلمات أكثر قليلاً من نصف عدد السكان المسلمين الكلي، وحوالي 90 % من النساء هن من أصل إكوادوري.

 وتعتبر النساء المسلمات في أمريكا اللاتينية مثالاً للمجموعات المنظمة التي اختارت الإسلام منهجاً للحياة، فالكثيرات منهن تركن ديانتهن الأصلية الكاثوليكية نظراً لشعورهن بمزيد من الاحترام والأمان في الإسلام، ومن مظاهر فهمهن للإسلام التزامهن بالزي الإسلامي الشرعي، فحوالي 97% منهن يرتدين الحجاب.

وتعقد جمعية المسلمات الإكوادوريات دروسها الدينية كل يوم جمعة بعد الصلاة حيث تقدم التوجيهات والإرشادات الإسلامية، كما تقدم دروساً لتعليم اللغة العربية خلال أيام السبت.

وماذا عن مستقبل الإسلام في الإكوادور بصفة خاصة وأمريكا اللاتينية بصفة عامة؟

 لابد أن نؤكد أولاً أننا نعيش في بلاد ينص دستورها على الحرية الدينية، ولا يوجد أي سبب يمنع نشر الدعوة الإسلامية بشكل علني في البلاد، خاصة أن بلادنا لا تعرف الاضطهاد الديني أو العدوانية الدينية، كما أن الإسلام يحظى بالاحترام ولا توجد أية حملات لتشويهه كما في أوروبا والولايات المتحدة، ويمكن للدعوة الإسلامية أن تحقق أهدافها بشكل مؤثر من خلال المشاركة في البرامج التليفزيونية والإذاعية وإلقاء المحاضرات العامة في المدارس والجامعات.

وخلاصة القول: إن الظروف الآن مهيأة في أمريكا اللاتينية لاستقبال الإسلام لأن الناس تعاني من خواء روحي، وتريد من يأخذ بأيديها خاصة مع تراجع معتنقي الكاثوليكية.


المصدر: موقع إسلام ويب 25/12/2005 - عن مجلة المجتمع: ع 1677 بتصرف.